المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

مثال على التفكير الناقد
16-1-2022
Ion exchange HPLC
18-4-2020
Anthemius of Tralles
18-10-2015
مـذكرة التسويـة المحاسبية لرصيد حـساب البنـك Bank Reconciliation Statement
6-4-2022
آلية العمل لدواء الكاربامازبين
2024-05-16
Harmonic Number
2-1-2021


حكايات وأشعار أندلسية  
  
1325   02:01 صباحاً   التاريخ: 2023-06-07
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطِّيب من غصن الأندلس الرّطيب
الجزء والصفحة : مج3، ص:225-236
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6/12/2022 1402
التاريخ: 9-5-2022 2259
التاريخ: 24-3-2016 4563
التاريخ: 26-5-2022 1605

حكايات وأشعار أندلسية

واعلم أنا إن تتبعنا كلام الأندلسيين وحكاياتهم الدالة على سبقهم طال بنا الكتاب ، ولم نستوف المراد ، فرأينا أن نذكر بعضاً من ذلك بحسب ما اقتضاه الحال وأبداه ، ليكون عنواناً دالا على ما عداه:

يكفي من الحلي ما قد حف بالعنق

ولنبدأ ما نسوقه من أخبار الأندلسيين وأشعارهم وحكاياتهم في الحد والهزل ، والتولية والعزل ، بقول الفقيه الزاهد أبي عمران موسى بن عمران المارتلي(1)، وكان سكن إشبيلية :

لا تبك ثوبك إن أبليت جدته                       وابك الذي أبلت الأيام من بدنك(2)

ولا تكونـن مختـالاً بجدتـه                            فربما كان هذا الثوب من كفنك

ولا تعنه إذا أبصرته دنسا                    فإنما اكتسب الأوساخ من درنك(3)

وقال أبو عمرو(4) اليحصي اللوشي:

شرد النوم عن جفونك وانظر             حكمة توقظ النفوس النياما

 

225

فحرام على امرئ لم يشاهد                  حكمة الله أن يذوق المناما

وقال أيضا :

ليس للمرء اختيار في الذي                 يتمنى من حراك وسكون

إنما الأمر لرب واحد                           إن يشأ قال له : كن فيكون

وقال أبو وهب القرطبي(5):

تنام وقد أعيد لك السهاد                    وتوقن بالرحيل وليس زاد

وتصبح مثل ما تمسي مضيعاً      كأنك لست تدري ما المراد

أتطمع أن تفوز غدا هنيئاً           ولم يلك منك في الدنيا اجتهاد

إذا فرطت في تقديم زرع           فكيف يكون من عدم حصاد

وقيل إن الأبيات السابقة التي أولها : " أنا في حالتي التي ... الخ" وجدت في تركته بخطه في شقف(6) ، وبعضهم ينسبها لغيره ، واسم أبي وهب المذكور عبد الرحمن ، وذكره ابن بشكوال في الصلة (7)، وأثنى عليه بالزهد والانقطاع ، وكان في أول أمره قد حسب عامة الناس أنه مختل العقل ، فجعلوا يؤذونه ويرمونه بالحجارة ، ويصيحون عليه : يا مجنون يا أحمق، فيقول :

يا عاذلي أنت به جاهل               دعني به لست بمغبون

أما تراني أبدأ والها                     فيه كمسحور ومفتون

أحسن ما أسمع في حبه             وصفي بمختل ومجنون

226

وقال الخطيب أبو محمد ابن برطله :

بأربعة أرجو نجاتي وإنها                     لأكرم مذخور لدي وأعظم

شهادة إخلاصي وحبي محمداً                      وحسن ظنوني ثم أني مسلم

وقال ابن حبيش:

قالوا تصبر عن الدنيا الدنية أو            كن عبد ها واصطبر للذل واحتمل

لا بد من أحد الصبرين ، قلت: نعم              الصبر عنها بعون الله أوفق لي

وقال ابن الشيخ :

اطلب لنفسك فوزها واصبر لها                    نظر الشفيق وخف عليها واتق

من ليس يرحم نفسه ويصدها                      عما سيهلكها فليس بمشفق

وقال أبو محمد القرطبي(8):

لعمرك ما الدنيا وسرعة سيرها           بسكانها إلا طريق مجاز

حقيقتها أن المقام بغيرها                      ولكنهم قد أولعوا بمجاز

وقال السميسر(9) :

 

 

الله في الدنيا وفي أهلها               معميات قد فككناها

من بشر نحن فمن طبعنا           نحب فيها المال والجاها

دعني من الناس ومن قولهم                فإنما الناسك خلاها(10)

 

 227

لم تقبل الدنيا على ناسك            إلا وبالرحب تلقاها

وإنما رض عن وصلها               من صرفت عنه محياها

وقال أبو القاسم ابن بقي :

ألا إنما الدنيا كراح عتيقة           أراد مديروها بها جلب الأنس

فلما أداروها أثارت حقود هم             فعاد الذي راموا من الأنس بالعكس

وقال أبو محمد عبد الله بن العسال الطليطلي(11):

انظر الدنيا فإن أبصرتها             شيئا بدوم

فاغد منها في أمان                      إن يساعدك النعيم

وإذا أبصرتها منك           على كره تهيم(12)

فاسل عنها واطرحها                 وارتحل حيث تقيم

وقال ابن هشام القرطبي:

وأبي المدامة ما أريد بشربها                            صلف الرقيع ولا انهماك اللاهي

لم يبق من عهد الشباب وطيبه              شيء كعهدي لم يحل إلا هي

إن كنت أشربها لغير وفائها                           فتركتها للناس لا الله

وقال أبو محمد ابن السيد البطليوسي مما نسبه إليه في المغرب(13):

أخو العلم حي خالد بعد موته                      وأوصاله تحت التراب رميم

وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى          يظن من الأحياء وهو عديم

 

228

وقال أبو الفضل ابن شرف(14):

لعمرك ما حصلت على خطير             من الدنيا ولا أدركت شيا

وها أنا خارج منها سليباً                     أقلب نادماً كلتا يديا

وأبكي ثم أعلم أن مبكاي                            لا يجدي فأمسح مقلتيا

ولم أجزع لهول الموت لكن                            بكيت لقلة الباكي عليا

وأن الدهر لم يعلم مكاني                     ولا عرفت بتوه ما لدينا

 زمان سوف أنشر فيه نشراً                           إذا أنا بالحمام طويت طيا

أسر بأنني سأعيش ميتاً                       به ويسوءني أن مت حيا

 

وقال الزاهد العارف بالله سيدي أبو العباس ابن العريف نفعنا الله تعالى به(15):

سلوا عن الشوق من أهوى فإنهم                  أدنى إلى النفس من وهمي ومن نفسي

فمن رسولي إلى قلبي ليسألهم              عن مشكل من سؤال الصب ملتبس

حلوا فؤادي فما يندى، ولو وطئوا                 صخراً لجاد بماء منه منبجس

وفي الحشا نزلوا والوهم بجرحهم                 فكيف تروا على أذكى من القبس

لأنهضن إلى حشري بحبهم                           لا بارك الله فيمن خانهم ونسي

قلت : وقد زرت قبره المعظم بمراكش سنة عشر وألف، وهو ممن

229

يتبرك به في تلك الديار، ويستسقى به الغيث، وهو من أهل المرية وأحضره السلطان إلى مراكش فمات بها ، وله كرامات شهيرة ومقامات كبيرة ، نفعنا الله تعالى به.

واعلم أن أهل الأندلس كانوا في القديم(16) على مذهب الأوزاعي وأهل الشام منذ أول الفتح ففي دولة الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل - وهو ثالث الولاة بالأندلس من الأمويين – انتقلت الفتوى إلى رأي مالك بن أنس وأهل المدينة ، فانتشر علم مالك ورأيه بقرطبة والأندلس جميعاً ، بل والمغرب ، وذلك برأي الحكم واختياره ، واختلفوا في السبب المقتضي لذلك ، فذهب الجمهور إلى أن سببه رحلة علماء الأندلس إلى المدينة ، فلما رجعوا إلى الأندلس وصفوا فضل مالك وسعة علمه ، وجلالة قدره ، فأعظموه كما قدمنا ذلك ، وقيل : إن الإمام مالكا سأل بعض" الأندلسيين عن سيرة تلك الأندلس ، فوصف له سيرته فأعجبت مالكا لكون سيرة بني العباس في ذلك الوقت لم تكن بمرضية ، وكابد لما صنع أبو جعفر المنصور بالعلوية بالمدينة من الحبس والإهانة وغيرهما على ما هو مشهور في كتب التاريخ ، فقال الإمام مالك رضي الله تعالى عنه لذلك المخبر : نسأل الله تعالى أن يزين حرمتنا بملككم أو كلاماً هذا معناه ، فنسيت المسألة إلى ملك الأندلس ، مع ما علم من جلالة مالك ودينه ، فحمل الناس على مذهبه ، وترك مذهب الأوزاعي والله تعالى أعلم.

وحكي أن القاضي الزاهد أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن أبي يغمور لما ندبه أهل الأمر لولاية القضاء بمدينة فاس استعفی ، فلم يقبل منه ، وخرج إلى تلك الناحية ، وخرج الناس لوداعه ، فأنشد :

عليكم سلام الله إني راحل                  وعيناي من خوف التفرق تدمع

 

230

فإن نحن عشنا فهو يجمع بيننا             وإن نحن متنا فالقيامة تجمع

وأنشد أصحابه رحمه الله تعالى، ولا أدري هل هي ل له أو لغيره:

كنا نعظم بالآمال قدركم                    حتى انقضت فتساوى عندنا الناس

لم تفضلونا بشيء غير واحدة               هي الرجاء فسوى بيننا الياس

وأنشد أيضا :

بلونهم مذ كنت طفلا فلم أجد                     كما أشتهي منهم صديقا وصاحبا

فصوبت رأيي في فراري منهم             وشمرت أذيالي وأمعنت هاربا

وأنشد لغيره في الكتمان :

أخفى الغرام فلا جوارحه                            شعرت بذاك ولا مفاصله

كالسيف يصحبه الحمام ولم                           يعلم بما حملت حمائله

وأنشد:

قد كنت أمرض في الشبيبة دائماً           والموت ليس يمر لي في البال

والآن ثبت وصحتي موجودة                       وأرى كأن الموت في أذيالي

ولما أنشده تاج الدين بن حمويه السرخسي الوافد على المغرب من المشرق قول بعضهم:

فلا تحقرن عدوا رماك                         وإن كان في ساعديه قصر

فإن السيوف تحت الرقاب                            وتعجز عما تنال الإبر

قال : حسن جيد، ولكن اسمع ما قال شاعرنا القسطلي(17)، وأنشد:

 

231

أثرني لكشف الخطب والخطب مشكل                   وكلي لليث الغاب وهو هصور

فقد تخفض الأسماء وهي سواكن                            ويعمل في الفعل الصريح ضمير

وتنبو الردينيات ، والطول وافر                    ويبعد وقع السهم وهو قصير

وكان الوزير الكريم أبو محمد عبد الرحمن بن مالك المعافري(18) أحد وزراء الأندلس كثير الصنائع جزل المواهب عظيم المكارم ، على سنن عظماء الملوك وأخلاق السادة ، لم ير بعده مثله في رجال الأندلس ، ذاكراً للفقه والحديث ، بارعا في الآداب ، شاعراً مجيداً ، وكاتباً بليغاً ، كثير الخدم والأهل ، ومن آثاره الحمام بجوفي الجامع الأعظم من غرناطة ، وزاد في سقف الجامع من صحنه وعوض أرجل نسيه أعمدة الرخام ، وجلب الرؤوس والموائد من قرطبة ، وفرش صحنه بكذان الصخر . ووجهه أميره علي بن يوسف بن تاشفين إلى طرطوشة برسم بنائها ، فلما حلتها سأل قاضيها فكتب له جملة من أهلها ممتن ضعفت حاله وقل تصرفه من ذوي البيوتات ، فاستعملهم أمناء ، ووسع أرزاقهم ، حتى كمل له ما أراد من عمله ، ومن عجز أن يستعمله وصله من ماله ، فصدر عنها وقد أنعش خلقاً ، رضي الله تعالى عنه ورحمه.

ومن شعره في مجلس أطربه سماعه ، وبسط احتشاد الأنس فيه واجتماعه ، فقال(19):

لا تلمني إذا طربت لشجو                            يبعث الأنس فالكريم طروب

ليس شق الجيوب حقا عليناً                         إنما الحق أن تشق القلوب

وقطف غلام من غلمانه نوارة ومد بها يده إلى أبي نصر الفتح بن عبيد الله، فقال أبو نصر:

 

232

وبدر بدا والطرف مطلع حسنه           وفي كفه من رائق النور كوكب

فقال أبو محمد ابن مالك(20):

يروح لتعذيب النفوس ويغتدي                   ويطلع في أفق الجمال ويغرب

ويحسد منه الغصن أي مهفهف           يجيء على مثل الكثيب ويذهب

وقد سبق هذا.

وكتب إلى الفتح من غير ترو : يا سيدي ، جرت الأيام بفراقك ، وكان الله جارك في انطلاقك(21)، فغيرك روع بالطعن ، وأوقد للوداع جاحم الشجن ، فإنك من أبناء هذا الزمن خليفة الخضر لا يستقر على وطن ، كأنك – والله يختار لك ما تأتيه وما تدعه ... موكل بفضاء الأرض تذرعه(22)، فحسب من نوى بعشرتك الاستمتاع، أن يعدك من العواري السريعة الارتجاع ، فلا يأسف على قلة الثوا، وينشد:

وفارقت حتى ما أبالي من النوى(23)

ومات رحمه الله تعالى بغرناطة سنة 518 ، وحضر جنازته الخاصة والعامة ، وهو من محاسن الأندلس ، رحمه الله تعالى.

ومن نوادر الاتفاق(24) أن جارية مشتت بين يدي المعتمد ، وعليها قميص لا تكاد تفرق بينه وبين جسمها ، وذوائبها تخفي آثار مشيها ، فسكب

 

233

 

عليها ماء ورد كان بين يديه، وقال:

علقت جائلة الوشاح غريرة                         تختال بين أسنة وبواتر

وقال لبعض الخدم : سر إلى أبي الوليد البطليوسي المشهور بالنحلي وخذه بإجازة هذا البيت ، ولا تفارقه حتى يفرغ منه ، فأجاب النحلي لأول وقوع الرقعة بين يديه:

راقت محاسنها ورق أديمها                           فتكاد تبصر باطنا من ظاهر

وتمايلت كالغصن في دعم النقا            تلتف في ورق الشباب الناضر

يندى بماء الورد مسبل شعرها             كالطل يسقط من جناح الطائر

تزهی برونقها وعز جمالها                    زهر المؤيد بالثناء العاطر

ملك تضاءلت الملوك لقدره                          وعنا له صرف الزمان الجائر

وإذا لمحت جبينه ويمينه                      أبصرت بدراً فوق بحر زاخر

فلما قرأها المعتمد استحضره ، وقال له أحسنت ، أومعنا كنت ؟ فقال له : يا قاتيل المحل ، أما تلوت { وأوحى ربك إلى النحل }( النحل:68).

وأصبح المعتمد يوما ثميلا ً فدخل الحمام وأمر أن يدخل النحلي متعه ، فجاء وقعد في مسبح(25) الحمام حتى يستأذن عليه ، فجعل المعتمد يحبق في الحمام وهو خال وقد بقيت في رأسه بقية من السكر ، وجعل كلما سمع دوي ذلك الصوت يقول الجوز، اللوز ، القسطل ، ومر على هذا ساعة ، إلى أن تذكر النحلي ، فصادفه(26)، فلما دخل قال له : من أي وقت أنت هنا ؟ قال : من أول ما رتب مولانا الفواكه في النصبة ، فغشي عليه من الضحك ، وأمر له بإحسان . والنصبة : مائدة يصبون فيها هذه الأصناف.

234

ولما استحسن المعتمد قول المتنبي(27):

إذا ظفرت منك المطي بنظرة                أثاب بها معنيي المطي ورازمه

قال ابن وهبون بديهة : "وقالوا أجاد ابن الحسين ... إلخ البيتين" ، وقد تقدم ذكرهما ، فأمر له بمائتي دينار.

ولما قال ابن وهبون المذكور:

غاض الوفاء فما تلقاه في رجل             ولا يمر لمخلوق على بال

قد صار عندهم عنقاء مغربة                         أو مثل ما حدثوا عن ألف مثقال

قال له المعتمد : عنقاء مغربة وألف مثقال يا عبد الجليل عندك سواء ؟ فقال: نعم، قال: قد أمرنا لك بألف دينار وبألف دينار أخرى تنفقها.

وذكر القرطبي صاحب " التذكرة " في كتابه  " قمع الحرص بالزهد والقناعة" ، ما صورته : روينا أن الإمام أبا عمر ابن عبد البر رضي الله تعالى عنه بلغه وهو بشاطبة أن أقواماً عابوه بأكل طعام السلطان وقبول جوائزه ، فقال:

قل لمن ينكر أكلي                       لطعام الأمراء

أنت من جهلك هذا                           في محل السفهاء

لأن الاقتداء بالصالحين ، من الصحابة والتابعين ، وأئمة الفتوى من المسلمين ، من السلف الماضين ، هو ملاك الدين ، فقد كان زيد بن ثابت - وكان من الراسخين في العلم - يقبل جوائز معاوية وابنه يزيد ، وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما – مع ورعه وفضله ـ يقبل هدايا صهره المختار بن أبي عبيد ، ويأكل

235

طعامه ، ويقبل جوائزه، وقال عبد الله بن مسعود – وكان قد ملىء علما - لرجل سأله ، فقال : إن لي جارا يعمل بالربا ، ولا يجتنب في مكسبه الحرام ، يدعوني إلى طعامه ، أفأجيبه ؟ قال نعم ، لك المهنأ وعليه المائم ، ما لم تعلم الشيء بعينه حراما ، وقال عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه – حين سئل عن جوائز السلاطين ـ : لحم ظبي ذكي ، وكان الشعبي - وهو من كبار التابعين وعلمائهم - يؤدب بني عبد الملك بن مروان ، ويقبل جوائزه ويأكل طعامه ، وكان إبراهيم النخعي وسائر علماء الكوفة والحسن البصري - مع زهده وورعه - وسائر علماء البصرة وأبو سلمة ابن عبد الرحمن وأبان بن عثمان والفقهاء السبعة بالمدينة - حاشا سعيد بن المسيب – يقبلون جوائز السلطان ، وكان ابن شهاب يقبلها ، ويتقلب في جوائزهم ، وكانت أكثر كسبه ، وكذلك أبو الزناد وكان مالك وأبو يوسف والشافعي وغيرهم من فقهاء الحجاز والعراق يقبلون جوائز السلاطين والأمراء، وكان سفيان الثوري – مع ورعه وفضله – يقول : جوائز السلطان أحب إلي من صلة الإخوان ، لأن الإخوان يتمنون والسلطان لا يمن ، ومثل هذا عن العلماء والفضلاء كثير ، وقد جمع الناس فيه أبواباً ، ولأحمد بن خالد فقيه الأندلس وعالمها في ذلك كتاب حمله على وضعه وجمعه طعن أهل بلده عليه في قبوله جوائز عبد الرحمن الناصر ، إذ نقله إلى المدينة بقرطبة ، وأسكنه داراً من دور الجامع قربه ، وأجرى عليه الرزق من الطعام والإدام والناض ، وله ولمثله في بيت المال حظ ، والمسئول عن التخليط فيه هو السلطان ، كما قال عبد الله بن مسعود و لك المهنا وعليه المأئم ، ما لم تعلم الشيء بعينه حراما» ، ومعنى قول ابن مسعود هذا قد أجمع العلماء عليه ، فمن علم الشيء بعينه حراماً مأخوذا من غير حله كالجريمة وغيرها وشبهها من الطعام أو الدابة وما كان مثل ذلك كله من الأشياء المتعينة غصباً أو سرقة أو مأخوذة بظلم بين لا شبهة فيه فهذا الذي لم يختلف أحد في تحريمه ، وسقوط عدالة آكله ، وأخذه وتملكه ، وما أعلم من علماء التابعين أحداً تورع عن جوائز السلطان ، إلا سعيد بن المسيب بالمدينة ، ومحمد بن

 

236

سيرين بالبصرة ، وهما قد ذهبا مثلا في التورع ، وسلك سبيلهما في ذلك أحمد ابن حنبل وأهل الزهد والورع والتقشف ، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين . والزهد في الدنيا من أفضل الفضائل ولا يحل لمن وفقه الله تعالى وزهد فيها أن يحرم ما أباح الله تعالى منها ، والعجب من أهل زماننا يعيبون الشبهات ، وهم يستحلون المحرمات ، ومثالهم عندي كالذين سألوا عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما عن المحرم يقتل القراد والحلمة ، فقال للسائلين له : من أنتم ؟ فقالوا : من أهل الكوفة ، فقال تسألوني عن هذا وأنتم قتلتم الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما ؟ وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" ما أتاك من غير مسألة فكله وتموله "، وروي هذا الحديث أيضاً عن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما " ما أتاك من غير مسألة فكله وتموله " ، وروى أبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم معناه ، وفي حديث أحدهما " إنما هو رزق رزقه الله تعالى"، وفي لفظ بعض الرواة «ولا ترد على الله رزقه ، وهذا كله مركب مبني على ما أجمعوا عليه ، وهو الحق ، فمن عرف الشيء المحرم بعينه فإنه لا يحل له ، فهذه المسألة من كلام ابن عبد البر ، انتهى .

 

وحضر ابن مجبر مع عدو له جاحد لمعروفه ، وأمامهما زجاجة سوداء فيها خمر، فقال له الحسود : إن كنت شاعراً فقل في هذه فقال ارتجالا : " سأشكو إلى الندمان "، إلى آخر الحكاية ، وقد تقدمت في رسالة الشقندي(28) رحمه الله تعالى

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- المارتلي ويكتب أيضا الميرتلي نسبة إلى بلده حسن مارتلة من حصون باجة ؛ أحد شعراء الزهد بالأندلس ؛ توفي سنة 604 ( انظر المغرب 1 : 406 والغصون اليانعة : 135 والتكملة : 687 ) و له شعر كثير في شرح الشريشي على المقامات.

2- م : جسدك.

3- م ق : بدنك .

4- ق ب : عمر

5- مرت الإشارة إليه ، انظر ما تقدم ص: 207

6- م : شقة.

7- لم أجد له ترجمة في العلة ، وأغلب الظن أن هذا وهم من المقري، لأن ابن بشكوال أفرد العباسي مؤلفا خاصا.

8- هو عبد الله بن الحسن بن أحمد الأنصاري القرطبي أبو محمد ( انظر ترجمته في الذيل والتكملة : 191 والتكملة : 879 وتذكرة الحفاظ : 1396 و برنامج الرعيني : 141) والبيتان في البرنامج و الذيل : 210

9- في الأصول ودوزي: الشميس، وصوبناه

10- في ب: الناس أخلاها.

11- انظر ما تقدم من: 208.

12- م ق : تقيم.

13- ليسا في ترجمته في المغرب (1: 385) وهما في أزهار الرياض 3 : 103.

14- راجع أبياته في التكملة: 870.

15- أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الله الصنهاجي المشهور بابن العريف ؛ صاحب كتاب و محاسن المجالس ، اختار طريقة الزهد والتسوق ، وصادف ذلك ظهور جماعة من المتصوفة بمدينة شلب وانتشر مذهبهم فيها وفي ليلة ومارتلة ، ثم

تفرقوا ووصل رئيسهم إلى المرية وفيها شيخ المتصوفة ابن العريف ، فوجه علي بن يوسف المتوني في طلبه وطلب أبي الحكم اين برجان ، فتوفيا بمراكش سنة 537 (أو 536) . أنظر وفيات الأعيان 1 : 151 وأعمال الأعلام : 248 – 249 و المغرب 2 : 211 وبغية الملتمس من : 154 والصلة : 84 والمطرب : 90 ومعجم العـدي : 18 والتحفة : 17 والوافي : 8 الورقة : 50 وأبياته في المغرب والمطرب.

16- في القديم: سقطت من م.

17- يريد ابن دراج، والأبيات من قصيدته في مدح المنصور بن أبي عامر ( ديوانه: 303).

18- ترجمته في القلائد: 170.

19- القلائد: 170 ؛ والنقل عنه حتى قوله " من النوى ".

20- البيت الأول من هذين ورد منسوبا للفتح نفسه في أصول النفح.

21- من قول البحتري:

الله جارك في انطلاقك               تلقاء شامك أو عراقك

22- عجز بيت لابن زريق البغدادي ، وصدره : كأنما هو في حل ومرتحل.

23- ق م : من الهوى.

24- انظر هذه القصة في بدائع البدائه 1 : 106 .

25- ق: مسلخ.

26- ق م: فصادمه.

27- انظر ما تقدم ص: 194.

28- انظر ما تقدم ص : 206 .

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.