أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-18
1164
التاريخ: 12-10-2014
2203
التاريخ: 2023-11-02
1759
التاريخ: 2023-05-19
931
|
حصر الاستعانة والاستمداد بالله
إن حصر الاستعانة بالله سبحانه كحصر العبادة غير قابل للتخصيص، لأن كل شيء يساهم في تلبية حوائج الإنسان، فجميعه من شؤون فاعلية الله سبحانه، ومن جند الله الذين هم على أهبة الاستعداد: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح: 7] ولكل واحد منهم دور يؤديه في نظام الكون. ولذلك فإن موحدة كإبراهيم لا يقول في أصل مسألة التوحيد: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [الأنعام: 79] وفي الأمور العادية يقول: {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 78 - 80].
فالإنسان الموحد يعد الله سبحانه هو الخالق والهادي والمطعم والساقي والشافي، ومن يعتقد أن الله خلق لنا المواد الأولية للطعام والدواء وأمثال ذلك، وأننا مستقلون في تركيبها وصناعتها وتحضيرها، فهذا هو من التفويض الباطل الذي لا يتناسب مع الربوبية المطلقة لله سبحانه على جميع عوالم الوجود.
فالمطعم للإنسان والساقي والشافي هو الله. طبعة، إن الله سبحانه يفعل هذه الأمور عن طريق الأسباب الخاصة، ومسبب الأسباب هو أيضا، ولذلك علمونا أن نقول في الدعاء: "وقرب فيه وسيلتي إليك من بين الوسائل"(1). وأسباب الأمور ليست في عرض السببية الإلهية ولا تعد مستقلة في سببيتها، فالمطعم هو الله لا الطعام، ولوكان المطعم والمشبع الطعام لكان طعام (الضريع)(2) يغني أهل جهنم من الجوع عند أكله، في حين أنهم مهما أكلوا منه، فإنه لا يرتفع عنهم الجوع أبدأ: {لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (6) لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ} [الغاشية: 6، 7].
والله سبحانه يدبر جميع الأمور وقد أمرنا أن نقول: "باسم الله أموت وأحيى"(3) عند الإخلاد إلى النوم، وأن نقول: "الحمد لله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور"(4) عند الاستيقاظ، والهدف من تعليم الأدعية التوحيدية هو جعل حياة الإنسان كلها توحيدية وبعيدة ونقية من الشرك. وحصر الاستعانة بالله يقتضي أن لا يطلب الإنسان عوناً من غير الله وأن لا يحسب نفسه معيناً ومغيثاً للآخرين، لأن المستعان الوحيد هو الله {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ} [يوسف: 18].
تنويه: هناك بعض الآيات تأمر بالتعاون ومساعدة البعض للبعض الآخر، وتوهم بأن طلب العون والمدد والاستعانة وكذلك الإعانة والإغاثة أمر صحيح، مثل قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2].
وينبغي أن يقال في جواب هذه الشبهة: إن مقتضى التوحيد الأفعالي، إن جميع الأعمال الصالحة للمحسنين ترجع إلى الله، وإن جميع الفاعلين هم من درجات وشؤون فاعلية الله سبحانه. وكما أن الله خلق الماء والطعام وجعل فيهما صفتي الإرواء والإشباع، كذلك خلق الإنسان المعين أيضا ووهبه قدرة الإمداد والإعانة والإغاثة، وفي الحقيقة هو آية الله، وكل هذه الأعمال هي من الصفات الفعلية لله سبحانه، والتي تنتزع من مقام فعله وزائدة على الذات، وليست من الصفات الذاتية التي تنتزع من مقام ذات الله سبحانه. إذن فالاستعانة من كل شيء هي استعانة من وجه الله وفيضه، لا غير ذلك، وليس هناك من معين مستقل في إعانته، لي والذي ينال التوفيق لأعمال الخير يجب عليه أن يعتبر نفسه شأنا من الشؤون الإلهية في مقام فعل الله. إذن فالتعاون والاستعانة والإعانة كلها في محور الفعل لا الذات، وحيث إن الله رب العالمين يدبر جميع ما في الكون فلا منافاة لها مع حصر الاستعانة بالله، وبهذا التوضيح لا يبقى مجال للقول بأن (إياك نستعين) في مورد العبادة وأما (تعاونوا على البر والتقوى) فهي في مورد القضايا الاجتماعية.
وأما الذنب فبما أنه نقص وأمر عدمي فهو لا علاقة له بالله سبحانه، و منشأ كل معصية إما الجهل أو العجز أو سائر الأمور العدمية، والله سبحانه منزه عنها جميعا. والله سبحانه قد وضع الأسباب والوسائل تحت تصرف الجميع سواء كانوا يريدون الدنيا أم يطلبون الآخرة: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: 18 - 20].
فالبعض من الناس يريد (العاجلة) أي الدنيا العابرة، وبعض يطلب الآخرة والآجلة، والله سبحانه يعين ويمد الفئتين ولا يمنع عطاءه عن أحد، لكن إعانة مريدي الدنيا هي لأجل إتمام الحجة {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42] لأن الأدوات والوسائل اللازمة للعمل، إذا لم توضع في يد المفسدين فإنه لا تتوفر الأرضية لامتحانهم واختبارهم. طبعا إن الإمدادات الغيبية خاصة بالمؤمنين ولا معنى لها في مجال المعصية، لأن المعصية لا تعود إلى عالم و الغيب والذنب لا ينزل أبدأ من نشأة التجرد وباطن العالم.
وخلاصة القول: إن الربوبية المطلقة لله سبحانه لاتدع مجالا لاستقلال أي فاعل، وبالرؤية التوحيدية فإن جميع أعمال الخير هي فعله، وبذلك البيان السابق اتضح الجواب على شبهة عدم الانسجام بين الاستعانة بالصبر والصلاة في قوله تعالى {اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 153] وبين حصر الاستعانة بالله، لأن الاستعانة بالصلاة وباقي العبادات هي استعانة بشأن من الشؤون الإلهية وفعل من أفعال الله وارتباط مع (وجه الله) لا مع الآخر. فالعبد والصلاة جسر يعبر بنا نحو الهدف، وإلا فإنهما لا استقلال لهما في الإعانة والامداد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. مفاتيح الجنان، دعاء اليوم 28 من شهر رمضان.
2. "الضريع" نبات شوكي في الصحراء. والذين هم اليوم كالأنعام سيكون طعامهم غداً أشواك الصحراء.
3. البحار، ج 73، ص202.
4. نفس المصدر، ص 204.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|