أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-23
1229
التاريخ: 2023-08-12
1409
التاريخ: 2023-05-10
1093
التاريخ: 20-8-2022
1564
|
إن ما حصل في الميقات لقوم موسى الكليم في إثر سؤال الرؤية الحسية كان الرجفة والصاعقة التي أدت إلى موتهم وهلاكهم، لكن ما حدث لحضرة موسى بعد طلبه للرؤية كان تجلي الرب الذي أدى إلى إصابته بالصعقة والدهشة وليس الغشية من هذا المنطلق فإن الله عز وجل عندما يطرح الحادثة التي وقعت لبني إسرائيل يستخدم تعبير: {فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} [الأعراف: 155]، أو: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ} [النساء: 153]، بيد أنه تعالى عندما يروي ما يشابه هذه القضية (1) فيما يتعلق برسوله العظيم موسى فهو يقول: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} [الأعراف: 143]
وتوضيحاً لذلك نقول: أحياناً تهبط صاعقة فتفني الإنسان وتهلكه وأحياناً أخرى تصيبه صعقة فتدهشه وهذا الاندهاش ليس هو الغشية المصحوبة بفقدان التعقل، بل إن هذا الاندهاش الخاص يفوق كل أنواع الوعي والإدراك؛ وذلك لأنه عندما يُغشى على العقل، فإنّه سلطة الوهم والخيال والحس لكنه حينما يندهش فإنه يصبح تحت ظل ما هو فوق العقل، لا أنه يفقد نوره ويصبح مظلماً.
وبعبارة أخرى: فكما أن للقمر حالات ثلاثاً - الأولى ه الحالة العادية التي يكون فيها مضيئاً بسبب ما يسقط عليه من نور الشمس فيراه الجميع ويستضيئون بنوره النسبي والثانية حالة الخسوف حيث يقع في ظلّ الأرض حين تفصله الأخيرة عن الشمس فهو في هذه الحالة فاقد للنور الحالة التي تحصل له في وضح النهار حيث يصبح غير ومظلم. وا والثالثة انمحائه مرئي بسبب في نور الشمس واستتاره بأشعتها فإن للعقل حالات الحالة العادية وهي تلك الموجودة في أغلب ثلاثاً أيضاً: الحالة الأولى . الأوقات عند معظم الناس والحالة الثانية وهي التي يفقد فيها النور ويصبح ظلمانياً بسبب انكسافه أو انخسافه بهوى النفس كما في المقولة المعروفة: "إنارة العقل مكسوف أو مخسوف) بطوع الهوى"، وكما جاء في الخبر عن الإمام السابع له من أن بضعة أمور تحجب نور العقل (2)) فالعقل في هذه الحالة يكون مغشياً عليه؛ لأنه أصبح أسير الهوى وصار بمثابة الغنيمة في مصيدة الشهوة أو الغضب وكم من عقل أسير تحت هوى أمير (3)، وإذا اعتبر عبيد الدنيا صاحب عقل كهذا إنساناً واعياً، فإن الشارع المقدس، وهو
الخالق للعقل، بعده مجنونا أو "معميا عليه" {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275] أما الحالة الثالثة للعقل فهي، وإن كان نوره فيها غير مشهود، لكن ذلك لا يعود إلى انخساف العقل، بل لوقوعه في مقابل ما هو أسمى منه واندهاشه ،به وهذا هو بالتحديد المقصود من القول إن العقل قد انمحى خلف ستار المحبّة الصادقة، بمعنى أن الإنسان حينما ينجذب إلى محبّة الذات الإلهية المقدسة ويصبح حبيبه ومحبوبه، فإنّه لا تلاحظ في سلوكه - حينذاك آداب الحكمة والتعقل المتعارفة وتبدر منه تصرفات ليس بمقدور العقل العادي إدراكها؛ نظير ما بدر من سيّد الشهداء الإمام الحسين بن علي من إيثار مفعم بالعشق وعطاء طافح بالعرفان، وتضحية مشبعة بالمحبة. حالة كهذه لا يمكن تفسيرها إلا بوقوع العقل الراقي تحت أشعة {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35] وفي ظل رواء وبهاء وسناء العشق الإلهي وهو ما لا سبيل للعقل العادي إلى إدراكه أو إبداء الرأي فيه وهذا هو عين الدهشة التي في مقابل الغشية: "لا تفشين رموز العشق للعقلاء"(4).
إن ما حاق ببني إسرائيل لم يصب موسى الكليم وإن ما حصل لموسى الكليم لم يكن غير الدهشة التي هي حالة فوق العقل، وليست هي دونه. فالحالة التي أعطي الله فيها التوراة وجاءه فيها الخطاب: {فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:144] لم تصب قومه قط.
من الممكن أن يُقال: إذا سلمنا بوحدة الميقات واتحاد قضيتي طلب موسى المعقول للرؤية وطلب بني إسرائيل غير المعقول لها، فإن "الصعقة" تكون بمعنى الغشية؛ أي إن الصاعقة التي هبطت بعد ذلك الطلب دكت الجبل وأهلكت نواب بني إسرائيل وإن النبي موسى وحده الذي لم يهلك بفضل ما يتمتع به من قوة الروح وقد سقط مغشياً عليه فقط.
وحتى إذا لم نقبل باتحاد قضيّة النبي موسى قضية قومه فإنه لا مناص من تفسير "صعق" نبي الله موسى بالغشية وهذا الأمر تؤيده بضع قرائن: أولاً: قرينة: {جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: 143]، لأن هذه الجملة توحي بأن تجلي الرب للجبل كان مصحوباً بزلزال شديد مما تسبب بتفتت الجبل مع المقام فقد أغشي على موسى؛ أي إن الآية التي أدت إلى اندكاك الجبل بجعل فرائص جسمه ترتعش، قد تسببت في أن يخر مغشياً عليه من خلال الرعشة التي سلطتها على جسده.
ثانياً: قرينة {أَفَاقَ} [الأعراف: 143]؛ وذلك لأن اللغويين والمفسرين للقرآن يفسرونها بمعنى الصحو من حالة الإغماء.
ثالثاً: قرينة {تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]؛ وذلك لأن الإصابة بالدهشة والسير في عالم ما فوق العقل والملكوت حيث في مثل هذا الحال يكون الإنسان المدهوش طبعاً - متمتعاً بقرب خاص وممحياً بجمال الحق) لا يستوجب التوبة والإنابة والندم، بل إن مقاماً كهذا مما يتطلب الحمد والشكر والثناء؛ نظير قوله: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]، و{لْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} [الأعراف: 43] ، وَليس التوبة: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف:143]
والجواب هو أولاً : إن الإنسان الكامل المعصوم محفوظ على الدوام من مساوئ الإغماء والسهو والنسيان وسائر العوامل التي تؤدي إلى زوال العقل وسباته. ثانياً: إن سلاسل الجبال التي الأرض وأوتادها رواسي تستظل بظل إمامة الإنسان الكامل المعصوم وهي تعبد الله بهذا المنوال أيضاً، وإن إمامة داوود وسليمان بالنسبة إلى الجبال هي من هذا القبيل: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ} [ص: 18] {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ} [سبأ: 10]، لذا فإن ما حصل لجبل طور كان ببر ركة ولاية الإنسان الكامل المعصوم، أي حضرة الكليم وليس العكس؛ أي إن الجبل هو الذي استفاض بوساطة الإنسان الكامل وليس العكس. ثالثاً: إن تلقي التوراة الذي هو سماع كلام الله لن يتحقق في حالة الإغماء، بل في حالة الدهشة؛ شبيه حالة الغشية التي كان الرسول الأكرم الله يعيشها في بعض أحيان هبوط الوحي. رابعاً: الحالات الإعجازية التي كانت تنتاب أنبياء الله وأولياءه هي نموذج من خصوصيات القيامة؛ فكما أن للحادثة المعينة في المعاد فظاهرها صاعقة العذاب وباطنها تجلّي الرحمة: {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد: 13]، فمن الممكن أن يكون الله سبحانه وتعالى هو واقعة خاصة بحيث ترافق باطنها بالنسبة الله مع رحمة نزول التوراة واختص ظاهرها بالنسبة للإسرائيليين اللدودين الكنودين من ذوي النزعة الحسية بالعذاب المهلك. بطبيعة الحال إذا كان التجلي معزولاً عن أخذ الصاعقة والرجفة فإنه لا حاجة عندئذ للتبرير المذكور.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. لأننا سبق وأسلفنا بأن ما حدث. من أحداث الميقات وسؤال الرؤية، سواء ما كان قد صدر من قبل النبي موسى أو ما كان قد صدر من قبل بني إسرائيل، لم يكن إلا حدثاً واحداً.
2. عن أبي الحسن موسى بن جعفر : يا هشام من سلط ثلاثاً على ثلاث فكأنما أعان على هدم عقله؛ من أظلم نور تفكره بطول أمله، ومحا طرائف حكمته بفضول كلامه، وأطفأ نور عبرته بشهوات نفسه فكأنما أعان هواه على هدم . عقله" (الكافي، ج 1، ص 17).
3. نهج البلاغة، الحكمة 211.
4. في إشارة إلى مصرع بيت شعري للشاعر الإيراني حافظ الشيرازي، ديوان حافظ، القصيدة الغزلية المرقمة 306 رموز عشق مكن فاش پیش اهل عقول".
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|