مفهوم انتقال الحرارة بالإشعاع عند إخوان الصفا (القرن 4هـ / 10م) |
825
02:06 صباحاً
التاريخ: 2023-04-25
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-26
911
التاريخ: 2023-05-23
973
التاريخ: 2023-04-25
700
التاريخ: 2023-05-06
677
|
درس إخوان الصفا الأشعة الحرارية الصادرة عن الشمس، وتلك الصادرة عن النار، وقد وجدوا أنَّ انتشار الأشعة الحرارية الشمسية يكون تدريجيًّا وليس دفعة واحدة، بخلاف الضوء الحامل لتلك الأشعة الذي يظهر دفعة واحدة كما في حالة الشمعة؛ أي ثمة تفاوت بين سرعة انتشار الأشعة الحرارية والضوء المرافق لها، والدَّليل على ذلك هو ارتفاع درجة حرارة الجو بشكل تدريجي مع أنَّ الضوء يكون قد وصل إلى سطح الأرض وأمكننا من رؤية ما حولنا.
يقول إخوان الصفا في ذلك: «فإننا نرى الشمس إذا طلعت بالمشرق أضاء الهواء من المشرق إلى المغرب دفعةً واحدة، فإذا غابتْ بالمغرب أظلَمَ الهواء دفعةً واحدة؛ فالحَرَارة إذا بدت تدبُّ أولاً فأولا يُحمى الجو بزمان، وكذلك إذا طلعت الشمس يُحمى الجو أولا فأولا بزمان، وكذلك إذا غابت الشمس برد الهواء أولا بأول بزمان، وأنَّ الحركة حكمها كحكم الضوء وذلك لو أنَّ خشبة طولها من المشرق إلى المغرب نُصِبَت ثم جُذِبَتْ إلى المشرق أو إلى المغرب عقدًا واحدًا لتحرّكت جميع أجزائها دفعة واحدة.» 56
كما وجد إخوانُ الصَّفا أنَّ الأشعة الحرارية تتميز بقدرتها على النفوذ في الأجسام وذلك للطافتها، لكن تأثيرها يختلف حسب طبيعة الجسم الذي تمرُّ فيه:
يقولون في ذلك: «ومن الصُّور المتممة لذات النَّار اللطافة التي تولدها الحرارة، وتتلوها سرعة النفوذ في الأجسام. ومن الصور المتممة لذات النار أيضًا النور، ويتلوه الإشراق؛ فقد اجتمعت في النار عدة جرم كلها متممة لها، صور وهي الحركة، والحرارة واليبوسة واللطافة والنور وهي بكل صورة تفعل فعلا غير ما تفعل بالأخرى؛ وذلك أنَّها بالحركة تغلي الأجسام، وبالحرارة تسخن وباليُبوسة تنشف وباللطافة تنفذ في الأجسام، وبالنور تُضيء ما حولها، وبالحرارة والحركة تُحيل الأجسام إلى ذاتها.»57 فهم يؤكدون على وجود خاصية اللطافة في الإشعاع بمعنى قدرة الإشعاع على النفاذ في الأجسام مع تغيير حالتها الفيزيائية.
كما تناول إخوان الصَّفا في رسائلهم موضوعًا مُهما يتعلق بـ «نظرية الفيض58 الحراري thermal flux theory» ونحن نطلق عليها هذا الاسم؛ لأنهم قاموا بتعميمها على الكثير من الموجودات بطريقة استدلالية (من الخاص إلى العام)؛ فهم يعتقدون بأنَّ كل جسم يفيض من ذاته فيض من نوع ما (غير محدد الهُويَّة): «ثم اعلم أنَّ كل موجود تام يفيض منه على ما دونه فيض ما، وأن ذلك الفيض هو من جوهره؛ أعني صورته المقومة التي هي ذاته». 59
وحسبنا أنَّ نظرية الفيض الحراري هذه أكثر منطقية من نظرية «الموائع أو السيالات Calories» التي طرحها العُلماء الأوروبيون في القرن 18م لتفسير انتقال الحرارة، والتي قاموا بتعميمها أيضًا بعد ذلك على الحقلين الكهربائي والمغناطيسي؛ فالحرارة وفق نظرية السيال عبارة عن شيء (طبعًا غير معروف بعد) ينساب كالماء من جسمٍ لآخر، هذا السيال يملأ الفراغ الموجود بين ذرات الأجسام الساخنة. 60 في حين يقول إخوان الصفا في مجال الفيض الحراري (وهي حالة خاصة من الفيض) إنَّ «حرارة النَّار تفيض منها على ما حولها من الأجسام من التسخين والحرارة، وهي جوهرية النار التي هي صورتها المقومة لها ... وهكذا يفيض من الشمس النور والضياء على الأفلاك والهواء؛ لأنَّ النور جوهري في الشمس، وهي صورته المقومة لذاته.» 61 ويقصدون بالفيض الحراري هنا كمية الطاقة الحرارية أو الضوئية) التي تمرُّ عَبر وحدة المساحة في وحدة الزمن.
ويتابعون شرحهم لنظرية الفيض بقولهم: «ثم اعلم ما دام الفيضُ من الفائض يكون متواترًا مُتَّصِلًا، دام ذلك المفاضُ عليه، ومتى لم يتواتر مُتَّصِلا، عدم وبطل وجوده؛ لأنه يضمحل الأول فالأول. والمثال في ذلك الضوء في الهواء، إذا تواتر البرقُ واتصل، بقي الهواء مُضِيئًا مثل النَّهار، لأنَّ الشمس تفيض الفيض منها على الهواء متواترا متصلا، فإذا حجز بينهما حاجز عدم ذلك الضوء من الهواء؛ لأنه يضمحل ساعة ساعة، ولا يتواتر الفيض عليه.» 62 أي إن استمرار تدفق الفيض (أيا كان نوعه) مرهون باستمرار تدفقه من المنبع، وبعدم وجود حواجزَ مَادِيَّة تُعيق أو تمنَع نفوذه، وهذا يعني أنَّ الفيض لا يملك خاصيَّة اللطافة (النَّفاذية) التي يملكها الإشعاع الحراري. كما يختلف الفيض الحراري الذي يتكلم عنه إخوان الصَّفا هنا عن مفهوم «القوة الروحانية»63 التي تنبعث من الأجرام، بكون الأخيرة عبارةً عن خاصيَّة مؤثّرة عن بعد (أي حقل) تملكها الأجرام السماوية الكبيرة.
ونرى أنَّ ما طرحه إخوان الصفا من آراء في هذه النظرية يُمَثلُ الحَدَّ الأقصى من التماسك الداخلي، والتكيف الأكثر انضباطًا مع الظاهرات الطبيعية؛ فقد أرادوا أن يُقدموا نظرية تفسر ما يحدث بحيث يمكن تعميمها على كل الظاهرات الأخرى المماثلة لها. وقد كان صمودها وبقاؤها مرهونًا بعنصر التنبؤ الذي قصَّرَت عنه أو لم تنتبه له، ناهيك عن قلة تبنيها من أجيال العلماء العرب والمسلمين اللاحقين.
_______________________________________
هوامش
56- التميمي المقدسي، محمد بن حمد القرن (4هـ / 10م)، مادة البقاء، تحقيق: يحيى شعار، ج 2، ط1، معهد المخطوطات العربية، القاهرة، 1999م، ص13-14.
57- إخوان الصَّفا، رسائل إخوان الصفا، ج 2، ص 54.
58- لا علاقة لهذا المصطلح بمصطلح «الفيض» الذي ورَدَ عن السهروردي في «رسالة حكمة الإشراق» أو «كتاب اللمحات» أو غيره ممن كانوا يقصدون به الإلهام من الخالق – عز وجل – للعباد.
59- إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج 3، ص 349.
60- عَزَّام، محمد، مدخل إلى فلسفة العلوم، ط 1، دار طلاس، دمشق، 1993، ص133.
61- إخوان الصفا، رسائل إخوان الصفا، ج 3، ص 350.
62- المرجع السابق نفسه، ص 350.
63- انظر فصل مراحل تطور نظرية الجاذبية، في كتابنا تاريخ علم الميكانيك، ط 1، دار الكتب العلمية، بيروت، 2016م، ص 411؛ فقد توسعنا في شرح هذا المفهوم كثيرًا. كما أنَّ مفهوم «الرُّوحانية» الوارد هنا يختلف عن معناه المستخدم في مصطلح الآلات الروحانية الذي يعني ارتياح النفوس لها. انظر: كتاب إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد لابن الأكفاني، مكتبة لبنان، ص78.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|