أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-10-2014
2619
التاريخ: 2023-06-24
1353
التاريخ: 3-4-2016
3727
التاريخ: 2023-06-22
1616
|
كان مجيء بني إسرائيل إلى مصر بفعل النبي يوسف وأبيه يعقوب وأخوته وأسرته. لقد اعتبرهم الأقباط آنذاك مهاجرين غرباء. بيد أن تغيرات عرقية كبيرة كانت قد حصلت بمرور القرون المتمادية وصولاً إلى زمان ظهور موسى الكليم، ومجريات غرق آل فرعون، وخروج بني إسرائيل من أرض مصر. كان عدم الانسجام بين الأقباط وبني إسرائيل في الدين والعقيدة وبروز انعدام الوئام فيما بينهم قد جلب على بني إسرائيل المزيد من المآسي والمعاناة. لقد كان آل فرعون يعيشون دوماً هاجس الخوف والخشية من انتقام بني إسرائيل وقيامهم عليهم؛ كما يستظهر ذلك من الآية: {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص: 6] لقد أظهر القرآن الكريم بشكل مجمل أن آل فرعون كانوا على خوف ووجل من مستضعفي بني إسرائيل دون التعرض إلى التفصيل في هذه القضية النفسية.
لقد رويت وجوه كثيرة لعلّة هذا الخوف يصعب الجزم بأي واحد منها؛ مضافاً إلى أن نفي أي وجه منها ليس بالأمر السهل، وأما الجمع بينها جميعاً فهو ممكن. أما الوجوه المذكورة فهي تختلف بلحاظ التحليل الطبيعي وما وراء الطبيعي.
فأما الوجوه المتعلقة بما وراء الطبيعة فهي:
أ: ما روي عن ابن عبّاس من أن آل فرعون قد ابلغوا بوعد الله لإبراهيم الخليل (عليه السلام) بأن يجعل الإمامة في العدول من ذريته مما دفعهم إلى المبادرة لذبح الذكران من المواليد لكنّهم عندما شاهدوا أن الموت صار يأتي على المسنين من بني إسرائيل شيئاً فشيئاً، وأن أطفالهم يساقون إلى المذابح، وأنه بانقراض نسل بني إسرائيل ستبقى الأعمال الشاقة للبلاد من دون عمال قرّروا القيام بقتل المواليد الذكور في عام دون عام، فولد هارون في العام الذي لم يكن فيه قتل، وولد موسى في عام القتل واستنقذ من الذبح. وعلى الرغم من عدم استحالة خوف الكفار الفرعونيين من خبر الوعد الإلهي لإبراهيم ، إلا أن إثبات موضوع كهذا من خلال هذا الخبر أمر مستبعد؛ وذلك لأت إثبات الحكم الفرعي والفقهي بواسطته أمر شاق، فكيف بالأمر العلمي غير التعبدي.
ب: إن فرعون رأى في المنام كأن ناراً قد أقبلت من بيت المقدس حتى اشتملت على بيوت مصر فأحرقت بيوت الأقباط . من دون إلحاق الأذى ببني إسرائيل ... الخ. بيد أن تحقق مثل هذا الحلم وتعبيره بما سبق ذكره من قبل كهنة مصر يحتاج إلى دليل معتبر، وليس في أيدينا في الباب غير التاريخ المرسل، فلا حديث مسند ولا تاريخ متواتر، لكن، في الوقت ذاته، فإنه لم يقم الدليل على بطلانه.
ج: إخبار المنجمين وتعيينهم لسنة ولادة هذا المولود الذي سيدمر الاقباط في المستقبل... الخ. وهذا المبحث ممكن ثبوتاً إلا أنه بحاجة إلى دليل معتبر لإثباته وهو مفقود.
وقد عد بعض المفسرين نقل ابن عباس أحسن الأقوال (1).
وأما الوجوه الطبيعية:
فعدم الانسجام الديني، والاختلاف الثقافي، والتسلط الاستعماري والاستعبادي لآل فرعون على بني إسرائيل، وفرض الأعمال الشاقة عليهم وبطالة، وشخرة، وجزية، وما إلى ذلك، كانت دائماً العلل السياسية والعوامل الاقتصادية الخفيّة التي تقف وراء خشية آل فرعون من العصيان الداخلي للمحرومين من بني إسرائيل أو وضع أيديهم في أيدي مخالفي حكومة مصر في الداخل أو محاربيها في الخارج.
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن العامل الطبيعي بصرف النظر عن كونه معقولاً في نفسه هو معروف لدى بني إسرائيل، معتبرين أن القصة رؤيا فرعون وتعبير الكهنة فاقدة للسند وغير تاريخية (2). بالطبع إن وجود مثل هذا العامل الطبيعي غير بعيد، وإن تأثيره في إثارة الخوف في نفوس آل فرعون أمر محتمل لكنّه لن يشكل دليلاً على بطلان الوجوه المتعلقة بما وراء الطبيعة كما أن . تلك الوجوه لا هو بالمحال ولا بالبعيد، هذا على الرغم من أن إثبات بعضها أمر صعب.
أما السر في صعوبة إصدار فتوى قطعية في مثل هذه المسائل فهو يرجع أولاً: إلى عدم وصول الدراسة الفنّية للرجال والدراية وعلم الحديث بخصوص الأحاديث المأثورة إلى نصابها اللازم ولا يتوفّر الوثوق الكافي من الجهة التاريخية بسلسلة رجال التاريخ، وثانياً: عدم جريان البرهان العقليّ في مجال المسائل الجزئية، وثالثاً: عدم تصريح الآيات القرآنية الكريمة بشيء في هذا الصدد من أجل ذلك فإن الجزم برأي معين واحد من الآراء المطروحة في المسألة أمر صعب.
أما ما قاله بعض أرباب المعرفة من أن الحكمة من قتل الأبناء كانت عود حياتهم جميعاً إلى موسى ... وأن موسى هو مجموع حياة كل من قتلوا لاحتمال كونهم إياه... (3)، فهو بحاجة إلى التحرير والنقد وهو ما يتم طرحه ضمن فنّه المناسب له، وإن قول البعض:
جرى ذبح آلاف من الأطفال حتى أصبح كليم الله صاحب رؤية وبصيرة (4) قد يعني أن دم المظلوم لا يضيع سدى، وأنه من أجل ظهور المنجي المعصوم لابد من تضحية وصمود الصناديد من المجاهدين. وعلى الرغم من ظهور الرضا الضمني بقول العرفاء من بعض أعاظم فن الحكمة والتفسير ، لكن المجال مفتوح للتأمل في ذلك القول وهذا الرضا؛ كما عكف صدر المتألهين له على تبريره تبريراً نسبياً (5)، على نحو لا تبرز معه شبهة تجرم الروح وتجسمها من ناحية، ولا يتوهم محذور التناسخ من ناحية أخرى؛ وذلك لأن روح الإنسان الكامل، كالتي لموسى الكليم ، تكون جامعة للكمالات الوجودية للأرواح الأخرى، وليست مجمعاً لها، وهناك فرق عظيم بين كون الشيء جامعاً وجودياً، وكونه مجمعاً للمتفرقات المجتمعة، وبالإمكان أن يكون أساس الحكمة المتعالية والبناء العلوي القائم عليه أمرين صحيحين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. تفسير صدر المتألهين، ج3، ص350-351 .
2. راجع تفسير المنار، ج 1، ص 312 - 313؛ وراجع تفسير التحرير والتنوير، ج 1، ص 474 – 475.
3. فصوص الحكم للقيصري، الفص الموسوي، ج 2، ص 400.
4. في إشارة إلى بيت شعر بالفارسية من ديوان "منطق الطير" لعطار النيسابوري، ص . يقول فيه: "صد هزاران طفل سر ببریده شد تا كلیم الله صاحب دیده شد".
5. تفسير صدر المتألهين، ج 3، ص 351 - 354.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|