المسيرة الرسالية لأهل البيت ( عليهم السّلام ) منذ عصر الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) حتى عصر الإمام الهادي ( عليه السّلام ) |
1477
03:14 مساءً
التاريخ: 2023-04-16
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-07-2015
3035
التاريخ: 18-10-2015
4316
التاريخ: 31-07-2015
3849
التاريخ: 29-07-2015
3462
|
تعتبر الرسالة الإسلامية الكون مملكة للّه سبحانه ، والإنسان خليفة له وأمينا من قبله ، ينبغي له أن يقوم بأعباء المسؤولية التي حمّله اللّه إيّاها .
وما دامت الحياة الدنيا تعتبر شوطا قصيرا في مسيرة الإنسان الطويلة فالأهداف التي ينبغي للمشرّع الحكيم وللإنسان المشرّع إليه أن يستهدفها لا تتلخّص في تحقيق مآرب هذه الحياة الدنيا الفانية وإنّما تمتد بامتداد حياته الباقية في عالم الآخرة .
والإسلام يريد للإنسان أن يتربّى على هذه الثقافة التي تصنع منه كائنا متكاملا سويّا دؤوبا في تحقيق الأهداف الرسالية الكبرى .
وقد كان التخطيط الربّاني لتربية الإنسان في هذا الاتجاه حكيما ومتقنا حين تزعّم الرسول الخاتم ( صلّى اللّه عليه واله ) المجتمع الإنساني وهيمن على كل العلاقات الاجتماعية وغيرها ليصوغ من هذا الإنسان نموذجا فريدا .
ولم يكن الطريق أمام عملية التغيير الجذري التي بدأها النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) في المجتمع الإنساني طريقا قصيرا يمكن تحققه خلال عقد أو عقدين من الزمن بل كان طريقا ممتدا بامتداد الفواصل المعنوية الضخمة بين الجاهلية والإسلام .
ولم يكن كل ما حقّقه الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) في هذه البرهة المحدودة كافيا لاجتثاث كل الجذور الجاهلية من عامة أبناء الجيل الأوّل وايصاله إلى الدرجة اللازمة من الوعي والموضوعية والتحرز من كل رواسب الماضي الجاهلي بحيث يؤهله للقيمومة على خط الرسالة .
وتكفي الأحداث المرّة التي أعقبت وفاة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) وما جرى بين صحابة الرسول من سجالات سجّلها المؤرخون في المصادر التي بأيدينا لتشهد على أن جيل الصحابة لم يرتق إلى درجة الكفاءة اللازمة ليخلف الرسول على رسالته .
من هنا كان منطق العمل التغييري يفرض على الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) أن يصون تجربته الرائدة - التي كان يريد لها الخلود والبقاء وهو الذي أعلن بأنه خاتم المرسلين وانّه لا نبي بعده . . كان يفرض عليه أن يصون تجربته - من كل ما يؤدي إلى ضعفها أو انهيارها ، وذلك باعطاء القيمومة والوصاية على تجربته لقيادة كفوءة معصومة قد أعدّها بنفسه كما يريد وكما ينبغي ؛ لتقوم بالمهمة التغييرية الشاملة خلال فترة طبيعية من الزمن بحيث تحقق للرسالة أهدافها التي كانت تنشدها من ارسال الرسل وتقديم منهج رباني كامل للحياة .
عقبات وأخطار أمام عملية التغيير الشاملة
لم يكن الإسلام نظرية بشرية لكي تتحدّد فكريا من خلال ممارسة تجارب الخطأ والصواب في التطبيق ، وإنما هو رسالة اللّه التي حدّدت فيها الأحكام والمفاهيم وزوّدت ربّانيا بكلّ التشريعات العامّة ، فلا بدّ لزعامة هذه التجربة من استيعاب الرسالة بحدودها وتفاصيلها ووعي كامل لأحكامها ومفاهيمها ، وإلّا كانت مضطرة إلى استلهام مسبقاتها الذهنية ومرتكزاتها القبلية وذلك يؤدّي إلى نكسة في مسيرة التجربة وبخاصة إذا لاحظنا أن الإسلام كان هو الرسالة الخاتمة لرسالات السماء التي تمتد مع الزمن وتتعدى كل الحدود الإقليمية والقومية ، الأمر الذي لا يسمح بأن تمارس زعامته تجارب الخطأ والصواب التي تتراكم فيها الأخطاء عبر فترة من الزمن حتى تشكل ثغرة تهدد التجربة بالسقوط والانهيار[1].
وقد برهنت الأحداث التي جرت على آل الرسول ( عليهم السّلام ) بعد وفاته ( صلّى اللّه عليه واله ) استئثارا بالخلافة دونهم على هذه الحقيقة المرّة وتجلّت آثارها السلبيّة بوضوح بعد نصف قرن أو أقلّ من ممارسة الحكم من قبل جيل المهاجرين الذين لم يرشّحوا من قبل الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) للإمامة ولم يكونوا مؤهلين للقيمومة على الرسالة .
فلم يمض ربع قرن حتى بدأت الخلافة الراشدة تنهار تحت وقع الضربات الشديدة التي وجّهها أعداء الإسلام القدامى ؛ إذ استطاعوا أن يتسلّلوا إلى مراكز النفوذ في قيادة التجربة بالتدريج حتّى صادروا بكل وقاحة وعنف تلك القيادة وأجبروا الامّة وجيلها الطليعي الرائد على التنازل عن شخصيّته وقيادته وتحوّلت الزعامة إلى ملك موروث يستهتر بالكرامات ويقتل الأبرياء ويبعثر الأموال ويعطّل الحدود ويجمّد الأحكام ويتلاعب بمقدّرات الناس وأصبح الفيء والسواد بستانا لقريش ، والخلافة كرة يتلاعب بها صبيان بني أمية[2].
مضاعفات الانحراف بعد الرسول ( صلّى اللّه عليه واله )
لقد واجه الإسلام بعد وفاة النبي ( صلّى اللّه عليه واله ) انحرافا خطيرا في صميم التجربة الإسلامية التي أنشأها هذا النبي العظيم ( صلّى اللّه عليه واله ) لامته . وهذا الانحراف في التجربة الاجتماعية والسياسية للأمّة والدولة الإسلامية كان بحسب طبيعة الأشياء من المفروض أن يتسع ليتعمق بالتدريج على مرّ الزمن ؛ إذ الانحراف يبدأ بذرة ثمّ تنمو هذه البذرة ، وكلما تحققت مرحلة من الانحراف ؛ مهّدت هذه المرحلة لمرحلة أوسع وأرحب .
فكان من المفروض أن يصل هذا الانحراف إلى خط منحن طوال عملية تاريخية زمنية طويلة المدى يصل به إلى الهاوية حين تستمر التجربة الإسلامية في طريق منحرف لتصبح مليئة بالتناقضات من كل جهة ، وتصبح عاجزة عن تحقيق الحدّ الأدنى من متطلبات الامّة ومصالحها الإسلاميّة .
وحينما يتسلسل الانحراف في خط تصاعدي فمن المنطقي أن تتعرض التجربة لانهيار كامل ولو بعد زمن طويل . إذن فالدولة الإسلامية والمجتمع الإسلامي والحضارة الإسلامية كان من المفروض أن تتعرض كلّها للانهيار الكامل ؛ لأن هذه التجربة حين تصبح مليئة بالتناقضات وحين تصبح عاجزة عن مواجهة وظائفها الحقيقية ؛ تصبح عاجزة عن حماية نفسها ؛ لأن التجربة تكون قد استنفدت إمكانية البقاء والاستمرار على مسرح التاريخ ، كما أن الأمّة ليست على مستوى حمايتها ؛ لأن الامّة لا تجني من هذه التجربة الخير الذي تفكّر فيه ولا تحقق عن طريق هذه التجربة الآمال التي تصبو إليها فلا ترتبط بأي ارتباط حياتي حقيقي معها ، فالمفروض أن تنهار هذه التجربة في مدى من الزمن كنتيجة نهائية حتمية لبذرة الانحراف التي غرست فيها .
انهيار الدولة الإسلامية ومضاعفاته
ومعنى انهيار الدولة الإسلامية أن تسقط الحضارة الإسلامية وتتخلى عن قيادة المجتمع ويتفكك المجتمع الإسلامي ، ويقصى الإسلام عن مركزه كقائد للمجتمع وكقائد للامّة ، لكن الامّة تبقى طبعا ، حين تفشل تجربة المجتمع والدولة ، لكنها سوف تنهار أمام أول غزو يغزوها ، كما انهارت أمام الغزو التتري الذي واجهته الخلافة العباسية .
وهذا الانهيار يعني : أن الدولة والتجربة قد سقطت وأن الامّة بقيت ، لكن هذه الامّة أيضا بحسب تسلسل الأحداث من المحتوم أن تنهار كامّة تدين بالإسلام وتؤمن به وتتفاعل معه ؛ لأن هذه الامّة قد عاشت الإسلام الصحيح زمنا قصيرا جدا وهو الزمن الذي مارس فيه الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه واله ) زعامة التجربة وبعده عاشت الامّة التجربة المنحرفة التي لم تستطع أن تعمّق الإسلام وتعمّق المسؤولية تجاه عقيدتها ولم تستطع أن تثقّفها وتحصّنها وتزوّدها بالضمانات الكافية لئلّا تنهار أمام الحضارة الجديدة والغزو الجديد والأفكار الجديدة التي يحملها الغازي إلى بلاد الإسلام .
ولم تجد هذه الامّة نفسها قادرة على تحصين نفسها بعد انهيار التجربة والدولة والحضارة بعدما اهينت كرامتها وحطّمت ارادتها وغلّت أياديها عن طريق الزعامات التي مارست تلك التجربة المنحرفة وبعد أن فقدت روحها الحقيقية ، لأن تلك الزعامات كانت تريد اخضاعها لزعامتها القسريّة .
إن هذه الامّة من الطبيعي أن تنهار بالاندماج مع التّيار الكافر الذي غزاها وسوف تذوب الامّة وتذوب الرسالة والعقيدة أيضا وتصبح الامّة خبرا بعد أن كانت أمرا حقيقيا على مسرح التاريخ وبهذا ينتهي دور الإسلام نهائيا[3].
لقد كان هذا هو التسلسل المنطقي لمسيرة الدولة والامّة والرسالة بقطع النظر عن دور الأئمّة المعصومين الذين أوكلت إليهم من قبل الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) مهمة صيانة التجربة والدولة والامّة والرسالة جميعا .
دور الأئمة الراشدين
إنّ دور الأئمّة الاثني عشر الذين نصّ عليهم وعلى إمامتهم الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) واستخلفهم لصيانة الإسلام من أيدي العابثين الذين كانوا يتربّصون به الدوائر ، وحمّلهم مسؤولية تطبيقه وتربية الإنسانية على أساسه وصيانة دولة الرسول الخاتم من الانهيار والتردّي يتلخّص في أمرين مهمّين وخطّين أساسيين :
1 - خط تحصين الامّة ضد الانهيار بعد سقوط التجربة ، واعطائها من المقوّمات القدر الكافي لكي تبقى واقفة على قدميها بقدم راسخة وبروح مجاهدة وبإيمان ثابت .
2 - خط محاولة تسلّم زمام التجربة وزمام الدولة ومحو آثار الانحراف وارجاع القيادة إلى موضعها الطبيعي لتكتمل عناصر التربية الثلاثة - أعني الأمة والشريعة والمربّي الكفوء - ولتتلاحم الامّة والمجتمع مع الدولة وقيادتها الرشيدة[4].
أما الخط الثاني فكان على الأئمّة الراشدين أن يقوموا بإعداد طويل المدى له ، من أجل تهيئة الظروف الموضوعية اللازمة التي تتناسب وتتفق مع مجموعة القيم والأهداف والأحكام الأساسية التي جاءت بها الرسالة الإسلامية وأريد تحقيقها من خلال الحكم وممارسة الزعامة باسم الإسلام القيّم وباسم اللّه المشرّع للإنسان كل ما يوصله إلى كماله اللائق .
ومن هنا كان رأي الأئمّة المعصومين من أهل بيت الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) في استلام زمام الحكم أن الانتصار المسلّح الآنيّ غير كاف لإقامة دعائم الحكم الإسلامي المستقر بل يتوقف ذلك على إعداد جيش عقائدي يؤمن بالإمام وبعصمته ايمانا مطلقا بحيث يعيش أهدافه الكبيرة ويدعم تخطيطه في مجال الحكم ويحرس كل ما يحققه للامّة من مصالح وأهداف ربّانية .
وأما الخط الأوّل فهو الخط الذي لا يتنافى مع كل الظروف القاهرة ، وكان يمارسه الأئمّة الأطهار ( عليهم السّلام ) حتى في حالة الشعور بعدم توفر الظروف الموضوعية التي تهيء الإمام ( عليه السّلام ) لخوض معركة يتسلّم من خلالها زمام الحكم من جديد .
إن هذا الدور وهذا الخط هو خط تعميق الرسالة فكريا وروحيّا وسياسيا في ضمير الأمة بغية إيجاد تحصين كاف في صفوفها ليؤثّر في تحقيق مناعتها وعدم انهيارها بعد تردّي التجربة وسقوطها ، وذلك بايجاد قواعد واعية في الامّة وايجاد روح رسالية فيها وايجاد عواطف صادقة تجاه هذه الرسالة في صفوف الامّة[5].
واستلزم عمل الأئمّة الطاهرين ( عليهم السّلام ) في هذين الخطين قيامهم بدور رسالي ايجابي وفعّال على مدى قرون ثلاثة تقريبا في مجال حفظ الرسالة والامّة والدولة وحمايتها باستمرار .
وكلما كان الانحراف يشتد ؛ كان الائمّة الأبرار يتخذون التدابير اللازمة ضد ذلك ، وكلما وقعت محنة للعقيدة أو التجربة الإسلامية وعجزت الزعامات المنحرفة من علاجها - بحكم عدم كفاءتها - بادر الأئمّة المعصومون إلى تقديم الحلّ ووقاية الأمة من الأخطار التي كانت تهددّها .
فالأئمّة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) كانوا يحافظون على المقياس العقائدي في المجتمع الإسلامي بشكل مستمر إلى درجة لا تنتهي بالامّة إلى الخطر الماحق لها[6].
المهامّ الرساليّة للأئمة الطاهرين
من هنا تنوعت مهامّ الأئمة الاثني عشر ( عليهم السّلام ) في مجالات شتى باعتبار تعدد العلاقات وتعدّد الجوانب التي كانت تهمّهم كقيادة واعية رشيدة تريد تطبيق الإسلام وحفظه وضمان خلوده للإنسانية جمعاء .
لأنّ الأئمّة مسؤولون عن صيانة تراث الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) الأعظم وثمار جهوده الكريمة المتمثلة في :
1 - الشريعة والرسالة التي جاء بها الرسول الأعظم من عند اللّه والمتمثلة في الكتاب والسنة الشريفين .
2 - الامّة التي كوّنها وربّاها الرسول الكريم بيديه الكريمتين .
3 - المجتمع السياسي الإسلامي الذي أوجده النبي محمد ( صلّى اللّه عليه واله ) أو الدولة التي أسسها وشيّد أركانها .
4 - القيادة النموذجية التي حقّقها بنفسه وربّى لتجسيدها الأكفّاء من أهل بيته الطاهرين .
لكنّ استئثار بعض الصحابة بالمركز القيادي الذي رشّح له الأئمّة المعصومون من قبل اللّه ورسوله ( صلّى اللّه عليه واله ) ونصّ عليهم الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) لاستلامه ولتربية الامّة من خلاله لم يكن ليمنعهم ذلك من الاهتمام بالمجتمع الإسلامي السياسي وصيانة الدولة الإسلامية من الانهيار بالقدر الممكن لهم بالفعل وبمقدار ما كانت تسمح به الظروف الواقعية المحيطة بهم .
كما أن سقوط الدولة الإسلامية لا يحول دون الاهتمام بالامّة كامّة مسلمة ودون الاهتمام بالرسالة والشريعة كرسالة إلهية وصيانتها من الانهيار والاضمحلال التام .
وعلى هذا الأساس تنوّعت مجالات عمل الأئمّة الطاهرين ( عليهم السّلام ) جميعا بالرغم من اختلاف ظروفهم من حيث نوع الحكم القائم ومن حيث درجة ثقافة الامّة ومدى وعيها وايمانها ومعرفتها بالأئمّة ( عليهم السّلام ) ومدى انقيادها للحكام المنحرفين ومن حيث نوع الظروف المحيطة بالكيان الإسلامي والدولة الإسلامية ومن حيث درجة التزام الحكّام بالإسلام ومن حيث نوع الأدوات التي كان يستخدمها الحكّام لدعم حكمهم وإحكام سيطرتهم .
موقف أهل البيت ( عليهم السّلام ) من انحراف الحكّام
كان للأئمّة المعصومين ( عليهم السّلام ) نشاط مستمر تجاه الحكم القائم والزعامات المنحرفة وقد تمثّل في إيقاف الحاكم عن المزيد من الانحراف ، بالتوجيه الكلامي تارة ، أو بالثورة المسلّحة ضد الحاكم حينما كان يشكّل انحرافه خطرا ماحقا - كثورة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) ضد يزيد بن معاوية - وإن كلّفهم ذلك حياتهم وقد عملوا للحدّ من انحراف الحكام عن طريق إيجاد المعارضة المستمرة ودعمها بشكل وآخر من أجل زعزعة القيادة المنحرفة بالرغم من دعمهم للدولة الإسلامية بشكل غير مباشر حينما كانت تواجه خطرا ماحقا أمام الكيانات الكافرة .
أهل البيت ( عليهم السّلام ) وتربية الأمة
وكان للأئمّة الأطهار ( عليهم السّلام ) نشاط مستمر في مجال تربية الامّة عقائديا وأخلاقيا وسياسيا وذلك من خلال تربية الأصحاب العلماء وبناء الكوادر العلمية والشخصيات النموذجية التي تقوم بمهامّ كبيرة مثل نشر الوعي والفكر الإسلامي وتصحيح الأخطاء المستجدة في فهم الرسالة والشريعة ، ومواجهة التيارات الفكرية السياسية المنحرفة أو الشخصيّات العلمية المنحرفة التي كان يوظّفها الحاكم المنحرف لدعم زعامته .
وحيث كان الأئمة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) يشكّلون النموذج الحيّ للزعامة الصالحة ، عملوا على تثقيف الأمة ورفع درجة وعيها بالنسبة لإمامتهم وزعامتهم ومرجعيتهم العامة .
وهكذا تفاعل الأئمة ( عليهم السّلام ) مع الأمة ودخلوا إلى أعماق ضمير الأمة وارتبطوا بها وبكل قطّاعاتها بشكل مباشر وتعاطفوا مع قطاع واسع من المسلمين ؛ فإن الزعامة الجماهيرية الواسعة النطاق التي كان يتمتع بها ائمّة أهل البيت ( عليهم السّلام ) على مدى قرون لم يحصل عليها أهل البيت صدفة أو لمجرد الانتماء لرسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ؛ وذلك لوجود كثير ممن كان ينتسب إلى رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ولم يكن يحظى بهذا الولاء ؛ لأن الامّة لا تمنح على الأغلب الزعامة مجانا ولا يملك الفرد قيادتها وميل قلوبها من دون عطاء سخيّ منه في مختلف مجالات اهتمام الامّة ومشاكلها وهمومها .
سلامة النظرية الإسلامية
وهكذا خرج الإسلام على مستوى النظرية سليما من الانحراف وإن تشوّهت معالم التطبيق من خلال الحكّام المنحرفين ، وتحولّت الامّة إلى امّة عقائدية تقف بوجه الغزو الفكري والسياسي الكافر حتى استطاعت أن تسترجع قدرتها وروحها على المدى البعيد كما لاحظناه في هذا القرن المعاصر بعد عصور الانهيار والتردي حيث بزغ نور الإسلام من جديد ليعود بالبشرية إلى مرفأ الحق التليد .
وقد حقق الأئمّة المعصومون ( عليهم السّلام ) كل هذه الانتصارات بفضل اهتمامهم البليغ بتربية الجماعة الصالحة التي تؤمن بهم وبإمامتهم فأشرفوا على تنمية وعيها وايمانها من خلال التخطيط لسلوكها وحمايتها باستمرار واسعافها بكل الأساليب التي كانت تساعد على ثباتها في خضمّ المحن وارتفاعها إلى مستوى جيش عقائدي رسالي يعيش هموم الرسالة ويعمل على صيانتها ونشرها وتطبيقها ليل نهار .
مراحل الحركة الرسالية للائمّة الراشدين ( عليهم السّلام )
وإذا رجعنا إلى تاريخ أهل البيت ( عليهم السّلام ) والظروف التي كانت قد أحاطت بهم ولاحظنا سيرتهم ومواقفهم العامة والخاصة استطعنا أن نصنّف ظروفهم ومواقفهم إلى مراحل وعصور ثلاثة يتميز بعضها عن بعض بالرغم من اشتراكهم في كثير من الظروف والمواقف ولكن الأدوار تتنوع باعتبار مجموعة الظواهر العامّة التي تشكل خطّا فاصلا ومميّزا لكل عصر .
فالمرحلة الأولى من حياة الأئمّة ( عليهم السّلام ) وهي ( مرحلة تفادي صدمة الانحراف ) بعد وفاة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) تجسّدت في سلوك ومواقف الأئمّة الأربعة : علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ( عليهم السّلام ) فقاموا بالتحصينات اللازمة لصيانة العناصر الأساسية للرسالة وإن لم يستطيعوا القضاء على القيادة المنحرفة . لكنهم استطاعوا كشف زيفها والمحافظة على الرسالة الإسلامية نفسها . وبالطبع إنهم لم يهملوا الامّة أو الدولة الإسلامية بشكل عام من رعايتهم واهتماماتهم فيما يرتبط بالكيان الاسلامي والامّة المسلمة فضلا عن سعيهم البليغ في بناء وتكوين الكتلة الصالحة المؤمنة بقيادتهم .
وتبدأ المرحلة الثانية بالشطر الثاني من حياة الإمام السجاد السياسية حتى الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) وتتميز بأمرين أساسيين :
الأوّل منهما : يرتبط بالخلافة المزيّفة ، فقد تصدى هؤلاء الأئمّة لتعريتها عن التحصينات التي بدأ الخلفاء يحصّنون بها أنفسهم من خلال دعم وتأييد طبقة من المحدّثين والعلماء ( وهم وعّاظ السلاطين ) لهؤلاء الخلفاء وتقديم صنوف التأييد والولاء لهم من أجل إسباغ الصبغة الشرعية على زعامتهم بعد أن استطاع الأئمّة في المرحلة الأولى أن يكشفوا زيف خط الخلافة ويشعروا الامّة بمضاعفات الانحراف الذي حصل في مركز القيادة بعد الرسول الأعظم ( صلّى اللّه عليه واله ) .
والثاني منهما : يرتبط ببناء الجماعة الصالحة والذي أرسيت دعائمه في المرحلة الأولى ، فقد تصدى الأئمّة المعصومون في هذه المرحلة إلى تحديد الإطار التفصيلي وإيضاح معالم الخط الرسالي الذي اؤتمن الأئمّة الأطهار ( عليهم السّلام ) عليه ، والذي تمثّل في تبيين ونشر معالم النظرية الإسلامية وتربية عدة أجيال من العلماء على أساس الثقافة الإسلامية التي استوعبها الأئمة الأطهار في قبال الخط الثقافي الذي استحدثه وعّاظ السلاطين .
هذا فضلا عن تصديهم لدفع الشبهات وكشف زيف الفرق التي استحدثت من قبل خط الخلافة أو غيره .
والأئمّة في هذه المرحلة لم يتوانوا عن زعزعة الزعامات والقيادات المنحرفة من خلال دعم بعض الخطوط المعارضة للسلطة ولا سيما بعض الخطوط الثورية منها والتي كانت تتصدى لمواجهة من تربّع على كرسيّ خلافة الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) بعد ثورة الإمام الحسين ( عليه السّلام ) .
وأما المرحلة الثالثة من حياة الأئمّة من أهل البيت ( عليهم السّلام ) فهي تبدأ بشطر من حياة الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) وتنتهي بالإمام المهدي ( عليه السّلام ) فإنهم بعد وضع التحصينات اللازمة للجماعة الصالحة ورسم المعالم والخطوط التفصيلية لها عقائديا واخلاقيا وسياسيّا في المرحلة الثانية قد بدا للخلفاء أن قيادة أهل البيت ( عليهم السّلام ) أصبحت بمستوى تسلّم زمام الحكم والعودة بالمجتمع الإسلامي إلى حظيرة الإسلام الحقيقي ، مما خلّف ردود فعل للخلفاء تجاه الأئمّة ( عليهم السّلام ) ، وكانت مواقف الأئمّة تجاه الخلفاء تختلف تبعا لنوع موقف الخليفة تجاههم وتجاه قضيتهم .
وأما فيما يرتبط بالجماعة الصالحة التي أوضحوا لها معالم خطها فقد عمل الأئمّة ( عليهم السّلام ) على دفعها نحو الثبات والاستقرار والانتشار من جهة لتحصينها من الانهيار ، واعطائها درجة من الاكتفاء الذاتي من جهة أخرى .
وكان يقدّر الأئمّة أنهم بعد المواجهة المستمرة للخلفاء سوف لا يسمح لهم بالمكث بين ظهرانيهم وسوف لن يتركهم الخلفاء أحرارا بعد أن تبين زيفهم ودجلهم واتضحت لهم المكانة الشعبية للأئمّة المعصومين الذين كانوا يمثّلون الزعامة الشرعية والواقعية للامّة الإسلامية .
ومن هنا تجلّت ظاهرة تربية الفقهاء بشكل واسع ثم ارجاع الناس إليهم وتدريبهم على مراجعتهم للعلماء السائرين على خط أهل البيت ( عليهم السّلام ) في كل قضاياهم وشؤونهم العامة تمهيدا للغيبة التي لا يعلم مداها إلّا اللّه سبحانه والتي أخبر الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) عن تحققها وأملت الظروف عليهم الانصياع إليها .
وبهذا استطاع الأئمّة ( عليهم السّلام ) - ضمن تخطيط بعيد المدى - أن يقفوا بوجه التسلسل الطبيعي لمضاعفات انحراف القيادة الإسلامية والتي كانت تنتهي بتنازل الامّة عن الإسلام الصحيح وبالتالي ضمور الشريعة وانهيار الرسالة الإلهية بشكل كامل .
موقع الإمام الهادي ( عليه السّلام ) في عملية التغيير الشاملة
والإمام علي بن محمد الهادي ( عليه السّلام ) يصنّف في هذه المرحلة الثالثة من مراحل حركة أهل البيت ( عليهم السّلام ) فهو قد مارس نشاطا مكثّفا لإعداد الجماعة الصالحة للدخول إلى دور الغيبة المرتقب ، وتحصين هذا الخط ضد التحدّيات التي كانت توجّه إليه باستمرار .
[1] بحث حول الولاية : 57 - 58 .
[2] بحث حول الولاية : 60 - 61 .
[3] راجع : أهل البيت ( عليهم السّلام ) تنوّع أدوار ووحدة هدف : 127 - 129 .
[4] أهل البيت ( عليهم السّلام ) تنوع أدوار ووحدة هدف : 59 .
[5] أهل البيت ( عليهم السّلام ) تنوع ادوار ووحدة هدف : 131 - 132 و 147 - 148 .
[6] أهل البيت ( عليهم السّلام ) تنوع أدوار ووحدة هدف : 144 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|