أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-2-2017
1627
التاريخ: 21-3-2022
1995
التاريخ: 2023-07-03
805
التاريخ: 2-9-2020
1503
|
من العلامات البارزة في تاريخ العلم - أو بالأحرى نقطة مولد العلم ذاته - نشر كتاب نيكولاس كوبرنيكوس بعنوان حول ثورات الأجرام السماوية، بعد وفاته في عام 1543. في هذا الكتاب أوضح العالم البولندي نموذجه للنظام الشمسي، مع وجود الشمس في المركز، بينما الأرض وغيرها من الكواكب تدور حولها (أخيرًا يمكننا وضع الشمس نفسها في مركز الكون. إن هذا هو ما يستدعيه السير المنهجي للأحداث والتناغم الكلي للكون فقط لو أننا نواجه الحقائق، كما يقولون، بـ «أعين مفتوحة».)1
زلزلت النظرة الجديدة للكون التي دعا إليها كوبرنيكوس، والتي تقضي بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس، العالم الغربي لدرجة أدت إلى بدء استخدام مصطلح «الثورة» في سياق سياسي واجتماعي أشمل أيضًا في القرن السادس عشر كانت أوروبا أسيرة للكنيسة الرومانية، التي كانت تتبنى وجهة النظر الأفلاطونية القديمة القائلة إن الأرض هي مركز الكون، وما يستتبعه ذلك من نتيجة بديهية مفادها أن الإنسان يمثل ذروة الخلق. بالحط من مرتبة كوكبنا من المركز المحوري للكون أرسى كوبرنيكوس مبدأ عدم التميز او المبدأ الكوني الذي استمر بعده لأربعة قرون. وحين وجه جاليليو تلسكوبه المخترع حديثا صوب السماء عام 1609 رأى أن مجرة درب التبانة تتكون من تجمع هائل من النجوم الخافتة. وتدريجيًا بدأ علماء الفلك يدركون أن الشمس ليست إلا نجما عاديا مثل كثير غيره. واليوم نحن نعرف أن مجرة درب التبانة تحوي ما يزيد عن المائة مليار نجم، أغلبها مشابه لشمسنا في القرن العشرين تمكنت التلسكوبات القوية من رؤية النجوم في مجرة أندروميدا وما خلفها، كاشفة عن أن حتى مجرة درب التبانة لا تشغل مكانا مميزا في الكون. لقد أرست عمليات المسح المنهجية للمجرات المبدأ الكوني، والقائم بالأساس على أن الكون، على نطاقه الواسع، متطابق وغير متمايز.
ولا يمكن لأي محاولة لتفسير الكون أن تكلل بالنجاح ما لم تأخذ في الاعتبار مبدأ عدم التميز هذا. وكما رأينا، فإن سيناريو الكون المتضخم يقدم تفسيرًا طبيعيًّا للتطابق الكوني واسع النطاق. أيضًا تفسر النظرية المعنية بتكون المجرات من مواطن الشذوذ البدائية وجود النظم النجمية، مثل درب التبانة في كل مكان، وبشكل مشابه تفسر النظرية القائلة بتكون النجوم والكواكب من سحب الغازات كيف أن نظامنا الشمسي ليس إلا نظامًا عاديًّا شائع الوجود. بيد أن التطابق وعدم التميز ليسا بأي حال من الأحوال هما السمتين الكونيتين الوحيدتين اللتين تحتاجان لتفسير؛ إذ إن هناك جانبًا عادة ما يتم التغاضي عنه في قائمة السمات المرصودة، وهو حقيقة وجود مراقبين يرصدون هذه السمات الكونية.
يتسم دور «المراقب» في العلم بالغرابة، وقد يسبب حيرة شديدة لعدد غير قليل من العلماء. فعلى أي حال إن مهمة العلم إحلال النظرة الموضوعية للطبيعة محل النظرة الذاتية. وأي زعم علمي لا يؤخذ على محمل الجد إلا إذا اختبر على يد أطراف بصورة محايدة وبقدر من الاهتمام وإذا زعمت أن الأرض تدور حول الشمس لأنها مربوطة بمركبة فضائية عملاقة لا يمكن لأحد سواي رؤيتها، فلن يصدقني أحد، وسيكونون محقين في ذلك. إن نظرية النسبية لأينشتاين تؤكد على الموضوعية بشكل تام. بل إن كلمة «نسبية» نفسها تعني أن النظرة إلى العالم هي دومًا نظرة مراقب بعينه، وتقدم النظرية القواعد التحويلية اللازمة للتوفيق بين مشاهدات أحد المراقبين وتلك الخاصة بآخر. وبهذه الصورة يمكن استخلاص «الجوهر الموضوعي» للطبيعة من خبرات أفراد المراقبين. وقد أكد أينشتاين في نظريته على أن قوانين الفيزياء لا بد أن تظل «واحدة» لجميع المراقبين مهما تكن حركتهم أو موضعهم. فلا يوجد تفضيل لمراقب بعينه. ولهذا السبب لا تشير قوانين الفيزياء لسرعة أي جسم في الفضاء مثلا؛ لأنها لو فعلت فسيعني هذا تفضيل طبقة معينة من المراقبين - الساكنين - الذين رأوا العالم بشكل مختلف. في ظل هذه الخلفية التاريخية ليس من المستغرب ألا يكون تفسير وجود المراقبين من المتطلبات الأساسية بين علماء الكونيات من أجل صياغة نظرية ناجحة عن الكون. لكن المزيد والمزيد منهم مقتنعون الآن بأن في هذا الأمر تجاوزا خطيرًا. لنأخذ على سبيل المثال موقعنا في الكون، إلى أي مدى يعد موقعنا عاديًا غير متميز؟ حسن، من الواضح أنه موقع فريد ومتميز إلى حد بعيد. إن أغلب الكون ما هو إلا فضاء خاو، لكن بني البشر يعيشون على سطح أحد الكواكب. وهناك سبب وجيه وراء ذلك؛ فالحياة من غير المرجح أن تنشأ في الفضاء الخارجي، وحتى لو حدث هذا فلن تحقق المخلوقات ذات الأمخاخ الكبيرة نجاحًا كبيرًا هناك. إن المراقبين البشريين يجدون أنفسهم يعيشون على أحد الكواكب لأنه لم يكن بمقدورهم التطور في أي مكان آخر.
ليس هذا المثال التافه إلا إشارة لأمر آخر أكثر أهمية؛ فالمراقبون - على الأقل من واقع خبرتنا إلى الآن - هم كائنات حية، والحياة ظاهرة معقدة دقيقة تحتاج العديد من المتطلبات الخاصة. وهي ستظهر في الكون فقط لو توافرت الظروف المناسبة. وإذا لم تكن هذه الظروف عامة شائعة فهذا يعني أن نظرتنا للكون لن تكون عامة، بل ستعكس موقفنا في ذلك الموقع الكوني الخاص المشجع على الحياة.
لا يمكن لمثل هذا الاسترسال البسيط أن يثير دهشة أحد. فهو يقول وحسب إن المراقبين سيجدون أنفسهم فقط في المكان الذي يمكن للحياة التواجد فيه. لا يمكن أن يسير الأمر خلاف ذلك. ومع ذلك، ورغم طبيعة هذه العبارة التي لا يمكن التنازع بشأن صحتها، فلا ينبغي نبذ الفكرة باعتبارها لعبًا بالكلمات فقط. فبداية، قد تكون الظروف المشجعة على الحياة محدودة للغاية. بكل تأكيد قد لا تكون الأرض إلا كوكبًا عاديا يدور حول نجم عادي في مجرة عادية من وجهتي النظر الجيولوجية والفلكية، لكنها قد تكون متميزة بدرجة كبيرة تصل إلى حد التفرد من وجهة النظر البيولوجية. فإذا كان هناك مكان واحد في الكون يصلح لاستضافة الحياة فسيكون كوكب الأرض هو ذلك المكان؛ لأن هذا هو المكان الذي نجد أنفسنا فيه. هذه النقطة، رغم بديهيتها، تتعارض تعارضًا واضحًا مع مبدأ عدم التميز، وصارت معروفة باسم المبدأ الإنساني Anthropic Principle.2 لم يكن هذا المصطلح بالاختيار الموفق لأن كلمة Anthropic مشتقة من نفس جذر الكلمة اليونانية بمعنى الإنسان، في حين هذا المبدأ لا يمس من قريب أو من بعيد البشر بحد ذاتهم (رغم كون البشر دون شك من أمثلة الحياة). وقد علق عالم الفيزياء الفلكية براندون كارتر، أول من استخدم هذا المصطلح في هذا السياق،3 ذات مرة بقوله إنه لو كان يدرك المتاعب التي سيتسبب بها هذا المصطلح، لاقترح مصطلحا غیره، الألفة البيولوجية مثلا. لكن يبدو أنه ليس هناك مفر من الالتزام بمصطلح «المبدأ الإنساني»، لذا سأواصل استخدامه.
هوامش
(1) Nicolaus Copernicus, De revolutionibus orbium coelestium (“On the Revolutions of the Heavenly Spheres”) (Amherst: Prometheus Books, 1995), p. 8. Originally published in Nuremberg, 1543.
(2) The anthropic principle has a large literature. A comprehensive treatment with many references is given by John Barrow and Frank Tipler, The Anthropic Cosmological Principle (New York: Oxford University Press, 1986).
(3) Brandon Carter, “Large Number Coincidences and the Anthropic Principle in Cosmology,” in Confrontation of Cosmological Theories with Observational Data, IAU Symposium 63, edited by M. Longair (Dordrecht, Netherlands: Reidel, 1974), p. 291.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|