أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-9-2019
1767
التاريخ: 26-06-2015
1886
التاريخ: 7-2-2018
2134
التاريخ: 26-06-2015
2289
|
كان أبو حَيدة أو أبو الحفاد أكثم بن رياح
بن الحارث بن محاسن بن صيفيّ من أهل الحجاز وأحد حكماء العرب، قيل كان الملوك والرؤساء
يستزيرونه لسماع حكمه ونصائحه.
قالوا: لما ظهر الإسلام أرسل أكثم بن صيفي
رجلين يسألان الرسول عن نسبه وعمّا جاء به، فأخبرهما بما سألا ثم تلا عليهما قول
اللّه تعالى: «إِنَّ اَللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ واَلْإِحْسانِ وإِيتاءِ ذِي
اَلْقُرْبى، ويَنْهى عَنِ اَلْفَحْشاءِ واَلْمُنْكَرِ واَلْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (1). فلما رجعا إلى أكثم بذلك قال أكثم: يا
قوم، انه يأمر بمكارم الاخلاق وينهى عن ملائمها.
وتوفّي أكثم بن صيفي عام 10 ق. ه. (612 م)
على الشرك، وكان قد أسنّ كثيرا.
كان أكثم بن صيفيّ من الخطباء البلغاء والحكّام
الرؤساء (2) يضرب فيه المثل بأصالة الرأي ونبل العظة. فمن أقواله:
-الكرم حسن الفطنة وحسن التغافل، واللؤم
سوء الفطنة وسوء التغافل.
-تباذلوا (3) تحابّوا.
-تباعدوا في الديار تقاربوا في المودّة.
-تناءوا في الديار وتواصلوا في المزار.
-تناءوا في الديار ولا تباغضوا، فان من
يجتمع يتقعقع عمده.
ومن وصية لأكثم بن صيفيّ يعظ فيها قومه:
يا بني تميم، لا يفوتنّكم وعظي ان فاتكم
الدهر بنفسي (4). ان بين حيزومي وصدري لكلاما لا أجد له مواقع إلا
أسماعكم، ولا مقارّ إلا قلوبكم فتلقّوه بأسماع مصغية وقلوب واعية تحمدوا مغبّته (5).
الهوى يقظان والعقل نائم، والشهوات مطلقة، والحزم معقول، والنفس مهملة، والرويّة
مقيّدة (6) ومصارع الرجال تحت بروق الطمع. ومن سلك الجدد أمن العثار (7).
ولن يعدم الحسود أن يتعب قلبه ويشغل فكره ويؤرّث غيظه، ولا تجاوز مضرّته نفسه (8).
قيل إن أكثم بن صيفيّ عزّى عمرو بن هند عن
أخيه فقال:
إن أهل هذه الديار سفر لا يحلّون عقد
الرحال إلاّ في غيرها (9). وقد أتاك ما ليس بمردود عنك، وارتحل عنك ما
ليس براجع اليك، وأقام معك من سيظعن عنك ويدعك (10). واعلم أن الدنيا
ثلاثة أيام: فأمس عظة وشاهد عدل فجعك بنفسه وأبقى لك وعليك حكمته، واليوم غنيمة وصديق
أتاك ولم تأته، طالت عليك غيبته وستسرع عنك رحلته، وغدا لا تدري ما أهله، وسيأتيك
ان وجدك. فما أحسن الشكر للمنعم والتسليم للقادر! وقد مضت لنا أصول نحن فروعها،
فما بقاء الفروع بعد أصولها؟ وأعلم أن أعظم من المصيبة سوء الخلف منا؛ وخير من
الخير معطيه، وشرّ من الشر فاعله.
_________________________
1) 16(النحل) :90.
2) الحكام الرؤساء: الذين بلغوا في الحكم
بين الناس مبلغ الرئاسة.
3) تباذلوا: ليبذل بعضكم لبعض (من ذات نفسه
ومن ذات يده) تنتج بينكم المحبة.
4) ان أخذني الدهر (ان مت) فلا تفوتنكم النصيحة
مني (ان خسرتموني فلا تخسروا نصائحي).
5) الحيزوم: مقدم الشيء، الفم. مقار جمع
مقر: مكان. مصغية: مائلة، منتبهة. واعية: حافظة. تحمدوا مغبته: تكن عاقبته عليكم
حسنة.
6) مطلقة: حرة تسلك أين شاءت. معقول:
مربوط. الروية: التفكير مع التأني. مقيدة: مربوطة.
7) طمع الانسان يقوده (أحيانا) إلى الهلاك.
«من سلك الجدد (من سار في الطريق الواضح) أمن العثار» مثل.
8) أرث غيظه: ضرمه، زاد في ايقاده.
9) السفر (بسكون الفاء): جماعة المسافرين
معا. هذه الدار: الدنيا. يحلون عقد الرجال في غيرها: ينزلون، يستقرون في الآخرة.
10) وقد أتاك (أي الموت). وارتحل عنك (أي
أخوك الذي مات). يظعن: يرتحل. يدع: يترك، يفارق.