أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-22
1261
التاريخ: 2023-02-22
1189
التاريخ: 2023-11-13
949
التاريخ: 2023-02-28
1122
|
الكتاب/ فيزياء الجسيمات
المؤلف/ فرانك كلوس
الفصل والصفحة/
تهيمن أربع قوى أساسية على الكون: قوة «الجاذبية» والقوة «الكهرومغناطيسية»، إلى جانب القوة النووية «الشديدة» والقوة النووية «الضعيفة»، اللتين تعملان داخل نواة الذرة وحولها، وهاتان القوتان تعملان عبر مسافات أصغر من حجم الذرة، ومن ثُمَّ فهما ليسا مألوفين لحواسنا التي تستشعر الأشياء الكبيرة الحجم، وذلك مقارنة بتأثيرات الجاذبية والمغناطيسية ومع ذلك فهاتان القوتان تلعبان دورًا حيويا في وجودنا، وتبقيان الشمس متقدة، وتوفران الدفء الأساسي للحياة.
الجاذبية هي أكثر قوة مألوفة من جانبنا، لكن بين الذرات المنفردة أو الجسيمات المكونة لها، تكون تأثيرات الجاذبية تافهة الأثر؛ فقوة الجاذبية بين الجسيمات المنفردة ضئيلة للغاية، وهي تبلغ من الصغر حدًّا يجعلنا نتجاهلها تماما في تجارب فيزياء الجسيمات. ولأن قوة الجاذبية تجذب كل شيء تجاه كل شيء آخر، تتضاعف تأثيراتها وتتراكم إلى أن تصير قوية، وتعمل عبر مسافات فلكية.
تعمل القوى الكهربية وفق القول المعروف: الأقطاب المتشابهة تتنافر، والمختلفة تتجاذب. ولهذا، تظل الإلكترونات سالبة الشحنة في مداراتها حول نواة الذرة بفعل قوى الجذب الكهربي تجاه النواة المركزية الموجبة الشحنة. تتسبب الشحنات الكهربية وهي في حالة حركة في التأثيرات المغناطيسية؛ فالقطب الشمالي والجنوبي لقطعة المغناطيس هما تأثيران للحركات الكهربية للذرات وهي تتحرك معا في تناغم.
القوة الكهرومغناطيسية في جوهرها أقوى من قوة الجاذبية، إلا أن التنافس بين التجاذب والتنافر يتسبب في تحييد تأثيرها عبر المسافات البعيدة، وهو ما يفسح المجال أمام الجاذبية كي تكون هي القوة المهيمنة بشكل عام. ومع ذلك، تتسبب تأثيرات الشحنات الكهربية المتماوجة في القلب المنصهر للأرض في تسرب المجالات المغناطيسية إلى الفضاء. وإبرة المغناطيس التي تشير صوب القطب الشمالي، الذي قد آلاف يبعد الأميال، إنما تفعل هذا بسبب هذا التأثير.
القوة الكهرومغناطيسية هي التي تحافظ على تماسك الذرات والجسيمات معا، مكونة المادة الكثيفة؛ فأنا وأنت وكل شيء آخر متماسكون بفضل القوة الكهرومغناطيسية. حين سقطت التفاحة أمام إسحق نيوتن، كانت الجاذبية هي ما تحكم في سقوطها، لكن القوة الكهرومغناطيسية - المسؤولة عن صلابة الأرض - هي ما منعتها من مواصلة السقوط صوب مركز الأرض. قد تسقط التفاحة لثوان عدة من ارتفاع كبير، وتعجِّل قوة الجاذبية من سقوطها، لكن حين ترتطم بالأرض فإنها تتوقف وتتهشم في لحظة واحدة، وهذا بفضل القوة الكهرومغناطيسية.
تدبر المثال التالي كي تحصل على فكرة عن الشدة النسبية للقوتين. في ذرة الهيدروجين يوجد إلكترون سالب الشحنة وبروتون موجب الشحنة، وهما ينجذبان صوب بعضهما بفعل قوة الجاذبية، لكنهما أيضًا يستشعران قوة الجذب الناجمة عن تباين شحنتيهما الكهربية. قوة الجذب الكهربية هذه تبلغ من الشدة 1040 مرات قدر قوة الجذب المتبادلة الناجمة عن الجاذبية. للحصول على فكرة عن مدى عظم هذا المقدار، تدبر نصف قطر الكون المنظور: لقد واصَلَ الكون تمدُّده بسرعة تناهز سرعة الضوء؛ أي نحو 1016 أمتار في العام، لنحو 1010 أعوام منذ الانفجار العظيم؛ لذا يبلغ حجم الكون بأسره على أقصى تقدير نحو 1035 أمتار. يبلغ قطر البروتون المنفرد نحو 15-10 أمتار؛ إذن المقدار 1040 الكون مقارنةً. يفوق حجم بحجم البروتون المنفرد من الواضح أنه يمكننا بأمان تجاهل تأثير الجاذبية على الجسيمات المنفردة في ظل مستويات الطاقة العادية.
يُبقي تجاذب الشحنات المختلفة الإلكترونات في مساراتها الذرية حول النواة الموجبة الشحنة، لكن التنافر بين الشحنات المتشابهة يخلق معضلةً تهدد وجود النواة ذاته؛ فالنواة مضغوطة بإحكام، وترجع شحنتها الموجبة إلى احتشاد البروتونات المتعددة الموجبة الشحنة داخلها. كيف يمكن لهذه البروتونات التي تعاني من ذلك التنافر الكهربي الشديد، أن تبقى متماسكة؟
إن قدرتها على البقاء تعطينا دليلا فوريًا على وجود قوة جاذبة «شديدة»، تشعر بها البروتونات والنيوترونات وهي من الشدة بحيث تبقي عليها في مكانها وتمكنها من مقاومة قوى التنافر الكهربي. هذه القوة الشديدة إحدى قوتين تعملان داخل نواة الذرة وحولها، وهما تُعرَفان بالقوتين «الشديدة» و«الضعيفة»، وهاتان الصفتان تشيران إلى مقدار قوتهما مقارنة بالقوة الكهرومغناطيسية على المستوى النووي، وهما قوتان قصيرتا المدى، وليسا من القوى التي تألفها حواسنا التي تستشعر الأشياء الكبيرة الحجم، بَيْدَ أن لهما أهمية حاسمة في بقائنا. إن استقرار أنوية العناصر الذرية يمكن أن يكون توازنا دقيقا بين قوى الجذب وقوى التنافر الكهربي المتنافسة. ليس بالإمكان حشد عدد كبير للغاية من البروتونات معا، وإلا سيتسبب التنافر الكهربي في جعل الذرة غير مستقرة. يمكن أن يكون هذا سببًا لبعض أنواع التحلل الإشعاعي، حيث تنقسم النواة إلى أجزاء أصغر. تستشعر البروتونات والنيوترونات القوة الشديدة على نحو متساو، لكن البروتونات وحدها. هي التي تستشعر قوى التنافر الكهربي؛ ولهذا السبب لا تحتوي أنوية العناصر كلها - خلا الهيدروجين - على البروتونات فحسب، وإنما على نيوترونات أيضًا كي تزيد من الاستقرار الإجمالي للقوة الشديدة الجاذبة. على سبيل المثال، يُسمَّى عنصر اليورانيوم 235 بهذا الاسم لأنه يملك 92 بروتونا (وهوما يحدد طبيعته كعنصر اليورانيوم؛ نظرًا لوجود الإلكترونات الـ 92 التي ستجعل الذرة متعادلة كهربيًّا)، و143 نيوترونا، أي 235 بروتونا ونيوترونا إجمالًا.
هنا قد تتساءل عن السبب الذي يجعل الأنوية تستقبل أي بروتونات على الإطلاق، خاصة وأن زيادة النيوترونات لا تؤدي فيما يبدو إلى عدم استقرار النواة. تعتمد الإجابة على تفاصيل لتأثيرات ميكانيكا الكم تخرج عن نطاق كتابنا هذا، لكن جزءا كبيرًا من السبب يرجع إلى الكتلة الإضافية التي يتمتع بها النيوترون مقارنة بالبروتون. وكما رأينا من قبل، فإن هذه الكتلة تخفي تحتها عدم استقرار جوهري يتسم به النيوترون وبسببه يتحلل النيوترون إلى بروتون ويقذف إلكترونا، الذي يُسمَّى وقتها جسيم «بيتا» الخاص بـ «نشاط بيتا الإشعاعي».
القوة التي تدمر النيوترون هي القوة النووية الضعيفة، وهي تُسمى بهذا الاسم لأنها تبدو ضعيفةً مقارنةً بالقوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة في درجة حرارة الغرفة. تقلقل القوة الضعيفة النيوترونات والبروتونات، بحيث تتسبب في جعل نواة أحد العناصر الذرية تتحوّل إلى نواة لعنصر آخر من خلال نشاط بيتا الإشعاعي. وهي تلعب دورًا مهما في المساعدة على تحويل البروتونات - أساس وقود الهيدروجين الموجود بالشمس - إلى هليوم (وهي العملية التي تنطلق بموجبها طاقة، وتظهر هذه الطاقة في نهاية المطاف على صورة أشعة الشمس).
تتسبب قوى الجاذبية بين البروتونات الوفيرة داخل الشمس في جعلها تنجذب إلى الداخل إلى أن تتلامس تقريبًا، وأحيانًا يتحرك بروتونان بسرعة كبيرة بما يكفي بحيث يتغلبان على التنافر الكهربي بينهما لوقت وجيز، ويصطدم أحدهما بالآخر. تحول القوة الضعيفة البروتونَ إلى نيوترون، ثم تُبقي القوة الشديدة هذه النيوترونات والبروتونات معًا، بحيث تُكَوِّن أنوية عنصر الهليوم تنطلق الطاقة وتُشع بفضل القوة الكهرومغناطيسية. إن وجود هذه القوى الأربع وسماتها وشدتها المتباينة هو ما يجعل الشمس تستعر بالمعدل الملائم لحياة البشر.
في المادة العادية، تعمل القوى الشديدة فقط داخل نواة الذرة، وهي بالأساس ناتجة عن وجود الكواركات الجسيمات الأساسية النهائية التي منها تتكون البروتونات والنيوترونات. وكما أن القوة الكهربية والقوة المغناطيسية ما هي إلا تأثيرات تنشأ عن شحنات كهربية تنشأ القوة الشديدة في نهاية المطاف عن نوع جديد من الشحنات تحمله الكواركات وحدها وليس اللبتونات؛ ومن ثَمَّ فإن اللبتونات، كالإلكترون، لا تستشعر القوة الشديدة، لكن على العكس، الجسيمات المؤلفة من كواركات - على غرار البروتون والنيوترون - تستشعر القوة الشديدة.
القوانين التي تحكم هذا الأمر مشابهة في أساسها لتلك التي تحكم القوة الكهرومغناطيسية؛ فالكواركات تحمل الشحنة الجديدة فيما يمكن أن نعرفه على أنه الصورة الموجبة، وبالمثل تحمل الكواركات المضادة المقدار نفسه من الشحنة، لكنها شحنة سالبة. وقوة الجذب بين الكوارك والكوارك المضاد هي التي تُبقي عليهما متحدين معا؛ ومن هذا جاءت حالات اقتران الكواركات بالكواركات المضادة التي نطلق عليها اسم الميزونات. لكن كيف تتكون الباريونات، التي تتألف من ثلاثة كواركات؟
يتبيَّن لنا أن هناك ثلاثة أنواع متمايزة من الشحنة الشديدة، وللتمييز بينها سنسميها بالألوان الأحمر والأزرق والأخضر؛ ومن ثَمَّ فقد صارت هذه الشحنات تُعرَف باسم الشحنات اللونية، رغم أنه لا علاقة لها بالألوان التي تألفها أعيننا، فما هذه إلا مجرد تسميات ومثلما تتجاذب الألوان المختلفة، تتنافر الألوان المتشابهة، ومن ثُمَّ فإن أي كواركين يحملان الشحنة اللونية عينها - الحمراء مثلا - سيتنافران، لكن لو أن أحدهما يحمل شحنة خضراء والثاني شحنة حمراء فإنهما سيتجاذبان، والأمر
عينه ينطبق على الثلاثة كواركات التي تحمل الشحنات اللونية الثلاث المختلفة، الحمراء والزرقاء والخضراء. وإذا اقترب كوارك رابع من هذا الثلاثي فسينجذب إلى اثنين من الكواركات لكنه سيتنافر مع الثالث، الذي يحمل الشحنة اللونية عينها. يتضح أن هذا التنافر يوازن قوة الجذب الصافية، بحيث يظل الكوارك الرابع في حالة حبيسة، لكنه إذا عثر على كواركين آخرين يحمل كلُّ منهما شحنة لونية تختلف عن شحنته، يكون بمقدور هذا الثلاثي أن يلتحم معًا هو الآخر. وهكذا نبدأ في رؤية أن قوى الجذب لهذه الثلاثيات. كما الحال عند تكون البروتونات والنيوترونات - تنتج عن الطبيعة الثلاثية للشحنات اللونية. ومثلما يؤدي وجود الشحنات الكهربية داخل الذرات إلى تجمعها معا لتكوين الجزيئات تؤدي الشحنات اللونية داخل البروتونات والنيوترونات إلى تجمعها معا لتكوين ما يُعرف لنا باسم النواة.
إن التشابه الكامن في قواعد التجاذب والتنافر يؤدي إلى تشابه السلوك بين القوة الكهرومغناطيسية والقوة النووية الشديدة على مسافات أصغر كثيرًا من حجم البروتون أو النيوترون المنفرد، إلا أن الثراء المضاعف ثلاث مرات الذي تملكه الشحنات اللونية الموجبة أو السالبة مقارنة بنظيرتها الكهربية الأحادية، يؤدي إلى سلوك مختلف في هذه القوى على مسافات أكبر. تتشبع القوى المولَّدة عن طريق الشحنات اللونية على مسافات تُقدر بنحو 15-10 أمتار، وهو الحجم التقليدي للبروتون أو النيوترون، وتكون قوية للغاية على هذه المسافات، لكن فقط ما دام الجسيمان متلاصقين - أي «يمس» أحدهما الآخر مجازا - في حدود هذه المسافة، ومن ثُمَّ فالقوى التي تحدثها الشحنات اللونية لا تعمل إلا عبر الأبعاد النووية. على النقيض من ذلك، تعمل القوة الكهرومغناطيسية عبر الأبعاد الذرية التي تصل إلى مسافة 10-10 أمتار عند بناء الذرات المستقرة، بل من الممكن استشعارها عبر المسافات الكبيرة، كما الحال في المجالات المغناطيسية المحيطة بالأرض. هذا يأخذنا على نحو طبيعي إلى التساؤل عن الكيفية التي تبسُط بها هذه القوى تأثيراتها عبر الفضاء.
شكل 7-1: قواعد التجاذب والتنافر للشحنات اللونية. الشحنات اللونية المتشابهة تتنافر، بينما الشحنات المختلفة تتجاذب. تتجاذب الكواركات الثلاثة - التي يحمل كل منها شحنة لونية مختلفة - بعضها إلى البعض كي تكون أحد الباريونات. يحمل الكوارك والكوارك المضاد شحنتين مختلفتين، ويمكنهما التجاذب كي يكونا أحد الميزونات.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل شيوخ ووجهاء عشيرة البو بدري في مدينة سامراء
|
|
|