أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-3-2021
1977
التاريخ: 9-5-2017
3171
التاريخ: 28-3-2021
2001
التاريخ: 2023-10-15
1083
|
في عام 1687 وضع إسحاق نيوتن أول قوانين كونية للجاذبية في كتابه «المبادئ». وبحلول منتصف القرن التاسع عشر، كان جيمس كلارك ماكسويل قد دمج أغلب الظواهر الكهربائية والمغناطيسية من خلال نظريته الرائعة عن الكهرومغناطيسية. وعام 1900 قال لورد كلفين وويليام طومسون في اجتماع الجمعية البريطانية مؤكدين: «لا يوجد شيء آخر يمكن اكتشافه في الفيزياء.» وفي غضون خمس سنوات كان أينشتاين قد خرج بنظرية النسبية. ومن قبيل المفارقة أيضا أن ألبرت ميكلسون، الذي ساعدت تجاربه في تشكيل المتناقضات التي أدت إلى رؤية جديدة للعالم أصر أيضا قائلًا: «لقد ترسخت المبادئ الأساسية العظيمة ترسيخا محكما، ويجب البحث عن المزيد من الحقائق في الفيزياء في الخانة السادسة بعد العلامة العشرية.»
تكشف الطبيعة على نحو متكرر عن حدود خيالنا الجمعي. فقد أثبتت اكتشافات النسبية، والذرة النووية، وظهور ميكانيكا الكم إلى أي مدى كان كل من لورد كلفن وميكلسون ساذجين. إن ميكانيكا أينشتاين ونيوتن تصف حركة الأجسام الضخمة بدءا من المجرات الكاملة ووصولا إلى التفاحات الساقطة، بل حتى أشعة الضوء، على نحو منقطع النظير. ومن السهل رصد سلوك المجرات على نحو مباشر، بينما كان سلوك الضوء أقل وضوحا. وقد أصبح اكتشاف أننا نحتاج على المستوى الذري إلى الاستعانة بميكانيكا الكم، وما استتبعه من الكشف عن عالم مخادع من عدم اليقين، الأساس الثاني العظيم للعلم الحديث، وذلك رغم كونه بعيدا عن المنطق. وسيتضح ستترتب عواقب وخيمة على محاولاتنا لفهم الفراغ. في الواقع، يبدو أن ميكانيكا الكم تقضي بأن أرسطو ربما كان على صواب؛ فالفراغ ليس خاويا على نحو تام، بل هو يتقد بالنشاط دائما. لذا دعونا نتعرف أولا على أفكار الكم ثم نحاول فهم كيفية ارتباطها بأفكار نيوتن وأينشتاين.
البشر عمالقة مقارنة بالذرات. وقد تطورت حواسنا بحيث تجعلنا واعين بالعالم المرئي من حولنا. فقد تطورت أعين أسلافنا بحيث تكون حساسة للطيف البصري؛ إذ كانوا بحاجة لرؤية الحيوانات المفترسة المحتملة، ولم يكونوا بحاجة لرؤية النجوم أو الذرات. واقتضت رؤية الذرات مجاهر مخصوصة لم تصنع إلا في المائة عام الأخيرة وبدأت تكشف عن ظواهر تخالف قوانين الفيزياء المعروفة. فعلى سبيل المثال، بينما ترتد كرات البلياردو بعضها عن بعض بطريقة محددة، فإن أشعة الذرات تتشتت في بعض الاتجاهات أكثر من غيرها، مكونة مناطق كثيفة وأخرى ضحلة، مثل قمم وقيعان موجات المياه المتسربة عبر إحدى الفتحات. ندرك أول ما ندرك ونحن أطفال العالم المرئي، ونبني حدسنا استنادا إليه. ويبنى توقعنا التالي حول سلوك الأجسام على هذا الحدس، ومع هذا ففكرة الذرات الشبيهة بالموجات ليست بالفكرة المنطقية إطلاقا.
لم يكن معروفا أي شيء عن الذرات في القرن السابع عشر عندما وضع نيوتن قوانين ميكانيكا الأجسام الكبرى، التي صقلها أينشتاين فيما بعد، والتي شكلت البديهيات التي قامت عليها قصتنا حتى الآن. غير هذه النظرة إلى الطبيعة نظرة عامة. فبالنسبة للأجسام التي تتكون من أعداد هائلة من الجسيمات الذرية تعد ميكانيكا نيوتن وأينشتاين كافية، لكن ليست أساسية. تتبع الجسيمات المنفردة قواعد أساسية عادة ما تكون غريبة على حواسنا؛ «غريبة» لأن المرء لا يستطيع مثلا أن يعرف كلًا من الموضع والحركة الدقيقين للذرات المنفردة في الآن ذاته. لو كانت الذرات المنفردة تملك الوعي، لتطور حدسها من مثل هذه الخبرات، ولكانت هذه هي الطبيعة التي تعرفها، ولسوف تبدو وقتها ... طبيعية. غير أن الوعي الذاتي يتضمن عددا كبيرا من الذرات. وعندما تصير أعداد كبيرة من الذرات منظمة، يمكن أن تبزغ أنماط منتظمة بسيطة تمنح المجموعة ككل خصائص لا تملكها الذرات المنفردة أو الأعداد الصغيرة منها. لعل الوعي البشري أحد الأمثلة على هذه الخصائص، وتتضمن الأمثلة الأخرى خاصية مغناطيسية المعادن والموصلية الفائقة التي في المجموعات الكبيرة للذرات لكن لا تتمتع بها الذرات المنفردة، والأطوار الصلبة والسائلة والغازية للمادة، كما في الجليد والماء والبخار، والتي تنشأ من الطرق المختلفة التي تنظم بها الذرات أو الجزيئات نفسها (سنوضح هذه الأفكار بالتفصيل في الفصل الثامن عندما نتعرض لفكرة التحولات الطورية ونتأمل هل يوجد فراغ فريد أم لا). في مثل هذه المواقف، يبزغ من السلوك الأساسي الجوهري تسلسل هرمي من القوانين الفيزيائية.
قدم روبرت لافلين في كتابه «كون مختلف» وصفا شاملًا للظواهر الثانوية في الفيزياء. ويشدد على وجه الخصوص على فكرة أن قوانين نيوتن هي قوانين وصفية ولیست جوهرية، وأن الصعوبات التي نواجهها في فهم الظواهر الكمية ترجع إلى محاولة تفسيرها في ضوء نظريات نيوتن، في حين أنه أولى بنا أن نقبل نظريات نيوتن على أنها نظريات منبثقة من نظرية الكم.
يرجع سبب قدرة العلم على التنبؤ – مع أن المعادلات الأساسية قد لا تكون معروفة، أو حتى يستحيل حلها إذا كانت معروفة – إلا أنه ليست الذرات والجزيئات وحدها هي التي تقدر التنظيم؛ فالقوانين التي تعمل على مستوى الذرات المنفردة تنتظم في قوانين جديدة كلما ارتقينا إلى الأنظمة المعقدة. إن المعادلات الأساسية التي تحكم الذرات المنفردة معروفة، لكن يستحيل حلها إلا في حالات معدودة بسيطة فحسب، ويكاد يكون اشتقاق المواد الصلبة والسائلة مستحيلا. لكن هذا لم يمنع المهندسين من تصميم بنى صلبة أو أنظمة هيدروليكية. إن قوانين الشحنات الكهربائية تؤدي إلى ظهور قوانين الديناميكا الحرارية والكيمياء، التي تقود بدورها إلى ظهور قوانين الصلابة ثم قوانين الهندسة. قد يتعذر اشتقاق الحالة السائلة لهذه المادة أو تلك من القوانين الأولى، لكن تظل هناك خصائص عامة تتمتع بها السوائل تتجاوز هذه القوانين. لن تتحمل السوائل اختلافات الضغط من نقطة إلى أخرى بخلاف تلك الناشئة عن الجاذبية، وهذا هو المبدأ الكامن وراء البارومتر الزئبقي وكل الآلات الهيدروليكية. هذه خاصية من خصائص الحالة السائلة المنظمة، وليس للقوانين الأساسية المفصلة على المستوى الذري أهمية كبيرة في هذا المقام. وهي السبب في حدوث الظواهر التي قادت كلًا من جاليلو وتورشيللي إلى اكتشافاتهما حول السوائل والفراغ، والتي بدأنا بها رحلتنا.
هذا التسلسل الهرمي للبنى والقوانين هو ما يمكننا من فهم العالم ووصفه؛ فالطبقات الخارجية تعتمد على الطبقات الداخلية، ومع ذلك فلكل منهما هويته، وعادة ما يمكن التعامل مع الواحدة بمعزل عن الأخرى. وهكذا يستطيع المهندس أن يصمم جسرا دون الحاجة إلى الاستعانة بالفيزياء الذرية التي تقوم عليها قوانين الضغط والتوتر.
تعتمد جميع صور الهندسة والتكنولوجيا على قوانين نيوتن للحركة، التي تقضي بأن الأشياء تتحرك بسرعة ثابتة ما لم تجبر على تغيير حركتها، وأن مقدار القوة عينه يسبب تسارع الجسم الثقيل بقدر أقل مما يسارع الجسم الخفيف، وأن العجلة تحدث في نفس اتجاه القوة المسببة لها. وعلى مدار ثلاثمائة عام من التجريب الدقيق كانت إخفاقاتها الوحيدة عندما طبقت على الأجسام المتحركة بسرعة تقارب سرعة الضوء، ولذلك فهي متضمنة في نظرية النسبية لأينشتاين، أما على مقاييس الطول الذرية فتحل محلها قوانين ميكانيكا الكم.
ترتبط تجاربنا المباشرة بالمادة في صورتها المكثفة، إذ إن حواسنا لا تعني وجود الذرات، لكن دلالات الحركة المحمومة للهندسة الذرية تحيط بنا في كل الأرجاء. فأنا أشاهد النبات ينمو ولا أرى ذرات الكربون والأكسجين وهي تنتزع من الهواء وتتحول إلى أوراق، وطعام الإفطار المكون من الحبوب الذي أتناوله يتحول على نحو غامض إلى جزء مني بفضل إعادة ترتيب جزيئاته. في جميع الأحوال تملك الذرات زمام الأمور، ونحن - الكائنات الضخمة الثقيلة – لا نرى سوى المنتج النهائي الكبير. لا تنطبق قوانين نيوتن إلا على سلوك المادة في صورتها المكثفة.
بعد نيوتن بمائتي عام تطورت التقنيات التجريبية إلى درجة بدأت معها الهندسة الذرية في أن تدرك. ومع مطلع القرن العشرين بدأت تتراكم حقائق تجريبية غريبة متعددة بشأن الجسيمات الذرية، وقد بدت متعارضة مع عمل نيوتن المحكم الدقيق، مثل السلوك الموجي للذرات المذكور سابقا. وإذا ما حاولنا وصف هذه الغرابة باستخدام لغة نيوتن المألوفة، فسوف نخفق.
حل هذه الأحجية يوجد في «دراسة حالة رائعة حول كيفية تطور العلم من خلال صياغة نظريات تتوافق مع الحقائق وليس العكس». اكتشفت قوانين ميكانيكا الكم، ميكانيكا الأشياء شديدة الصغر، في عشرينيات القرن العشرين. تعمل ميكانيكا الكم بنجاح؛ إذ وصلت دقة توقعاتها في بعض الحالات إلى أجزاء من المليار. ذلك ومع فهي تتسبب في ظهور تناقضات محيرة، وبعض المحتالين يستغلون هذا لإقناع العامة أن العلماء يفكرون جديا في أكوان موازية لا يزال إلفيس بريسلي يعيش بها، أو يعتقدون أن التواصل بالتخاطر ممكن.
إحدى التناقضات الظاهرة التي تهمنا هنا أنه بعد التخلص من المادة والمجالات وكل شيء من أجل الوصول إلى العدم، فإن الفراغ الناتج على نطاق واسع هو أيضا تأثير تراكمي. فعندما يرى الفراغ على المستويات الذرية نجده يعج بالنشاط والطاقة هي والجسيمات.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|