المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الوزير نفررنبت في عهد رعمسيس الرابع
2024-11-24
أصناف الكفار وكيفية قتالهم
2024-11-24
الكاهن الأعظم «لآمون» (رعمسيس نخت) وأسرته
2024-11-24
نقل تماثيل الملك «رعمسيس الرابع»
2024-11-24
الصحافة الأدبية في دول المغرب العربي
2024-11-24
الصحافة الأدبية العربية
2024-11-24



الإمام الرضا في ظلّ أبيه الكاظم ( عليهما السّلام )  
  
2582   09:12 مساءً   التاريخ: 29-1-2023
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 10، 51-62
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن موسى الرّضا / مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام) /

في المرحلة التاريخيّة التي عاشها الإمام الرضا مع أبيه ( عليهما السّلام ) برزت عدّة ظواهر كانت ذات تأثير على نشاط ومواقف الإمام الرضا ( عليه السّلام ) أثناء تصدّيه للإمامة . ونشير إلى أهمها كما يلي :

1 - الانحراف الفكري والديني : لقد تعدّدت التيارات المنحرفة في تلك الفترة مثل تيّار المشبّهة والمجسّمة والمجبّرة والمفوّضة ، وتيّار القياس والاستحسان والرأي ، وحابى بعض الفقهاء الحكام الطغاة فكانت هذه الفترة خطيرة جدّا إذ كانت الأجواء مليئة بالاختلافات الفقهيّة والتوتر السياسي الخانق .

2 - الفساد الأخلاقي والمالي : وعاصر الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وهو في ظلّ أبيه حكّاما يتلاعبون بأموال المسلمين ويرونها ملكا لهم ، لا يردعهم أيّ تشريع أو نقد وإنما كان الإنفاق قائما على أساس هوى الحاكم العبّاسي ورغباته الشخصية أو رغبات زوجاته وإمائه[1].

وقد خلّف المنصور عند وفاته ستمائة ألف ألف درهم وأربعة عشر ألف ألف دينار[2].

ودخل مروان بن أبي حفصة على المهدي العبّاسي فأنشده شعرا مدح فيه بني العبّاس وذمّ أهل البيت ( عليهم السّلام ) فأجازه سبعين ألف درهم[3] .

وأرسل عبد اللّه بن مالك إلى المهدي جارية مغنّية فأرسل إليه أربعين ألفا[4].

وكان الرشيد مولعا بالشراب مع جعفر البرمكي ومع أخته العبّاسة بنت المهدي ، وكان يحضرها إذا جلس للشرب ، ثمّ يقوم من مجلسه ويتركهما يثملان من الشراب[5].

3 - الفساد السياسي : وشاهد الإمام كيفية تعامل العباسيين مع الخلافة حيث كانوا يفهمونها على أنها موروثة لهم من قبل رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عن طريق عمّه العباس ، واتّبعوا أسلوب الاستخلاف دون النظر إلى آراء المسلمين ولم يرجعوها إلى أهلها الشرعيين الذين نصبهم الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) بأمر من اللّه تعالى .

وأخضع العباسيّون القضاء لسياستهم فاستخدموا الدين ستارا يموّهون به على الناس إذ أشاعوا أنّهم الولاة من قبل اللّه تعالى فلا يجوز للناس نقدهم أو محاسبتهم .

4 - تعاطف المسلمين مع أهل البيت ( عليهم السّلام ) : وعاش الإمام الرضا ( عليه السّلام ) روح المودّة والتآلف والموالاة مع أهل البيت ( عليهم السّلام ) وهي ثمرة جهود آبائه السابقين ( عليهم السّلام )[6].

واعترف بهذا هارون الرشيد نفسه حيث قال للإمام الكاظم ( عليه السّلام ) : أنت الذي تبايعك الناس سرّا[7].

كما عاش الإمام الرضا ( عليه السّلام ) أساليب الرشيد الماكرة واستدعاءاته المتكررة لأبيه الكاظم ( عليه السّلام ) وسجنه الطويل الذي أدّى إلى اغتياله .

5 - الحركات المسلّحة : ومن الظواهر المهمّة البارزة في حياة الإمام الرضا مع أبيه كثرة الثورات المسلّحة التي استمرت طول الفترة التي نشأ فيها في كنف أبيه ( عليه السّلام ) ، فمن الثورات المهمة ثورة الحسين بن علي بن الحسن بن الإمام الحسن ( عليه السّلام ) المعروف بصاحب فخ الذي قاد ثورة مسلّحة ضد الوالي العبّاسي في المدينة والتي انتهت بمقتل الحسين وأهل بيته رضوان اللّه تعالى عليهم .

واستمرت المعارضة المسلّحة ضد الحكم العبّاسي ففي سنة ( 176 ه ) خرج يحيى بن عبد اللّه بن الحسن ، فبعث هارون آلاف الجنود لقتاله ثم أعطاه الأمان وحبسه فمات في الحبس[8].

لقد كانت هذه الثورات انعكاسا طبيعيا للسياسة العباسية الظالمة .

هذا ملخّص لأهمّ الأحداث التي برزت في حياة الإمام الرضا ( عليه السّلام ) وهو في ظلّ أبيه الكاظم ( عليه السّلام ) لنرى كيف واجهها الإمام ( عليه السّلام ) فيما بعد وكيف مارس مسؤولياته وقت تصدّيه للإمامة في بحوث قادمة إن شاء اللّه تعالى .

الإمام الكاظم والتمهيد لإمامة الرضا ( عليه السّلام )

حدّد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) إحدى مسؤوليات الإمام بقوله : « في كل خلف من امّتي عدول من أهل بيني ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . . . »[9].

والإمام الرضا ( عليه السّلام ) باعتباره أحد أئمة أهل البيت المعصومين ( عليه السّلام ) مكلّف بهذه المسؤولية ، وتتأكد هذه المسؤولية حينما يتصدّى بالفعل لإمامة المسلمين ، أمّا في ظل إمامة والده الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) فان مسؤوليته تكون تبعا لمسؤولية الإمام المتصدّي ، والمتصدّي هو الأولى بتحمّل الأعباء والتكاليف ، ويبقى غيره صامتا الّا في حدود خاصة ، وفي هذا الصدد أجاب الإمام جعفر الصادق ( عليه السّلام ) عن سؤال حول تعدد الأئمة في وقت واحد ، فقال : « لا ، الّا وأحدهما صامت »[10].

ففي عهد الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) كان الإمام الرضا ( عليه السّلام ) صامتا بمعنى عدم تصدّيه للإمامة ، وعدم اتخاذ المواقف بشكل مستقل واتباع مواقف الإمام المتصدّي بالفعل لمنصب الإمامة ، والصمت لا يعني التوقف عن العمل الاصلاحي والتغييري داخل الأمة ، فقد كان ( عليه السّلام ) يعمل ويتحرك داخل الأمة تبعا لمسؤوليته المحددّة له ، فكان ( عليه السّلام ) ينشر المفاهيم والقيم الاسلامية ، ويردّ على الأسئلة العقائدية والفقهية وكان يفتي في مسجد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) وهو ابن نيف وعشرين سنة[11].

وقال الذهبي : أفتى وهو شاب في أيّام مالك [12].

وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر في عهد إمامة والده ( عليه السّلام ) ، كما كان يروي عن والده وعن أجداده ، وينشر أحاديث أهل البيت ( عليه السّلام ) وسنّة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) .

وروى عنه جماعة من الرواة منهم : أبو بكر أحمد بن الحباب الحميري ، وداود بن سليمان بن يوسف الغازي ، وسليمان بن جعفر وآخرون[13].

وكان الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) يوجّه الأنظار اليه ويرجع أصحابه إليه ، ومما قاله بحقّه :

« هذا ابني كتابه كتابي ، وكلامه كلامي ، وقوله قولي ، ورسوله رسولي ، وما قال فالقول قوله »[14].

وكان يقول لبنيه : « هذا أخوكم علي بن موسى عالم آل محمد فسلوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم »[15].

وكان ( عليه السّلام ) يهيّء الأجواء للإمام الرضا ( عليه السّلام ) ليقوم بالأمر من بعده ، وممّا قاله لعلي بن يقطين : « يا علي بن يقطين هذا عليّ سيّد ولدي أما إنّه قد نحلته كنيتي »[16].

الوصيّة بالإمامة

الإمامة مسؤولية إلهية كبيرة ولذا فهي لا تكون إلّا بتعيين ونصب من اللّه ونص من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ولا اختيار للمسلمين فيها لعدم قدرتهم على تشخيص الإمام المعصوم الذي أكّد اللّه عصمته بقوله تعالى : لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[17] ، وقد أكّدت الروايات النبويّة على هذه الحقيقة ، ومنها ما صرّح به رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في بداية الدعوة بقوله : « انّ الأمر للّه يضعه حيث يشاء »[18].

وصرّح رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) في غير مرّة بأنّ الأئمة اثنى عشر وأنّ جميعهم من قريش ، وقد ورد النص على ذلك بألفاظ عديدة[19].

ووردت روايات تؤكد أن الأئمة من بني هاشم ومن تلك النصوص قول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) : « بعدي اثنى عشر خليفة . . . كلهم من بني هاشم »[20].

ووردت روايات عديدة لتفسّر بني هاشم بعلي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) وأولاده ، ثم تحصرها بالحسين ( عليه السّلام ) وذريته[21].

ووردت روايات عديدة عن رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) ذكر فيها أسماء الأئمة الاثني عشر ، بعضه عام وبعضها خاص ، ومن هذه الروايات قول رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) :

« الأئمة من بعدي اثنا عشر ، أولهم علي ورابعهم عليّ وثامنهم علي . . . »[22].

وعلى ضوء ذلك فإن الإمامة تعيّن بالوصية ، فكل امام يوصي إلى الإمام من بعده بعهد معهود من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) يتناقله كل امام عن الإمام قبله .

قال الإمام جعفر الصادق ( عليه السّلام ) : « أترون الأمر الينا نضعه حيث نشاء ؟ ! كلّا واللّه إنّه لعهد معهود من رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) إلى رجل فرجل ، حتى ينتهي إلى صاحبه »[23].

وفي خصوص تعيين الإمام الرضا ( عليه السّلام ) إماما للمسلمين ، فإنّ الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) قد نصّ عليه تلميحا وتصريحا لخاصة أصحابه ليقوموا بدورهم في إثبات إمامته في الأمة ، ولم يعلن عن إمامته أمام الملأ لأن ظروف الملاحقة والمطاردة من قبل السلطة العباسية كانت تحول دون ذلك .

وقد تظافرت النصوص على تعيين الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) لابنه الإمام الرضا ( عليه السّلام ) اماما وقائما بالأمر من بعده .

فعن نعيم بن قابوس قال : قال لي أبو الحسن ( عليه السّلام ) : « علي ابني أكبر ولدي وأسمعهم لقولي وأطوعهم لأمري ، ينظر معي في كتاب الجفر والجامعة ، وليس ينظر فيه الّا نبي أو وصيّ نبي »[24].

وقد صرّح ( عليه السّلام ) بإمامته منذ نشأته الأولى ، ففي رواية قال المفضل بن عمر للامام الكاظم ( عليه السّلام ) : « جعلت فداك لقد وقع في قلبي لهذا الغلام من المودة ما لم يقع لأحد إلّا لك ، فقال : يا مفضل هو منّي بمنزلتي من أبي ( عليه السّلام ) ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم ، قلت : هو صاحب هذا الأمر من بعدك ؟ قال : نعم »[25].

الوصية في المراحل الأولى ( 150 - 178 ه )

في المراحل الأولى من تصدّي الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) للإمامة نجده يوصي بإمامة ولده علي الرضا ( عليه السّلام ) لخاصة أصحابه وللثقات الذين يحفظون الاسرار ولا يبوحون بها في المحافل العامة ، وكان يصرّح أحيانا ويلمح أخرى .

فعن داود بن رزين قال : « حملت إلى أبي إبراهيم مالا فأخذ منّي بعضه ، وردّ عليّ الباقي ، فقلت له : جعلت فداك لم رددت عليّ هذا ، فقال : امسكه حتى يطلبه منك صاحبه بعدي ، فلما مضى موسى ( عليه السّلام ) بعث اليّ الرضا ( عليه السّلام ) أن :هات المال الذي قبلك فوجّهت به إليه »[26].

فالإمام في هذه الرواية لم يصرّح لداود باسم الإمام الموصى اليه وإنّما جعل الأمر لولده الرضا ( عليه السّلام ) ليؤكد له إمامته فيما بعد .

وكان الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) يجمع بين التلميح والتصريح على امامة الرضا ( عليه السّلام ) في قول واحد لاختلاف المستويات الفكرية والعقلية في درجة التلقي والادراك .

فعن علي بن عبد اللّه الهاشمي قال : « كنّا عند القبر - أي قبر رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) - نحو ستين رجلا منّا ومن موالينا ، إذ أقبل أبو إبراهيم موسى ابن جعفر ( عليه السّلام ) ويد عليّ ابنه في يده ، فقال : أتدرون من أنا ؟ قلنا : أنت سيدنا وكبيرنا ، فقال : سمّوني وانسبوني ، فقلنا : أنت موسى بن جعفر بن محمد ، فقال :

من هذا معي ؟ قلنا : هو علي بن موسى بن جعفر ، قال : فاشهدوا أنّه وكيلي في حياتي ووصيّي بعد موتي »[27].

وهذا النص هو نص بالإمامة وهو في نفس الوقت قابل للتفسير الظاهري وهو الوصية العادية للأب إلى الابن ، جعله الإمام ( عليه السّلام ) من الالفاظ المتشابهة بسبب سوء الأوضاع السياسية من إرهاب وملاحقة وكبت للحريّات .

وكان الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) يعلن إمامة الرضا ( عليه السّلام ) أمام بعض الافراد أحيانا ، وأمام تجمع من أصحابه وأهل بيته أحيانا أخرى تبعا لمتطلّبات الظروف .

فعن داود بن كثير الرقي ، قال : « قلت لموسى الكاظم ( عليه السّلام ) جعلت فداك اني قد كبرت سنّي فخذ بيدي وأنقذني من النار ، من صاحبنا بعدك ؟ فأشار إلى ابنه أبي الحسن الرضا ، فقال : هذا صاحبكم بعدي »[28].

وعن حيدر بن أيوب قال : كنّا بالمدينة في موضع يعرف بالقبا فيه محمد بن زيد بن علي ، فجاء بعد الوقت الذي كان يجيئنا فيه ، فقلنا له : جعلنا اللّه فداك ما حبسك ؟ قال : دعانا أبو إبراهيم ( عليه السّلام ) اليوم سبعة عشر رجلا من ولد علي وفاطمة ( عليهما السّلام ) ، فأشهدنا لعليّ ابنه بالوصية والوكالة في حياته وبعد موته ، وأنّ أمره جايز عليه وله .

ثم وضّح محمد بن زيد مقصود الإمام ( عليه السّلام ) فقال : واللّه يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم . . . »[29].

وكان يستعمل لتثبيت إمامته ألفاظا واضحة لا تحتاج إلى تأويل ، فعن عبد اللّه بن الحارث وامّه من ولد جعفر بن أبي طالب أنه قال : « بعث إلينا أبو إبراهيم ( عليه السّلام ) فجمعنا ثم قال : أتدرون لم جمعتكم ؟ قلنا : لا ، قال : اشهدوا أنّ عليّا ابني هذا وصيي والقيّم بأمري وخليفتي من بعدي . . . ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني الّا بكتابه »[30].

هذا في اجتماعاته الخاصّة بينما كان لا يصرّح بذلك في التجمّعات العامة وانّما يأتي بألفاظ متشابهة ويترك للمجتمعين حرية التأويل والتفسير لكلامه .

قال حسين بن بشير : « أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليهما السّلام ) ابنه عليا ( عليه السّلام ) كما أقام رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله ) عليا ( عليه السّلام ) يوم غدير خم ، فقال : يا أهل المدينة أو يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي »[31].

وفي رواية أخرى قال عبد الرحمن بن الحجّاج : أوصى أبو الحسن موسى بن جعفر ( عليهما السّلام ) إلى ابنه عليّ ( عليه السّلام ) ، وكتب له كتابا أشهد فيه ستين رجلا من وجوه أهل المدينة[32].

وفي سنة ( 178 ه ) أخبر محمد بن سنان بوصيته بامامة ابنه علي الرضا ( عليه السّلام )[33].

الوصية في مرحلة الاعتقال

لقد اعتقل الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) في سنة ( 179 ه ) قبل التروية بيوم ، أي في اليوم السابع من ذي الحجة سنة ( 179 ه ) على رواية ، وفي يوم ( 27 ) رجب سنة ( 179 ه ) كما في رواية أخرى[34].

وبعد خمسين يوما من اعتقاله دخل إسحاق وعلي ابنا عبد اللّه بن الإمام جعفر الصادق ( عليه السّلام ) على عبد الرحمن بن أسلم وهو في مكة ومعهما كتاب الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) بخطه فيه حوائج قد أمر بها ، فقالا : إنه أمر بهذه الحوائج من هذا الوجه ، فإذا كان من أمره شيء فادفعه إلى ابنه عليّ فإنه خليفته والقيّم بأمره[35].

وفي طريقه ( عليه السّلام ) إلى سجن البصرة أرسل على عبد اللّه بن مرحوم فدفع اليه كتبا وأمره ان يوصلها إلى ابنه عليّ وقال له : فإنّه وصيي والقيّم بأمري وخير بنيّ[36].

ومن داخل سجن البصرة أرسل كتبا إلى أصحابه يوصي بها إلى ابنه الإمام الرضا ( عليه السّلام ) :

فعن الحسين بن مختار قال : خرجت إلينا ألواح من أبي الحسن ( عليه السّلام ) - وهو في الحبس - عهدي إلى أكبر ولدي[37].

في سنة ( 180 ه ) - بناء على رواية بقاء الإمام سنة في البصرة - وصل الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) إلى بغداد ، فدخل عليه علي بن يقطين فوجد عنده عليّ الرضا ( عليه السّلام ) فقال له : « يا علي بن يقطين هذا عليّ سيّد ولدي ، أما إني قد نحلته كنيتي » .

وحينما حدّث هشام بن الحكم بذلك قال له هشام : أخبرك أنّ الأمر فيه من بعده[38].

وفي الفترة بين سنة ( 181 ه ) وسنة ( 183 ه ) كتب من الحبس إلى عليّ ابن يقطين : « ان ابني سيد ولدي وقد نحلته كنيتي »[39].

إمامة الرضا ( عليه السّلام ) وزمن الاعلان عنها

إنّ الظروف التي عاشها الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) كانت تستدعي الكتمان والسرية في القرار والموقف السياسي وخصوصا فيما يتعلق بالامام من بعده لذا نرى أنه كان يتكتم في إعلان ذلك ، ولكنه كان قد عيّن زمنا خاصا للإمام الرضا ( عليه السّلام ) لإعلان إمامته ( عليه السّلام ) .

فعن يزيد بن سليط الزيدي قال : « لقينا أبا عبد اللّه ( عليه السّلام ) في طريق مكة ونحن جماعة ، فقلت له : بأبي أنت وامّي أنتم الأئمة المطهرون والموت لا يعرى أحد منه ، فأحدث اليّ شيئا ألقيه إلى من يخلفني ، فقال لي : نعم هؤلاء ولدي وهذا سيّدهم - وأشار إلى ابنه موسى ( عليه السّلام ) - ثم لقيت أبا الحسن بعد ، فقلت له : بأبي أنت وامّي أريد أن تخبرني بمثل ما أخبرني به أبوك ، قال :

كان أبي في زمن ليس هذا مثله ، . . . اني خرجت من منزلي فأوصيت في الظاهر إلى بنيّ فاشركتهم مع ابني علي وأفردته بوصيتي في الباطن . . . يا يزيد انّها وديعة عندك ، فلا تخبر بها إلّا عاقلا أو عبدا امتحن اللّه قلبه للإيمان أو صادقا . . . وليس له ان يتكلم الّا بعد هارون بأربع سنين ، فإذا مضت أربع سنين فاسأله عمّا شئت يجيبك إن شاء اللّه تعالى »[40].

 

[1] مروج الذهب : 3 / 308 .

[2] مروج الذهب : 3 / 308 .

[3] تاريخ الطبري : 8 / 182 .

[4] تاريخ الطبري : 8 / 185 .

[5] تاريخ الطبري : 8 / 294 .

[6] تاريخ العلويين ، محمد أمين غالب الطويل : 200 .

[7] الصواعق المحرقة : 309 .

[8] الصواعق المحرقة : 309 .

[9] الصواعق المحرقة : 231 .

[10] الكافي : 1 / 178 .

[11] تهذيب التهذيب : 7 / 339 .

[12] سير أعلام النبلاء : 9 / 388 .

[13] تهذيب الكمال : 21 / 148 .

[14] أصول الكافي : 1 / 312 ، وعيون أخبار الرضا : 1 / 31 ، والارشاد : 2 / 250 والغيبة للطوسي : 37 . وروضة الواعظين : 1 / 222 ، الفصول المهمة : 244

[15] إعلام الورى : 2 / 64 وعنه في كشف الغمة : 3 / 107 وعنهما في بحار الأنوار : 49 / 100 .

[16] الارشاد : 2 / 249 وعنه في إعلام الورى : 2 / 43 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 60 وعن العيون في بحار الأنوار : 49 / 13 .

[17] البقرة ( 2 ) : 124 .

[18] تاريخ الطبري : 2 / 350 ، السيرة الحلبية : 2 / 3 ، السيرة النبوية لابن كثير : 2 / 159 .

[19] مسند أحمد : 1 / 657 ، سنن أبي داود : 4 / 106 ، سنن الترمذي : 4 / 501 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 11 ، كنز العمّال : 12 / 32 .

[20] ينابيع المودة : 1 / 308 ، مودة القربى : 445 ، إحقاق الحق : 13 / 30 .

[21] كفاية الأثر : 23 ، 29 ، 35 .

[22] جامع الأخبار : 62 .

[23] بحار الأنوار : 23 / 70 عن الصدوق في كمال الدين .

[24] أصول الكافي : 1 / 311 ح 2 وعيون أخبار الرضا : 1 / 31 والارشاد : 2 / 249 عن الكليني ، وعنه الطوسي في الغيبة : 36 .

[25] عيون أخبار الرضا : 1 / 32 .

[26] أصول الكافي : 1 / 313 ، واختبار معرفة الرجال : 313 ، والارشاد : 1 / 251 ، 252 ، وعنه في إعلام الورى : 2 / 47 وكشف الغمة : 3 / 61 ، 62 والغيبة للطوسي : 93 ح 18 ، وبحار الأنوار : 49 / 25 .

[27] عيون أخبار الرضا : 1 / 27 .

[28] الفصول المهمة : 243 - 244 .

[29] عيون أخبار الرضا : 1 / 28 .

[30] أصول الكافي : 1 / 312 ، وفي عيون أخبار الرضا : 1 / 27 والارشاد : 2 / 250 ، 251 عن الكليني وعنه في إعلام الورى : 2 / 45 والطوسي في الغيبة : 37 وعنها جميعا في بحار الأنوار : 49 / 16 .

[31] عيون أخبار الرضا : 1 / 29 .

[32] عيون أخبار الرضا : 1 / 28 .

[33] عيون أخبار الرضا : 1 / 32 .

[34] بحار الأنوار : 48 / 206 - 207 .

[35] عيون أخبار الرضا 1 / 39 .

[36] عيون أخبار الرضا : 1 / 27 .

[37] الكافي : 1 / 312 ، وعيون أخبار الرضا : 1 / 300 ، والارشاد : 2 / 250 عن الكليني وعنه في الغيبة للطوسي : 36 / 12 وإعلام الورى : 2 / 46 وعن الارشاد في كشف الغمة : 3 / 61 وعن الارشاد والاعلام والغيبة في بحار الأنوار : 49 / 24 .

[38] الكافي : 1 / 311 وعنه في الارشاد : 2 / 249 وعيون أخبار الرضا : 1 / 21 ، والغيبة للطوسي : 35 .

[39] الكافي : 1 / 313 ، يبدو أن الإبهام من الراوي في ظرف نقل الخبر باعتبار حراجة الظرف والمقصود به الإمام الرضا ( عليه السّلام ) فالنص هكذا : إنّ عليا ابني سيّد ولدي .

[40] عيون أخبار الرضا : 1 / 24 - 26 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.