كان أداء اليمين شائعاً في جميع الحضارات و المجتمعات القديمة ، فقد كان يكثر استعمالها الى درجة أن اليمين أصبحت مهيمنة على التصرفات والاقوال كافة ، فمن المرجح أن الانسان استخدمها عند انتقاله إلى الحياة الاجتماعية و اضطراره عند تعامله مع أقرانه ، الى حاجته لإيجاد وسيلة تضمن له حقوقه ، وتلزم من تعامل معه على الوفاء و الصدق بما تعهد به ، في وقت لم تكن وسائل و تقنيات الكتابة موجودة ، وكان استخدام اليمين شاملا في جميع الحضارات القديمة في اليونان و مصر و آسيا وغيرها كانت تستعمل كوسيلة من وسائل الاتبات و في انشاء العقود و قضايا الاحوال الشخصية كاتبات البنوة و الزواج ، وكان أداء اليمين يتم عن طريق إشهاد الالهة على التعهد بحضور عدد من الشهود (1).

ومن أجل إعطاء مفهوم دقيق لمعنى اليمين فلابد من التطرق بداية الى تعريفها لغة و شرعا  و اصطلاحاً و قانوناً .

فتعريف اليمين لغة " اليمين اي اليمن . و اليمين : ضد اليسار : ايْمُنُ وأَيْمَانُ وأيامنُ وأيامينُ ، وَالبَركَة ، والقوة (2) ، واليَمينُ : الحِلفُ والقسم ، أنتى ، والجمع أيمن وأيمان . وفي الحديث : يمينك على ما يُصدقك به صاحبك أي يجب عليك أن تحلف له على ما يصدقك به إذا حلفت له (3).

وتطلق على اليد اليمنى ، ومنه قوله تعالى ( فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِين ) (4)

و تطلق أيضا على المنزلة ، ومنه قول الأصمعي : عندنا باليمين : أي بمنزلة حسنة .

و تطلق ايضا على البركة ، يقال يمين الرجل على قومه إذا جعله الله مباركا ، واليمين البركة ، وسمي الحلف يمينا لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل واحد منهم يمينه على يمين صاحبه (5).

وقد قسم علماء المسلمين اليمين الى يمين اللغو هو اليمين الذي يجري علي اللسان دون قصد ودون تفكير منك ويحدث بشكل تلقائي ، واليمين المنعقدة وهي " أن تعقد النية أنك ستفعل الشئ وتقسم أنك ستفعله أو تقسم علي شئ أنك سوف تتركه في المستقبل وعندما يحين الوقت تتراجع ولا تفعل ما أقسمت عليه " ، وأخيراً يمين الغموس هو أن تحلف علي شئ كذب وتعلم أنك كاذب فتضيع الحقوق بين الناس وسميت غموس لأنها تغمس صاحبها في النار)  (6).

أما اليمين قانونا : فهي أما يمين قضائية و إما يمين غير قضائية .

واليمين القضائية هي ( اليمين التي يقوم الحالف بتأديتها أمام القاضي بان يقول الحالف (والله) ويذكر صيغة التي تقرها المحكمة ، وبذلك تكون اليمين في هذه الحالة عمل ديني و مدني ، ولا توجهها إلا بعد إقامة دعوى صحيحة في المحكمة وأمام مجلس القضاء، وتكون مقرونة بالعلم القاطع)(7).

وتنقسم اليمين القضائية الى اليمين الحاسمة و اليمين المتممة

فأما اليمين الحاسمة فتعرف بانها ( قول يتخذ فيه الله شاهداً على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد . ويستنزل عقابه إذا ما حنت ) (8).

أما اليمين المتممة فهي : ( اليمين التي يوجهها القاضي من تلقاء نفسه إلى أي من الخصمين في الدعوى لكي يستكمل فيها دليلا ناقصاً ، أو تقدير ما يراد الحكم به، فهذه اليمين هي وسيلة اطمئنان أو تقدير قيمة ، وهذا اليمين هي حق للقاضي ، كما أن حلفها تترتب أثار قانونية ) (9).

ويمكن تعريف اليمين غير قضائية بانها ( اليمين التي لا يقصد فيها اثبات أو نفي لواقعة معروضة قضائيا ، وإنما تأكيد لعمل أو وعد ، وتكون أمام جهة غير قضائية مثالها اليمين التي يؤديها الموظفين عند توليهم وظائفهم ) (10).

قاليمين الدستورية إذن هي صورة من صور اليمين غير القضائية فهي تؤدى لمهمة معينة أو وعد محدد بالصيغة التي ينص عليها في الدستور ، وإن تم أداؤها أمام جهة قضائية ؛ وذلك لان ليس هناك دعوى قضائية قائمة هذا ما تشترطه اليمين القضائية أساسا لتكيفيها . أما كلمة دستورية فهي صفة يوصف بها اليمين ، وهي جاءت من كلمة دستور الذي هو القانون الأعلى في الدولة و الذي يحدد شكل الدولة و نظام الحكم و ينظم السلطات (11).

ويمكن تعريف اليمين الدستورية وفقا للمعجم السياسي على أنها : " هو القسم الذي ينص عليه الدستور ، ويطلب الى الرئيس المنتخب في الدولة أن يؤديه قبل تسلم منصبه و ممارسة سلطاته ويسري مفعول هذا الاجراء الدستوري على الحكومات ، والمجالس النيابية التي تقسم اليمين بعد تشكيلها ، أو انتخابها ، وقبل ممارسة أعمالها ، وتنص عبارة اليمين الدستورية عادة على القسم أمام الله و الوطن باحترام الدستور ، و قوانين الامة و الحفاظ على استقلال الوطن و سلامة اراضيه (12).وعليه فمن خلال هذا التعريف لليمين الدستورية فان الجهة المكلفة بأداء هذا اليمين تكون على أنواع عديدة وهي الاتي :

النوع الأول : وهي اليمين التي يجب على رئيس الدولة القيام بأدائها سواء أكان رئيساً للجمهورية أم ملكا أم أميراً .

النوع الثاني : وهي اليمين التي يجب أداؤها من قبل رئيس السلطة التنفيذية ، متمثلة برئيس الوزراء و نائبه و الوزراء في الحكومة .

النوع التالت : يجب أداؤها من قبل رئيس السلطة التشريعية و نوابه وأعضاء السلطة التشريعية . اما النوع الرابع والأخير فيؤديها رئيس وأعضاء الهيئة المكلفون بالرقابة على دستورية القوانين في الدولة وأيا كانت التسمية سواء كانت تسمى المجلس الدستوري أم المحكمة الدستورية العليا ، ويتم اليمين أمام رئيس الدولة قبل مباشرتهم لأعمالهم ومهامهم

أما أطراف اليمين الدستورية فأنها تختلف باختلاف الشخص الذي يؤديه ، ففي حالة اليمين الدستورية من جانب رئيس الدولة فإن الاطراف اليمين هم ثلاثة أطراف .

الطرف الأول هو رئيس الدولة الذي يعد الطرف الأساسي ، و تنحصر مهامه في الاستعداد لأداء اليمين و عدم التهرب من أدائه أو رفض القيام بأدائه او التغيير من صيغة أدائه ، فيما يكون الطرف الثاني هو الشعب الذي يكون واجبه بتمكين رئيس الدولة من أداء اليمين الدستورية ، وذلك بسماعه لصيغتها و عبارتها المحددة في الدستور ، وبالتالي يكون شاهداً على اداء اليمين بالصيغة المنصوص عليها في الدستور ، فيما يتمثل الطرف الثالث في اليمين الدستورية الهيئات العليا للامة ، إذ أن القانون لم يحدد هذه الهيئات حصراً ، و لكن الحاضرين يكونون رؤساء المؤسسات الدستورية و رؤساء سابقين و قادة المؤسسة العسكرية و غيرهم من شخصيات المهمة في الدولة (13)

____________

1- هشام قبلان ، الدستور و اليمين الدستورية ، الطبعة الثانية ، منشورات عويدات ، بیروت ، 1985م ، ص 27-28 .

2- مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، القاموس المحيط ، دار الحديث ، القاهرة ، 2008 ، ص 1795

3-  ابن منظور، لسان العرب، الطبعة الثالثة، دار احياء التراث العربي، بيروت ، 1999 ، ص 460

4- سورة الصافات ، الآية 93

 5- خالد بن علي بن مـ محمد المشيقح ، احكام اليمين بالله عز و جل دراسة فقهية مقارنة، ط1، دار ابن جوزي ، 2000، ص 19-20

6- موقع المعلومة

https://el-ma3lomaa.com/2021/03/%D8%A3%D9%86%D9%88%D8%A7%D8%B9-D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%86.html% تاريخ الزيارة 2021/5/9 الساعة 9:10 pm

7- د. زهراء عبد الحافظ محسن ، اليمين الدستورية ما لها وما عليها ، بحث منشور في مجلة جامعة الكوفة للعلوم القانونية و السياسية ، جامعة الكوفة ، العدد 40 المجلد 1 لسنة 2019 ، ص 326

8- د. عصمت عبد المجيد بكر ، شرح قانون الاتبات ، الطبعة الثانية ، المكتبة القانونية ، بغداد ، 2006، ص 257

9-  د. أدم وهيب النداوي، الموجز في قانون الاتبات ، بغداد ، 1990 ، ص 191.

10-  د. زهراء عبد الحافظ محسن ، المصدر السابق ، ص 326.

11-  زهراء عبد الحافظ محسن ، المصدر السابق  ، ص 326.

12-  معهد البحرين للتنمية السياسية ، معجم المصطلحات السياسية ، سلسلة كتب 2014 ، ص 63 .

13- د . جواد الياس ، اليمين الدستورية، دراسة مقارنة ، بحث منشور في مجلة الدراسات القانونية و السياسية ، جامعة عمار تليجي ، الجزائر ، العدد 5 ، المجلد 1 لسنة 2017 ، ص 36