أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-9-2016
1100
التاريخ: 29-9-2016
1495
التاريخ: 19/12/2022
1363
التاريخ: 20-4-2022
1626
|
أهداف الدرس:
• أن يتعرّف الطالب إلى مقامَي الظاهر والباطن في النفس الإنسانيّة.
• أن يتبيّن وظيفته الإيمانيّة في أدب جوارحه، ومنها اللسان.
• أن يتبيّن خطر اللسان وكيفيّة التحكّم به.
• أن يتبيّن خطر الغِيبة وأثرها.
مقامات النفس الإنسانيّة:
إنّ للنفس الإنسانيّة في جهاد النفس مقامين، مقام الظاهر ومقام الباطن، والجهاد في كلا المقامين مختلف عن الآخر، ولتوضيح ذلك لا بدّ من أن نتعرّف - ولو إجمالاً - على معنى هذين المقامين وما يتميّزان به من بعضهما البعض.
المقام الأوّل "الباطن":
وهو المقام الّذي ينبغي التنبّه له جيّداً، وهو الّذي أشار إليه السيّد الخمينيّ (قدّس سرّه) في "الأربعون حديثاً" بقوله: "اعلم أنّ للنفس الإنسانيّة مملكة ومقاماً آخر، وهي مملكتها الباطنيّة ونشأتها الملكوتيّة، وفيها تكون جنود النفس أكثر وأهمّ ممّا في مملكة الظاهر، والصراع والنزاع فيها بين الجنود الرحمانية والشيطانية أعظم والغلبة والانتصار فيها أشدّ وأهمّ، بل وإنّ كلّ ما في مملكة الظاهر قد تنزَّل من هناك وتظهّر في عالم المُلك، وإذا تغلّب أيّ من الجند الرحمانيّ أو الشيطانيّ في تلك المملكة، يتغلّب أيضاً في هذه المملكة. وجهاد النفس في هذا المقام مهمّ للغاية عند المشايخ العظام من أهل السلوك والأخلاق، بل ويمكن اعتبار هذا المقام منبع جميع السعادات والتعاسات، والدرجات والدركات"(1).
إنّ ظاهر الإنسان يمكن إصلاحه بالتوبة والندم عن سوء العمل، إلا أنّ الباطن وسوء السريرة قد يصلانِ بالإنسان إلى مرحلة تجعله غير قابل لنزول الرحمة الإلهيّة عليه من قبيل الشفاعة أو الصفح الإلهيّ، فيصبح مصداق الآية الشريفة: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81].
فرحمة الله تعالى كالشمس المشرقة على العالم، فبإمكان كلّ من أراد أن يستقبل نورها بقدر ما يزيل من المعوّقات من أمامها، ورحمة الله تعالى كذلك مشرقة على كلّ المخلوقات إلا أنّ كلّ فرد بإمكانه الاستفادة منها بحسبه وبقدر ما يرفع من الموانع، أي الحجب النفسيّة الّتي تخلّفها المعاصي وحبُّ الدنيا وحبُّ الأنا...
المقام الثاني "الظاهر":
يقول السيّد الخمينيّ (قدّس سرّه) عن هذا المقام في كتابه الأربعون حديثاً ما ملخّصه: اعلم أنّ مقام النفس الأوّل ومنزلها الأدنى والأسفل، هو منزل الملك والظاهر وعالمهما، فتكون ساحة معركة النفس وجهادها نفس هذا الجسد، وجنودها هي قواه الظاهريّة السبع وهي: "الأذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل". وتكون جميع هذه القوى تحت تصرّف النفس في مقام الوهم، فإذا تحكَّم الوهم بتلك القوى، سواء بذاته مستقلّاً أو بتدخّل الشيطان، جعلها - أي تلك القوى - جنوداً للشيطان، وبذلك يجعل هذه المملكة تحت سلطان الشيطان، وتنهزم عندها جنود الرحمن والعقل، وتتوارى وتخرج من نشأة الملك أي: المادّة وعالم الإنسان وتهاجر عنه، وتصبح هذه المملكة خاصّة بالشيطان.
وأمّا إذا خضع الوهم لحكم العقل والشرع، وكانت حركاته وسكناته مقيّدة بنظام العقل والشرع، فقد أصبحت هذه المملكة مملكة روحانيّة وعقلانيّة، ولم يجد الشيطان وجنوده محطّ قدمٍ لهم فيها.
إذاً، يكون جهاد النفس في هذا المقام عبارة عن انتصار الإنسان على قواه الظاهريّة، وجعلها مؤتمرة بأمر الخالق، وعن تطهير المملكة من دنس وجود قوى الشيطان وجنوده.
وبناء على هذا، فعلى المؤمن السالك إلى الله تعالى، في هذا المقام أي مقام الظاهر، أن يلتفت بكلّ ما أوتي من حكمة ودراية للأحكام الإلهيّة الّتي تتعلّق بقواه الّتي أودعها الله تعالى فيه، وهذا ما يسمّى بأدب الجوارح...
أدب الجوارح:
إنّ وظيفة المرء في هذا المقام تكون بحمل الظاهر على التأدّب بأدب الشريعة من التنزيه لهذه الجوارح عمّا يخالف الأوامر الإلهيّة، وتحليتها بالخصال الحسنة والمحمودة وسنتطرّق في هذا الدرس إلى الجارحة الأولى وما ينبغي أن تنزّه عنه وتحلّى به، وهو اللسان.
اللسان طريقٌ إلى الله:
إنّ اللسان، وهو القطعة اللحميّة الصغيرة الحجم، سبب رئيس في دخول جلّ أهل النار إليها وكذا جلّ أهل الجنّة إليها؛ لأنّ اللسان وإن كان صغير الحجم إلّا أنّه كما قال بعض الحكماء "صغير الحجم كبير الجرم"، وعن الإمام الباقر عليه السلام: "إنّ هذا اللسان مفتاح كلّ خير وشرّ، فينبغي للمؤمن أن يختم على لسانه كما يختم على ذهبه وفضّته"(2).
إنّ اللِّسان من النعم العظيمة الّتي منَّ الله تعالى بها على الإنسان، قال (عزَّ وجلَّ): {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} [البلد: 8، 9] وفي الحديث عن الإمام عليّ ابن الحسين زين العابدين أنّه سئل عن الكلام والسكوت أيّهما أفضل؟ فقال: "لكلّ واحد منهما آفّات فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت، قيل: وكيف ذاك يا بن رسول الله؟
فقال: لأنّ الله (عزَّ وجلَّ) ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنّما بعثهم بالكلام، ولا استُحقّت الجنّة بالسكوت، ولا استُوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا وُقيت النار بالسكوت، ولا تُجُنّب سخطُ الله بالسكوت، إنّما ذلك كلّه بالكلام، ما كنت لأعدل القمر بالشمس، إنّك لتصف فضل السكوت بالكلام، ولست تصف فضل الكلام بالسكوت"(3).
ومن وصيّة الإمام عليّ (عليه السلام) لابنه محمّد بن الحنفيّة: "وما خلق الله (عزَّ وجلَّ) شيئاً أحسن من الكلام ولا أقبح منه، بالكلام ابيضّت الوجوه، وبالكلام اسودّت الوجوه، واعلم أنّ الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به فإذا تكلّمت به صرت في وثاقه، فاخزن لسانك كما تخزن ذهبك وورقك، فإنّ اللسان كلب عقور فإن أنت خلّيته عقر، ورُبّ كلمة سلبت نعمة..."(4).
خطر اللسان في الروايات:
وفي المقابل حذّرت الكثير من الروايات من الخطر الكبير الّذي يسبّبه اللسان لصاحبه إذا لم يجعله مطواعاً لعقله، ففي الرواية عن الإمام عليّ (عليه السلام): "زلّة اللسان أشدّ هلاك"(5) وفي رواية أخرى عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله): "إنّ أكثر خطايا ابن آدم في لسانه" (6)، ولذا نرى الكثير من الروايات الّتي تحبّذ الصمت حين لا يكون هناك أيّ داعٍ للكلام، فكما أنّ الكلام في مورده جميل ومطلوب فإنّ الصمت في مورده جميل ومطلوب أيضاً، بل دعت إليه الروايات الكثيرة منها:
ما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله: "أمسك لسانك، فإنّها صدقة تصدّق بها على نفسك"(7).
وعن الإمام عليّ (عليه السلام): "احبس لسانك قبل أن يُطيلَ حبسك ويردي نفسك، فلا شيء أولى بطول سجن من لسان يعدل عن الصواب ويتسرّع إلى الجواب"(8).
وفي رواية أخرى عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله): "لا يعرف عبد حقيقة الإيمان حتّى يخزن من لسانه"(9).
الميزان في التحكّم باللسان:
بعد أن عرفنا مخاطر اللسان ومنافعه، لا بدّ من أن نبحث عن الضابطة الّتي تحدّد لنا كيفيّة التحكّم بهذا اللسان، وليس لنا في ذلك إلّا أن نرجع إلى أئمَّة الهدى ومصابيح الدجى الّذين أناروا لنا الدروب المظلمة، ودلّونا على الحيل الّتي ينتهجها الشيطان بغية إزالتنا عن الصراط المستقيم، وقد أشار أهل البيت عليهم السلام في هذا المضمار إلى أمرين أساسين:
1- أن يأتمر اللسان بأوامر العقل الّذي جعله الله تعالى نبيّاً باطنيّاً في الإنسان، فحينما يحكّم الإنسان العقل في هذه الجارحة يكفّ بذاك أذاها ويمنعها من رداها، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): "اللسان معيار أرجحه العقل وأطاشه الجهل"(10).
2- أن يتأدّب اللسان بما أمر الله تعالى به الإنسان من الأوامر، وينتهي عمّا نهاه الله تعالى من المحرّمات، ولا أفضل من قول الإمام السجاد (عليه السلام) في رسالة الحقوق: "حقُّ اللسان إكرامه عن الخنا، وتعويده الخير، وترك الفضول الّتي لا فائدة لها، والبِرّ بالناس، وحسن القول فيهم"(11). فهذه مفاهيمُ أساس سلَّط الإمام السجّاد (عليه السلام) عليها الضوء مريداً منها أن يرشدنا إلى حقّ اللسان بأن نؤدّبه بما أمرنا به الله تعالى...
الغِيبة:
الغِيبة هي ذكر عيوب الإنسان في غَيبته للانتقاص منه. وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه واله) في خطبة حجّة الوداع: "أيّها الناس إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إنّ الله حرّم الغِيبة كما حرّم المال والدم"(12).
إنّ تأكيد الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) على حرمة الغِيبة في حجّة الوداع الّتي تضمّنت أهمّ التعاليم الأخلاقيّة، يدلّل بشكل كبير على مدى خطورتها على الأخلاق الإنسانيّة، ولو تأمّلنا ما جاء من الأحاديث الشريفة الّتي تتحدّث عنها لعلمنا مدى خطر هذه السيّئة الكبيرة، ومن هذه الروايات ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "الغِيبة آية المنافق"(13)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "الغِيبة شرّ الإفك"(14)، وعنه (عليه السلام) أيضاً: "من أقبح اللؤم غِيبة الأخيار"(15).
وتكون الغِيبة أخطر حينما تحمل فتنة بين المؤمنين، وكما في الرواية الواردة عن الإمام الصادق (عليه السلام): قال رجل لعليّ بن الحسين: إنّ فلانا ينسبك إلى أنّك ضالّ مبتدع، فقال له عليه السلام: "ما رعيت حقّ مجالسة الرجل حيث نقلت إلينا حديثه، ولا أدّيت حقّي حيث أبلغتني عن أخي ما لست أعلمه!... إيّاك والغيبة فإنّها إدام كلاب النار، واعلم أنّ من أكثر من ذكر عيوب الناس شهد عليه الإكثار أنّه إنّما يطلبها بقدر ما فيه"(16).
خلاصة الدرس:
- إنّ تأكيد الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله) على حرمة الغِيبة في حجّة الوداع الّتي تضمّنت أهمّ التعاليم الأخلاقيّة، يُدلّل بشكل كبير على مدى خطورتها على الأخلاق الإنسانيّة.
- إنّ للنفس الإنسانيّة في جهاد النفس مقامين، مقام الظاهر ومقام الباطن، والجهاد في كلا المقامين مختلف عن الآخر.
ـ الكلام في الجوارح وأدبها هو كلام في مقام الظاهر؛ لأنّ جنود مقام الظاهر سبعة وهي: "الأذن والعين واللسان والبطن والفرج واليد والرجل".
- جوارح الإنسان، وإن كانت مؤتمرة بأمر العقل والشهوة أو غيرهما من قوى النفس إلّا أنّها هي الفاعلة، وينسب إليها العمل في مقام الظاهر.
إنّ وظيفة المرء في هذا المقام تكون بحمل الظاهر على التأدّب بأدب الشريعة من التنزيه لهذه الجوارح عمّا يخالف الأوامر الإلهيّة، وتحليتها بالخصال الحسنة والمحمودة.
- حذّرت الكثير من الروايات من الخطر الكبير الّذي يسبّبه اللسان لصاحبه إذا لم يجعله مطواعاً لعقله.
ـ لقد أشار أهل البيت عليهم السلام إلى كيفيّة التحكّم باللسان من خلال أمرين أساسين:
1 ـ أن يأتمر اللسان بأوامر العقل الّذي جعله الله تعالى نبيّاً باطنيّاً في الإنسان.
2 ـ أن يتأدّب اللسان بما أمر الله تعالى به الإنسان من الأوامر وينتهي عمّا نهاه الله تعالى من المحرّمات.
- لا بدّ للمؤمن من أن ينزّه لسانه عن الغيبة لحرمتها ولما تشكّله من خطر على الحياة الإنسانيّة.
أسئلة:
1ـ ما هي مقامات النفس؟
2 ـ ما الفرق بين مقامات النفس؟
3 ـ تحت أيّ من مقامات النفس يندرج أدب الجوارح؟
4 ـ ما هو الميزان في استخدام اللسان؟
5 - ما هي الغِيبة وأين مكمن الخطر فيها؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الأربعون حديثاً، السيّد الخميني، جهاد النفس، المقام الثاني.
(2) ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص2777.
(3) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج12، ص188.
(4) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص387.
(5) ميزان الحكمة، محمدي الريشهري، ج4، ص2779.
(6) المصدر نفسه، ج4، ص2781.
(7) المصدر نفسه، ج4، ص2780.
(8) المصدر نفسه.
(9) المصدر نفسه، ص2781.
(10) المصدر نفسه، ص2776.
(11) المصدر نفسه، ص2778.
(12) المصدر نفسه، ج3، ص2328.
(13) المصدر نفسه.
(14) المصدر نفسه.
(15) المصدر نفسه.
(16) المصدر نفسه، ص2329.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يواصل إقامة دوراته القرآنية لطلبة العلوم الدينية في النجف الأشرف
|
|
|