في بعض ما كان من القوم مع الإمام علي والسيدة الزهراء (عليهما السلام) |
1728
01:22 صباحاً
التاريخ: 25/12/2022
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-5-2022
2163
التاريخ: 19-5-2022
1813
التاريخ: 16-12-2014
3771
التاريخ: 9-5-2016
4227
|
أي في ذكر بعض الضغائن التي بدت ، والقضايا التي وقعت .
ومن الطبيعي أنْ لا يصلنا كلّ ما وقع ، وأنْ لا تصلنا تفاصيل الحوادث ، مع الحصار الشديد المضروب على الروايات والأحاديث ، ومع ملاحقة المحدّثين والرواة ، ومنعهم من نقل الأحاديث المهمة ، ومع حرق تلك الكتب التي اشتملت على مثل هذه القضايا أو تمزيقها وإعدامها بأيّ شكل من الأشكال .
فإذن ، من بعد هذه القرون المتطاولة ، ومن بعد هذه الحواجز والموانع ، لا نتوقّع أنْ يصل إلينا كلّ ما وقع ، وإنّما يمكننا العثور على قليل من ذلك القليل الذي رواه بعض المحدّثين وبعض المؤرخين .
رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم يخبر أهل بيته بأنّ الأمّة ستغدر بهم ، وأنّهم سيظهرون ضغائنهم من بعده ، وسينتقمون منه أي :
سينتقمون من النبي بانتقامهم من بضعته ، لأنّها بضعته ، والانتقام من الزهراء انتقام من النبي ، وإنّما أبقى هذه البضعة في هذه الأمّة ليختبر الأمّة ، وليظهروا ما في ضمائرهم .
ولم تطل المدة ، فقد وقع الاختبار ، وكانت المدة على الأشهر أشهرُ ، ثمّ عادت البضعة إلى رسول اللّه واتّصلت اللحمة ببدنه المبارك وجسده الشريف ، وكلّ ذلك وقع .
وكما قلنا لا نتوقّع أنْ نعثر على كلّ تفاصيل تلك القضايا ، ولكننا لو عثرنا على الخمسين بالمائة من القضايا يمكننا فهم الخمسين البقيّة .
لقد رأيتم كيف يحرّفون الروايات ، حتّى تلك الكلمة القاسية التي يقولها أبو سفيان في حقّ النبي ، رأيتم كيف يرفعون اسم أبي سفيان ويضعون مكان الاسم كلمة قال رجل ، فكيف تتوقّعون أنْ يروي لنا الرواة كلّ ما حدث بعد رسول اللّه ، أو يتمكّن الرواة من نقل كلّ ما حدث ؟
وبالرغم من ذلك الحصار الشديد ، ومن ذلك المنع الأكيد ، ومن ذلك الإرعاب والتهديد ، مع ذلك ، تبلغنا أطرافٌ من أخبار ما وقع .
ونحن لا ننقل في بحثنا هذا إلاّ من أهم مصادر أهل السنّة ، ولا نتعرّض لِما ورد في كتبنا أبداً ، وحتّى أنّا ننقل - قدر الإمكان - عن أسبق المصادر وأقدمها ، فلا ننقل في الأكثر والأغلب عن الكتب المؤلَّفة في القرون المتأخّرة .
فههنا مسائل :
المسألة الأُولى : مصادرة ملك الزهراء وتكذيبها
وإنّنا نعتقد بأنّ تكذيب الزهراء عليها السّلام من أعظم المصائب ، ينقل عن بعض كبار فقهائنا أنّ أحد الخطباء في أيام مصيبة الحسين عليه السّلام قرأ جملة : « دخلت زينب على ابن زياد » وأراد أن يشرح ذلك الموقف ، فأشار إليه الفقيه الكبير الحاضر في المجلس بالصبر وبالتوقف عن قراءة بقية الرواية ، قال : لأنّا نريد أن نؤدّي حقّ هذه الجملة : « دخلت زينب على ابن زياد » وهذه المصيبة ، وما أعظمها ! ! دخلت زينب على ابن زياد ! !
مجرّد تكذيب الزهراء سلام اللّه عليها وعدم قبول قولها مصيبة ما أعظمها ، ليست القضية قضية فدك ، ليست المسألة مسألة أرض وملك ، إنّما القضية ظلم الزهراء سلام اللّه عليها وتضييع حقّها ، وعدم إكرامها ، وإيذائها وإغضابها وتكذيبها ، ولاحظوا خلاصة القضية أنقلها
كما في المصادر المهمة المعتبرة :
أوّلاً : لقد كانت فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وأنّ رسول اللّه أعطى فاطمة فدكاً ، فكانت فدك عطية من رسول اللّه لفاطمة .
وهذا الأمر موجود في كتب الفريقين .
أمّا من أهل السنة : فقد أخرج البزّار وأبو يعلى وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال : لمّا نزلت الآية ( وآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم فاطمة فأعطاها فدكاً .
وهذا الحديث أيضاً مروي عن ابن عباس .
تجدون هذا الحديث عن هؤلاء الكبار وأعاظم المحدّثين في كتاب الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور[1].
ومن رواته أيضاً : الحاكم ، والطبراني ، وابن النجار ، والهيثمي ، والذهبي ، والسيوطي ، والمتقي وغيرهم .
ومن رواته : ابن أبي حاتم ، حيث يروي هذا الخبر في تفسيره ، ذلك التفسير الذي نصّ ابن تيميّة في منهاج السنة على أنّه خال من الموضوعات[2].
فهؤلاء عدّة من رواة هذا الخبر .
وقد أقرّ بكون فدك ملكاً للزهراء في حياة رسول اللّه ، وأنّ فدكاً كانت عطيةً منه صلّى اللّه عليه وآله وسلم للزهراء البتول ، غير واحد من أعلام العلماء ، ونصّوا على هذا المطلب .
منهم : سعد الدين التفتازاني .
ومنهم ابن حجر المكي في الصواعق إذ يقول : « إنّ أبا بكر انتزع من فاطمة فدكاً »[3].
فكانت فدك بيد الزهراء وانتزعها أبو بكر .
فلماذا انتزعها ؟ وبأيّ وجه ؟ لنفرض أنّ أبا بكر كان جاهلاً بأنّ الرسول أعطاها وملّكها ووهبها فدكاً ، فهلاّ كان عليه أن يسألها قبل الانتزاع منها ؟
وثانياً : لو كان أبو بكر جاهلاً بكون فدك ملكاً لها ، فهل كان يجوز له أنْ يطالبها بالبيّنة على كونها مالكة لفدك ؟ إنّ هذا خلاف القاعدة ، وعلى فرض أنّه كان له الحق في أنْ يطالبها البيّنة على كونها مالكة لفدك ، فقد شهد أمير المؤمنين سلام اللّه عليه ، ولماذا لم تقبل شهادة أمير المؤمنين ؟ قالوا : كان من اجتهاده عدم كفاية الشاهد الواحد وإنْ علم صدقه ! لاحظوا كتبهم ، فهم عندما يريدون أن يدافعوا عن أبي بكر يقولون : لعلّه كان من اجتهاده عدم قبول الشاهد الواحد وإن كان يعلم بصدق هذا الشاهد[4].
نقول : لكنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قَبِل شهادة الواحد - وهو خزيمة ذو الشهادتين - وخبره موجود في كتب الفريقين ، بل إنّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قضى بشاهد واحد فقط في قضية وكان الشاهد الواحد عبد اللّه بن عمر ، وهذا الخبر موجود في صحيح البخاري وفي جامع الأصول لابن الأثير[5].
أكان علي في نظر أبي بكر أقل من عبد اللّه بن عمر في نظر النبي ؟
وثالثاً : لو سلّمنا حصول الشك لأبي بكر ، وفرضنا أنّ أبا بكر كان في شك من شهادة علي ، فهلاّ طلب من فاطمة أن تحلف ؟ فهلاّ طلب منها اليمين فتكون شهادة مع يمين ؟ وقد قضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم بشاهد ويمين .
راجعوا صحيح مسلم في كتاب الأقضية[6] ، و صحيح أبي داود [7] بل القضاء بشاهد ويمين هو الذي نزل به جبريل على النبي ، كما في كتاب الخلافة من كنز العمّال .
وهنا يقول صاحب المواقف وشارحها : لعلّه لم ير الحكم بشاهد ويمين[8] .
نقول : فكان عليه حينئذ أنْ يحلف هو ، ولماذا لم يحلف والزهراء ما زالت مطالبة بملكها ؟
وهذا كلّه بغضّ النظر عن عصمة الزهراء ، وبغضّ النظر عن عصمة علي عليه السّلام ، لو أردنا أن ننظر إلى القضيّة كقضيّة حقوقيّة يجب أن تطبّق عليها القواعد المقررة في كتاب الأقضية .
وأيضاً ، فقد شهد للزهراء ولداها الحسن والحسين ، وشهد للزهراء أيضاً أم أيمن ، ورسول اللّه يشهد بأنّها من أهل الجنّة ، كما في ترجمتها من كتاب الطبقات لابن سعد وفي الإصابة لابن حجر[9] .
ثمّ نقول : سلّمنا ، إنّ فاطمة وأهل البيت غير معصومين ، وسلّمنا أنّ فدكاً لم تكن بيد الزهراء سلام اللّه عليها في حياة النبي ، فلا ريب أنّ الزهراء من جملة الصحابة الكرام ، أليس كذلك ؟ ! تنزّلنا عن كونها بضعة رسول اللّه ، تنزّلنا عن كونها معصومة ، لا إشكال في أنّها من الصحابة ، وقد كان لأحد الصحابة قضية مشابهة تماماً لقضيّة الزهراء ، وقد رتّب أبو بكر الأثر على قول ذلك الصحابي وصدّقه في دعواه .
هذا كلّه بعد التنزّل عن عصمتها ، عن شهادة علي والحسنين وأم أيمن ، وبعد التنزّل عن كون فدك ملكاً لها في حياة النبي .
استمعوا إلى القضية أنقلها لكم ، ثمّ لاحظوا تبريرات كبار العلماء لتلك القضية :
أخرج الشيخان عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري : « إنّه لمّا جاء أبا بكر مال البحرين ، وعنده جابر ، قال جابر لأبي بكر : إنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم قال لي : إذا أتى مال البحرين حثوت لك ثمّ حثوت لك ثم حثوت لك ، فقال أبو بكر لجابر : تقدّم فخذ بعددها » .
فنقول : رسول اللّه ليس في هذا العالم ، ويدّعي جابر أنّ رسول اللّه قد وعده لو أتى مال البحرين لأعطيتك من ذلك المال كذا وكذا ، وتوفي رسول اللّه وجاء مال البحرين بعد رسول اللّه ، وأبو بكر خليفة رسول اللّه ، ورتّب أبو بكر الأثر على قوله وصدّقه وأعطاه من ذلك المال كما أراد .
هذه هي القضية ، وتأمّلوا فيها ، وهي موجودة في الصحيحين .
فلاحظوا ما يقوله شرّاح البخاري ، كيف يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق كلام صحابي ودعواه على رسول اللّه ، وقد رحل رسول اللّه عن هذا العالم ، ثمّ أعطاه من مال المسلمين ، من بيت المال ، بقدر ما ادّعاه ، ولم يطلب منه بيّنة ، ولا يميناً ! ! لاحظوا ماذا يقولون ! !
يقول الكرماني في كتابه الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري وهو من أشهر شروح البخاري يقول : « وأمّا تصديق أبي بكر جابراً في دعواه ، فلقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم : « من كذب عَلَيّ متعمداً فليتبوّأ مقعده من النار » ، فهو وعيد ، ولا يُظنّ بأنّ مثله - مثل جابر - يقدم على هذا »[10].
فإذا كنتم لا تظنّون بجابر أنْ يقدم على هذا الشيء ، ويكذب على رسول اللّه ، بل بالعكس ، تظنّون كونه صادقاً في دعواه ، فهلاّ ظننتم هذا الظن بحقّ الزهراء - بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك كما كرّرنا - وقد فرضناها مجرّد صحابيّة كسائر الصحابة !
ثمّ لاحظوا قول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري يقول : « وفي هذا الحديث دليل على قبول خبر الواحد العدل من الصحابة ولو لو هذه وصلية جرّ ذلك نفعاً لنفسه[11].
فالحديث يدلّ على قبول خبره ، لأن أبا بكر لم يلتمس من جابر شاهداً على صحة دعواه ، وهلاّ فعل هكذا مع الزهراء التي أخبرت بأنّ رسول اللّه نحلني فدكاً ، أعطاني فدكاً ، ملّكني فدكاً ! !
ويقول العيني في كتاب عمدة القاري في شرح صحيح البخاري « قلت : إنّما لم يلتمس شاهداً منه - أي من جابر - لأنّه عدل بالكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فقوله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) وقوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ) ، فمثل جابر إنْ لم يكن من خير أُمّة فمن يكون ؟ وأمّا السنّة فلقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلم « من كذب عَلَيّ متعمداً . . . » .
لاحظوا بقية كلامه يقول : « ولا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب على رسول اللّه متعمداً »[12].
فكيف نظن بجابر هكذا ؟ فكان يجوز لأبي بكر أنْ يصدّق جابراً في دعواه ، فلِمَ لم يصدق الزهراء في دعواها ؟ وهل كانت أقل من جابر ؟ ألم تكن من خير أُمّة أُخرجت للناس ؟ أيظن بها أن تتعمّد الكذب على رسول اللّه ؟ وأنت تقول : لا يظن بمسلم فضلاً عن صحابي أنْ يكذب متعمّداً على رسول اللّه ؟
أقول : ما الفرق بين قضية جابر وقضية الصدّيقة الطاهرة سلام اللّه عليها ، بعد التنزّل عن كلّ ما هنالك ، وفرضها واحداً أو واحدة من الصحابة فقط ؟ ما الفرق ؟ لماذا يعطى جابر ؟ ولماذا يكون الخبر الواحد هناك حجة ؟ ولماذا لا يكذَّب جابر بل يصدّق ويترتّب الأثر على قوله بلا بيّنة ولا يمين ولا ولا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟ ولماذا ؟
إذن ، هناك شيء آخر . . . .
إذن ، من وراء القضيّة - قضيّة الزهراء - شيء آخر . . . .
فرجعت فاطمة خائبة إلى بيتها . . . .
ثمّ جاءت مرّةً أخرى لتطالب بفدك وغير فدك من باب الإرث من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، لأنّ فدكاً أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب بالإجماع ، وكلّ ما يكون كذا فهو ملك لرسول اللّه بالإجماع ، وكلّ ما يتركه المسلم من ملك أو من حق فإنّه لوارثه من بعده بالإجماع ، والزهراء أقرب الناس إلى رسول اللّه في الإرث بالإجماع .
هذه مقدمات أربع ، وكلّها مترتبة متسلسلة .
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة - واللفظ للأوّل - « إنّ فاطمة عليها السّلام بنت النبي أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي عن خمس خيبر ، فقال أبو بكر : إنّ رسول اللّه قال : « لا نورّث ما تركنا صدقة » ، إنّما يأكل آل محمّد في هذا المال ، وإنّي واللّه لا أُغيّر شيئاً من صدقة رسول اللّه عن حالها التي كان عليها في عهد رسول اللّه ، ولأعملنّ فيها بما عمل به رسول اللّه . فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً ، فوجدت فاطمة على أبي بكر فهجرته ، فلم تكلّمه حتّى توفّيت ، وعاشت بعد النبي ستّة أشهر ، فلمّا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر ، وصلّى عليها ، وكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة »[13].
وقضية مطالبة الزهراء بفدك وغير فدك من باب الإرث قضية كتبت فيها الكتب الكثيرة منذ قديم الأيّام ، وخطبتها سلام اللّه عليها في هذه القضية خطبة خالدة تذكر على مدى الأيّام ، وهنا أيضاً نسأل ونتسائل فنقول :
كيف يكون إخبار أبي سعيد وابن عباس وشهادة علي والحسنين وغيرهم في أن رسول اللّه أعطى فدكاً للزهراء ، هذه الإخبارات والشهادات كلها غير مقبولة ، ويكون خبر أبي بكر وحده في أنّ الأنبياء لا يورّثون مقبولاً ؟ لاحظوا آراء العلماء في هذه القضيّة ، فلقد اختلفت آراؤهم واضطربت كلماتهم اضطراباً فاحشاً ، وكان أوجه حلّ للقضيّة أنْ يقال بأنّ الخبر متواتر ، ولم يكن أبو بكر لوحده الراوي لهذا الخبر ، وإنّما أبو بكر أحد الرواة من الصحابة ، وهنا نقاط :
النقطة الأولى : كيف لم يسمع هذا الحديث أحد من رسول اللّه ؟ ولم ينقله أحد ؟ وحتّى أبو بكر لم يُسمع منه هذا الخبر والإخبار به عن رسول اللّه إلى تلك الساعة ؟
النقطة الثانية : كيف لم يسمع أهل بيته هذا الحديث ؟ وحتّى ورثته لم يسمعوا هذا الحديث ؟ ولذا أرسلت زوجاته عثمان إلى أبي بكر يطالبن بسهمهنّ من الإرث ! هلاّ قال لهنّ عثمان - في الأقل - إنّ رسول اللّه قال كذا ؟ ولماذا مشى إلى أبي بكر وبلّغه طلب الزوجات ؟
وهنا كلمة لطيفة للفخر الرازي سجّلتها ، هذه الكلمة في تفسيره يقول : « إنّ المحتاج إلى معرفة هذه المسألة ما كان إلاّ فاطمة وعلي والعباس ، وهؤلاء كانوا من أكابر الزهاد والعلماء وأهل الدين ، وأمّا أبو بكر فإنّه ما كان محتاجاً إلى معرفة هذه المسألة ، لأنّه ما كان ممّن يخطر بباله أنّه يورّث من الرسول ، فكيف يليق بالرسول أن يبلّغ هذه المسألة إلى من لا حاجة له إليها ، ولا يبلّغها إلى من له إلى معرفتها أشدّ الحاجة ؟[14]
النقطة الثالثة : إنّه لو تنزّلنا عن كلّ ذلك ، فإنّ دعوى تواتر الخبر كاذبة ، لأنّهم ينصّون على انفراد أبي بكر بهذا الخبر ، وقد ذكروا ذلك في مباحث حجيّة خبر الواحد ، ومثّلوا بهذا الخبر من جملة ما مثّلوا ، وإن كنتم في شك من ذلك فارجعوا إلى : مختصر ابن الحاجب[15] ، و المحصول في علم الأصول[16] للفخر الرازي ، و المستصفى في علم الأصول[17] للغزّالي ، و الإحكام في أصول الأحكام[18] للآمدي ، و كشف الأسرار عن اُصول البزدوي[19] لعبد العزيز البخاري ، وغير هذه الكتب .
مضافاً إلى هذا ، هناك في الأحاديث أيضاً شواهد على انفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا مثلاً : كتاب كنز العمال [20] .
وحتّى المتكلّمون أيضاً يقرّون بانفراد أبي بكر بهذا الحديث ، فراجعوا : شرح المواقف[21] ، و شرح المقاصد[22] ، بل أقول في :
النقطة الرابعة : إنّ أبا بكر أيضاً ليس من رواة هذا الحديث ، لا أنّه منفرد به ، بل إنّ هذا الحديث موضوع ، وضعه بعض الناس دفاعاً عن أبي بكر ، وأبو بكر في تلك القضيّة لم يكن عنده جواب ، حتّى بهذا الحديث لم يستدل . بناءً على قول الحافظ عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش : إذ قال : « هذا الحديث باطل ، وضعه مالك بن أوس بن الحدثان » .
وهو الراوي للقصّة ، فلقد ذكر الحافظ ابن عدي بترجمة الحافظ ابن خراش المتوفى سنة 283 والذي ألّف جزئين في مثالب الشيخين قال : سمعت عبدان يقول : قلت لابن خراش : حديث ما تركنا صدقة ؟ قال : باطل ، أتّهم مالك بن أوس بالكذب[23].
فكيف يريدون رفع اليد عن محكمات القرآن الحكيم بخبر موضوع يحكم ببطلانه هذا الحافظ الكبير ، والذي لأجل هذا الحكم بالنسبة إلى هذا الحديث ، ولأجل تأليفه جزئين في مثالب الشيخين ، رموه بالرفض ، ومع ذلك كلّ كتبهم مملوءة بأقواله وآرائه في الحديث والرجال .
لاحظوا كيف يتهجّم عليه الذهبي يقول : هذا واللّه الشيخ المعثّر الذي ضلّ سعيه ، فإنّه كان حافظ زمانه ، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة ، وبعد هذا فما انتفع بعلمه وكأنّ الانتفاع بالعلم يكون فيما إذا كان ما يقوله في صالح القوم ! ! فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى »[24].
هذه بلاد في جبل عامل في جنوب لبنان من المناطق الشيعية البحتة ، فلا عتب على حمير الرافضة وحوافر جزّين ومشغرى ! !
فظهر أن هذه القضية - قضية غصب فدك وتكذيب الزهراء وأهل البيت - من جملة القضايا التي أخبر عنها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ، وإنّ الفؤاد ليقطر دماً عندما يكتب الإنسان الحرّ الأبي مثل هذه القضايا أو يقرؤها أو يرويها ، ولكن اُريد أنْ اُسيطر على أعصابي ، وأقرأ لكم القضايا بقدر ما توصّلت إليه ، لتكونوا على بصيرة أو لتزدادوا بصيرة .
المسألة الثانية : إحراق بيتها
وقد ذكرنا أنّ القوم قد منعوا من نقل القضايا والحوادث وجزئيّات الأُمور ، وتفاصيل الوقائع ، أتتوقّعون أن ينقل لكم البخاري أنّ فلاناً وفلاناً وفلاناً أحرقوا دار الزهراء بأيديهما ؟ ! بهذا اللفظ تريدون ؟ ! لقد وجدتم البخاري ومسلماً وغيرهما يحرّفون الأحاديث التي ليس لها من الحسّاسيّة والأهميّة ولا عشر معشار ما لهذه المسألة .
إنّ إحراق بيت الزهراء من الأُمور المسلّمة القطعيّة في أحاديثنا وكتبنا ، وعليه إجماع علمائنا ورواتنا ومؤلّفينا ، ومن أنكر هذا أو شكّ فيه أو شكّك فيه فسيخرج عن دائرة علمائنا ، وسيخرج عن دائرة أبناء طائفتنا كائناً من كان .
أمّا في كتب أهل السنّة ، فقد جاءت القضيّة على أشكال ، وأنا قد رتّبت القضايا والروايات والأخبار في المسألة ترتيباً ، حتّى لا يضيع عليكم الأمر ولا يختلط ، وحتّى تكونوا على يقظة ممّا يفعلون في نقل مثل هذه القضايا والحوادث فإنّ القدر الذي ينقلونه أيضاً يتلاعبون به ، أمّا الذي لم ينقلوه ومنعوا عنه وتركوه عمداً ، فذاك أمر آخر . وسأذكر لكم ما يتعلّق بهذه المسألة تحت عناوين :
1 - التهديد بالإحراق :
بعض الأخبار والروايات تقول بأنّ عمر بن الخطّاب قد هدّد بالإحراق ، فكان العنوان الأول التهديد ، وهذا ما تجدونه في كتاب المصنّف لابن أبي شيبة ، من مشايخ البخاري المتوفى سنة 235 يروي هذه القضيّة بسنده عن زيد بن أسلم ، وزيد عن أبيه أسلم وهو مولى عمر ، يقول :
حين بويع لأبي بكر بعد رسول اللّه ، كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول اللّه ، فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم ، فلمّا بلغ ذلك عمر بن الخطّاب ، خرج حتّى دخل على فاطمة فقال : يا بنت رسول اللّه ، واللّه ما أحد أحبّ إلينا من أبيك ، وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك ، وأيم اللّه ما ذاك بمانعي إنْ اجتمع هؤلاء النفر عندك أن أمرتهم أن يحرّق عليهم البيت[25].
وفي تاريخ الطبري بسند آخر :
« أتى عمر بن الخطّاب منزل علي ، وفيه طلحة والزبير هذه نقاط مهمّة حسّاسة لا تفوتنّكم ، في البيت كان طلحة أيضاً ، الزبير كان من أقربائهم ، أمّا طلحة فهو تيميّ ورجال من المهاجرين فقال : واللّه لأُحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة ، فخرج عليه الزبير مصلتاً سيفه ، فعثر فسقط السيف من يده ، فوثبوا عليه فأخذوه »[26].
وأنا أكتفي بهذين المصدرين في عنوان التهديد .
لكن بعض كبار الحفّاظ منهم لم تسمح له نفسه لأنْ ينقل هذا الخبر بهذا المقدار بلا تحريف ، لاحظوا كتاب الاستيعاب لابن عبد البر ، فإنّه يروي هذا الخبر عن طريق أبي بكر البزّار بنفس السند الذي عند ابن أبي شيبة ، يرويه عن زيد بن أسلم عن أسلم وفيه : إنّ عمر قال لها : ما أحد أحبّ إلينا بعده منك ، ثمّ قال : ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك ، ولأن يبلغني لأفعلنّ ولأفعلن[27].
نفس الخبر ، بنفس السند ، عن نفس الراوي ، وهذا التصرف ! وأنتم تريدون أنْ ينقلوا لكم إنّه أحرق الدار بالفعل ؟ وأيُّ عاقل يتوقّع من هؤلاء أنْ ينقلوا القضيّة كما وقعت ؟ إنّ من يتوقّع منهم ذلك إمّا جاهل وإمّا يتجاهل ويضحك على نفسه ! !
2 - المجيء بقبس أو بفتيلة :
وهناك عنوان آخر ، وهو « جاء بقبس » أو « جاء بفتيلة » هذا أيضاً أنقل لكم بعض مصادره :
روى البلاذري المتوفى سنة 224 في أنساب الأشراف بسنده : « إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة ، فلم يبايع ، فجاء عمر ومعه فتيلة ، فتلقّته فاطمة على الباب ، فقالت فاطمة : يا بن الخطّاب ، أتراك محرّقاً عَلَيّ بابي ؟ ! قال : نعم ، وذلك أقوى فيما جاء به أبوك »[28].
وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه المتوفى سنة 328 : « وأمّا علي والعباس والزبير ، فقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر ولم يكن عمر هو الذي بادر ، بَعَثَ أبو بكر عمر بن الخطّاب ليخرجوا من بيت فاطمة وقال له : إنْ أبوا فقاتلهم ، فأقبل بقبس من نار على أنْ يضرم عليهم الدار ، فلقيته فاطمة فقالت : يا بن الخطّاب ، أجئت لتحرق دارنا ؟ قال : نعم ، أو تدخلوا ما دخلت فيه الأمّة »[29].
أقول : وقارنوا بين النصوص بتأمّل لتروا الفوارق والتصرّفات .
وروى أبو الفداء المؤرخ المتوفى سنة 732 في المختصر في أخبار البشر الخبر إلى : وإنْ أبوا فقاتلهم ، ثمّ قال : « فأقبل عمر بشيء من نار على أن يضرم الدار »[30].
3 - إحضار الحَطَب ليحرّق الدار
وهذا هو العنوان الثالث ، ففي رواية بعض المؤرخين : أحضر
الحَطَب ليحرّق عليهم الدار ، وهذا في تاريخ المسعودي مروج الذهب وعنه ابن أبي الحديد في شرح النهج عن عروة بن الزبير ، أنّه كان يعذر أخاه عبد اللّه في حصر بني هاشم في الشِعب ، وجمعه الحطب ليحرّقهم ، قال عروة في مقام العذر والاعتذار لأخيه عبد اللّه ابن الزبير : بأنّ عمر أحضر الحطب ليحرّق الدار على من تخلّف عن البيعة لأبي بكر[31].
« أحضر الحطب » هذا ما يقوله عروة بن الزبير ، وأولئك يقولون « جاء بشيء من نار » فالحطب حاضر ، والنار أيضاً جاء بها ، أتريدون أنْ يصرّحوا بأنّه وضع النار على الحطب ، يعني إذا لم يصرّحوا بهذه الكلمة ولن يصرّحوا ! نبقى في شك أو نشكّك في هذا الخبر ، الخبر الذي قطع به أئمّتنا ، وأجمع عليه علماؤنا وطائفتنا ؟ ! !
4 - المجيء للإحراق :
وهذه عبارة أخرى : إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرّقه أو ليحْرقه .
وبهذه العبارة تجدون الخبر في كتاب روضة المناظر في أخبار الأوائل والأواخر لابن الشحنة المؤرخ المتوفى سنة 882 ، وكتابه مطبوع على هامش بعض طبعات الكامل لابن الأثير - وهو تاريخ معتبر - يقول : « إنّ عمر جاء إلى بيت علي ليحرّقه على من فيه ، فلقيته فاطمة فقال : أُدخلوا فيما دخلت فيه الأمّة » .
هذا ، وفي كتاب لصاحب الغارات إبراهيم بن محمد الثقفي ، في أخبار السقيفة ، يروي عن أحمد بن عمرو البجلي ، عن أحمد بن حبيب العامري ، عن حمران بن أعين ، عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد ( عليهما السّلام ) قال : « واللّه ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته » .
كتاب السقيفة لهذا المحدّث الكبير لم يصلنا ، ولكن نقل هذا المقطع عن كتابه المذكور : الشريف المرتضى في كتاب الشافي في الإمامة[32].
وعندما نراجع ترجمة هذا الشخص - إبراهيم بن محمّد الثقفي المتوفى سنة 280 أو 283 نرى من مؤلّفاته كتاب السقيفة وكتاب المثالب ، ولم يصلنا هذان الكتابان ، وقد ترجم له علماء السنّة ولم يجرحوه بجرح أبداً ، غاية ما هناك قالوا : رافضي .
نعم ، هو رافضي ، ألّف كتاب السقيفة وألّف كتاب المثالب ، ونقل مثل هذه الأخبار ، روى مسنداً عن الصادق أبي جعفر بن محمّد : واللّه ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته .
وممّا يدلّ على صحّة روايات هذا الشخص - إبراهيم بن محمد الثقفي - ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني قال : لمّا صنّف كتاب المناقب والمثالب أشار عليه أهل الكوفة أن يخفيه ولا يظهره ، فقال : أيّ البلاد أبعد عن التشيّع ؟ فقالوا له : إصفهان - إصفهان ذاك الوقت - ، فحلف أنْ يخفيه ولا يحدّث به إلاّ في إصفهان ثقةً منه بصحة ما أخرجه فيه ، فتحوّل إلى الإصفهان وحدّث به فيها[33].
وذكره أبو نعيم الأصبهاني في أخبار إصبهان .
في هذه الرواية : « واللّه ما بايع علي حتّى رأى الدخان قد دخل بيته » ، وأولئك كانوا يتجنبون التصريح بهذه الكلمة ، صرّحوا « بالحطب » صرّحوا « بالنار » صرّحوا « بالقبس » صرّحوا « بالفتيلة » صرّحوا بكذا وكذا ، إلاّ أنّهم يتجنّبون التصريح بكلمة إنّه وضع النار على الحطب ، وتريدون أنْ يصرّحوا بهذه الكلمة ؟ أما كانوا عقلاء ؟ أما كانوا يريدون أنْ يبقوا أحياء ؟ إنّ ظروفهم ما كانت تسمح لهم لأنْ يرووا أكثر من هذا ، ومن جهة أخرى ، كانوا يعلمون بأنّ القرّاء لكتبهم والذين تبلغهم رواياتهم سوف يفهمون من هذا الذي يقولون أكثر ممّا يقولون ، ويستشمّون من هذا الذي يذكرون الأُمور الأخرى التي لا يذكرون ، أتريدون أنْ يقولوا بأنّ ذلك وقع بالفعل ويصرّحوا به تمام التصريح ، حتّى إذا لم تجدوا التصريح الصريح والتنصيص الكامل تشكّون أو تشكّكون ، أنّ هذا واللّه لعجيب !
المسألة الثالثة : إسقاط جنينها
وروايات القوم في هذا الموضع مشوشة جدّاً ، يعرف ذلك كلّ من
يراجع رواياتهم وأقوالهم وكلماتهم .
لقد نصّت رواياتهم على أنّه كان لعلي عليه السّلام من فاطمة عليها السّلام ثلاثة ذكور : حسن ، وحسين ، ومحسن أو محسِّن أو محسَّن ، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قد سمّى هؤلاء بهذه الأسامي تشبيهاً بأسماء أولاد هارون : شَبَر شُبير ومشبّر ، وهذا موجود في : مسند أحمد[34] ، وفي المستدرك وقد صحّحه الحاكم[35] ، والذهبي أيضاً صحّحه[36] ، وموجود في مصادر أُخرى[37].
فيبقى السؤال : هل كان لعلي ولد بهذا الاسم أو لا ؟ قالوا : كان له ولد بهذا الاسم . . . فأين صار ؟ وما صار حاله ؟ يقولون بوجوده ثمّ يختلفون ، أتريدون أن يصرّحوا تصريحاً واضحاً لا لبس فيه ولا غبار عليه ؟ ! إنّه في القضايا الجزئيّة البسيطة يتلاعبون بالأخبار والأحاديث ، كما رأينا في هذه المباحث ، وسنرى في المباحث الآتية ، وفي مثل هذه القضيّة تتوقّعون أن يصرّحوا ؟ نعم ، عثرنا على أفراد معدودين منهم قالوا بالحقيقة وواجهوا ما واجهوا ، وتحمّلوا ما تحمّلوا .
أحدهم : ابن أبي دارم المتوفى سنة 352 :
قال الذهبي بترجمته : الإمام الحافظ الفاضل أبو بكر أحمد بن محمّد السري بن يحيى بن السري بن أبي دارم التميمي الكوفي الشيعي أصبح شيعياً ! ! محدِّث الكوفة ، حدّث عنه الحاكم ، وأبو بكر ابن مردويه ، ويحيى بن إبراهيم المزكِّي ، وأبو الحسن ابن الحمّامي ، والقاضي أبو بكر الجيلي ، وآخرون . كان موصوفاً بالحفظ والمعرفة ، إلاّ أنّه يترفّض لماذا يترفّض ؟ قد ألّف في الحطّ على بعض الصحابة »[38].
لا يقول أكثر من هذا : ألّف في الحطّ على بعض الصحابة ، فهو إذنْ يترفّض .
ولو راجعتم كتابه الآخر ميزان الإعتدال فهناك يذكر هذا الشخص ويترجم له ، وينقل عن الحافظ محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي[39] فيقول : قال محمّد بن أحمد بن حمّاد الكوفي الحافظ أبي بشر الدولابي - بعد أن أرّخ موته - كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، ثمّ في آخر أيّامه كان أكثر ما يُقرأ عليه المثالب ، حضرته ورجل يقرأ عليه : إنّ عمر رفس فاطمة حتّى أسقطت بمحسن[40].
كان مستقيم الأمر عامّة دهره ، لكنّه في آخر أيّامه كان أكثر ما يقرأ عليه المثالب ، فهو - إذن - خارج عن الإستقامة ! !
أتذكّر أنّ أحد الصحابة وهو عمران بن حصين - هذا الرجل كان من كبار الصحابة ، يثنون عليه غاية الثناء ، ويكتبون بترجمته إنّ الملائكة كانت تحدّثه ، لعظمة قدره وجلالة شأنه[41] - هذا الشخص عندما دنا أجله ، أرسل إلى أحد أصحابه ، وحدّثه عن رسول اللّه بمتعة الحج - التي حرّمها عمر بن الخطّاب وأنكر عليه تحريمها - ثمّ شرط عليه أنّه إنْ عاش فلا ينقل ما حدّثه به ، وإنْ مات فليحدّث[42].
نعم ، كان هذا الرجل ( ابن أبي دارم ) مستقيم الأمر عامّة دهره ، اقتضت ظروفه أن لا ينقل مثل هذه القضايا ، ولذا كان مستقيم الأمر عامة دهره ! ! ثمّ في آخر أيّامه عندما دنا أجله وقرب موته ، حينئذ ، جعل يُقرأ له المثالب واتفق أنْ دخل عليه هذا الراوي ووجد رجلاً يقرأ له هذا الخبر « إنّ عمر رفس فاطمة . . . » ، فلولا دخول هذا الشخص عليه لما بلغنا هذا الخبر أيضاً ، وذلك في أواخر حياته ، حتّى إذا مات ، أو حتّى إذا أوذي أو ضرب فمات على أثر الضرب ، فقد عاش في هذه الدنيا وعمّر عمره .
ورجل آخر هو : النظّام ، إبراهيم بن سيّار النظّام ا لمعتزلي المتوفى سنة 231 .
هذا أيضاً ينصّ على وقوع هذه الجناية على الزهراء الطاهرة وجنينها ، وهذا الرجل كان رجلاً جليلاً ، وكان من المعتزلة الجريئين الذين لا يخافون ولا يهابون ، وله أقوال مختلفة في المسائل الكلامية تذكر في الكتب ، وربّما خالف فيها المشهور بين العلماء ، وكانت أقواله شاذّة ، إلاّ أنّه من كبار العلماء ، ذكروا عنه أنّه كان يقول : إنّ عمر ضرب بطن فاطمة يوم البيعة حتّى ألقت الجنين من بطنها ، وكان يصيح عمر : أحرقوا دارها بمن فيها ، وما كان بالدار غير علي وفاطمة والحسن والحسين .
وممّن نقل عنه هذا : الشهرستاني في الملل والنحل ، والصّفدي في الوافي بالوفيات[43] ، ويوجد قوله هذا في غير هذين الكتابين .
وممّن عثرنا عليه : ابن قتيبة صاحب كتاب المعارف ، لكن لا تراجعون كتاب المعارف الموجود الآن لا تجدون هذه الكلمة فالكتاب محرّف .
ابن شهرآشوب المتوفى سنة 588 ينقل عن كتاب المعارف قوله : إنّ محسناً فسد من زخم قنفذ العدوي[44].
أمّا في كتاب المعارف الموجود الآن بين أيدينا المحقق ! ! فلفظه : أمّا محسن بن علي فهلك وهو صغير[45].
وتجدون في كتاب تذكرة الخواص للبسط ابن الجوزي أنه يقول : مات طفلاً[46].
لكن البعض الآخر منهم - وهو الحافظ محمد بن محمد بن معتمد خان البدخشاني وهذا من المتأخرين ، وله كتب ، منها نُزل الأبرار فيما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار يقول بأنّه مات صغيراً[47].
وعندما نراجع ابن أبي الحديد ، نراه ينقل عن شيخه - حيث حدّثه قضية هبّار بن الأسود ، وأنتم مسبوقون بهذا الخبر ، وأنّ هذا الرجل روّع زينب بنت رسول اللّه فألقت ما في بطنها - قال شيخه : لمّا ألقت زينب ما في بطنها أهدر رسول اللّه دم هبّار لأنّه روّع زينب فألقت ما في بطنها ، فكان لا بدّ أنّه لو حضر ترويع القوم فاطمة الزهراء وإسقاط ما في بطنها ، لحكم بإهدار دم من فعل ذلك .
هذا يقوله شيخ ابن أبي الحديد .
فيقول له ابن أبي الحديد : أروي عنك ما يرويه بعض الناس من أنّ فاطمة رُوّعت فألقت محسناً ؟ فقال : لا تروه عنّي ولا ترو عنّي بطلانه[48].
نعم لا يروون ، وإذا رووا يحرّفون ، وإذا رأوا من يروي مثل هذه القضايا فبأنواع التهم يتّهمون .
المسألة الرابعة : كشف بيتها
وكشف القوم بيت فاطمة الزهراء ، وهجموا على دارها ، وهذا من الأمور المسلّمة التي لا يشكّ ولا يشكّك فيها أحد حتّى ابن تيميّة ، ولو أنّ أحداً شكّ ، فيكون حاله أسوأ من حال ابن تيميّة ، فكيف لو كان يدّعي التشيّع أو يدّعي كونه من ذريّة رسول اللّه وفاطمة الزهراء ؟
ورووا عن أبي بكر أنّه قال قبيل وفاته : « إنّي لا آسى على شيء من الدنيا إلاّ على ثلاث فعلتهنّ ووددت أنّي تركتهنّ ، وثلاث تركتهنّ وددت أنّي فعلتهنّ ، وثلاث وددت أنّي سألت عنهنّ رسول اللّه » .
وهذا حديث مهم جدّاً ، والقدر الذي نحتاج إليه آلان :
أوّلاً : قوله : وودت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب .
ثانياً : قوله : وددت أني كنت سألت رسول اللّه لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد .
أترونه صادقاً في تمنّيه هذا ؟ ألم يكن ممّن بايع يوم الغدير وغير يوم الغدير من المواقف والمشاهد ؟
وتجد هذا الخبر - خبر تمنّيه هذه الأُمور - في : تاريخ الطبري ، وفي العقد الفريد لابن عبد ربّه ، وفي الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلاّم المحدّث الحافظ الكبير الإمام ، وفي مروج الذهب للمسعودي ، وفي الإمامة والسياسة لابن قتيبة[49].
ولكن هنا أيضاً يوجد تحريف ، فراجعوا كتاب الأموال ، فقد جاء فيه بدل قوله : وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة ، هذه الجملة : وددت أنّي لم أكن فعلت كذا وكذا .
يحذفون الكلام ويضعون بدله كلمة : كذا وكذا ! !
أتريدون أنْ ينقلوا الحقائق على ما هي عليه ؟ وممّن تريدون هذا ؟ وممّن تتوقّعون ؟ .
أمّا ابن تيميّة ، فلا ينكر أصل القضيّة ، ولا ينكر تمنّي أبي بكر ، وإنّما يبرّر ! ! لاحظوا تبريره هذه المرّة يقول :
« إنّه كبس البيت لينظر هل فيه شيء من مال اللّه الذي يقسمه ليعطيه للمسلمين ! ! »
وكذلك يفعلون ! !
وكذلك يقولون ! !
ذكرنا مسألة فدك ، وإحراق البيت ، وإسقاط الجنين ، وكشف البيت وهجومهم على البيت بلا إذن وأنّهم فعلوا ما فعلوا ! !
قضايا أُخَر
وبقيت أمور أتعرّض لها باختصار :
الأمر الأوّل :
إنّ فاطمة سلام اللّه عليها ماتت ولم تبايع أبا بكر ، ماتت وهي واجدة على أبي بكر ، وهذا موجود في الصحاح وغيرها ، وقد قرأنا نصّ الحديث عن عائشة .
أترون أنّها ماتت بلا إمام ؟ ماتت ولم تعرف إمام زمانها ؟ ماتت ميتة جاهلية وهي التي فضّلوها على أبي بكر وعمر ؟ وهي التي قالوا : بأنّ إيذاءها كفر ومحرّم ؟ ماتت بغير إمام ميتةً جاهلية ؟ أيقولها أحد ؟ فمن كان إمامها ؟
الأمر الثاني :
إنّ عليّاً عليه السّلام لم يؤذن أبا بكر بموت الزهراء ، ولم يخبره بأمرها ، ولم يحضر لا هو ولا غيره للصلاة عليها .
وأنتم تعلمون أنّ الصلاة على الميّت في تلك العصور كانت من شؤون الخليفة ، ومع وجود الخليفة أو أمير المدينة لا يحقّ لأحد أنْ يتقدّم للصلاة على ميّت إلاّ بإذن خاص ، ولذا لمّا دفنوا عبد اللّه بن مسعود بلا إذن وبلا إخبار من عثمان ، أرسل عثمان إلى عمّار بن ياسر وضرب عمّار لهذا السبب ، وله نظائر كثيرة .
فكان عدم إخباره أبا بكر للحضور للصلاة رمزاً وعلامةً لرفض إمامته وخلافته .
ولكن القوم يعلمون بأنّ عدم صلاة أبي بكر على الزهراء دليل على عدم إمامته ، فوضعوا حديثاً بأنّ عليّاً أرسل إلى أبي بكر ، فجاء أبو بكر وجاء معه عمر وعدّة من الأصحاب وصلّوا على الزهراء ، واقتدى علي بأبي بكر في تلك الصلاة ، وكبّر أبو بكر أربعاً في تلك الصلاة ! ! لاحظوا الكذب ! ! أنقل لكم هذا النص :
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني بترجمة عبد اللّه بن محمّد بن ربيعة بن قدامة القدامي المصيصي : أحد الضعفاء ، هذا الشخص أحد الضعفاء أتى عن مالك مالك بن أنس بمصائب منها :
عن جعفر بن محمّد يرويه عن أبيه الباقر عن جدّه قال : توفّيت فاطمة ليلاً ، فجاء أبو بكر وعمر وجماعة كثيرة ، فقال أبو بكر لعلي : تقدّم فصلِّ ، قال لا ، لا واللّه لا تقدّمت وأنت خليفة رسول اللّه ، فتقدّم أبو بكر وكبّر أربعاً[50].
وهذا من مصائب أُمّتنا ، أنْ لا تنقل القضايا كما هي ، وتوضع في مقابلها موضوعات يتقوّلون على أهل البيت ويضعون الأخبار عن أهل البيت أنفسهم ! وكم له من نظير ، ولي مذكّرات في هذا الباب ، أَنّهم كثيراً مّا يضعون الأشياء عن لسان أهل البيت ، عن لسان أمير المؤمنين وأبنائه ، وعن لسان ولده محمد بن الحنفيّة ينقلون كثيراً من الأشياء .
الأمر الثالث :
وكان دفنها ليلاً بوصية منها ، لتبقى مظلوميّتها على مدى التاريخ ، وخطاب أمير المؤمنين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم عند دفنها يكشف للتاريخ جوانب كثيرة من المصائب والحقائق ، وحقيق على كّل مؤمن أن يراجع تلك الخطبة لأمير المؤمنين عند دفن الزهراء سلام اللّه عليها .
يقول ابن تيميّة في مقام الجواب : كثير من الناس دفنوا ليلاً .
ولكن فاطمة أوصت أن تغسّل ليلاً وأن تدفن ليلاً ، وأنْ لا يخبر أحد ممّن آذاها .
[1] الدرّ المنثور 4 / 177 ، مجمع الزوائد 7 / 49 ، مسند أبي يعلى 2 / 334 ، شرح نهج البلاغة 16 / 268 ، كنز العمّال 3 / 767 .
[2] منهاج السنّة 7 / 13 .
[3] الصواعق المحرقة : 37 .
[4] شرح المواقف في علم الكلام 8 / 356 .
[5] أنظر : جامع الأصول 10 / 198 .
[6] صحيح مسلم 5 / 128 .
[7] سنن أبي داود 2 / 169 .
[8] شرح المواقف 8 / 356 .
[9] الطبقات الكبرى 2 / 248 ، الإصابة في معرفة الصحابة 8 / 264 .
[10] الكواكب الدراري في شرح البخاري 10 / 125 .
[11] فتح الباري 4 / 389 .
[12] عمدة القاري 12 / 171 .
[13] صحيح البخاري 4 / 42 ، 209 و 5 / 82 و 8 / 503 صحيح مسلم 5 / 153 - كتاب الجهاد والسير .
[14] التفسير الكبير 9 / 210 .
[15] المختصر في علم الأصول 1 / 161 بشرح العضد .
[16] المحصول في علم الأصول 3 / 86 .
[17] المستصفى من علم الأصول : 249 .
[18] الإحكام في أصول الأحكام 2 / 66 و 323 .
[19] كشف الأسرار عن اُصول البزدوي 2 / 374 .
[20] كنز العمّال 5 / 604 ، 623 ، 625 و 7 / 242 .
[21] شرح المواقف 8 / 355 .
[22] شرح المقاصد 5 / 278 .
[23] الكامل في ضعفاء الرجال 4 / 322 .
[24] تذكرة الحفّاظ 2 / 684 ، وأنظر : سير أعلام النبلاء 13 / 509 ، ميزان الإعتدال 2 / 600
[25] المصنّف 8 / 572 .
[26] تاريخ الطبري 2 / 433 .
[27] الإستيعاب في معرفة الأصحاب 3 / 975 .
[28] أنساب الأشراف 2 / 268 .
[29] العقد الفريد 5 / 13 .
[30] المختصر في أخبار البشر 1 / 156 .
[31] مروج الذهب 3 / 77 ، شرح ابن أبي الحديد 20 / 147 .
[32] الشافي في الإمامة 3 / 241 .
[33] لسان الميزان 1 / 102 .
[34] مسند أحمد 1 / 98 و 118 .
[35] المستدرك على الصحيحين 3 / 165 .
[36] المستدرك على الصحيحين . ذيله .
[37] مجمع الزوائد 4 / 59 ، المعجم الكبير 3 / 39 ، لسان العرب 4 / 393 ، تاج العروس 3 / 289 ، كنز العمال 13 / 659 ، تاريخ مدينة دمشق 45 / 304 ، البداية والنهاية 7 / 53 .
[38] سير أعلام النبلاء 15 / 576 .
[39] سير أعلام النبلاء 14 / 309 .
[40] ميزان الإعتدال 1 / 139 ، سير أعلام النبلاء 15 / 578 .
[41] الإصابة 4 / 585 .
[42] نصّ الخبر : عن مطرف قال : بعث إليّ عمران بن حصين في مرضه الذي توفّي فيه ، فقال : إنّي محدّثك بأحاديث ، لعلّ اللّه أنْ ينفعك بها بعدي ، فإنْ عشت فاكتم عَلَيّ وإنْ متُّ فحدّث بها إنْ شئت ، إنّه قد سُلّم علي ، واعلم أنْ نبي اللّه صلّى اللّه عليه وآله قد جمع بين حج وعمرة ، ثمّ لم ينزل فيها كتاب اللّه ، ولم ينه عنها نبي اللّه ، فقال رجل برأيه فيها ما شاء . راجع باب جواز التمتّع من الصحيحين ، وهو في مسند أحمد 4 / 434 .
[43] الملل والنحل 1 / 57 ، الوافي بالوفيات 6 / 15 .
[44] مناقب آل أبي طالب 3 / 133 .
[45] المعارف : 211 .
[46] تذكرة الخواص : 57 .
[47] نزل الأبرار بما صحَّ من مناقب أهل البيت الأطهار : 74 .
[48] شرح نهج البلاغة 14 / 193 .
[49] كتاب الأموال : 144 ، الإمامة والسياسة 1 / 36 ، تاريخ الطبري 2 / 619 ، العقد الفريد 5 / 21 - 22 ، مروج الذهب 2 / 301 .
[50] ميزان الإعتدال 2 / 488 ، لسان الميزان 3 / 334 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|