المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23



تحرّك العلويين نحو الثورة  
  
1680   04:32 مساءً   التاريخ: 16/12/2022
المؤلف : المجمع العالمي لأهل البيت ( ع ) - لجنة التأليف
الكتاب أو المصدر : أعلام الهداية
الجزء والصفحة : ج 8، ص208-219
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام جعفر بن محمد الصادق / قضايا عامة /

بعد أن تأكّد المنصور عن طريق المعلومات التي كانت تصله من جواسيسه بأن السادة الحسنيين يخططون للثورة عليه ، انتظر المنصور موسم الحجّ فلمّا حان الموسم سافر هو وحاشيته إلى بيت اللّه الحرام ، وبعد انتهائه من مناسك الحجّ رجع إلى يثرب وقد صحب معه عقبة بن مسلم الجاسوس الذي عيّنه المنصور لمراقبة تحرّك آل الحسن وكان قد أوصاه قبل سفره فقال له :

إذا لقيني بنو الحسن وفيهم عبد اللّه فأنا مكرمه ورافع محمله وداع بالغذاء فإذا فرغنا من طعامنا فلحظتك فامتثل بين يديه فإنه سيصرف عنك بصره ، فاستدر حتى ترمز ظهره بإبهام رجلك حتى يملأ عينه منك .

ولمّا انتهى المنصور إلى يثرب استقبله السادة الحسنيّون وفيهم عبد اللّه ابن الحسن ، فأجلسه المنصور إلى جانبه ودعا بالغذاء فأصابوا منه فقام عقبة ، ونفّذ ما عهد إليه المنصور ، وجلس أمامه ففزع منه عبد اللّه وقال للمنصور :

أقلني أقالك اللّه . . .

فصاح به : لا أقالني اللّه إن أقلتك[1].

وأمر أن يكبّل بالحديد ويزجّ في السجن فكبّل مع جماعة من العلويين وحبس في بيت مروان .

وأرادوا من عبد اللّه أن يخبر بمكان ولديه : محمد ذي النفس الزكيّة وأخيه إبراهيم وإن لم يخبر بمكانهما فسوف يتعرّض للانتقام والقتل .

وقد عبّر عبد اللّه عن عمق هذه المأساة للحسن بن زيد قائلا : يا بن أخي ، واللّه لبليّتي أعظم من بليّة إبراهيم ( عليه السّلام ) ؛ إن اللّه عزّ وجلّ أمر إبراهيم أن يذبّح ابنه ، وهو للّه طاعة ، فقال إبراهيم : إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ[2]. وإنكم جئتموني في أن آتي بابني هذا الرجل فيقتلهما وهو للّه جلّ وعزّ معصية . . .[3].

وبقي السادة الحسنيّون في السجن لمدة ثلاث سنين ، وفي سنة ( 142 ه ) سافر المنصور مرّة أخرى إلى الحجّ لغرض تدارك الوضع في المدينة والوقوف أمام التصعيد الثوري هناك ، وبعد أن أنهى مناسكه اتّجه نحو الربذة التي تبعد ثلاثة أميال عن المدينة وبعد وصوله إليها أمر بإشخاص السادة الحسنيين ومن معهم من العلويين إليه وقد تكفّل عقبة بن مسلم بعملية إخراجهم من السجن والسير بهم نحو الربذة .

وبعد إخراجهم من السجن وضع الحديد في أيديهم وجيء بهم إلى مسجد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله وسلّم ) حيث ازدحم الناس عليهم وهم بين باك ومتأسّف والشرطة تشتمهم وقد طلبت من الناس أن يشتموهم .

لكن الذي حدث كان على العكس من ذلك إذ أخذ الناس يسبّون عقبة ابن مسلم والمنصور ويترحمون على العلويين . . .[4].

موقف الإمام ( عليه السّلام ) من آل الحسن

وكتب الإمام الصادق ( عليه السّلام ) إلى عبد اللّه بن الحسن رسالة يعزّيه فيها ويصبّره على المصاب الذي جرى عليه وعلى أصحابه .

عن إسحاق بن عمّار الصيرفي أنّه قال : إن أبا عبد اللّه جعفر بن محمد ( عليه السّلام ) كتب إلى عبد اللّه بن الحسن حين حمل هو وأهل بيته ، يعزّيه عمّا صار إليه : « بسم اللّه الرحمن الرحيم ، إلى الخلف الصالح ، والذريّة الطيّبة من ولد أخيه وابن عمّه : أما بعد : فلئن كنت قد تفرّدت أنت وأهل بيتك - ممّن حمل معك - بما أصابكم ، ما انفردت - بالحزن والغيظ والكآبة ، وأليم وجع القلب - دوني ولقد نالني من ذلك من الجزع والقلق ، وحرّ المصيبة مثل ما نالك ولكن رجعت إلى ما أمر اللّه - جلّ جلاله - به المتقين من الصبر ، وحسن العزاء ، حين يقول لنبيّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا[5]. وحين يقول : فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ[6] « 2 » إلى أن قال : ( واعلم أي عمّ وابن عمّ إن اللّه - جل جلاله - لم يبال بضرّ الدنيا لوليه ساعة قط ولا شيء أحبّ إليه من الضرر والجهد والأذى مع الصبر . وانه تعالى لم يبال بنعم الدنيا لعدوّه ساعة قط ولولا ذلك ما كان أعداؤه يقتلون أولياءه ويخوفونهم ويمنعونهم وأعداؤه آمنون مطمئنّون عالون ظاهرون ولولا ذلك لما قتل زكريا واحتجب يحيى ظلما وعدوانا في بغيّ من البغايا . ولولا ذلك لما قتل جدّك علي بن أبي طالب ( عليه السّلام ) لمّا قام بأمر اللّه - جلّ وعزّ - ظلما ، وعمّك الحسين بن فاطمة اضطهادا وعدوانا »[7] « 3 » .

واعترف المنصور بسياسته الغاشمة ضد العلويين القائمة على القتل والإبادة لذريّة رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه واله وسلّم ) حيث يقول : قتلت من ذرية فاطمة ألفا أو يزيدون وتركت سيّدهم ومولاهم جعفر بن محمد[8].

ثورة محمد بن عبد اللّه ( ذي النفس الزكية )

إن محمد بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي الملقّب بذي النفس الزكية قد رشّح باتّفاق الهاشميين للخلافة ، وكان المنصور يسير بخدمته ويسوّي عليه ثيابه ويمسك له دابته تقرّبا إليه ، وقد بايعه مع أخيه السفّاح مرّتين . وبعد اختلاس العبّاسيين للحكم واستبدادهم وشياع ظلمهم تألّم محمد فأخذ يدعو الناس إلى نفسه فاستجاب له الناس وظلّ مختفيا مع أخيه إبراهيم ، وقد انتشرت دعاتهم في البلاد الإسلامية داعية المسلمين إلى بيعة محمد هذا .

ولمّا انتهت الأنباء بشهادة عبد اللّه وسائر السادة الذين كانوا معه إلى محمد ؛ أعلن محمّد ثورته في المدينة وبايعه الناس وحتى الفقهاء منهم وقد استبشروا ببيعته ، وحينما انتشر الأمر سارع أهالي اليمن ومكة إلى بيعته وقام خطيبا فيهم فقال :

اما بعد : أيها الناس فإنه كان من أمر هذا الطاغية عدوّ اللّه أبي جعفر ما لم يخف عليكم من بنائه القبّة الخضراء التي بناها معاندا للّه في ملكه تصغيرا للكعبة الحرام ، وإنما اخذ فرعون حين قال : أنا ربكم الأعلى ، وإن أحق الناس بالقيام بهذا الدين أبناء المهاجرين والأنصار المواسين .

اللّهم إنهم قد أحلّوا حرامك وحرّموا حلالك وآمنوا من أخفت وأخافوا من آمنت ، اللّهم فاحصهم عددا ، واقتلهم بددا ولا تغادر منهم أحدا[9].

ولمّا علم المنصور بالثورة وجّه جيشا يقدّر بأربعة آلاف فارس بقيادة عيسى بن موسى ، وبعد أن اندلعت الحرب بين الفريقين - خارج المدينة - رغبة من محمد وحفاظا على سكّانها من عبث جيش المنصور وأصيب محمد بن عبد اللّه بجراح خطيرة بسبب تفرّق جنده ، وبرك إلى الأرض ، فبادر الأثيم حميد بن قحطبة فاحتزّ رأسه الشريف[10].

موقف الإمام ( عليه السّلام ) من الثورة :

لقد حذّر الإمام الصادق ( عليه السّلام ) عبد اللّه بن الحسن من الترويج لابنه محمّد على أساس أنه المهدي لهذه الأمة ، وأخبر ( عليه السّلام ) بمستقبل الأحداث ونبّه على أنّها ستنتهي باستشهاد محمد وأخيه إبراهيم ، وأنّ الخلافة بعد أبي العباس السفّاح ستكون للمنصور العباسي .

وحينما سئل ( عليه السّلام ) عن محمد بن عبد اللّه ودعوته قبل أن يعلن محمد ثورته أجاب ( عليه السّلام ) : « إن عندي كتابين فيها اسم كل نبي وكل ملك يملك ، لا واللّه ما محمد بن عبد اللّه في أحدهما »[11].

ولما ثار محمد بن عبد اللّه ( ذي النفس الزكية ) ترك الإمام الصادق ( عليه السّلام ) المدينة ، وذهب إلى أرض له بالفرع ، فلم يزل هناك مقيما حتى قتل محمّد فلما قتل واطمأنّ الناس وأمنوا رجع إلى المدينة[12].

الإمام الصادق يهيّء الخط الشيعي للمواصلة

لقد كانت الفترة الأخيرة من حياة الإمام الصادق ( عليه السّلام ) مع حكومة المنصور فترة تشدّد ومراقبة لحركة الإمام ، تخللتها محاولات اغتيال عديدة ، لكن الإمام ( عليه السّلام ) علم أن المنصور قد صمّم على قتله ، ولهذا مارس جملة من الأنشطة ليهيّء فيها الخط الشيعي لمواصلة الطريق من بعده .

النشاط الأول : حاول الإمام الصادق ( عليه السّلام ) أن يجعل من الصف الشيعي صفّا متماسكا في عمله ونشاطه ، وركّز على قيادة الإمام الكاظم ( عليه السّلام ) من بعده فيما لو تعرّض لعملية قتل من قبل المنصور . وقد قطع الطريق أمام المنتفعين والأدعياء الذين كانوا يتربّصون الفرص ؛ لأن إسماعيل ابن الإمام الصادق ( عليه السّلام ) الذي كان قد توفّي في هذه الفترة كان يصلح كفكرة لتفتيت الصفّ الشيعي باعتباره الابن التقي الأكبر للإمام ( عليه السّلام ) .

والغريب أنا نجد - رغم التأكيدات المتكرّرة - والحزن الذي أبداه الإمام ( عليه السّلام ) والتصريح الذي أبداه أمام حشد كبير من أعيان الشيعة بأن إسماعيل قد توفّي ودفن استغلال بعضهم لقضية إسماعيل وزعمهم بأن الإمامة تقع في إسماعيل وأنّه حيّ وقد خرج في البصرة وشاهده بعض الناس .

وهنا يقوم الإمام الصادق ( عليه السّلام ) بجملة من الخطوات لمعالجة هذه المشكلة التي سوف تفتّت الصفّ الشيعي من بعده .

1 - قال زرارة بن أعين : دعا الإمام الصادق ( عليه السّلام ) داود بن كثير الرقي وحمران بن أعين ، وأبا بصير ، ودخل عليه المفضّل بن عمر وأتى بجماعة حتى صاروا ثلاثين رجلا فقال : « يا داود اكشف عن وجه إسماعيل » ، فكشف عن وجهه ، فقال : « تأمّله يا داود ، فانظره أحيّ هو أم ميّت ؟ » فقال : بل هو ميّت . فجعل يعرّضه على رجل رجل حتى أتى على أخرهم فقال : « اللّهم اشهد » . ثم أمر بغسله وتجهيزه .

ثم ق ال : « يا مفضّل احسر عن وجهه ، فحسر عن وجهه » ، فقال : « أحيّ هو أم ميت ؟ » انظروه أجمعكم » فقال : بل هو يا سيدنا ميّت .

فقال : « شهدتم بذلك وتحققتموه » ؟ قالوا : نعم ، وقد تعجبوا من فعله .

فقال : « اللّهم أشهد عليهم » . ثم حمل إلى قبره ، فلمّا وضع في لحده ، قال :

« يا مفضل ، اكشف عن وجهه » فكشف ، فقال للجماعة : « انظروا أحيّ هو أم ميّت ؟ » فقالوا : بل ميّت ، يا وليّ اللّه .

فقال : « اللّهم اشهد فإنه سيرتاب المبطلون يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ » - ثم أومى إلى موسى ( عليه السّلام ) وقال : وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ .

ثم حثّوا عليه التراب ، ثم أعاد علينا القول فقال : « الميّت المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو ؟ » قلنا : إسماعيل ولدك .

فقال : « اللّهم أشهد » . ثم أخذ بيد موسى فقال : « هو حق ، والحق معه ومنه ، إلى أن يرث اللّه الأرض ومن عليها »[13].

2 - قال عنبسة العابد : لما مات إسماعيل بن جعفر بن محمد ( عليهما السّلام ) وفرغنا من جنازته ، جلس الصادق ( عليه السّلام ) وجلسنا حوله وهو مطرق ، ثم رفع رأسه فقال :

« أيها الناس : إن هذه الدنيا دار فراق ، ودار التواء لا دار استواء على أن فراق المألوف حرقة لا تدفع ، ولوعة لا تردّ ، وإنما يتفاضل الناس بحسن العزاء وصحة الفكر ، فمن لم يشكل أخاه شكله أخوه ، ومن لم يقدم ولدا هو المقدم دون الولد » ، ثم تمثّل بقول أبي خراش الهذلي يرثي أخاه .

ولا تحسبي أني تناسيت عهده * ولكن صبري يا أميم جميل[14]

3 - قال إسحاق بن عمار : وصف إسماعيل أخي لأبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) دينه واعتقاده فقال : إني أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأن محمدا رسول اللّه وانكم - ووصفهم يعني الأئمة - واحدا واحدا حتى انتهى إلى أبي عبد اللّه . ثم قال :

وإسماعيل من بعدك ! قال : « أما إسماعيل فلا »[15].

النشاط الثاني : رغم الحرب الباردة التي كانت بين المنصور والإمام الصادق ( عليه السّلام ) نلاحظ أن الإمام قد مارس بعض الأدوار مع السلطة لغرض الحفاظ على الأمة وسلامة مسيرتها وابقاء روح الرفض قائمة في نفوسها ، مخافة أن تسبب ممارسات المنصور حالة من الانكسار للشيعة حين الاستجابة لمخططاته .

1 - قال أبو جعفر المنصور للإمام الصادق ( عليه السّلام ) : إني قد عزمت على أن أخرب المدينة ولا أدع فيها نافخ ضرمة .

فقال : « يا أمير المؤمنين ! لا أجد بدا من النصاحة لك ، فاقبلها إن شئت أولا » .

ثم قال ( عليه السّلام ) : « إنه قد مضى لك ثلاثة أسلاف : أيوب ( عليه السّلام ) ابتلي فصبر ، وسليمان ( عليه السّلام ) أعطي فشكر ، ويوسف ( عليه السّلام ) قدر فغفر . فاقتد بأيهم شئت » . قال :

قد عفوت[16].

2 - قال عبد اللّه بن سليمان التميمي : لما قتل محمد وإبراهيم ابنا عبد اللّه ابن الحسن صار إلى المدينة رجل يقال له شبّة عقال ، ولّاه المنصور على أهلها ، فلمّا قدمها وحضرت الجمعة صار إلى المسجد فرقى المنبر وحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال :

أما بعد فإن علي بن أبي طالب شقّ عصا المسلمين ، وحارب المؤمنين ، وأراد الأمر لنفسه ، ومنعه أهله فحرّمه اللّه عليه وأماته بغصّته . وهؤلاء ولده يتبعون أثره في الفساد وطلب الأمر بغير استحقاق له ، فهم في نواحي الأرض مقتولون ، وبالدماء مضرّجون .

قال : فعظم هذا الكلام منه على الناس ، ولم يجسر أحد منهم أن ينطق بحرف . فقام إليه رجل عليه إزار قومسي سخين فقال : ونحن نحمد اللّه ونصلي على محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين وعلى رسل اللّه وأنبيائه أجمعين . أمّا ما قلت من خير فنحن أهله ، وما قلت من سوء فأنت وصاحبك به أولى وأحرى . يا من ركب غير راحلته وأكل غير زاده ، ارجع مأزورا .

ثم أقبل على الناس ، فقال : ألا آتينّكم بأخفّ الناس ميزانا يوم القيامة ، وأبينهم خسرانا ؟ : من باع آخرته بدنيا غيره ، وهو هذا الفاسق .

فأسكت الناس ، وخرج الوالي من المسجد ولم ينطق بحرف .

فسألت عن الرجل : فقيل لي : هذا جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب ( عليهم السّلام )[17].

النشاط الثالث : وهو نشاط الإمام الصادق ( عليه السّلام ) الخاص مع الشيعة في هذا الظرف العصيب وأساليب الاتّصال معهم .

وقد ذكرنا في البحوث السابقة أن الإمام قد ركّز على مبادئ اسلامية وممارسات إصلاحية في نفوس شيعته ، مثل التقيّة ، وكتمان السر ، والعلاقة بالثورة الحسينية لتحافظ هذه المبادئ والممارسات على الوجود الشيعي وتقيه من الضربات والمخططات الخارجية .

والرواية التالية تصوّر لنا نشاط الإمام السري مع صحبه في هذه الفترة .

روي أن الوليد بن صبيح قال : كنا عند أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) في ليلة إذ طرق الباب طارق ، فقال للجارية : انظري من هذا ؟

فخرجت ثم دخلت فقالت : هذا عمّك عبد اللّه بن علي ( عليه السّلام ) فقال :

أدخليه . وقال لنا : ادخلوا البيت فدخلنا بيتا ، فسمعنا منه حسّا ، ظننّا أن الداخل بعض نسائه ، فلصق بعضنا ببعض ، فلما دخل أقبل على أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) فلم يدع شيئا من القبيح إلا قاله في أبي عبد اللّه ( عليه السّلام ) ثم خرج وخرجنا ، فأقبل يحدّثنا من الموضع الذي قطع كلامه .

فقال بعضنا : لقد استقبلك هذا بشيء ما ظننّا أنّ أحدا يستقبل به أحدا ، حتى لقد همّ بعضنا أن يخرج إليه فيوقع به .

فقال ( عليه السّلام ) مه ، لا تدخلوا فيما بيننا .

فلمّا مضى من الليل ما مضى ، طرق الباب طارق فقال للجارية : انظري من هذا ؟ فخرجت ، ثم عادت ، فقالت : هذا عمّك عبد اللّه بن علي ( عليه السّلام ) فقال لنا : عودوا إلى مواضعكم ، ثم اذن له .

فدخل بشهيق ونحيب وبكاء وهو يقول : يا بن أخي ، اغفر لي غفر اللّه لك ، اصفح عني صفح اللّه عنك .

فقال : غفر اللّه لك يا عم ، ما الّذي أحوجك إلى هذا ؟

قال : إني لما أويت إلى فراشي أتاني رجلان أسودان فشدّا وثاقي ، ثم قال أحدهما للآخر : انطلق به إلى النار : فانطلق بي ، فمررت برسول اللّه فقلت :

يا رسول اللّه ، لا أعود . فأمره فخلّى عنّي ، وأني لأجد ألم الوثاق .

فقال أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) : أوص .

قال : بم أوصي ؟ ما لي مال ، وإن لي عيالا كثيرة وعليّ دين .

فقال أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) : دينك عليّ ، وعيالك عيالي ، فأوص .

فما خرجنا من المدينة حتى مات ، وضمّ أبو عبد اللّه ( عليه السّلام ) عياله إليه ، وقضى دينه ، وزوّج ابنه ابنته[18].

وأغلب الظن أن نشاط الإمام الصادق ( عليه السّلام ) من هذا النوع قد تركّز أيام المنصور لكثرة الجواسيس والعيون التي كانت ترصد حركة الإمام ( عليه السّلام ) ممّا دفع بالامام إلى أن يلجأ إلى عقد الاجتماعات في بيته سرّا لغرض مواصلة دوره الإلهي مع الأمة عن طريق توجيه النخبة الصالحة التي وفقت لهذا الدور .

 

[1] الكامل في التاريخ : 4 / 371 .

[2] الصافات ( 37 ) : 106 .

[3] مقاتل الطالبيين : 191 - 194 تحقيق السيد أحمد صقر .

[4] مقاتل الطالبيين : 219 - 220 .

[5] الطور ( 52 ) : 48 .

[6] القلم ( 68 ) : 48 .

[7] إقبال الاعمال : 578 ، وبحار الأنوار : 47 / 298 .

[8] الأدب في ظل التشيع لعبد اللّه نعمة : 63 ، نقلا عن شرح القصيدة الشافية لأبي فراس : 161 .

[9] تاريخ الأمم والملوك : 6 / 188 - 189 .

[10] اليعقوبي : 2 / 376 والمسعودي : 3 / 294 - 296 وعن الطبري في الكامل في التاريخ : 5 / 549 .

[11] بحار الأنوار : 26 / 115 عن بصائر الدرجات : 169 .

[12] كشف الغمة : 2 / 162 ، عنه في بحار الأنوار : 47 / 5 .

[13] المناقب لابن شهرآشوب : 1 / 327 عن الصدوق وعنه في بحار الأنوار : 47 / 253 .

[14] كمال الدين : 72 ، 73 وأمالي الصدوق : 197 وعنهما في بحار الأنوار : 47 / 245 .

[15] الغيبة للنعماني : 224 ، وعنه في بحار الأنوار : 47 / 261 .

[16] أمالي الطوسي : 50 ح 66 وعنه في بحار الأنوار : 47 / 184 وانظر مناقب آل أبي طالب : 4 / 251 ، كشف الغمة : 2 / 420 .

[17] امالي الشيخ الطوسي : 66 ، وبحار الأنوار : 47 / 165 وحلية الأبرار : 2 / 215 .

[18] الخرائج والجرائح : 2 / 619 وعنه في بحار الأنوار : 47 / 96 ، واثبات الهداة : 5 / 410 ح 143 .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.