أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-12-2018
2142
التاريخ: 4-8-2022
1666
التاريخ: 21-4-2016
2249
التاريخ: 2023-03-07
1071
|
يتعرض ابناؤنا في هذه المراحل من السن الى سلوكيات مختلفة كثيرة لكل منها خصائصها في كل مرحلة من المراحل. فالسرقة مثلاً يحتمل صدورها من الاطفال ومن الاحداث، الا ان بعض مراحل الطفولة تتسم بطابع يصعب معه اطلاق كلمة السرقة على مثل هذا الفعل.
وتوصف هذه السلوكيات المنحرفة بالكثرة والتنوع ويمكن ذكر اهمها كالتالي:
١ -الرغبة بمخالفة التعليمات، وهي ظاهرة سائدة بين الاطفال والاحداث ولكن بدرجات متفاوتة تبلغ ذروتها في مرحلة المراهقة وتفاقم في سنوات البلوغ.
٢ -ظاهرة التسكع وهي موجودة عند الاطفال بشكل لا ارادي اما عند الاحداث والمراهقين فهي متعمدة ومقصودة.
٣ -ظاهرة التسؤل التي لا يراد منها قضاء حاجة اساسية بل دوافعها على الاغلب خبيثة وشيطانة، وقد تلاحظ هذه الظاهرة حتى لدى اطفال العوائل الغنية.
٤ -اثارة المشاكل في الصف والمدرسة والبيت، وايجاد المصاعب للأب والأم والمدرسة، بل وتحدوهم رغبة عارمة لاثارة الضجيج والصخب وحتى انهم قد يكونوا في بعض الحالات موضع استغلال من قبل الآخرين.
5 -الاتجاه نحو استخدام اسلوب العنف وارتكاب الجرائم وهو اتجاه غير هادف لدى الاطفال بينما يصبح هادفاً لدى الاحداث يشكل تدريجي.
6 -الاتصاف بصفات الانانية والغرور والتوجه الذاتي والانطوائية وهي ذات جذور انحرافية من جهة وذات دلالات نفسية من جهة اخرى. لا شك ان ابناءنا حينما يدخلون في سن المراهقة والبلوغ يستاؤون من رؤية بعض المشاهد التي يعتبرونها منافية للعدالة كمشاهدة ظاهرة التمييز في البيت وفي المدرسة، والاوضاع المأساوية في المجتمع. فامثال هذه المسائل تحز في انفسهم وتثير قلقهم وتدفعهم الى الانطواء والاختلاء في زواية يجدون فيها الراحة والسكينة، ومن الطبيعي ان هذا الاسلوب في افراغ العقد ليس سيئاً على الدوام، ولكنه اذا تكرر حدوثه فلابد من البحث عن جذوره واسبابه.
7 -العبث والتوجه نحوالعنف والجريمة حتى وان كانت قليلة الأهمية، فانها ستكون في سنوات المراهقة سبباً لجرائم اكثر خطورة.
8 -ظاهرة السرقة التي تشاهد لدى الاطفال والاحداث حتى على مستوى السرقات البسيطة.
9 -الهرب من البيت والمدرسة وهي ظاهرة ملموسة لا سيما في سن الشباب.
10 -الانتحار؛ وهي حالة تلاحظ لدى المراهقين والبالغين الذين يتسمون بالحساسية المفرطة وخاصة عند مواجهة حالات من الانتحار في المجتمع وان كانت قليلة.
11 -التهريب، والاستغلال من قبل الآخرين كأداة للتهريب، وهو ما نراه في عصابات التهريب التي تضم بين صفوفها اطغالاً واحداثاً.
١2 -الادمان على المواد المخدرة والمثيرة للأوهام، أو العمل على نقلها وتوزيعها.
13 -الغش ونكث العهد، والتعامل السقيم مع الاشياء والادوات... الخ.
امكانية العلاج
السؤال الذي يثار هنا هو: هل هذه الانحرافات ممكنة العلاج؟ وهل يمكن اعادة الشخص المنحرف الى جادة الصواب؟ ام علينا الوقوف ازاء زلاتهم موقف المتفرج؟
من حسن الحظ ان الاجابة على هذا السؤال ايجابية من الناحيتين العلمية والدينية.
فالانحراف كما نراه أمر طارىء، أي انه لم يكن موجوداً ثم حدث لاحقاً، ويمكن اصلاحه وعلاجه باستخدام بعض الأساليب والفنون.
فالناس وحتى المنحرفين منهم لديهم جوانب يمكن التعويل عليها، لأننا نعلم ان من بين المنحرفين من يحترم الانظمة ويلتزم بها كالوفاء، والخجل، وعدم اخلاف العهد، واداء الواجب (في اطار منهجه في العمل)، وتشكيل وتنظيم المجاميع والتمسك بصيغ عملها. وهذه كلها نقاط أمل يمكن الاستناد عليها في العلاج.
يلاحظ مثلاً عند اللصوص صفات من قبيل الشهامة (في اطار عمل اللصوصية)، والشطارة والالتزام بالوعد، وبامكان المربي استغلال هذه الجوانب والنفوذ الى انفسهم واعادتهم الى الطريق القويم.
على طريق الاصلاح
لابد من طي ثلاث مراحل في سبيل معالجة واصلاح المنحرفين وهي:
١ -معرفة سبب أو اسباب الانحراف: أي ان نبحث في العلل التي اوصلته الى هذا المصير وما الذي لوث فطرته السليمة ودفعه نحو الانحراف؟
٢ -وضع برناج للعلاج: وينصب الاهتمام في هذه المرحلة على وضع برنامج للعلاج، والبحث عن الدواء الشافي لهذه الظاهرة.
٣ -التنفيذ العملي: فاذا تم الانتهاء من البرنامج الاصلاحي، تبدأ مرحلة التطبيق او التنفيذ العملي.
النقاط الثلاثة المارة الذكر واسعة ومتشعبة ويمكن تناولها مبسوطة على الصورة التالية:
١ -معرفة الأسباب: ويمكن في هذا المجال أن نأتي على ذكر ثلاثة عوامل مؤثرة في ايجاد الانحرافات عند الاطفال والاحداث وهي:
أ - الاسباب العضوية أو ما يصطلح عليه بالاسباب (البايولوجية(.
ب - الاسباب ذات الطابع النفسي أو ما يسمى بالأسباب «السايكولوجية».
ج - الاسباب البيئية والانسانية، وتسمى أيضاً الاسباب الاجتماعية.
ان دراسة هذه الجوانب تكشف لنا عن بعض الحقائق، وتقدم لنا سبل الحل المناسبة، التى سنشير الى بعض ابعادها، اما النقاط التى يجب التركيز عليها فهي:
أ- الاسباب العضوية:
لابد من الاشارة في هذا الصدد الى ما يطرحه علماء التحليل النفسي من وجود صلة بين البدن والجريمة؛ فهم يقولون ان عدد الكروموسومات الموجودة في اجسام هؤلاء الاشخاص اكثر من الحد المتعارف بكروموسوم واحد مثلاً. وعلى هذا الاساس فهم ينشأون مجرمين.
من البديهي ان هذا النمط من التفكير مرفوض من وجهة النظر الاسلامية، فالاسلام يرى ان الانسان يولد على الفطرة وينزع الى معرفة الله ولا يخلو من صفة الشر طبعاً. ومن الخطأ الاعتقاد ان بعض الناس يولد مجرماً من ذاته، والا فسينظر الجميع الى موضوع الجريمة وكانه امر طبيعي، وكل له حق النزول في هذا الوادي. نرى ضرورة الاشارة الى ان النقص العضوي في بعض الحالات، وخاصة حينما ينظر إليه بعين النقص والازدراء، يؤدي الى نشوء عقد نفسية تكون حصيلتها الوقوع في الانحراف. ومن جملة ما يمكن الاشارة اليه هنا كأسباب للانحراف هي الحالات التالية:
-الامراض الزهرية: والتي تقود في بعض الحالات الى امراض السيلان والسفلس، ولا سيما السفلس الذي يسبب للإنسان آلاماً تخرجه عن وضعه الطبيعي، او توقعه أحياناً في مستنقع الجرم والرذيلة.
- الامراض البدنية: فالطفل الذي يتلوى من شدة الألم ويسمع كلاماً عكس ما يهوى لا يستجيب الا باسلوب الضرب والركل، وكذا الطفل المصاب بالديدان لايقر له قرار، ويجد نفسه مرغماً على اتباع سلوك يطلق عليه اسم المشاكسة.
- مرض الصرع: يتجسد هذا المرض عملياً بظاهرة الاغماء الناتجة عن اعراض دماغية وبدنية. ومن الطبيعي الا يبعث ذلك على اتباع سلوك طبيعي.
- وعلى هذا المنوال تنسج الامراض والنواقص الاخرى التي تدفع بالشخص الى المشاكسة. مثلا حينما يكون الطفل مصاباً بعاهة أو فاقداً لاحدى عينيه أو رجليه، ويعامله المجتمع معاملة احتقار، ويواجه بالتقريع والاستهزاء اينما ولى، لا يمكن ان تكون سيرته في الحياة طبيعية. واذا واصل الآخرون مواقفهم ازاءه على هذه الشاكلة سوف لن تكون النتيجة سوى المزيد من العناد والمشاكسة.
ولا بأس من الاشارة هنا الى نقطة جديرة بالملاحظة وهي انني لا اقول ان كل ذي عاهة فاقد للاتزان بل غرضي القول ان ذوي العاهات اكثر استعداداً للاجرام من غيرهم، ولو أريد اعدادهم للجريمة لكان وقوعهم فيها اسرع يسبب توفر موجبات الشعور بالحقارة.
ب - الاسباب النفسية:
الطائفة الثانية من اسباب الانحرافات هي الاسباب النفسية والعوامل المتعلقة بأبعاد الشخصية والذهن والنفس. لا شك ان العامل النفسي مهم الا ان البعض يقلل من شأنه قائلاً ان السبب الرئيسي في حصول الانحراف او تفاقم ظاهرة المشاكسة هو انعدام الرقابة النفسية. وهنا ينفسح امامنا المجال للحديث عن موضوعات متعددة في هذا الباب نقتصر على بيان أهتها:
- حالة السادية ومن مظاهرها الرغبة في ايذاء الآخرين، وتتوفر الادوية المساعدة على تسكين هذه الحالة.
-حالة المازوشية وفيها يبدي المرء ميلاً لايذاء نفسه، فينزل بها الألم ويضغط عليها، ويصفع وجهه، يضرب رأسه بالجدار، يضرب برجله الارض، يعذب نفسه، ويحلو له ايقاد نار ليكتوي بلظاها.
-حالة الخيالية وهي ناتجة عن عوامل النقص والعوز الذي يواجهها الطفل سواء كانت على صعيد النقص في العطف والحنان ام على صعيد العوز الاقتصادي. فالكثير من المجرمين فى حقيقة الامر اشخاص ينقصهم الحنان وقد جرح كبرياؤهم، وبعضهم يشكو نقصا في الجانب الاقتصادي وليس لهم من عزة النفس ما يحملهم على الصبر والقناعة.
وهنالك ثمة علاقة بين الاقتصاد والجريمة؛ فالاشخاص من ذوي الالتزام الديني الضعيف اذا حصلوا على الثروة يطغون واذا عضهم الفقر والحرمان يجرمون. ومن البديهي انه كلما اشتد العوز الاقتصادي ازدادت نسبة الجرائم. ونحن نلاحظ في حياتنا اليومية من هو على استعداد لأن يقتل أنساناً لأجل دراهم معدودة، ونسمع احياناً ان اوربا خالية من السرقات، ولاشك ان هذا الكلام مبالغ فيه، اذ ان السرقة موجودة ولكن لا على مستوى حفنة من الدراهم ولا اضعاف ذلك بل على مستوى اعلى؛ فهم مثلا يسرقون بلداً ويبتلعون بئراً من النفط وما شابه ذلك.
المسألة الأخرى هي مسألة الحرمان والانكسارات. نحن لانؤكد من الناحية التربوية على الابوين بتوثيق صلاتهما بالأبناء الى الحد الذي يرى فيه الطفل حياته رهينة بهما مائة بالمائة، لأنه لو حدث انفصال في مثل هذه الحالة او وفاة، يجد الطفل نفسه مرغماً على سلوك طريق منحرف، أو قد يجد نفسه مضطراً لاتباع اسلوب المشاكسة والعناد.
قد يكون الفشل احياناً في باب التعليم. وبالخصوص عندما تطرح القضية من باب المفاضلة والمواجهة، اذ تعرض امامنا حالات يبدي فيها الأبوان مواقف غير حصيفة ازاء شهادات ودرجات الطلاب. على سبيل المثال حينما يرى درجة الطالب اعلى من درجة النجاح بقليل، يغيظه ما رأى، فيعبر عن غيضه بسيل من الكلمات الجارحة من قبيل انت تلميذ فاشل، الموت خير لك من الحياة، الا ترى بن جارنا يفوقك في درجاته وهو لا يجد من الطعام ما يسد الرمق، و.. ما إلى ذلك، وهكذا يكيل له الذم والتقريع وعلى هذا المنوال نواجه في نهاية كل سنة دراسية - حيث الفرصة الاخيرة امام الطلاب والتلاميذ لاثبات جدارتهم في الامتحانات النهائية - مجموعة من المشاكل والقلاقل والمشاكسات ومن بعدها الاحالة الى دور الاصلاح، والاقدام على الانتحار بين الاشخاص الاكبر سناً.
المسألة الأخرى المثيرة للاهتمام هي وجود نوع من المرض النفسي يسمى «بالسيكوبات»، وهو مرض تتجسد فيه اللاابالية وعدم الاهتمام ويصاب به الاشخاص الذين يتعرضون في حياتهم للهموم القاتلة والضغوط الهائلة. لو افترضنا صبياً يعيش في عائلة مضطربة الاوضاع تحت رحمة زوجة ابيه، وحينما يد خل الاب الى البيت يهرع اليه الصبي شاكياً فلا يعيره الأب اي اهتمام او حتى قد يسلط عليه مزيداً من الضغوط بوجوب اطاعة زوجة الأب، أو قد لا يتورع حتى عن ضربه. وهنا تتراكم الضغوط والهموم على الطفل الى درجة يصعب عليه تحملها. ومثل هذا العناء الشديد يوقعه فريسة لامراض الاعصاب أو يصير شخصياً لا أبالياً أو يصاب بعقدة نفسية مؤلمة. ولا تكون النتيجة سوى ان يلقى بنفسه الى التهلكة، رافعاً شعار ليكن ما يكون ! اني فاعل هذا العمل وليحصل ما يحصل. وهذا ما يوقعهم احياناً في بؤر الجريمة، ويصير موقفهم ازاء الانحراف باهتاً.
ثمة اسباب ودوافع اخرى في هذا المجال أيضاً كانحراف الشخصية، وتعددها وفسادها، والجنون بمختلف اشكاله، والمخاوف الغامضة، وانكسار الحواجز امام التخيلات والتصورات، والشعور بعقدة الحقارة، والتظلم، وحب الانتقام وما الى ذلك الا اننا لا نخوض في تفاصيلها مراعاة للايجاز.
٣ -الاسباب الاجتماعية: الطائفة الثالثة من الاسباب المؤثرة في الانحرافات التي يقع فيها الاطفال والاحداث، هي الاسباب والعلل الاجتماعية. دونت في هذا الصدد مسائل كثيرة أشير الى بعضها في ما يلي:
ـ الاسرة: بما في ذلك منازعات الزوج والزوجة امام انظار الطفل، وامثال هذه المنازعات تعد افرازاً طبيعياً لاختلاف الآراء، وتحلل العلاقات العائلية، والطلاق وانهدام كيان الاسرة. ولا يمكن ان تمر هذه المشاكل على الطفل بسلام من غير ان تترك عليه تأثيرات لا يحمد عقباها؛ فهو حينما يشاهد نشوب المشاجرات الحامية يشعر بفقدان الأمن والاستقرار.
استمعوا الى ما يحمله الاطفال من هموم. فحينما طرحنا بعض الاسئلة على اطفال في سن الخامسة - سواء كانوا في البيت أو في رياض الاطفال - ممن طلقت أمهاتهم لهذا السبب أو ذاك فكانت اجاباتهم: ياليتني لم اكن. ولعل عدم وجودي يساعد على تفاهم أبي وأمي. ثم ان احدهم عبر عما في نفسه بصراحة قائلاً: لقد باعاني.. وتجاهلاني.. وتركاني.
نعم انها تبدو مسائل بسيطة على الظاهر، اذ تقوم علاقة الزواج ثم يفترق كل من الرجل والمرأة وكل يتبع سبيله دون الاهتمام بمستقبل الطفل. ومن الطبيعي ان مثل هؤلاء الاطفال يمثلون النتيجة الحتمية لحالة اللاهدفية. الا ان ايكال امرهم - بشكل عام - الى عوامل المجتمع والبيئة تعتبر مسألة في غاية الاهمية.
فالعائلة التي يُهين فيها لأب والأم بعضهما، ويضرب الأب الأم. وتحتقر الأم الأب امام ناظري الطفل، ماذا يرتجى من ابنائها؟! لو يدفن الطفل حياً اهون عليه من كل هذا.
يجب ان لا يفوتنا ان الاطفال ينتقمون لما يصيبهم، واسلوبهم في الانتقام يختلف - بطبيعة الحال - عن اسلوب غيرهم فهم مثلاً لا يؤدون واجبهم المدرسي متصورين انهم بهذه الطريقة يؤدبون أبويهم. والكثير من مشاكل الاطفال السلوكية نابعة من هذا التصور.
في بعض الحالات يواجه التلاميذ في المدرسة واجبات ثقيلة يفرضها عليهم المعلمون، ويعجزون عن تنفيذها، ويلاقون ضغوطاً لا طاقة لهم على تحملها، ولا قدرة لهم على مواجهة المعلمين، فيعودون الى البيت ويفرغون كل العقد والهموم على رأس الأب والأم. وعكس القضية صحيح أيضاً.
- تعقيد الحياة: ان تعقيد الحياة وتسارع وتيرة تطورها مع عجز الذهن عن اللحاق بها ومواكبة مستجداتها يفرض على الانسان نوعاً من التأثير. فحاسبات اليوم قادرة على اعطاء حاصل ضرب عدة ارقام في طرفة عين، واذهاننا عاجزة عن مجاراتها. ومثل هذا الوضع يخلق في نفوس الناس ضيقاً مع انعدام القدرة على التحمل وحدة في المزاج. وكثيراً ما يتعرض اطفالنا لمثل هذه الحالات.
-المجتمع: فالعلاقات الاجتماعية، الفقر، التحلل الخلقي، والضياع وغير ذلك تعتبر من جملة العوامل المؤثرة في تزايد الانحرافات. فاذا اردنا معرفة شخصية الطفل فما علينا الا معرفة رفاقه واصدقائه. فالصف الدراسي يضم 40 تلميذاً وكل تلميذ من اسرة، فهو اذن يضع اربعين نوعاً من الثقافة أمام كل تلميذ فيبقى التلميذ تائهاً امام هذه الثقافات لا يدري أياً منها يأخذ وأياً منها يترك. بعض الاطفال يعطيه اهله درهماً يومياً وغيره يعطى ٥ دراهم، ومن الطبيعي ان يحصل تنافس وتفاخر في هذا المجال مما يؤدي الى التذمر والانحراف. فالطفل يأتي الى المدرسة بثقافة اسرته، ويعود الى البيت بثقافة الآخرين. وهكذا يصبح الوالدان في حالة عجز تام عن حل مثل هذه التنقاضات.
عندما نقول للطفل ان يذهب لشراء الخبز فلا يذهب متذرعاً بأن صديقه لا يامره اهله بشراء الخبر، فلماذا اذهب انا؟! ومثل هذا الجدل يفرز الصراع والتناحر.
- الجانب العاطفي: ويشمل الغضب، الحنان، الحقد، المحبة، الخوف، الاضطرابات وما شابه، فالعاطفة تؤثر احياناً. يمكن مبدئياً تشبيه الطفل بوردة اذا سقيت اكثر من حاجتها أضر بها، واذا سقيت اقل من حاجتفا ذبلت. ومحبة الاطفال والعطف عليهم يجب ان لا تخرج عن قاعدة سقي الاوراد، والزيادة والنقصان فيها، وعدم رعاية حدودها يؤدي الى حصول مشاكل عديدة. فالمحبة يجب ان لا تنقص عن الحد الذي يدفع بالطفل للمتاجرة بنفسه في سبيل نيل المحبة الزائفة من الآخرين. ولا تزيد عن الحد الذي يشجعه على التملق والميوعة. فاكثر المنحرفين في المجتمع هم ممن واجه نقصاً في الحنان والمحبة.
فالأب الذي يكرر على اسماع بنته على الدوام بأنك كلبة أو حيوانة، ينطلي عليها تدريجياً ان شأنها حقير، وقدرها تافه. فاذا واجهت مثل هذه الفتاة من يغمرها بالعطف والمحبة الزائفة ويتملقها ليستدرجها إلى مهاوي الرذيلة، سرعان ما تقع في شراكه ولا تعدو النتيجة الا ان تكون انحداراً في وادي الجريمة.
-الشذوذ الجنسي: يتعرض اطفالنا للشذوذ الجنسي بين سن العاشرة والثانية عشر؛ وهذه الظاهرة ناتجة عن ثلاثة اسباب رئيسية وهي:
أولاً: الخجل وفقدان القدرة والجرأة في الدفاع عن النفس.
ثانياً: الخوف من كشف الحقيقة امام الأب خوفاً من شدة العقاب.
ثالثاً: فقدان أو نقص المحبة والعاطفة.
تبين لنا من خلال دراستنا لهذه الحالات ان العامل الاقتصادي قلما يكون له دور بين عوامل الانحراف، وقد تكون ٢٠% من حالات المتاجرة بالشرف نابعة عن الجهل او عن الوضع الاقتصادي.
العوامل السياسية: وهي لا تقتصر على العوامل السياسية لوحدها، بل وتمتد لتشمل السياسة والانضباط في البيت والمجتمع، فمواقف الانسان ليست واحدة في اجواء الكبت، وفي اجواء الحرية؛ لأن اجواء الكبت تولد التمرد، والحرية الزائدة عن الحد سواء في البيت أو في المدرسة تنطوي على المخاطر أيضاً، وهي سبب للكثير من الانحرافات.
-العامل الحقوقي: وفي هذا الجانب يجب التحدث عن التمييز وانعدام المساواة. فلو اخذنا طفلين بنظر الاعتبار احدهما من الطبقة الغنية وثيابه نظيفة وفاخرة، وطفل آخر فقير اشعث الشعر ورث الشياب - مما يؤسف له ان العقول أحياناً تتحكم بها الأبصار - فاذا كان الطفل الغني جيداً في دراسته وذكياً يصبح موضع اهتمام كامل من قبل المعلم، وهذا ما يثير حنق الطفل الفقير ويدفعه الى التنفيس عن عقده بشيء اسمه الانحراف.
من طبيعة الاطفال انهم اذا مدح أحد من بينهم يشعر الآخرون وكأن هذا المدح اهانة لهم. فاذا شجعنا احدهم يشعر الآخر وكان العمل موجه ضده. ولهذا فمن جملة الامور الواجب مراعاتها في تشجيع الاشخاص هي ان لا يشكل التشجيع لأحدهم ايذاء للآخر، وكذا ضرورة مراعاة تقسيم المحبة بينهم بالتساوي تجنباً للانعكاسات السلبية.
-العامل الاقتصادي: والاقتصاد أيضاً له دور مؤثر في انحراف الاطفال فهنالك فارق واضح بين طفلين يشتهي احدهما التفاح فيحصل عليه، ويشتهيه الآخر فلا يرى الا صفعة من الاب. فالأول ينعم بظل ثروة ابيه، بينما يعاني الآخر من العوز والحرمان بسبب الفقر الاقتصادي. ومما لا شك فيه انهما يعيشان في عالمين متفاوتين. الا ان الطفل الفقير اذا كان أبواه يتصفان بالوعي اللازم فمشكلته محلولة؛ لأنهما قادران - مع فقرهما - على التصرف بالشكل الذي لا يترك أية تعقيدات في نفس الطفل. فالفقر - كما نعتقد - لا يشكل عاملاً من عوامل الجريمة، بل انني أرى ان الفكر المنحرف يمهد للجريمة أرضية خصبة.
يمكن للعائلة الفقيرة شراء التفاح حتى وان كان تالفاً، بثمن زهيد، من اجل اشباع حاجة الطفل وملء عينه. فهذا التفاح التالف يمكن استخراج اجزاءه السليمة وتنظيفها وتقديمها له، وهو عادة لا يهتم لسلامة التفاح وجودته، بل يريد تفاحاً وحسب.
- اشباع رغبات الطفل: بهذا تبين ان اشباع رغبات الطفل مسألة ضرورية. فلو افترضنا طفلين يسيران مع ابوين احدهما غني والآخر فقير ويريان دراجة غالية الثمن، فالأب الغني يشتري لابنه دراجة ويشبع رغبته وتنتهي المشكلة. أما الأب الفقير فهو عاجز عن شرائها وغير قادر على اقناع طفله. فيتمادى الطفل في الالحاح ويزداد الأب غيضاً فتكون النتيجة ان يصفعه الأب ويسمعه كلمات مؤلمة ويلوح له بمزيد من الضرب والعقوبة مذكراً أياه بأنه لم يدفع أجرة السكن في البيت لحد الآن، ولا طعام له في هذا الليلة، ثم يوبخه لأنه أراد دراجة؟!!
فيأتي الطفل الى البيت باكياً ويشتكي لأته بان أباه قد ضربه، اما الأم التي تبدو متعبة من كثرة العمل في البيت فلا تقابله الا بضربة أخرى صائحة به: اذهب عني فلا طاقة عندي لسماع شكواك.
حينما يأتي وقت العشاء يكون الطفل قد تعب من شدة البكاء، ويتوقع من والديه ملاطفته عند تناول الطعام الا ان الأب لا يزال غاضباً والأم لا تزال متعبة فلا يعيرانه أي اهتمام ويقول احدهما للآخر دعه يأتي من تلقاء نفسه ويتناول طعامه أو يبيت ليلته هذه جائعاً، الا ان كبرياء الطفل لا يسمح له بالتنازل، فينام ليلته تلك جائعاً من غير ان يؤدي واجبه البيتي.
يستيقظ في صباح اليوم التالي جائعاً ويذهب الى المدرسة من غير ان يتناول افطاره. وفي قاعة الدرس يتعرض لتأنيب المعلم لعدم كتابة الواجب البيتي، وقد يتعرض للضرب أيضاً، وما شابه من امثال هذه الظروف والمواقف. فهل نتوقع ان يصبح هذا الطفل في المستقبل شخصية طبيعية وسوية؟ كلا، بل من الطبيعي ان يحترف الاجرام مستقبلاً في ما لو توفرت له الظروف المناسبة الأخرى.
خلاصة القول هي أن معاقبة الطفل وضربه وعدم الاعتناء بمطاليبه لا يحل المشكلة، بل يجب البحث عن حلول جذرية لكل وضعه.
- الكثرة السكانية: والمراد هو ان لا يكون عدد النفوس من الكثرة بحيث تصعب السيطرة عليهم سواء على مستوى العائلة ام على صعيد المجتمع، ولا سيما اذا كان الأب ضعيفاً في ادارة الأسرة، فهو عند صدور أية مشاكل من الطفل لايجد امامه الا واحداً من طريقين: اما ان ينهال عليه ضرباً وأما ان يلطم على رأسه منادياً يا رباه عجل في موتي لكي ارتاح من مصائب هذا الصبي، وقد تكون الأم على هذه الشاكلة أيضاً.
الاسرة التي فيها ثمانية أو عشرة اطفال صغار ويعجز الأب والأم عن ادارة شؤونهم والصف الذي فيه عدد كبير من التلاميذ ولا يؤدي المعلم فيه الا دور المراقب العاجز عن ضبطهم، في مثل هذه الظروف تكثر معالم الانحراف. والصغار يشعرون عادة بالضياع بين الكثرة، ويرون أنفسهم معذورين في القيام باي تصرف مهما كان قبيحاً.
- العامل الثقافي: قد تكون الافكار والكتابات والبرامج غير المدروسة التي تعرض من الاذاعة والتلفزيون سبباً للانحراف أو لترسيخ حالة الانحراف. فادارة الشؤون الثقافية في البلاد تعتبر من جملة الامور المستوجبة للرعاية والاهتمام. فلا يكفي ان يكون المتصدي لها شخصاً متديناً فحسب، بل لابد وان يتصف بالوعي اللازم والتجربة العميقة.
الانسان ما لم يصبح نفسه أباً لا يدرك الطفولة ومشاكلها، وهو اذا لم تصقله السنون ولم يكن قد ذاق حلو الدنيا ومرها ولم تمحّصه التجارب، لا يصبح قادراً على وضع البرامج الصحيحة. قد يتعلم الطفل فن الكاراتيه من التلفزيون ويطبقه في المدرسة. وهذا ما حصل فعلاً اذا قتل أحد التلاميذ زميله بركلة قوية، فسقط ذاك ينازع الموت فيما وقف هذا ضاحكاً مبتهجاً بنجاح ضربته. لقد ارتكب هذا الطفل جريمة وسلك سلوكاً منحرفاً، ولكن من الذي علمه هذا السوك؟
الكتب والمطبوعات أيضاً ها دور كبير في تهذيب او انحراف سلوك الاشخاص، وخاصة كتب الاطفال القصصية اذ ان لها تأثيراً لا يستهان به على هذا الصعيد. وكذا التلفزيون يعتبر وسيلة اعلامية هامة، والاسرة الواعية تدرك ان بعض البرامج تناسب الصغار وبعضها الآخر للكبار فقط. رغم اننا نحن الكبار نتابع احياناً برامج الصغار ونلتذ بمشاهدتها.
الزموا انفسكم بتقييم برامج التلفزيون والكتب والمجلات قبل السماح للطفل بمشاهدة تلك البرامج او قراءة تلك الكتب. فبامكان جماعة من المعلمين قراءة كتب الاطفال وارشاد الابوين الى الصالح منها لكي يوفروه لأبنائهم.
ثمة كتب قصصية كتبت خصيصاً لاطفال المرحلة الابتدائية وهي تتضمن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، وكما نعلم ان هذا المبدأ ماركسي لا يقره الاسلام. وبعد انتصار الثورة الاسلامية سادت اسواق الكتب ظروف أخرى، فلم يتوقف عدد التي طبعت منها بعد انتصار الثورة على عشرة أو عشرين ضعفاً بل وصل الى مائتي ضعف، فدخلت المجتمع افكار متضاربة، فكان من الطبيعي ان يتصف بعضها بالجودة ويحمل مضامين هادفة، وان يتسم البعض الآخر بالرداءة وسوء المحتوى، وهذا ما أدى الى ايجاد انحرافات كبيرة.
- عامل المذاهب الفكرية: حينما نتحدث عن الثقافة كعامل من عوامل التخريب او البناء لابد لنا ان نأتي أيضاً على ذكر المذاهب الفكرية والثقافية التي تطرح بعض الافكار وتروج لها على الصعيد العالمي، وتنتشر بين الناس آراء تبثها الفئات والمجاميع السياسية وحتى ان بعضها يتخذ طابعاً عقائدياً. وكثير من هذه الحالات لا يلتفت اليها الآباء والامهات ولا المعلمون ولا التربيون أيضاً.
لاحظنا بعد انتصار الثورة الاسلامية بعض من بادر الى فتح دورات عقائدية غريبة تحت غطاء تعليم المفاهيم الدينية للأطفال، لكنهم دسوا من خلالها الكثير من الأباطيل. وهذا تحذير لأولياء الامور لينظروا من هو الذي يدرس ابناءهم الدين والاخلاق؛ وعن أي مذهب اخذ ذلك المدرس اخلاقه ومعلوماته الدينية، حذراً من هولاء الذين ادعوا التدين خلال يومين ليصبحوا فيما بعد سببا في ايجاد كارثة لابنائنا، اذ لابد من الالتفات الى هذه المسائل حتى بعد انتصار الثورة الاسلامية، فالاعداء لا يقر لهم قرار الا ان ايديهم لا تصل الينا حالياً، لكنهم لا يتركون اطفالنا وشأنهم.
- عامل الاتراب والاصدقاء: للاتراب والاصدقاء او ما يسمى بـ(الجوقة الاجتماعية) تأثير في اشاعة الفساد او تكريس الانحراف في صفوف الاطفال. علينا ان ننتبه الى نوع الجماعة التي يعاشرها ابناؤنا، والمحاذرة من ارتباط الطفل الذي لا يزال في المرحلة الابتدائية مع من هم في سن المرحلة الثانوية او المتوسطة. فالضرورة توجب عزل مدارسهم. واذا كانت الابتدائية والمتوسطة في مكان واحد فالواجب يحتم وضع سور بينهما.
انني هنا لا أتهم أحداً لكنني اشير الى ان الانحرافات تنشأ من هذه العوامل والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. فلدينا خبرة وملاحظات كافية عن النتائج التي أدت اليها علاقات كرة القدم بين تلاميذ المدارس الابتدائية وطلاب المدارس الثانوية. لاحظت خلال فترة اشرافي على احدى المدارس في منطقة فقيرة اموراً كثيرة وكشفت اكثر من اربعين او خمسين حالة انحراف عشر منها على اقل تقدير ناتج عن علاقات اطفال صغار مع شبان او مراهقين. فنحن نعيش في مجتمع فيه كثير من الناس الطيبين، الا انه لا يخلو من اللصوص والمجرمين.
- الاختلاط: ثمة عوامل كثيرة تساعد على تعميق مظاهر الانحراف نظير التخلف الثقافي، والعقد النفسية، وعدم مبالاة الأبوين لعلاقات ابنائهم مع سائر الاطفال. وكذلك اللمس فهو مصدر لكثير من حالات الانحراف، وحتى ان لمس البدن سبب رئيسي من اسباب مشاعر الحب. وهذا ما يوجب علينا تشديد الانتباه الى امثال هذا السلوك فلا نسمح للطفل بالنوم بالألبسة الداخلية لوحدها لكيلا يحتك ساقاه مع بعضهما، ونوصي الآباء والأمهات بعدم الانشغال - بأمر الضيوف مثلاً - وترك الاطفال من البنين والبنات يلعبون سوية في اجواء مختلطة بعيداً عن الانظار.
الاختلاط من اسباب البلوغ المبكر؛ فالنظر والسمع واللمس ثلاث مصادر هامة من مصادر انحراف الاطفال والاحداث، وهي من موجبات حذر الوالدين وتشديد الرقابة وهناك مسائل أخرى طبعاً الا ان المجال لا يسمح بتناولها بالتفصيل. وثمة عوامل أخرى لابد من الاشارة إليها ولكننا مضطرون الى عرضها بشكل مختصر كما يلي:
- عامل القوانين: ويشمل التغييرات المتكررة للقوانين وضعفها وعدم كفاءتها وعدم تطبيقها عملياً، والتمييز في تنفيذها، وتغطيتها لجانب واحد من جوانب القضية.
- العامل الاداري: ويشمل مظاهر الفوضى الاداري، والتضخم بمختلف انواعه، والتعليمات الادارية الصارمة و...الخ.
-العامل العسكري: ويشمل انتشار وسائل الدمار، واتساع رقعة الحرب، وعوامل التعبئة الخالية من الدراسة والتخطيط و...الخ.
- الاعراض عن احكام الدين: ويشمل ضعف الايمان، وزعزعة المعتقدات، وتداخل الخرافات مع التعاليم الدينية.
-اهمال الجانب الاخلاقي: ويشمل ضعف الاخلاق وذهاب مرتكزاتها، واختلاطها بالاهواء والرغبات.
- عامل التقليد: ويعني التقليد الاعمى لأي أمر مستجد في الحياة، واتباع النماذج والامثلة والمغلوطة التي يشاهدها الطفل في حياته اليومية، وعدم وجود الهدف والواضح في مثل هذه التبعية و..الخ
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|