أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-4-2016
3150
التاريخ: 3/10/2022
1359
التاريخ: 11-4-2016
5019
التاريخ: 15-04-2015
3231
|
نجد في سيرة الأئمّة ( عليهم السّلام ) العديد من الأدلّة التي أوضحوا من خلالها للناس سبب الاختلاف في أساليبهم في قيادة الحركة الإسلامية من إمام لآخر .
فالإمام السجاد ( عليه السّلام ) قال له عبّاد البصري وهو في طريق مكّة : تركت الجهاد وصعوبته وأقبلت على الحجّ ولينه ، و إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ[1] فأجابه الإمام ( عليه السّلام ) : إقرأ بعدها : التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ، ثمّ قال ( عليه السّلام ) : إذا ظهر هؤلاء - يعني المؤمنين حسب مواصفاتهم في الآية - لم نؤثر على الجهاد شيئا[2].
وبهذه الإجابة حدّد الإمام ( عليه السّلام ) بشكل صارم سياسته ولون كفاحه ، ووجهة حركته في عصره ، ومن ثمّ الأسباب الموجبة لذلك المسار ، فإنّ عدوله عن الكفاح المسلّح والمواجهة العسكرية للحكم الأموي لم تأت حبّا في الحياة ونعيمها كما تصوّر عبّاد البصري ، وإنّما جاء ذلك لأنّ مستلزمات العمل العسكري الناجح غير متوفرة ، ولأنّ النتائج من أيّ تحدّ للسلطان في تلك الظروف تكون عكسيّة تماما .
وبعد ملحمة كربلاء مباشرة تبنّى الإمام السجاد ( عليه السّلام ) وكرائم أهل البيت كزينب وأمّ كلثوم - عليهم صلوات اللّه وسلامه - سياسة إسقاط الأقنعة التي كان الأمويون قد غطّوا وجوه سياستهم الكالحة الخطيرة بها ، وحمّلوا الامّة كذلك مسؤوليتها التأريخية أمام اللّه والرسالة .
ومن هنا نلاحظ بوضوح أنّ الخطب والتصريحات التي صدرت عن الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) وعقائل أهل البيت ( عليهم السّلام ) في العراق قد انصبّت على مخاطبة ضمائر الناس كمجموع ، وإلفات نظر الناس إلى جسامة الخطر الذي حاق بهم ، وإلى حجم الجريمة التي ارتكبتها بنو أمية بحقّ رسالة اللّه تعالى .
وفي الشام ركّزت كلمات الإمام السجّاد ( عليه السّلام ) على التعريف بالسبايا ذاتهم ، وأنّهم آل الرسول ( صلّى اللّه عليه واله ) ، ثمّ فضح الحكم الأموي وتعريته أمام أهل الشام الذين أضلّهم عن رؤية الواقع .
وقبل دخوله المدينة عمل الإمام السجاد ( عليه السّلام ) على إثارة الرأي والوعي العام الإسلامي وتوجيهه إلى محنة الرسالة التي تمثّلت في فاجعة الطفّ ، فقد كان خطابه الذي ألقاه بالناس يستبطن هذه المعاني .
ولقد أعطت تجربة كربلاء مؤشّرا عمليا على أنّ الامّة المسلمة في حالة ركود وتبلّد ممّا جعل الروح الجهادية لديها في حالة غياب إن لم نقل إنّها كانت معدومة نهائيا ، ومن أجل ذلك فإنّ السجاد ( عليه السّلام ) - باعتباره إمام الامّة الذي انتهت إليه مرجعية الامّة - أخذ تلك الظاهرة بعين الاعتبار ، ولذلك مارس دوره من خلال العمل على تنمية التيار الرسالي في الامّة ، وتوسيع دائرته في الساحة الإسلامية ، والعمل على رفع مستوى الوعي الإسلامي والانفتاح العملي في قطاعات الامّة المختلفة ، وخلق قيادات متميزة تحمل الفكر الإسلامي النقي ، لا الفكر الذي يشيعه الحكم الأموي .
ولهذا النهج مبرّراته الموضوعية ، فإنّ قوى الانحراف عبر سنوات عديدة من سيطرتها على مراكز التوجيه الفكري والاجتماعي توفّرت على صنع أجيال ذائبة في الانحراف ، الأمر الذي أصبح فيه من المتعذّر على التيار الإسلامي السليم مواجهتها ، بالنظر لضخامة تلك القوى ، وتوفّر الغطاء الواقي لها من مؤسسات وقدرات ؛ ولتعرّض التيار الإسلامي ذاته للخسائر المتتالية .
ومن هنا ، فإنّ أمر تكثيف التيار الإسلامي وإثرائه كمّا وكيفا مسألة لا تقبل التأجيل ، ما دام أمر بقاء الرسالة حيّة - فكرا وعملا - متوقّفا على بقاء سلامة هذا التيار في كيان الامّة وقواعدها الشعبية ، طالما لم يتسنّ له تسلّم المرجعية العامة في الإدارة والحكم .
ولقد نجحت خطط الإمام ( عليه السّلام ) على شتّى الأصعدة وحسبما خطّط لها ، وفيما يلي مصداقان عمليان على ذلك :
ففي المجال الاجتماعي أثمرت خطّة الإمام ( عليه السّلام ) حيث حظي بإجلال القطّاعات الواسعة من الامّة وولائها ، والمصادر التأريخية مجمعة على ذلك .
قال ابن خلّكان : لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في أيام أبيه ، فطاف وجهد أن يصل الحجر ليستلمه ، فلم يقدر عليه لكثرة الزحام ، فنصب له منبر وجلس عليه ينظر إلى الناس ، ومعه جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينما هو كذلك إذ أقبل زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب « رضي اللّه عنهم » ، وكان من أحسن الناس وجها وأطيبهم أرجا ، فطاف بالبيت ، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلم ، فقال رجل من أهل الشام : من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة ؟ فقال هشام : لا أعرفه ، مخافة أن يرغب فيه أهل الشام ، وكان الفرزدق حاضرا فقال : أنا أعرفه ، فقال الشامي : من هذا يا أبا فراس ؟ فقال :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته * والبيت يعرفه والحلّ والحرم
هذا ابن خير عباد اللّه كلّهم * هذا النّقيّ التقيّ الطاهر العلم
إذا رأته قريش قال قائلها * إلى مكارم هذا ينتهي الكرم
مشتقّة من رسول اللّه نبعته * طابت عناصره والخيم والشيم
هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله * بجدّه أنبياء اللّه قد ختموا
اللّه شرّفه قدما وعظّمه * جرى بذاك له في لوحه القلم
فليس قولك من هذا بضائره * العرب تعرف من أنكرت والعجم
من معشر حبّهم دين وبغضهم * كفر وقربهم منجى ومعتصم
إن عدّ أهل التقى كانوا أئمّتهم * أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
أيّ الخلائق ليست في رقابهم * لأوّليّة هذا أو له نعم ؟
من يعرف اللّه يعرف أوّليّة ذا * والدين من بيت هذا ناله الأمم
فلمّا سمع هشام هذه القصيدة غضب وحبس الفرزدق ، وأنفذ له الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) اثني عشر ألف درهم ، فردّها وقال : مدحته للّه تعالى لا للعطاء ، فقال الإمام ( عليه السّلام ) : « إنّا أهل بيت إذا وهبنا شيئا لا نستعيده » ، فقبلها منه الفرزدق[3].
إن هذه الحادثة توضّح أنّ الإمام ( عليه السّلام ) كان قد حظي بولاء جماهيريّ حقيقيّ واسع النطاق ، بشكل جعل ذلك الولاء يتجسّد حيّا حتى في أقدس ساعة ، وفي موقف عباديّ مشهود ، فما أن تلتقي الجماهير الكثيفة بإمامها الحقّ ؛ حتى توسّع له ، لكي يؤدّي مناسكه دون أيّة مضايقة عفوية منها ، بالرغم من أنّ الامّة تدرك عداء الحكم الأموي لأهل البيت ( عليهم السّلام ) وما يترتّب على ذلك العداء من موقف تجاه أنصار أهل البيت ( عليهم السّلام ) وأتباعهم .
وحقّق النشاط العلمي للإمام ( عليه السّلام ) غاياته المتوخّاة ، فالمسجد النبويّ الشريف ودار الإمام ( عليه السّلام ) شهدا طوال خمسة وثلاثين عاما - وهي فترة إمامته - نشاطا فكريا من الطراز الأول ، حيث استقطب الإمام ( عليه السّلام ) طلّاب المعرفة الإسلامية في جميع حقولها ، لا في المدينة المنورة ومكّة المكرمة وحدهما ، وإنّما في الساحة الإسلامية بأكملها ، حتى استطاع أن يخلق نواة مدرسة فكرية لها طابعها ومعالمها المميّزة ، وتخرّج منها قادة فكر ومحدّثون وفقهاء .
إنّ انفصام عرى الشيعة بعد استشهاد الإمام الحسين ( عليه السّلام ) وتشتّت قواهم كان من أعظم الأخطار التي واجهها الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) باتّجاه استجماع القوى وتكميل الإعداد من جديد ، وقد كان هذا الهدف بحاجة إلى إعداد نفسي وعقيدي وإحياء الأمل في القلوب وبثّ العزم في النفوس .
وقد تمكّن الإمام زين العابدين ( عليه السّلام ) بعمله الهادئ والمنظّم أن يشرف على تكميل هذه الاستعادة ، وعلى هذا الإعداد بكل قوّة وبحكمة وبسلامة وجدّ .
وقد أطلق الإمام ( عليه السّلام ) نهجا جهاديا ينهض بأعباء متطلبات المرحلة الخطيرة آنذاك.
[1] التوبة ( 9 ) : 111 .
[2] من لا يحضره الفقيه : 2 / 141 ، ومناقب آل أبي طالب : 4 / 173 باختلاف يسير في الألفاظ .
[3] القصيدة طويلة وهي مذكورة في كثير من المصادر التأريخية والأدبية ، انظر : وفيات الأعيان لابن خلّكان : 6 / 96 ، الإرشاد للمفيد : 2 / 150 ، 151 عن محمّد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ( عليه السّلام ) وراجع غيرهما من المصادر في أوائل الفصل الأوّل من الباب الأوّل .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|