أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
![]()
التاريخ: 10-10-2014
![]()
التاريخ: 10-10-2014
![]()
التاريخ: 14-11-2014
![]() |
يتلخّص الكلام في حقيقة التأويل أنّه يُستعمل في موردَين :
الأوَّل : في توجيه المتشابه ، سواء أكان كلاماً متشابهاً ، أمْ عملاً مثيراً للرَيب ، والتأويل بهذا المعنى خاصّ بالآي المتشابه فحسب .
الثاني : في المعنى الثانويّ للكلام المعبَّر عنه بالبطْن ، تجاه المعنى الأوّلي المعبَّر عنه بالظَهْر ، والتأويل بهذا المعنى عام لجميع آي القرآن ؛ فإنّ للقرآن ظهْراً وبطْناً ، وربَّما إلى سبعة بطون .
وقد تبيَّن أنَّ التأويل ـ بكِلا الاصطلاحين ـ : هو من قبيل المعنى والمفهوم الخافي عن ظاهر الكلام ، وبحاجة إلى دلالة صريحة من خارج ذات اللفظ .
وقد شذَّ ابن تيمية فيما زعَم أنّ معرفة تأويل الشيء إنّما هو بمعرفة وجوده العَيني ، قال : فإنّ للشيء وجوداً في الأعيان ووجوداً في الأذهان ، والكلام لفظ له معنى في القلب ويُكتَب بالخطّ ، فإذا عُرِف الكلام وتُصوِّر معناه في القلب وعُبِّر عنه باللسان ، فهذا غير الحقيقة الموجودة في الخارج ، مثال ذلك : أنّ أهل الكتاب يعلمون ما في كتُبهم من صفة محمَّد ( صلّى الله عليه وآله ) وخَبَره ونعْته ، وهذا هو معرفة الكلام ومعناه وتفسيره ، وتأويل ذلك هو نفس محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) المبعوث ، فالمعرفة بعينه معرفة تأويل ذلك الكلام ، وكذلك إذا عرف الإنسان الحجَّ والمشاعر وفهْم معنى ذلك ، ولا يعرف الأمكنة حتّى يشاهدها فتكون تأويل ما عرفه أوّلاً (1) .
وهكذا ذهب سيّدنا العلاّمة الطباطبائي ( قدّس سرّه ) إلى أنّ التأويل ليس من مداليل الألفاظ ، وإنَّما هو عين خارجية ، وهي الواقعية الَّتي جاء الكلام اللفظي تعبيراً عنها ، قال : الحقُّ في تفسير التأويل أنَّه الحقيقة الواقعية الَّتي تستند إليها البيانات القرآنية من : تشريع ، وموعظة ، وحِكمة ، وأنَّه موجود لجميع آي القرآن ، وليس من قبيل المفاهيم المدلول عليها بالألفاظ ، بل هي الأمور العينية المتعالية من أن تحيط بها شبَكات الألفاظ ، وأنّ وراء ما نقرأه ونتعقّله من القرآن أمراً هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد ، والمتمثّل من المثال ، وليس من سِنْخ الألفاظ ولا المعاني ، وهو المعبَّر عنه بالكتاب الحكيم ، وهذا بعينه هو التَّأويل ، ومن ثمَّ لا يمسُّه إلاّ المطهَّرون ، قال تعالى : { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَ يَمَسُّهُ إِلاّ الْمُطَهَّرُونَ }[ الواقعة : 77 و 79] ، وقال : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ )[ البروج : 21 و22] ، وقال : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 3، 4] .
فهذه الآيات تدلّ على أنَّ القرآن النازل كان عند الله أمراً أعلى وأحكم من أن تناله العقول أو يعرضه التقطّع والتفصيل ، لكنَّه تعالى عنايَة بعباده جعلَه كتاباً مقروءاً وألبَسه لباس العربيَّة ؛ لعلّهم يعقلون ما لم يكن لهم سبيل إلى تعقّله ومعرفته ما دام في أمّ الكتاب ، قال تعالى : {كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1] ، فالإحكام : هو كونه عند الله لا ثُلمة فيه ولا تفصيل ، والتفصيل هو جعْله فصلاً فصلاً وآيةً آية ، وتنزيله على النبي ( صلّى الله عليه وآله ) (2) .
* * *
ولعلَّ ما زعَمه ابن تيميَّة ناجم عن خلْط أمرِ المصداق بأمْر التأويل ، إذ لم يُعهَد إطلاق اسم ( التأويل ) على الوجود العَيني ، وإنّما يطلق عليه اسم ( المصداق ) حسب مصطلح الفنّ ، فإنّ كلَّ لفظة لها مفهوم هو ما يتصوَّره الذهن من دلالة ذلك اللفظ ، ولها مصداق هو ما ينطبق عليه ذلك المفهوم خارجاً ، كالتفّاحة لها مفهوم هو وجودها التصوّريّ الذهني ، ولها مصداق هو وجودها العينيّ الخارجي ، ذو الآثار والخواصّ الطبيعية ، ولم يُعهَد إطلاق اسم التأويل على هذا الوجود العيني للتفاحة أصلاً .
ومنشأ الاشتباه أخذُ التأويل من أصل اشتقاقه اللُغَوي بمعنى ( مآل الأمْر ) ، أي ما يؤول إليه أمْر الشيء ، كما في قوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ} [الأعراف: 53] ، أي ينتظر هؤلاء لينظروا إلى ما يؤول أمر هذا الدين ، ويوشك أن يأتي اليوم الَّذي ينتظرونه ، غير أنَّ الفرصة قد فاتتْهم ولات الساعة ساعة مندم .
وأمّا تأويل الرؤيا ، فمأخوذ من المعنى الثاني المتقدِّم ؛ لأنّه معنى خفيّ باطن لا يعرفه سوى الذين أُوتوا العِلم ، وقد استُعمل في تعبير الرؤيا في القرآن في ثمانية مواضع (3) ، واستُعمل بمعنى ( مآل الأمر ) في خمسة مواضع (4) ، وبمعنى ( توجيه المتشابه ) في أربع مواضع (5) ، أمّا استعماله بمعنى ( البطْن ) فقد جاء في الآثار ـ حسبما تقدَّم ـ وقد أُخذ منه تعبير الرؤيا كما نبَّهنا .
فهذه أربعة معانٍ للتأويل استُعملت في سبعة عشر موضعاً من القرآن ، ولم يكن واحد منها بمعنى العين الخارجية إطلاقاً .
* * *
أمّا رأي سيِّدنا الطباطبائي فلا يعدو توجيهاً لطيفاً للمزعومة المتقدِّمة ، وتبدو عليه مسْحة عرفانية غير مستندة ، ومن ثمّ فهي غريبة شذّت عنه ( قدّس سرّه) ، وقبل أن نتكلَّم في وجه تفنيدها يجب أن نعرف أن ليس اللوح المحفوظ شيئاً ذا وجود بذاته ، كوعاء أو لَوحة أو مكان خاصّ ، مادّياً أو معنوياً ، كلاّ ، وإنّما هو كناية عن عِلمه تعالى الأزليّ الّذي لا يتغيَّر ولا يتبدَّل ، وهو المعبّر عنه بالكتاب المكنون وأُمّ الكتاب أيضاً ، وغيرهما من تعابير لا تعني سوى عِلمه تعالى المكنون الّذي لا يطّلع عليه أحد إطلاقاً .
وبعد ، فقوله تعالى : {وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 4] ، لا يعني أنّ للقرآن وجوداً آخر في وعاء ( أُمّ الكتاب ) ، وإنّما جاءت هذه الاستفادة الخاطئة من توهّم المكان من قوله : { لَدَيْنَا } ، بل المقصود : أنّ لهذا القرآن شأناً عظيماً عند الله في سابق عِلمه الأزليّ ، والتعبير بأُمِّ الكتاب كان بمناسبة أنّ عِلمَه تعالى هو مصدر الكتاب وأصْله المتفرّع منه .
وقوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77 - 79] ، يعني نفس هذا القرآن الّذي بأيدي الناس ، فهو من كتابٍ مكنون ، أي قُدِّر له البقاء في عِلمه تعالى الأزليّ ، وجاء هذا المعنى صريحاً بتعبير آخر : {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] ، وقوله : {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79] ، يعني لا يدرِك كُنْهَ معناه ولا يبلغ الاهتداء به على الحقيقة ، إلاّ الذين طُهِّرت نفوسهم عن الزَيغ والانحراف {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] .
وقوله تعالى : {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22] أي قُدّر في عِلمه أنّه يبقى محفوظاً عن كيد الخائنين وتحريف المُبطلين ، لا يمسّوه بسوء أبداً .
هذا ، ولعلّنا أوجَزنا الكلام عن آياتٍ تمسّكوا بها في المقام ؛ لأنّا أجَّلنا البحث عن دلائلها إلى مجال التفسير إن شاء الله .
* * *
ثمّ لنفرض أنّ وراء هذا القرآن الَّذي بأيدينا قرآناً آخر ، ذا وجود مستقلٍّ فما هي الفائدة المتوخّاة من ذلك ؟ وهل هناك مَن يعمل به ؟ أو أنّه مذخور ليومٍ آخَر ، كالطعام يُدَّخر لأيّام الجَدْب ، أو المال يُكنَز ليوم الحاجة والافتقار ؟! وأخيراً ، فما الّذي دعا هؤلاء إلى تسمية ذلك القرآن المذخور ـ فرَضاً ـ تأويلاً ووجوداً عينيّاً لهذا القرآن الحاضر ؟ وهل يصحّ ـ إذا كان للشيء وجودان ، وجود مبذول ووجود محفوظ ـ أن يُطلَق على وجوده الآخَر عنوان التأويل لهذا الوجود ؟! .
إنْ هذا إلاّ كلام منبعث عن ذوق عرفاني ، بعيد عن مجالات الجدَل والاستدلال ، نعم ، سوى استحسان عقلانيّ مجرَّد ! .
_____________________
(1) بنقل رشيد رضا في تفسير المنار : ج3 ، ص195 في تفسير سورة التوحيد .
(2) راجع الميزان : ج5 ، ص25 و 45 و49 و54 و55 .
(3) يوسف : 6 و21 و36 و44 و45 و100 و101 .
(4) النساء : 59 ، الأعراف : 53 ( مكرّرة ) ، يونس : 39 ، الإسراء : 35 .
(5) آل عمران : 7 ( مكرّرة ) ، الكهف : 78 و82 .
|
|
4 أسباب تجعلك تضيف الزنجبيل إلى طعامك.. تعرف عليها
|
|
|
|
|
أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في بريطانيا تستعد للانطلاق
|
|
|
|
|
أصواتٌ قرآنية واعدة .. أكثر من 80 برعماً يشارك في المحفل القرآني الرمضاني بالصحن الحيدري الشريف
|
|
|