أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-10-2014
2208
التاريخ: 2023-07-24
1124
التاريخ: 2023-07-25
1695
التاريخ: 24-11-2015
2266
|
لا
ريب أنّ لقسْمٍ من الحوادث المزعجة أثراً ايجابياً في تمزيق حُجب الغرور ، وإيقاظ
الإنسان من نوم الغفلة ، وتخليصه من مخالب عبادة الهوى والتشبُّث بالرأي ، وتُعتبر
الكثير منها منعطفاً في حياة الأفراد ذوي الإستعداد للهداية.
فوفرة
النعمة ، وقدرة السلطة ، والعافية قد تغُر الإنسان لدرجة بحيث ينسى نفسه بالمرّة ،
فيعتقد بكونه مصدراً لجميع المواهب ، وبأفضليته على الآخرين ، وكأنّه يتصّور خلود
الحياة فيتبدّل في هذا الحال إلى موجودٍ خطير ، ظالمٍ ، أناني ، عنيد وعابث ، ويستمر
على هذه الصفات مالم يُصادف مشكلة في حياته ، فيخسر حياته ويخسر الآخرين.
فهاهنا
تخرج يد العناية الإلهيّة من كُمّ رحمانية الباري لُتعين الإنسان ، فتحدث مصيبة
عظيمة ثقيلة ، كأن يفقد أحد أعزّائه ، أو يفشل في مساعيه وجهوده ، أو تهدم زلزلةٌ
قصر آماله ، أو تُحرق صاعقةٌ قِسماً من أمواله.
فيتعرّض
لوخزة قد توقظه فيدخُل في عالم التفكير ، ويعود من التَيْه والضياع فيخطو في جادّة
الصواب.
وقد
لاحظنا المطبّات الاصطناعية التي توضع في الطرق المستوية بهدف الحد مِن نوم قادة السيارات والحيلولة دون سقوطهم في
المزالق.
وقسم
من المصائب بمثابة المطبّات في طريق حياة الإنسان التي تهز كيانه بقوّة لتمنعه من
نوم الغفلة الذي يؤدّي إلى هلاكه.
ويُمكن
أن يصدُق هذا الكلام بخصوص الإنسان ، أو مجتمع معين ، أو جميع المجتمعات البشريّة
، ويُعطي فلسفة قيّمة لقسم من حوادث الحياة الأليمة.
ولقد
وصل الإنسان اليوم ، في ظل التقدم الصناعي ، إلى درجة من القدرة بحيث سخّر السماء
والأرض وكشفت أجهزته الفضائية الستر عن أسرار أبعد سيّارات المنظومة الشمسيّة
أيضاً ، وحصل منها على أخبار عجيبة مذهلة.
وضجّت
أصداء العقول الألكترونية ، بحيث صار تركيب أعضاء الإنسان عملًا بسيطاً.
ويُحتمل
أن تؤدّي مجموعة هذه الظواهر إلى اغترار الكثير من العلماء ، لكنهم عندما يَرون
بقاء مرض السرطان يفتك بالناس بالرغم من كثافة جهود آلاف بل ملايين العلماء
المبذولة على مدى التاريخ ، أو مرض (الأيدز) الحديث الظهور الذي ينشأ من مكروب أو
فيروس صغير جدّاً وقد حيّر الجميع وأرعبهم- والجدير بالاشارة إلى أنّ هذا المرض
يأخذ قرابين من الدول الصناعية المتقدمة أكثر من غيرها- سيتعّرضون لهزّه فكريّة
عنيفة ، وسينتبهون لحظة إلى ضعف وعجز هذا الإنسان القوي مقابل عظمة الكون وخالقه.
ولا
يُمكن إنكار أَنّ قِسْماً عظيماً من سكّان العالم لا يعتبرون من هذه الحوادث أبداً
، ولا يعيرون لها اهتماماً ، بل يستمرون في مواصلة سلوكهم المنحرف ، ويبقون
منغمسين في عالَم الخيال ، ولكن من المُسَلَّم أن قِسْماً منهم يعتبرون بها
ويتوجهون إلى إصلاح أنفسهم. وهذه فلسفة مهمّة جديرة بالملاحظة.
ولا
يلتبس الأمر عليك فإنّنا لا نقصد بأنّ جميع المصائب والحوادث الأليمة من هذا
القبيل ، ولا نُقر بوجوب الاستسلام أمام الحوادث والتقاعُس عن مكافحة المشاكل
والمصائب ، بل نقول : إنّ قِسْماً من الحوادث مُرّة لدرجة بحيث إنّ الإنسان لا
يستطيع التكهُّن بها ولا يستطيع مواجهتها ، وقسم من هذا النوع يدخل في موضوع بحثنا
وفي زمرة المصائب الموقظة والحوادث الأليمة المنبّهة.
القرآن والمصائب
الموقظة
نعود
الآن إلى القرآن لنتأمل في ما يقول في هذا الخصوص ، حتى يتسنى لنا وضع الدليل
العقلي على محك البيان النقلي لنؤيده بواسطته.
ولكون
القرآن كتاباً تربوياً عظيماً ، ولارتباط موضوع بحثنا بالمسائل التربوية ارتباطاً
وثيقاً جدّاً فقد تحدّث القرآن كثيراً حول هذه المسألة وبتعابير متنوعة ومختلفة من
جملتها :
1- {وَمَا أَرسَلنَا فِى قَريَةٍ مِّن نَّبي
إِلَّا أَخَذنَا أَهلَهَا بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُم يَضَّرَّعُونَ}. (الأعراف/ 94) (1) (2)
يُستنتَجُ
من هذه الآية بوضوح أنّ الإيقاظ والتنبيه هو أحد أهداف الحوادث المزعجة التي كانت
تُصيب الأقوام الغارقة في بحار الذنوب ، وكان سِرّ مقارنة هذه الحوادث مع دعوات
الأنبياء هو تهيأة الأرضية الخصبة لقبول دعواتهم ، وتناغم (التكوين) مع (التشريع)
يقّوي تأثير مواعظهم.
2- {ظَهَرَ الفَسَادُ فِى البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا
كَسَبَتْ أَيدِى النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعضَ الَّذِى عَمِلُوا لَعَلَّهُم يَرجِعُون}. (الروم/ 41)
يُمكن
الإستفادة من هذه الآية في بُعدَين مُختلِفين هما :
بُعد
البلايا الذاتية (التي يُسببها الإنسان بنفسه) وبُعد البلايا والمصائب الموقِظة ، وتوضِّحُ
تناغُمَ هذا القسم من المصائب والحوادث غير المطلوبة ، مع المسائل التربويّة
وبرامج التكامل الإلهيّة.
3- {وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ العَذَابِ الأَدْنى
دُونَ العَذَابِ الأَكبَرِ لَعَلَّهُم يَرجِعُونَ} (السجدة/ 21) .
إنَّ
تعبير (العذاب الأدنى) ذو مفهومٍ واسع يشمل أغلب الاحتمالات التي
ذكرها المفسّرون ، كُلًّا على حِدة ، (المصائب والآلام والمتاعب ، الاضرار
الماليّة ، الجفاف ، القحط والجوع
، الهزائم في الحروب ، وما شاكل ذلك).
ولكنّ
ما ورد في كلام بعض المفسّرين من احتمال كون المقصود من العذاب الأدنى هو عذاب
القبر لا يتناسب مع ظاهر الآية ، لأنّ جملة لعلّهم يرجعون تُحدّد هدف هذا العذاب
(العودة والرجوع) ممّا لا يتناسب مع عذاب القبر (تأمل جيداً) (3).
وبخصوص
آل فرعون ورد ما يلي :
4-
{وَلَقَد أَخَذنَا آلَ فِرعَونَ
بِالسِّنِينَ وَنَقصٍ مِّنَ الَّثمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ}. (الأعراف/ 130)
بالرغم
من أنّ هذه الآية خاصّة بآل فرعون ، إلّا أنّنا نعلم عدم اختلافهم عن بقية الأقوام
بإصابتهم بمشاكل مُنهكة ليسْتيقظوا وينزلوا من مركَب الغرور ، ويعودوا إلى طريق
الحق.
والظريف
هو أنّ بعض الآيات المذكورة قد ذكرت هدف هذه المسألة (التذكّر) ، وبعضَها الآخر (التضرُّع) ، وبعضَها (الرجوع والعودة) والتي هي بالحقيقة تُشكل المراتب المختلفة
والمنظمة للرجوع إلى اللَّه ، فأولًا يتذكّر الإنسان ، ثم يتضرّع إلى اللَّه ، ويرجع
إليه منيباً مستغفراً.
أو
بتعبيرٍ آخر فالمرحلة الأولى (الفكر) والمرحلة
الثانية (الذكر) والمرحلة الثالثة (العمل) ، ومن قبيل هذه
النقاط تُعطي بلاغاً جديداً من هذا الكتاب السماوي عندما تُقارَنُ الآيات القرآنية
مع بعضها وتُفَسَّرُ بصورة موضوعيّة.
طبعاً
كما أشار التأريخ وكما صرّح القرآن أيضاً فإنّ الكثير من الأقوام المنحرفة السالفة
لم تُبدِ رد فعل إيجابي إزاء هذه المصائب والعذاب ، واستمرّت في غيّها حتى هلكت
بالعذاب الإلهي النهائي ، كما ورد في الآية : {وَلَقَد أَخَذنَاهُم بِالعَذَابِ فَمَا
استَكَانُوا لِرَبِّهِم وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}. (المؤمنون/ 76)
مع
هذا فقد كان هنالك أقوامٌ أبدَوْا ردود فعل ايجابية إزاء مثل هذه الحوادث ، أو خرج
من بين هذه الأقوام العنيدة افرادٌ اعتبروا واهتدَوْا ، لذا كانت مثل هذه المصائب
عامل ايقاظ للبعض ، وعاملَ إتمام الحجّة للبعض الآخر.
________________________
(1) وردت آية مماثلة لهذه الآية في سورة الأنعام ، الآية 42.
(2)
«يضّرّعون» من مادّة «تضرّع» وتعني الخضوع والطلب المصحوب بالتواضع (وهي بالأصل
مأخوذة من مادّة ضرع وتعني نزول الحليب في الثدي).
(3) ورد نظير هذا المعنى في سورة الاعراف ، الآية 168؛ سورة الزخرف ، الآية
48.