أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1788
التاريخ: 18-11-2014
2304
التاريخ: 2-06-2015
2570
التاريخ: 4-12-2015
2016
|
قال تعالى : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل : 20 - 26].
أخبر سبحانه عن سليمان فقال « وتفقد الطير » أي طلبه عند غيبته { فقال ما لي لا أرى الهدهد } أي ما للهدهد لا أراه تقول العرب ما لي أراك كئيبا ومعناه ما لك ولكنه من القلب الذي يوضح المعنى واختلف في سبب تفقده الهدهد فقيل إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء لأنه يقال إنه يرى الماء في بطن الأرض كما يراه في القارورة عن ابن عباس وروى العياشي بالإسناد قال قال أبو حنيفة لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك قال أبو عبد الله (عليه السلام) ما يضحكك قال ظفرت بك جعلت فداك قال وكيف ذلك قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حتى يؤخذ بعنقه قال أبو عبد الله (عليه السلام) يا نعمان أما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر وقيل إنما تفقده لإخلاله بنوبته عن وهب وقيل كانت الطيور تظله من الشمس فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه .
{ أم كان من الغائبين } معناه أ تأخر عصيانا أم غاب لعذر وحاجة قال المبرد لما تفقد سليمان الطير ولم ير الهدهد قال ما لي لا أرى الهدهد على تقدير أنه مع جنوده وهو لا يراه ثم أدركه الشك فشك في غيبته عن ذلك الجمع بحيث لم يره فقال أم كان من الغائبين أي بل أ كان من الغائبين كأنه ترك الكلام الأول واستفهم عن حاله وغيبته .
ثم أوعده على غيبته فقال { لأعذبنه عذابا شديدا } معناه لأعذبنه بنتف ريشه وإلقائه في الشمس عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وقيل بأن أجعله بين أضداده وكما صح نطق الطير وتكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته على ما وقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته « أو لأذبحنه » أي لأقطعن حلقه عقوبة على عصيانه « أو ليأتيني بسلطان مبين } أي بحجة واضحة تكون له عذرا في الغيبة { فمكث غير بعيد » أي فلم يلبث سليمان إلا زمانا يسيرا حتى جاء الهدهد وقيل معناه فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثم رجع وعلى هذا فيجوز أن يكون التقدير فمكث في مكان غير بعيد قال ابن عباس فأتاه الهدهد بحجة .
{ فقال أحطت بما لم تحط به } أي اطلعت على ما لم تطلع عليه وجئتك بأمر لم يخبرك به ولم يعلم به الإنس وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك وهو قوله { وجئتك من سبإ بنبأ يقين } أي بخبر صادق وعلم الإحاطة وهو أن يعلم الشيء من جميع جهاته التي يمكن أن يعلم عليها تشبيها بالسور المحيط بما فيه وفي الكلام حذف تقديره ثم جاء الهدهد فسأله سليمان عن سبب غيبته فقال أحطت بما لم تحط به وفي هذا دلالة على أنه يجوز أن يكون في زمن الأنبياء من يعرف ما لا يعرفونه وسبأ مدينة بأرض اليمن عن قتادة وقيل إن الله تعالى بعث إلى سبإ اثني عشر نبيا عن السدي وروى علقمة بن وعلة عن ابن عباس قال سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن سبإ فقال هو رجل ولد له عشرة من العرب تيامن منهم ستة وتشأم أربعة فالذين تشأموا لخم وجذام وغسان وعاملة والذين تيامنوا كندة والأشعرون والأزد ومذحج وحمير وأنمار ومن الأنمار خثعم وبجيلة .
{ إني وجدت امرأة تملكهم } أي تتصرف فيهم بحيث لا يعترض عليها أحد { وأوتيت من كل شيء } وهذا اختار عن سعة ملكها أي من كل شيء من الأموال وما يحتاج إليه الملوك من زينة الدنيا وقال الحسن وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبإ وقيل شرحبيل ولدها أربعون ملكا آخرهم أبوها [ شرحبيل ] قال قتادة وكان أولوا مشورتها ثلاثمائة واثني عشر قيلا كل قيل منهم تحت رايته ألف مقاتل .
{ ولها عرش عظيم } أي سرير أعظم من سريرك وكان مقدمه من ذهب مرصع بالياقوت الأحمر والزمرد الأخضر ومؤخرة من فضة مكلل بألوان الجواهر وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق وعن ابن عباس قال كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا وطوله في الهواء ثلاثون ذراعا وقال أبو مسلم المراد بالعرش الملك {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} [النمل : 24] أي عبادتهم للشمس من دون الله { فصدهم عن السبيل } أي صرفهم عن سبيل الحق .
{ فهم لا يهتدون } قال الجبائي لم يكن الهدهد عارفا بالله تعالى وإنما أخبر بذلك كما يخبر مراهقو صبياننا لأنه لا تكليف إلا على الملائكة والإنس والجن فيرانا الصبي على عبادة الله فيتصوران ما خالفها باطل فكذلك الهدهد تصور له أن ما خالف فعل سليمان باطل وهذا الذي ذكره خلاف ظاهر القرآن لأنه لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود للشمس وأن أحدها حسن والآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه وبما يجوز عليه وما لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود للشمس وأن أحدها حسن والآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه وبما يجوز عليه وما لا يجوز هذا مع نسبة تزين أعمالهم وصدهم عن طريق الحق إلى الشيطان وهذا مقالة من يعرف العدل وأن القبيح غير جائز على الله سبحانه .
{ ألا يسجدوا لله } قد بينا أن التخفيف إنما هو على معنى الأمر بالسجود ودخلت الياء للتنبيه أو على تقدير ألا يا قوم اسجدوا لله وقيل إنه أمر من الله تعالى لجميع خلقه بالسجود له اعترض في الكلام وقيل إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله وقاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه والقراءة بالتشديد على معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله وذكر الفراء أن القراءة بالتشديد لا توجب سجدة التلاوة وهذا غير صحيح لأن الكلام قد تضمن الذم على ترك السجود فيه دلالة على وجوب السجود وهو كقوله {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ} [الفرقان : 60] الآية .
{الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [النمل : 25] الخبء المخبوء وهو ما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه وهو مصدر وصف به يقال خبأته أخبؤه خبأ وما يوجده الله تعالى فيخرجه من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة وقيل الخبء الغيب وهو كل ما غاب عن الإدراك فالمعنى يعلم غيب السماوات والأرض عن عكرمة ومجاهد وقيل إن خبء السماوات المطر وخبء الأرض النبات والأشجار عن ابن زيد .
{ ويعلم ما تخفون وما تعلنون } أي يعلم السر والعلانية { الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم } إلى هاهنا تمام الحكاية لما قاله الهدهد ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى والعرش سرير الملك الذي عظمه الله ورفعه فوق السماوات السبع وجعل الملائكة تحف به وترفع أعمال العباد إليه وتنشأ البركات من جهته فهو عظيم الشأن كما وصفه الله تعالى وهو أعظم خلق الله تعالى.
{قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلا تَعْلُوا عَلىَّ وأْتُونى مُسلِمِينَ }[القصص : 27- 31].
لما سمع سليمان ما اعتذر به الهدهد في تأخره « قال » عند ذلك « سننظر أ صدقت » في قولك الذي أخبرتنا به { أم كنت من الكاذبين } وهذا ألطف وألين في الخطاب من أن يقول أم كذبت لأنه قد يكون من الكاذبين بالميل إليهم وقد يكون منهم بالقرابة تكون بينه وبينهم وقد يكون منهم بأن يكذب كما كذبوا ثم كتب سليمان كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إليه فذلك قوله { اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم } يعني إلى أهل سبإ { ثم تول عنهم } أي استتر منهم قريبا بعد إلقاء الكتاب إليهم فانظر ما ذا يرجعون عن وهب بن منبه وغيره وقيل إنه على التقديم والتأخير { فانظر ما ذا يرجعون } أي ما ذا يردون من الجواب ثم تول عنهم لأن التولي عنهم بعد الجواب عن مقاتل وابن زيد والجبائي وأبي مسلم والأول أوجه لأن الكلام إذا صح من غير تقديم وتأخير كان أولى وفي الكلام حذف تقديره فمضى الهدهد بالكتاب وألقاه إليهم .
فلما رأته بلقيس « قالت » لقومها « يا أيها الملأ » أي الأشراف { إني ألقي إلي كتاب كريم } قال قتادة أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب وقيل كانت لها كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها فإذا نظرت إليها سجدت فجاء الهدهد إلى الكوة فسدها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها عن وهب وابن زيد .
فلما أخذت الكتاب جمعت الأشراف وهم يومئذ ثلاثمائة واثنا عشر قيلا ثم قالت لهم إني ألقي إلي كتاب كريم سمته كريما لأنه كان مختوما عن ابن عباس ويؤيده الحديث إكرام الكتاب ختمه وقيل وصفته بالكريم لأنه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم وقيل لحسن خطه وجودة لفظه وبيانه وقيل لأنه كان ممن يملك الإنس والجن والطير وقد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته كريما لأنه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه .
{ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } معناه أن الكتاب من سليمان وأن المكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم سليمان (عليه السلام) ولم تعرفه هي ولا قومها وقيل إن هذا حكاية ما قالته على المعنى باللغة العربية وإن لم تقل هي بهذا اللفظ والحكاية على ثلاثة أوجه حكاية على المعنى فقط وحكاية على اللفظ فقط ممن حكاه من غير أن يعلم معناه وحكاية على اللفظ والمعنى وهو الأصل في الحكاية التي لا يجوز العدول عنها إلا بقرينة وموضع .
« ألا تعلوا » يجوز أن يكون رفعا بالبدل من « كتاب » ويجوز أن يكون نصبا على معنى بأن لا تعلوا والصحيح أن أن في مثل هذا الموضع بمعنى أي على ما قاله سيبويه في نحو قوله وانطلق الملأ منهم أن امشوا أي امشوا ومعناه لا تترفعوا ولا تتكبروا « علي وأتوني مسلمين » أي منقادين طائعين لأمري فيما أدعوكم وقيل مسلمين مؤمنين بالله تعالى ورسوله مخلصين في التوحيد قال قتادة وكذا كانت الأنبياء تكتب كتبها موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط .
{قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ }[النمل : 32- 37 ].
ولما وقفت بلقيس على كتاب سليمان « قالت » لأشراف قومها { يا أيها الملأ أفتوني في أمري } أي أشيروا علي بالصواب والفتيا والفتوى الحكم بما فيه صواب بدلا من الخطإ وهو الحكم بما يعمل عليه فجعلت المشورة هنا فتيا « ما كنت قاطعة أمرا » أي ما كنت ممضية أمرا « حتى تشهدون » أي تحضروني تريد إلا بحضرتكم ومشورتكم وهذا ملاطفة منها لقومها في الاستشارة منهم لما تعمل عليه « قالوا » لها في الجواب عن ذلك « نحن أولوا قوة » أي أصحاب قوة وقدرة وأهل عدد « وأولوا بأس شديد » أي وأصحاب شجاعة شديدة « والأمر إليك » أي أن الأمر مفوض إليك في القتال وتركه .
{ فانظري ما ذا تأمرين } أي ما الذي تأمريننا به لنمتثله فإن أمرت بالصلح صالحنا وإن أمرت بالقتال قاتلنا « قالت » مجيبة لهم عن التعريض بالقتال { إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها } أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أهلكوها وخربوها { وجعلوا أعزة أهلها أذلة } أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر والمعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم وانتهى الخبر عنها وصدقها الله فيما قالت فقال « وكذلك » أي وكما قالت هي « يفعلون » وقيل إن الكلام متصل بعضه ببعض وكذلك يفعلون من قولها « وإني مرسلة إليهم » أي إلى سليمان وقومه « بهدية » أصانعه بذلك عن ملكي « فناظرة » أي فمنتظرة « بم يرجع المرسلون » بقبول أم رد وإنما فعلت ذلك لأنها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أو نبي فإن قبل الهدية تبين أنه ملك وعندها ما يرضيه وإن ردها تبين أنه نبي واختلف في الهدية فقيل أهدت إليه وصفاء ووصايف ألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى عن ابن عباس وقيل أهدت مائتي غلام ومائتي جارية ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الجواري ألبسة الغلمان عن مجاهد وقيل أهدت له صفائح الذهب في أوعية من الديباج
فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق فلما جاءوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاءوا به عن ثابت اليماني وقيل إنها عمدت إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الجواري الأقبية والمناطق وألبست الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب وفي أعناقهم أطواقا من ذهب وفي آذانهم أقراطا وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع وعمدت إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب ودعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأي وعقل وكتبت إليه كتابا بنسخة الهدية قالت فيها :
أن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها واثقب الدرة ثقبا مستويا وأدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جن وقالت للرسول أنظر إليه إن دخلت عليه فإن نظر إليك نظرة غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره فأنا أعز منه وإن نظر إليك نظر لطف فاعلم أنه نبي مرسل .
فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ففعلوا ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة ففعلوا ثم قال للجن علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان ويساره ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ وأمر الوحش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره .
فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان تقاصرت إليهم أنفسهم ورموا بما معهم من الهدايا فلما وقفوا بين يدي سليمان نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق وقال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم بما جاءوا له وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه وقال أين الحقة فأتي بها وحركها وجاءه جبرائيل (عليه السلام) فأخبره بما في الحقة فقال إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة فأرسل سليمان إلى الأرضة فجاءت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذه الخرزة يسلكها الخيط فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ثم ميز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به الوجه والغلام كان يأخذ من الآنية يضرب به وجهه وكانت الجارية تصب على باطن ساعدها والغلام على ظهر الساعد وكانت الجارية تصب الماء صبا والغلام يحدر الماء على يده حدرا فميز بينهما بذلك هذا كله مروي عن وهب وغيره .
وقيل إنها أنفذت مع هداياها عصا كان يتوارثها ملوك حمير وقالت أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها وبقدح ماء وقالت تملؤها ماء رواء ليس من الأرض ولا من السماء فأرسل سليمان العصا إلى الهواء وقال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها وأمر الخيل فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها وقال ليس هذا من ماء الأرض ولا من ماء السماء .
{ فلما جاء سليمان } أي فلما جاء الرسول سليمان « قال أ تمدونني بمال » أي تزيدونني مالا وهذا استفهام إنكار يعني أنه لا يحتاج إلى مالهم « فما آتاني الله خير مما آتاكم » أي ما أعطاني الله من الملك والنبوة والحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا وأموالها « بل أنتم بهديتكم تفرحون » إذا هدى بعضكم إلى بعض وأما أنا فلا أفرح بها أشار إلى قلة اكتراثه بأموال الدنيا ثم قال (عليه السلام) للرسول « ارجع إليهم » بما جئت من الهدايا { فلناتينهم بجنود لا قبل لهم بها } أي لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم على دفعها { ولنخرجنهم منها أذلة } أي من تلك القرية ومن تلك المملكة وقيل من أرضها وملكها « وهم صاغرون » أي ذليلون صغير والقدر إن لم يأتوني مسلمين فلما رد سليمان الهدية وميز بين الغلمان والجواري إلى غير ذلك علموا أنه نبي مرسل وأنه ليس كالملوك الذين يغترون بالمال .
{قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }. [لنمل : 38- 44].
فلما رجع إليها الرسول وعرفت أنه نبي وأنها لا تقاومه فتجهزت للمسير إليه وأخبر جبرائيل سليمان (عليه السلام) إنها خرجت من اليمن مقبلة إليه ف « قال » سليمان لأماثل جنده وأشراف عسكره { يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين } واختلف في السبب الذي خص به العرش بالطلب على أقوال ( أحدها ) : أنه أعجبته صفته فأراد أن يراه وظهر له آثار إسلامها فأحب أن يملك عرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ مالها عن قتادة ( وثانيها ) : أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها ويختبر هل تعرفه أو تنكره عن ابن زيد وقيل أراد أن يجعل ذلك دليلا ومعجزة على صدقه ونبوته لأنها خلفته في دارها وأوثقته ووكلت به ثقات قومها يحرسونه ويحفظونه عن وهب وقال ابن عباس كان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدىء بالكلام حتى يكون هو الذي يسأل عنه فخرج يوما فجلس على سريره فرأى رهجا قريبا منه فقال ما هذا فقالوا بلقيس يا رسول الله وقد نزلت منا بهذا المكان وكان ما بين الكوفة والحيرة على قدر فرسخ فقال { أيكم يأتيني بعرشها } .
و قوله « مسلمين » فيه وجهان ( أحدهما ) : أنه أراد مؤمنين موحدين ( والآخر ) مستسلمين منقادين على ما مر بيانه { قال عفريت من الجن } أي مارد قوي داهية عن ابن عباس { أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك } أي من مجلسك الذي تقضي فيه عن قتادة { وإني عليه لقوي أمين } أي وإني على حمله لقوي وعلى الإتيان به في هذه المدة قادر وعلى ما فيه من الذهب والجواهر أمين وفي هذا دلالة على أن القدرة قبل الفعل لأنه أخبر بأنه قوي عليه قبل أن يجيء به وكان سليمان يجلس في مجلسه للقضاء غدوة إلى نصف النهار فقال سليمان أريد أسرع من ذلك .
فعند ذلك { قال الذي عنده علم من الكتاب } وهو آصف بن برخيا وكان وزير سليمان وابن أخته وكان صديقا يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب عن ابن عباس وقيل إن ذلك الاسم الله والذي يليه الرحمن وقيل هو يا حي يا قيوم وبالعبرانية أهيا شراهيا وقيل هو يا ذا الجلال والإكرام عن مجاهد وقيل أنه قال يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت عن الزهري وقيل إن الذي عنده علم من الكتاب كان رجلا من الإنس يعلم اسم الله الأعظم اسمه بلخيا عن مجاهد وقيل اسمه أسطوم عن قتادة وقيل الخضر (عليه السلام) عن أبي لهيعة وقيل إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبرائيل (عليه السلام) أذن الله له في طاعة سليمان (عليه السلام) بأن يأتيه بالعرش الذي طلبه وقال الجبائي هو سليمان قال ذلك للعفريت ليريه نعمة الله عليه وهذا قول بعيد لم يؤثر عن أهل التفسير وأما الكتاب المعرف في الآية بالألف واللام فقيل إنه اللوح المحفوظ وقيل أراد به جنس كتب الله المنزلة على أنبيائه وليس المراد به كتابا بعينه والجنس قد يعرف بالألف واللام وقيل إن المراد به كتاب سليمان إلى بلقيس { إنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك } اختلف في معناه فقيل يريد قبل أن يصل إليك من كان منك على قدر مد البصر عن قتادة وقيل معناه قبل أن يبلغ طرفك مداه وغايته ويرجع إليك قال سعيد بن جبير قال لسليمان أنظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه والمعنى حتى يرتد إليك طرفك بعد مدة إلى السماء وقيل ارتداد الطرف إدامة النظر حتى يرتد طرفه خاسئا عن مجاهد فعلى هذا معناه أن سليمان مد بصره إلى أقصاه وهو يديم النظر فقبل أن ينقلب بصره إليه حسيرا يكون قد أتى بالعرش قال الكلبي خر آصف ساجدا ودعا باسم الله الأعظم فغار عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسي سليمان .
وذكر العلماء في ذلك وجوها ( أحدها ) : أن الملائكة حملته بأمر الله تعالى ( والثاني ) : أن الريح حملته ( والثالث ) : أن الله تعالى خلق فيه حركات متوالية ( والرابع ) : أنه انخرق مكانه حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان ( والخامس ) إن الأرض طويت له وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( والسادس ) : أنه أعدمه الله في موضعه وأعاده في مجلس سليمان وهذا لا يصح على مذهب أبي هاشم ويصح على مذهب أبي علي الجبائي فإنه يجوز فناء بعض الأجسام دون بعض وفي الكلام حذف كثير لأن التقدير قال سليمان له افعل فسأل الله تعالى في ذلك فحضر العرش فرآه سليمان مستقرا عنده.
{ فلما رآه مستقرا عنده } أي فلما رأى سليمان العرش محمولا إليه موضوعا بين يديه في مقدار رجع البصر { قال هذا من فضل ربي } أي من نعمته علي وإحسانه لدي لأن تيسير ذلك وتسخيره مع صعوبته وتعذره معجزة له ودلالة على علو قدره وجلالته وشرف منزلته عند الله تعالى { ليبلوني أ أشكر أم أكفر } أي ليختبرني هل أقوم بشكر هذه النعمة أم أكفر بها { ومن شكر فإنما يشكر لنفسه } لأن عائدة شكره ومنفعته ترجعان إليه وتخصانه دون غيره وهذا مثل قوله {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} [الإسراء: 7] { ومن كفر فإن ربي غني } عن شكر العباد غير محتاج إليه بل هم المحتاجون إليه لما لهم فيه من الثواب والأجر « كريم » أي متفضل على عباده شاكرهم وكافرهم عاصيهم ومطيعهم لا يمنعه كفرهم وعصيانهم من الإفضال عليهم والإحسان إليهم.
« قال » سليمان { نكروا لها عرشها } أي غيروا سريرها إلى حال تنكرها إذا رأته وأراد بذلك اعتبار عقلها على ما قيل { ننظر أ تهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون } أي أ تهتدي إلى معرفة عرشها بفطنتها بعد التغيير أم لا تهتدي إلى ذلك عن سعيد بن جبير وقتادة وقيل أ تهتدي أي أ تستدل بعرشها على قدرة الله وصحة نبوتي وتهتدي بذلك إلى طريق الإيمان والتوحيد أم لا عن الجبائي قال ابن عباس فنزع ما كان على العرش من الفصوص والجواهر وقال مجاهد غير ما كان أحمر فجعله أخضر وما كان أخضر فجعله أحمر وقال عكرمة زيد فيه شيء ونقص منه شيء { فلما جاءت قيل أ هكذا عرشك قالت كأنه هو } فلم تثبته ولم تنكره ودل ذلك على كمال عقلها حيث لم تقل لا إذ كان يشبه سريرها لأنها وجدت فيه ما تعرفه ولم تقل نعم إذ وجدت فيه ما غير وبدل ولأنها خلفته في بيتها وحمله في تلك المدة إلى ذلك الموضع غير داخل في قدرة البشر قال مقاتل عرفته ولكن شبهوا عليها حين قالوا لها أ هكذا عرشك فشبهت حين قالت كأنه هو ولو قيل لها هذا عرشك لقالت نعم قال عكرمة كانت حكيمة قالت إن قلت هو هو خشيت أن أكذب وإن قلت لا خشيت أن أكذب فقالت كأنه هو شبهته به فقيل لها فإنه عرشك فما أغنى عنك إغلاق الأبواب وكانت قد خلفته وراء سبعة أبواب لما خرجت .
فقالت « وأوتينا العلم » بصحة نبوة سليمان « من قبلها » أي من قبل الآية في العرش « وكنا مسلمين » طائعين لأمر سليمان وقيل إنه من كلام سليمان عن مجاهد ومعناه وأوتينا العلم بالله وقدرته على ما يشاء من قبل هذه المرة وكنا مخلصين لله بالتوحيد وقيل معناه وأوتينا العلم بإسلامها ومجيئها طائعة قبل مجيئها وقيل إنه من كلام قوم سليمان عن الجبائي { وصدها ما كانت تعبد من دون الله } أي منعها عبادة الشمس عن الإيمان بالله تعالى بعد رؤية تلك المعجزة عن مجاهد فعلى هذا تكون ما موصولة مرفوعة الموضع بأنها فاعلة صد وقيل معناه وصدها سليمان عما كانت تعبده من دون الله وحال بينها وبينه ومنعها عنه فعلى هذا يكون ما في موضع النصب وقيل معناه منعها الإيمان والتوحيد الذي كانت تعبده من دون الله وهو الشمس ثم استأنف فقال { إنها كانت من قوم كافرين } أي من قوم يعبدون الشمس قد نشأت فيما بينهم فلم تعرف إلا عبادة الشمس .
{ قيل لها ادخلي الصرح } والصرح هو الموضع المنبسط المنكشف من غير سقف وذكر إن سليمان لما أقبلت صاحبة سبإ أمر الشياطين ببناء الصرح وهو كهيئة السطح المنبسط من قوارير أجري تحته الماء وجمع في الماء الحيتان والضفادع ودواب البحر ثم وضع له فيه سرير فجلس عليه وقيل إنه قصر من زجاج كأنه الماء بياضا وقال أبو عبيدة كل بناء من زجاج أو صخر أو غير ذلك موثق فهو صرح وإنما أمر سليمان (عليه السلام) بالصرح لأنه أراد أن يختبر عقلها وينظر هل تستدل على معرفة الله تعالى بما ترى من هذه الآية العظيمة وقيل إن الجن والشياطين خافت أن يتزوجها سليمان فلا ينفكون من تسخير سليمان وذريته بعده لو تزوجها وذلك أن أمها كانت جنية فأساءوا الثناء عليها ليزهدوه فيها وقالوا إن في عقلها شيئا وإن رجلها كحافر الحمار فلما امتحن ذلك وجدها على خلاف ما قيل وقيل أنه ذكر له أن على رجليها شعرا فلما كشفته بأن الشعر فساءه ذلك فاستشار الجن في ذلك فعملوا الحمامات وطبخوا له النورة والزرنيخ وكان أول ما صنعت النورة .
« فلما رأته » أي رأت بلقيس الصرح « حسبته لجة » وهي معظم الماء « وكشفت عن ساقيها » لدخول الماء وقيل إنها لما رأت الصرح قالت ما وجد ابن داود عذابا يقتلني به إلا الغرق وأنفت أن تجبن فلا تدخل ولم يكن من عادتهم لبس الخفاف فلما كشفت عن ساقيها « قال » لها سليمان « إنه صرح ممرد » أي مملس « من قوارير » وليس بماء ولما رأت سرير سليمان والصرح { قالت ربي إني ظلمت نفسي } بالكفر الذي كنت عليه { وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين } فحسن إسلامها وقيل إنها لما جلست دعاها سليمان إلى الإسلام وكانت قد رأت الآيات والمعجزات فأجابته وأسلمت وقيل إنها لما ظنت أن سليمان يغرقها ثم عرفت حقيقة الأمر قالت ظلمت نفسي إذ توهمت على سليمان ما توهمت .
واختلف في أمرها بعد ذلك فقيل إنه تزوجها سليمان وأقرها على ملكها وقيل إنه زوجها من ملك يقال له تبع وردها إلى أرضها وأمر زوبعة أمير الجن باليمن أن يعمل له ويطيع فصنع له المصانع باليمن قال عون بن عبد الله جاء رجل إلى عبد الله بن عتبة فسأله هل تزوجها سليمان قال عهدي بها إن قالت وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين يعني أنه لا يعلم ذلك وإن آخر ما سمع من حديثها هذا القول وروى العياشي في تفسيره بالإسناد قال التقى موسى بن محمد بن علي بن موسى (عليهما السلام) ويحيى بن أكثم فسأله عن مسائل قال فدخلت على أخي علي بن محمد (عليهماالسلام) بعد أن دار بيني وبينه من المواعظ حتى انتهيت إلى طاعته فقلت له جعلت فداك أن ابن أكثم سألني عن مسائل أفتيه فيها فضحك ثم قال فهل أفتيته فيها قلت لا قال ولم قلت لم أعرفها قال وما هي قلت أخبرني عن سليمان أ كان محتاجا إلى علم آصف بن برخيا ثم ذكر المسائل الأخر قال اكتب يا أخي بسم الله الرحمن الرحيم سألت عن قول الله تعالى في كتابه { قال الذي عنده علم من الكتاب } فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن معرفة ما عرفه آصف لكنه (عليه السلام) أحب أن تعرف أمته من الإنس والجن أنه الحجة من بعده وذلك من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله تعالى ففهمه الله ذلك لئلا يختلف في إمامته ودلالته كما فهم سليمان في حياة داود ليعرف إمامته ونبوته من بعده لتأكيد الحجة على الخلق .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|