أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-6-2016
6151
التاريخ: 2024-03-30
895
التاريخ: 2023-12-27
985
التاريخ: 12/10/2022
2118
|
لا يقصد بالغياب في هذا المقام مجرد الغياب عن مجلس الحكم ، فإن الفقهاء يكادون يتفقون على أن الغائب عن مجلس الحكم والحاضر في البلد الذي فيه المجلس ، لا يصح الحكم عليه الا بعد إحضاره (1) الا أن من الفقهاء من عم المقصود بالغياب الذي يجوز الحكم عليه مع غيابه، فجعله يشمل كل غائب عن مجلس الحكم ولو كان في البلد الذي يوجد فيه المجلس، طالما أنه كان غائبة عن مجلس الحكم في الميعاد المحدد لنظر الدعوى ، وهذا ما ذهب إليه ابن حزم الظاهري ، ولكنه رأي لا يعمل به (2).
وقد وضع الفقهاء حدأ للمسافة التي يعتبر به الشخص حاضرة لا يجوز الحكم عليه الا بعد احضاره ، ومع أن هنالك بعض الخلاف في تحديده الا أن اجتهاداتهم فيه متقاربة الى حد بعيد ، وهذه اشارة الى أن النظام القضائي الإسلامي يعتد بمسافة الطريق عند تحديد المهل والأجال.
فعند المالكية يعتبر قريبة من لم يبتعد عن مجلس القضاء اكثر من مسيرة ثلاثة ايام ، واشترطوا أن تكون الطريق التي توصله الى الموقع الذي فيه مجلس الحكم أمنة ، والا فإن هذه المسافة تعتبر بعيدة(3). أما عند الشافعية فلهم في ذلك قولان :
الأول - يذهب الى ان حد البعل هو مسافة القصر (4).
والثاني - يذهب إلى أن حد البعد هو مسافة العدوى ، وقد فسرها بانها المسافة التي يقطعها الشخص ذهابا وايابة بحيث إذا خرج من بيته مبكرا عاد إلى أهله في نفس اليوم الذي خرج فيه (5).
اما عند الحنابلة فالبعد هو مازاد على مسافة القصر ولا خلاف عندهم في ذلك(6) فالأصل إذن في تحديد الغائب والحاضر يعود الى المسافة التي تفصل المطلوب عن مجلس الحكم ، الا أن هناك حالات لا ينظر فيها الى المسافة ، وانما الى الغياب عن مجلس الحكم في میعاد نظر الدعوى فقط وهذه هي : -
1-الامتناع والتمرد عن الحضور ، فمن كان حاضرا في البلد أو قريبة من مجلس الحكم ودعي للحضور في الميعاد الذي يحدده القاضي النظر الدعوى ، وامتنع عن ذلك ، وتمرد على طالبيه ، بحيث عجزوا عن إحضاره ، فإنه يعامل معاملة الغائب ، ومثله الهارب من مجلس الحكم بعد حضوره(7).
2- المفقود : فإنه يعامل معاملة الغائب أيضأ، فقد اتفق فقهاء المذاهب على جواز القضاء على الغائب المفقود وهو الشخص الذي لا يعلم مكانه ، وهو مجهول المصير ، فقد صرح الحنفية بصحة القضاء على المفقود ونفاذه ، وانه مستثنی من الغائب الذي لا يجوز القضاء عليه ، ولكن قالوا بوجوب تنصيب وكيل يدافع عنه (8).
3- كل من لا يستطيع التعبير عن نفسه في جواب الدعوي كالميت والصغير والمجنون ، والحاضر في البلد الواسع الذي لا يهتدي إلى مكانه الا بعد مضي مدة المسافة التي يجوز الحكم فيها على الغائب المعروف مكانه (9).
فإذا تحقق قرب الخصم الغائب من مجلس الحكم ، فيجب عليه الامتثال لدعوة خصمه في الميعاد الذي يتم اتفاقهم عليه ، ومن باب أولى فإن على الخصم الغائب الامتثال لدعوة الحاكم لمجلس الحكم في الميعاد الذي يحدده للحضور ، باعتباره ممثلا للشارع في تطبيق احكامه ، وفي ذلك قوله سبحانه وتعالى "(( يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تاويلا ))(10).
لا شك أن المدعى عليه اذا استجاب الدعوة خصمه ، وحضرا معا إلى القاضي ولا حاجة عندئذ لأي اجراء يتخذه من أجل إحضاره في الميعاد الذي تم اتفاقهم عليه أو الميعاد الذي حدده القاضي لهم .
ولكن إذا جاء المدعي الى القاضي وقال له : إن لي على فلان حقا ، وهو في منزله توارى عني وليس يحضر معي ، فإن القاضي ينظر الدعوى ، ويسأل عن مكان المدعى عليه المطلوب ، فإن كان الحال بحيث ينبغي إحضار المطلوب أمر القاضي بإحضاره ، وكانوا يفعلون ذلك بأن يدفع القاضي مع المدعي ختمأ على قطعة شمع أو طين يكون مكتوب عليها أجب القاضي فلانة" ثم هجر ذلك واصبح الاشعار بوجوب الحضور يرسل على قطعة قرطاس (11).
ولكن قد يختفي ولا يعثر عليه بعد تفتيش المكان الذي ذكر فيه ، فإن اختفى ولم يعثر عليه بعث القاضي من ينادي على بابه ثلاثة ، أنه إذا لم يحضر في يوم الذي حدده القاضي النظر الدعوي ، س مر وختم على بابه، ويفعل ذلك ثلاثة ، من أجل أن زول معذرة المطلوب بحيث أذا حضر بعدها واحتج على الحكم الصادر في حقه لم يقبل منه اية حجة أو عذر (12).
ثم اذا مضی وقت على تسمير الباب وختمه ولم يحضر الى الحاكم ، ارسل اليه شاهدين عدلين مع رسول ثقة ينادي بحضرتهما يا فلان ابن فلان أن القاضي يقول لك احضر مع خصمك فلان ابن فلان الى مجلس الحكم في يوم كذا ، والا نصبت وكيلا يخاصم عنك ، ويفعل ذلك ثلاثة أيام ، فإن لم يخرج نصب القاضي وكيلا عنه وحكم عليه بحضور وكيله وهذا عند مذهب الشافعية (13)، والحنابلة من المالكية وابي يوسف من الحنفية وهو المفتي عندهم (14). اما فيما يتعلق بمحاكمة الغائب ، فإن الخلاف الأساسي بين الحنفية وغيرهم من المذاهب الفقهية الأخرى يظهر بوضوح في القضاء على الغائب البعيد عن مجلس الحكم ، وقبل تفصيل هذه المسألة ، تنبه إلى أن المختلف فيه بين الفقهاء هو القضاء على الغائب وليس سماع البينة عليه ، ففي هذه الأخيرة لا يختلف الفقهاء في جواز سماع البينة على الغائب من اجل تسجيلها خوفا من ضياعها ، ولا يعتبر هذا التسجيل قضاء على الغائب (15).
يبدو الخلاف الفقهي حول محاكمة الغائب وهذه المسالة نفصلها فيما يأتي : -
موقف الفقه الحنفي : -
اللحنفية في القضاء على الغائب البعيد قولان : أحدهما الجواز ، والثاني المنع ، والرأي الثاني عندهم هو الراجح ولكن ليس مطلقأ وانما يستثنى منه كل حالة تدعو فيها الحاجة والضرورة الى اجازة الحكم على الغائب ، ويعود الى القاضي تقدير هذه الحاجة أو الضرورة، مثالها اذا اشترى شخص من آخر شيئأ وجعل له الخيار بالرد في مدة معينة ، ولكن البائع اختفى ، واراد المشتري الرد في خلال هذه المدة ، فله في هذه الحالة أن يطلب من القاضي أن ينصب خصما على البائع ليرد عليه (16).
وصرح ايضأ فقهاء الحنفية بصحة القضاء على المفقود ، وانه مستثنی من الغائب الذي لا يجوز القضاء عليه(17).
وبناء على ذلك نجد أن مذهب الحنفية لم يعط فرصة لفاسدي الذمم ممن يتعملون الغياب لمنع الحقوق عن أصحابها ، حيث تدخل هذه الحالة في عداد المستثنيات من الأصل العام .
استدل علماء الحنفية على مذهبهم السابق بما ورد عن علي كرم الله وجهه أنه قال :بعتي
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيأ فقلت : يا رسول الله ترسلني وانا حديث السن ولا علم لي بالقضاء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله سيهدي قلبك ، ويثبت لسانك ، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي حتى تسمع من الأخر كما سمعت من الأول، فإنه احري أن يتبين لك القضاء ) ، قال : فما زلت قاضية ، وما شككت في قضاء بعد(18) ووجه دلالته على منع القضاء على الغائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع عليا رضي الله عنه ، من أن يقضي لاحد الخصمين وهما حاضران حتى يسمع كلام الأخر ، فإنه يدل على أن الغائب الذي لم يحضر التخاصم ولم يذكر حجنة أولى بالمنع ، وذلك من قبل أنه قد يكون معه حجة تبطل بها حجة الأخر(19). موقف المذاهب الأخرى :-
اتفقت المذاهب الفقهية على جواز القضاء على الغائب (20)، ومن مواضع اتفاقهم هو القضاء على الغائب البعيد عن مجلس الحكم ، واتفقوا ايضا على جواز القضاء على الممتنع أو الهارب بعد حضوره المجلس ، حتى لو كان ممتعا أو مستترة في البلد أو في مكان قريب .
استدل جمهور الفقهاء على ما ذهبوا اليه من صحة القضاء على الغائب بنصوص عامة من القرآن الكريم ، توجب الحكم بالعدل وليس فيها تخصيص ذلك بحاضر ولا غائب ، كقوله تعالى (( يا أيها الذين امنو كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا (21).
وقوله تعالى ((وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الأخر )) (22).
_______________
1- تبصره الأحكام ، چ1، المصدر السابق، ص 135 ، أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني ((652 ، المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد، ج2، مطبعة السنة المحمدية ، مصر ، 1369 هـ - 1950 م ، ص 210 .
2- ينظر أبو محمد بن احمد بن حزم الأندلسي (456 هـ) ، المحلى ، ج9، مطبعة المنيرية ، القاهرة 1350 هـ ص 366 وما بعدها.
3- ينظر د. علي أبو الخير ، الواضح في فقه الامام احمد ، ط2، دار الخير ، بيروت ، 1416 هـ /1996 م ص 569.
4- اعتمد الشافعية في تحديد المهل والاجال على المسافة التي يجوز فيها للمسافر أن يقصر صلاته والتي تبلغ ستة عشر فرسخا ذهابا فقط، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ستة الف ذراع بذراع اليد وهذه المسافة تساوي ثمانين كيلو ونصف كيلو ومائة واربعين مترا، مسيرة يوم وليلة بسير الابل المحملة بالاثقال سيرا معتادا وتقدير المسافة بهذا متفق عليه بين الأئمة الثلاثة - الشافعية والمالكي والحنابلة.
اما الحنفية : قالوا : المسافة مقر بالزمن ، وهو ثلاثة ايام من اقصر أيام السنة ويكفي أن يسافر في كل يوم منها من الصباح الى لزوال ، والمعتبر السير الوسط أي سير السبل ، ومشي الاقدام ، فلو بكر في اليوم الأول ومشى إلى الزوال ، وبلغ المرحلة ، ونزل وبات فيها ، ثم بكر في اليوم الثاني ، وفعل تلك ثم فعل ذلك في اليوم الثالث ايضأفقد قطع مسافة القصر ، ولا عبرة بتقديرها بالفراسخ على المعتمد ولا يصح القصر في اقل من هذه المسافة ، لمزيد من التفصيل لك ينظر : عبد الرحمن بن محمد عوض الجريري ، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ، ج 1 ، دار احياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، 1299 - 1360 هـ ، ص414.
5- إبراهيم بن علي فرحون المدني (799 هـ) ، تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومنهاج الأحكام، ج1 ، مطبعة مصطفى الحلبي ، 1378 هـ - 1958م ، ص 138.
6- تبصرة الحكام ، ج1، المصدر نفسه ، ص 139.
7- ينظر : شمس الدين محمد بن احمد الشربيني القاهري (977 هـ )، مغني المحتاج إلى معرفة الفاظ المنهاج ، ج4، مطبعة مصطفى الحلبي ، 1352 ه/ 1933 م ، ص 406.
8- زین العابدين بن إبراهيم بن بخيم (970هـ) ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، ج7، مطبعة دار الكتب العربية الكبرى، مصر، 1333 هـ
8- بحر الرقائق ، ج7، المصدر السابق ، ص 18.
9- ينظر : محمد بن أحمد المنهاجي الاسيوطي (890 هـ ) ، جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود ،ج 2، مطبعة السنة المحمدية ، القاهرة ، 1374 ه/ 1955 م ، ص 361 .
10- سورة النساء ، الآية (59).
11- عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ، المغني ، ج2، ط3، مطبعة المنار ، 1367 هـ ، ص 61 - 62.
12- ينظر : سلمون بن علي بن عبد الله سلمون الكتابي الغرناطي (767 هـ ) ، العقد المنظم للحكام فيما يجري بين ايديهم من العقود والأحكام ، ط1 ، ج2 ، المطبعة العامرة الشرفية ، 1301 هـ ، ص 200
13- غير أن الشافعية يذهبون إلى أن الخصم الذي يتمرد عن الحضور بعد ذلك ناكلأ ، بعد أن ينادى عليه با فلان أن لم تحضر دعوى خصمك في الميعاد المحدد اصبحت ناك، فترد اليمين على المدعي فإن حلف قضي له وإن لم يكن معه بينة ، تبصرة الحكام ، ج1 ، المصدر السابق ن ص 154.
14- المغني لابن قدامة ، ج2 ، المصدر السابق ، ص 61 - 62.
15- شمس الدين محمد بن احمد الشربيني القاهري (977 هـ )، مغني المحتاج إلى معرفة الفاظ المنهاج ، ج4، مطبعة مصطفى الحلبي ، 1352 ه/ 1933 ، ص 406.
16- البحر الرائق ، ج7، المصدر السابق ، ص 20 .
17- البحر الرائق ، ج7، المصدر نفسه ، ص 18.
18- ينظر : محمد بن يزيد الفرويني (273 هـ )، سنن ابن ماجد ، ج2 ، مطبعة مصطفى الحلبي ، القاهرة، 1356 هـ - 1937 م ، ص 773 ، ابو داؤد سليمان بن الأشعث السجستاني الاسدي (275 هـ)، سنن المصطفى (سنن أبي داؤد ) / ج3، ط2، مطبعة السعادة ، 1369 هـ - 1950 م ص 409 ، ابو عیسی محمد بن عيسى بن سورة (279هـ )، الجامع الصحيح ( سنن الترمذي )، ج3، مطبعة مصطفی الحلبي ، 1356 هـ - 1937 م ، ص618 .
19- محمد بن أحمد أبو بكر شمس الائمة السرخسي (200 هـ )، المبسوط ، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة ، بدون سنة طبع ، ج17، ص 39 ، البحر الرائق ، ج7، المصدر السابق ، ص 7.
20- المغني ، ج2 ، المصدر السابق ، ص 109 ، تبصرة الحكام ، ج1، المصدر السابق ، ص 135 ، المحلى ، جو ، المصدر السابق ، ص 366.
21- سورة النساء ، الآية (135).
22- سورة الطلاق ، الآية (2) .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|