أقرأ أيضاً
التاريخ: 17-4-2021
2254
التاريخ: 28-7-2017
2088
التاريخ: 22-3-2021
2505
التاريخ: 23-5-2021
2668
|
من الظواهر المؤسفة في الساحة الاسلامية، ان امتنا بما تملك من طاقات وقوى بشرية هائلة، لاتزال غائبة عن الساحة السياسية؛ سواء في ادارة شؤونها، أم في المساهمة الفعالة في تقرير مصير العالم.
ان العالم تتناوب عليه اليوم القوى الجاهلية المتصارعة في الشرق والغرب، وهذه القوى تسعى جاهدة من اجل تدمير الحضارة البشرية، وتضليل الانسان وفصله عن القيم المعنوية السامية. ولولا بقية من اولي البصائر الناهين عن الفساد في الارض، لأصبحت الحياة على وجه الارض مهددة بالفناء.
ان خمسة عشر طنا فقط من الاسلحة البيولوجية، التي يملك العالم اليوم آلاف الاطنان منها، كافية لإنهاء الحياة فوق الكرة الارضية. وهذه الحقيقة وغيرها كشف لنا عن ان البشرية تنحدر وبسرعة هائلة نحو هاوية الفناء، وليس هناك من يقف امام هذا الانحدار المستمر.
ان الامة الاسلامية التي هي اقرب الأمم الى الرسالات السماوية، من الممكن ان تكون هي الامة المرشحة لإيقاف مسيرة الانحدار في العالم. ولكنها – للأسف - غائبة اليوم عن الساحة، وليس لها أية مساهمة فعالة في الاحداث التي تجري من حولها. بل والادهى من ذلك، انها لا تؤدي أي دور يذكر في تقرير مصيرها هي. هذا على الرغم من ان الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الامة ان تكون شاهدة على العالم، حيث يقول في محكم كتابه الكريم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
ترى كيف حدثت هذه الغيبة عن الساحة، واين هم المسلمون الآن؟ اين اولئك الذين جندوا جيشا جرارا يشهد له التأريخ بالعظمة بمجرد ان امرأة مسلمة استغاثت بأحد حكام المسلمين؟! أين اولئك الذين كانوا يطبقون احاديث رسول الله صلى الله عليه وآله احساسا وعملا وتعبئة لطاقاتهم؟
الجواب؛ ان هذا الغياب لم يظهر مرة واحدة، بل بشكل تدريجي. ففي البدء قالوا للعجزة والمتقدمين في السن: انتم شيوخنا وسادتنا، فاجلسوا في بيوتكم ونحن نكفيكم ونقوم بالأعمال المطلوبة. ثم قالوا للمرأة: ان افضل مكان لك هو البيت، فلا تخرجي منه، والاسلام لم يوجب عليك الجهاد.. فما كان منها إلا ان جلست في بيتها حتى اخرجها الاعداء لمحاربة الاسلام. فكان محرما عليها ان تخرج لتودي صلاة الجماعة والجمعة، فأخرجوها الى دور السينما ومراكز اللهو، وجندوها في مختلف الوظائف للعمل ضد الاسلام!
وهكذا فقد كان من نتيجة غياب المسلمين ان خسروا المرأة التي تشكل نصف الأمة الاسلامية.
ثم جاؤوا بعد ذلك الى شباب المسلمين فقالوا لهم: مالكم والجهاد، مالكم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ان هذه الامور تخص العلماء ورجال الدين. ثم قالوا لعلماء الدين: مالكم والسياسة؟ ان مكانكم هو المسجد ولا شأن لكم بما يجري من أحداث في المجتمع!
وهكذا استطاعوا شيئا فشيئا ان يبعدوا كل ابنائنا عن ساحة العمل السياسية والإجتماعية.. ونحن عندما اعتزلنا، وغبنا عن الساحة السياسية، جاءت القوى الجاهلية لتملأ هذه الساحة. فعندما يجلس البررة في بيوتهم، فان الفسقة والفجرة سيأتون ويسيطرون على مقاليد الامور. ومشكلتنا اننا تركنا هؤلاء يحكموننا، وسمحنا للقوى الكبرى بأن تسيطر علينا. والذنب هو ذنبنا، لان الاسلام لم يرض لنا ان نذل ونستعبد من قبل الآخرين، وقد قال لنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام: "لا تكن عبداً لغيرك وقد خلقك الله حرّا".
وهناك تقرير قديم لوزارة المستعمرات في بريطانيا يقول: ان من نقاط ضعف الشرق، والتي يجب ان نستغلها، هي روح الكسل واللامبالاة.. وهذا التقرير يعني ان القوى الاستكبارية لم تستطع ان تستعمرنا، إلا بعد ان سمحنا لها بذلك.
وقد كان للمرأة نصيب لا يستهان به في تأخير وتخلف الامة الاسلامية وخضوعها للسيطرة الاستعمارية. هذا في حين ان الاسلام يهيب بالمرأة قائلا: أيتها المرأة ارجعي الى واقعك، وعودي الى خندقك، وساهمي في تقرير مصير أمتك.
فالمرأة عندما تدخل الساحة، فان دخولها هذا سيكون دافعا للرجل الى ان يشارك مشاركة فاعلة في هذه الساحة. ففي هذه الحالة سوف لا يعود بإمكان الشاب ان يقول: لا انخرط في سلك العمل الرسالي، لان زوجتي ترفض ذلك. ولا يستطيع الرجل الامتناع عن القيام بالنشاطات الدينية بحجة انه لا يعلم اين يضع زوجته ومن يعيلها في غيابه. ذلك لان زوجته سوف تدفعه الى الاقدام والفاعلية في مسيرة العمل الاسلامي.
وللمرأة المسلمة اسوة حسنة، في تلك المرأة البطلة التي كانت تشجع زوجها (وهب) قائلة له: "قاتل دون الطيبين". وكذلك (الخنساء) الشاعرة المعروفة التي دفعت بابنائها الأربعة الى سوح الجهاد، فاذا بهم يقتلون جميعا دون ان تذرف عليهم دمعة واحدة، في حين انها بكت اخاها صخرا أربعين سنة في الجاهلية. ولما سئلت عن ذلك، قالت: ان اخي مات على الكفر فهو في النار، ولذلك بكيت عليه. اما اولادي فقد ذهبوا الى الجنة، فلماذا ابكي عليهم؟
وفي الحقيقة فان المرأة الفاعلة، الحاضرة، الشاهدة والشهيدة، هي التي صنعت تلك الانتصارات. وصدق من قال: "وراء كل رجل عظيم امرأة".
وبلا أي منافس جُعلت فاطمة الزهراء سلام الله عليها قمة كل اسوة في عالم المرأة والاحاديث والنصوص الواردة فيها اوضحت ذلك، فكانت مدرسة لكل امرأة في حياتها. فهذه المرأة العظيمة جسدت الوحي بكل ابعاده، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيها: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن غاظها فقد غاظني ومن سرها فقد سرني”(1) "ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها"(٢). ومثل هذه الاحاديث وغيرها تدل دلالة واضحة على ان هذه المرأة كانت تطبق الاسلام، وتجسد تعاليم الرب في كل خطواتها وافعالها.
ان رسول الله صلى الله عليه وآله الذي جعله الله تعالى مربياً للأمة الاسلامية، قد صب اهتمامه على هذه الشخصية العظيمة، وصاغ بيده الكريمة واشرافه المباشر هذه الشخصية الفذة ليجعلها قدوة للنساء. فقال:.. ابنتي فاطمة وانها سيدة نساء العالمين. فقيل: يا رسول الله
هي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين.. "(3).
وبإجماع الرواة من كل الفرق الاسلامية، كان رسول الله صلى الله عليه وآله "يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فيقول: السلام عليكم ورحة الله وبركاته. فيقول: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصلاة الصلاة يرحمكم الله ((انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)). فلم يزل يفعل ذلك كل يوم اذا شهد المدينة حتى فارق الدنيا. وقال أبو الحمراء خادم النبي صل الله عليه وآله: انا شهدته يفعل ذلك"(4).
وقد سمّيت فاطمة بـ (الزهراء) لأنها كانت تقف كل ليلة في محرابها تتعبد لله عز وجل، وتتبتل اليه فتزهر لملائكة السماء كما تزهر النجوم لأهل الارض. وكانت تدعو للمسلمين من أول الليل حتى الصباح، وتدعو لجيرانها، وللفقراء والمستضعفين والمحرومين.. وعندما يهل الصباح يسألها ابنها الامام الحسن عليه السلام قائلا: أماها اراك قد دعوت لكل الناس، ولكنك لم تذكرينا في دعائك؟ فتقول: "يا بني؛ الجار ثم الدار"(5).
ومع ذلك فقد كانت عليها السلام حاضرة في المواقف السياسية، والحوادث العسكرية، والقضايا الدينية والثقافية.. فكانت تمثل المرأة المسلمة التي ينبغي ان تكون شاهدة على عصرها، لكي تساهم في تقرير مصير الأمة، وترفض الانحراف، والشرك والضلالة، وكل انواع الكفر والنفاق والفسوق.
ان فاطمة عليها السلام يجب ان تكون قدوة لنسائنا اليوم، ولبناتنا وفتياتنا. والحمد لله على هدايته لجيل من الفتيات المسلمات في العالم الاسلامي، فنحن نجد الآن ان المرأة المسلمة هي أحسن مما كانت عليه سابقات فهي تشترك في المجالس الدينية، وتساهم في اعمال الخير والاحسان، بل اننا نجد بعض النساء يقتحمن ميادين الجهاد، ويحملن السلاح دفاعا عن حريم الاسلام.
ومع ذلك فان المسافة ماتزال شاسعة بين المرأة وبين الخندق الحقيقي الذي ينبغي عليها ان تتواجد فيه، وما يزال على المرأة ان تقطع هذه المسافة لتكون بالفعل شاهدة على عصرها.
ولا ريب؛ لولا غياب أمتنا الإسلامية عن فرائضها الرسالية، ولولا انها لم تجعل نفسها شاهدة على عصرها، لما حلت بنا هذه المصائب، ولما استضعفتنا القوى الجاهلية في الأرض، ولما اعدموا خيرة شبابنا، ولما تجرأ الحكام العملاء على ان يفعلوا ما فعلوا، ويرتكبوا ما ارتكبوه..
من هنا يجدر بنا ان نساهم في قيادة الارض. فالأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين، فأين هم عباد الله الصالحون، ولماذا لا يتقدمون بأقدام ثابتة لكي يأخذوا بزمام امور العالم من هؤلاء الذين يدفعون به الى الهاوية؟
_______________________________
(١) بحار الانوار / ج٢٧/ ص٦٢/ رواية ١٦.
(٢) المصدر السابق /ج٤٣/ ص١٩/ رواية٢.
(3) المصدر السابق ج٣٧/ ص٨٥/ رواية٥٢.
(4) المصدر السابق ج35 / ص207 / رواية2.
(5) المصدر الساق ج43/ ص82.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|