أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-5-2022
1029
التاريخ: 28-5-2022
1138
التاريخ: 30-5-2022
1650
التاريخ: 14-6-2022
1815
|
تعددت كذلك في مصر الجرائم و عقوباتها بتعدد جوانب الحياة : دينية ، اجتماعية ،أخلاقية ، ويمكننا أو نصنف هذه الجرائم إلى قسمين :
1- جرائم جنائية ( جنايات ) ، واتسمت عقوباتها بكونها قاسية و بدنية ( إعدام ، تشويهات جسدية ).
2- جرائم بسيطة (جنح) وعقوباتها بسيطة ويخضع تحديد عقوباتها لتقدير القضاة حسب الظروف والملابسات .
فبالنسبة للنوع الأول ( الجنايات) كانت أقسى العقوبات فيها ،عقوبة الإعدام الذي يتم بالشنق أو قطع الرأس أو الحرق ،و توقع هذه العقوبة في عدة جرائم كانتهاك الحرمات المقدسة أو أي عمل يمس الدين ، وفي عدم التبليغ عن المؤامرات التي تحاك ضد الفرعون ،وفي عدم إطاعة أوامر الملك وفي البلاغ الكاذب ، وكذا من يشاهد جريمة قتل و لا يساعد الضحية في النجاة منها ، إذ يعتبر موقفه السلبي نوعا من الإشتراك في الجريمة (1) كما نفذ الإعدام كما جاء في قانون أمازيس على كل من يكتسب قوته عن طريق غير شرعي أو يكذب فيما يقدمه من بيانات أو إحصائيات تتعلق بوسائل حياته و معيشته ، إذ كان رب الأسرة في عهد أمازيس مطالبا بتقديم كشوف سنوية عن إراداته وأمواله و عدد أفراد أسرته . (2) كما ينفذ الحكم بالإعدام على القاتل طالما حدث القتل عمدا ، سواء أكان القاتل حرا أم عبدا على أساس أن حياة الإنسان أمر مستقل عن حالته المدنية ، و يتضح من هذا الحكم توصل قدماء المصريين إلى فكرة العمد الجنائي .
والملاحظ أن جريمة قتل الآباء والأبناء قد حظيت بمعالجة عقابية خاصة ، ففي حالة قتل الآباء كان الولد القاتل يحرق حيا على أشواك ، والمبرر في هذه القسوة هو الرغبة في إيلام وتعذيب الابن القاتل الذي نزع الحياة لمن وهبها له . أما في حالة قتل الأبناء فلم يقرر القانون على الأب أو الأم عقوبة الإعدام ، بل اكتفى المشرع بالعقاب الأخلاقي المتمثل في الإيلام النفسي بأن يحتضن ولده القتيل ثلاثة أيام بلياليها وسط الحرس العام ، والسبب في عدم قتل الوالد القاتل لأنه هو السبب في وجود الأبناء ، لذا يجب أن يعفى عليه. (3) ومن خلال بعض الجرائم وعقوباتها ، يبرز لنا الجانب الديني، ليترجم لنا مرة أخرى ارتباط فكرة العقوبة بالفكر الديني لدى الفراعنة، من ذلك كان الاعتداء على كل ما هو مقدس يؤدي بمرتكبه إلى التعرض لعقوبة الإعدام ، كالاعتداء على المعابد أو ممتلكات الآلهة أو قتل الحيوانات المقدسة عمدا( 4)، وكذا في القسم بالملك كذبا كما جاء في إحدى الشقق العائدة إلى عهد الأسرة التاسعة عشرة ، أن المدع و (نب نوفي) تقدم بشكوى ضد ( حريا) يتهمها فيها بسرقة أداة منزلية ، لكن (حريا) نفت التهمة ، فطلبت منها المحكمة اليمين باسم الملك ففعلت ، وبعد التحقيقات تبين أنها حلفت كذبا ، فرفعت القضية للبت فيها للوزير الذي حكم بالإعدام عليها(5) أما عقوبة الزنا فقد مرت بتعديلات من عصر إلى آخر ، ففي عهد الدولة القديمة كان العقابه و الإلقاء في النار للتكفير عن هذه الجريمة ، ثم أصبح في عهد الملك شاباكا قطع أنف الزانية ، و بعده خففت العقوبة إلى فرض غرامات مالية ، وتجدر الإشارة أن الحكم بالإعدام على الحامل كان يؤجل تنفيذه حتى تضع طفلها لأن المشرع لم يريد قتل شخص عن جريمة ارتكبها أحدهما ، وهذا ما اعتبره ينافي العدالة (6) كما عرفت مصر القديمة عقوبة الأشغال الشاقة ، حيث يستغل المحكوم عليهم في بناء المدن والمعابد وشق القنوات ، والعمل في المناجم ، و لم يكن الهدف منها هدفا إنسانيا ، وإنما لتحقيق المنفعة العامة (7) ، لاسيما وأن العقوبة الأخيرة ( العمل في المناجم ) كانت في ظروف أسوأ من الموت بسبب الأحوال القاسية التي كان يعيش فيها السجناء (8) كما صدرت عقوبات أخرى كانت أقل قسوة من الإعدام و الأشغال الشاقة ، وتمثلت في مصادرة الأملاك والصوم الإجباري و النفي إلى الصحاري ، و الجلد الذي يتراوح ما بين جلدة وألف جلدة (9) وقد وردت العقوبات الأخيرة فضلا عن التشويهات الجسدية ، في تشريع حور محب ضد الجند والجباة الذين يبتزون الفلاحين و يختلسون الضرائب أثناء جمعها. (10) ، كما يطال العقاب حتى حكام الأقاليم كما جاء في احد النقوش، حيث يظهر خمسة حكام أقاليم يحاكمون أمام الوزير(خنتي كا). ويبدو ثلاثة منهم منبطحين أرضا يتذللون للوزير ، والآخرين راكعين بمنتهى الاحترام واثنان مقيدين على عمود حيث توقع عليهم عقوبة الجلد ، وهذا يدل على حرص القصر على جمع الضرائب من جهة ، كما يدل على أن الجميع مهما كانت و ظائفهم كما ساهم الجانب الديني بالمقابل في العفو عن بعض الجرائم ، و يتضح ذلك مثلا في العفو من الآلهة بالنسبة لهؤلاء المجرمين الذين يلوذون للأماكن المقدسة ،ومما يسترعي الانتباه أنه لم ينظر في مجال العقوبات في مصر إلى ثرا ء المذنب أو مركزه الاجتماعي ، وإنما كان كل شخص ينال جزاءه حسبما ارتكبه من أفعال (11) ويمكن أن نستخلص من دراسة نظام الجرائم والعقوبات في العراق و مصر بعض النتائج :
- أن كلا البلدين قد عرفا مختلف العقوبات المالي ة و الجسدية ( إعدام ، بتر أعضاء ، جلد ، سجن ، نفي ...) وإن طبقت بشكل متفاوت فيهما .
- ففي العراق نفسه ، اختلفت العقوبات المطبقة من تشريع إلى أخر .
ففي القوانين السومرية اقتصرت العقوبات على التعويض المادي في حين جمع تشريع أشنونا ما بين التعويض وعقوبة الإعدام .
أما شريعة حمورابي ، فكانت أقسى من جميع الشرائع العراقية التي سبقته تاريخيا ، فكثير ما عاقب المذنبين بالإعدام أو التشويهات الجسدية .
وتبقى القوانين الآشورية أقسى القوانين ليس في بلاد الرافدين فحسب ، بل في الشرق الأدنى القديم كله ، ونجد نفس القسوة في مواجهة أعدائهم في الفتوحات .
وبالمقابل فإن مصر القديمة قد عرفت هي الأخرى عقوبات عديدة جسدية ومالية ، لكن أقل قسوة ، فخشية الآلهة في العالم الأخر ، دفعت بعض الفراعنة إلى التخلي عن عقو بة الإعدام مثلما رأينا ذلك مع رمسيس الثالث بعد مؤامرة الحريم .
كما تخلى البعض عن عقوبة الإعدام بدافع المنفعة العامة مثلما فعل الملك شاباكا عندما استبدل عقوبة الإعدام بعقوبة الأشغال العامة في الأبراج والقنوات والمناجم . ومن خلال ما اطلعنا عليه من قوانين و مراسيم ، نلاحظ أن العقوبات الجسدية في مصر القديمة ، قد تأخر ظهورها حتى عصر الدولة الحديثة حيث اقتصرت في عهدي الدولة القديمة و الدولة الوسطى على التغريم ومصادرة الأملاك والتسخير لصالح المعبد أو القصر الملكي ، وفي حالات نادرة ، عاقبت بالجلد وأحيانا قليلة بالإعدام . على عكس ما يجر ي في بلاد الرافدين ، التي طبقت فيها العقوبات حسب الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها المذنب خصوصا في العصر البابلي القديم . و تجدر الإشارة أن العقوبات في مصر لم ينظر فيها إلى ثراء المذنبين أو إلى مركزهم الاجتماعي ، وإنما كان كل شخص ينال جزاءه حسب ما ارتكبه من أفعال ،لحرص الملوك على نشر العدالة بين الناس ، وهذا ما تشير إليه الكثير من النصوص . ومما يسترعي الانتباه إليه ، أن كل من القوانين العراقية و المصرية قد أخذت قصد المجرم بعين الاعتبار ، حيث يعاقب الشخص حسب نيته ، ومنه تخفف العقوبة أو تلغى إذا تبين للقضاة أن ارتكاب الجريمة لم يكن عمديا .
______________
1- عبد الرحيم صدقي ، القانون الجنائي لدى الفراعنة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1986 ، ص 29 .
2- محمود السقا ، فلسفة وتاريخ النظم الاجتماعية والقانونية ، دار الفكر العربي ، القاهرة، 1975 ، ص 356.
3- الرحيم صدقي ، المرجع السابق، ص -ص 39 ويليام فلندرز بتري ، الحياة الاجتماعية في مصر القديمة ، تر: محمد حسن جوهر وعبد المنعم عبد الحليم الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، 1975 ، ص 183
4- محمود السقا ، المرجع السابق ، ص 358 .
5 - ت.ج. جيميز ، الحياة أيام الفراعنة ، تر :احمد زهير أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة، 1997 ص73
6- عبد الرحيم صدقي ، المرجع السابق, ص . ص 47 .
7- المرجع نفسه ، ص 32 .
8 - مرجريت مري، مصر ومجدها الغابر، تر: محرم كمال، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة، 1998 ، ص 91 .
9 - عبد الرحيم صدقي ، المرجع السابق. ص 33.
10 - جون ولسون ، الحضارة المصرية ، تر: أحمد فخري ، مكتبة النهضة المصرية القاهرة ، ( د.ت) ، ص 282 ، دونالدريد فورد، أخناتون ذلك الفرعون المارق ، تر:بيومي قنديل ، دار الوفاء للطباعة النشر، الإسكندرية ، 2000 ، ص 243 .
11 - ت.ج. جيميز ، الحياة أيام الفراعنة ، تر :احمد زهير أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة، 1997 ، ص70.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|