أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-08-2015
1369
التاريخ: 5-07-2015
829
التاريخ: 20-11-2014
1105
التاريخ: 20-11-2014
902
|
في بيان أنّ الله تعالى عادل منفيّ عنه الظلم ، ولا يجوز عليه الظلم ، ولا يرضى به ؛ وذلك لأنّ الفعل ـ الذي يصدر عن الفاعل ، ولا يحتاج إلى حدّ ؛ لأنّه ضروريّ ـ لا يخلو إمّا أن يتّصف بأمر زائد على الحدوث وكونه فعلا صادرا عن فاعل فاهم ـ بأن اعتبر صدوره عن فاعل خاصّ ـ أم لا ، والأوّل هو فعل الفاعل المختار حتّى المباح ؛ لاتّصافه بتساوي الوجود والإيقاع مع العدم ، والثاني هو فعل غير المختار كفعل النائم والساهي والمضطرّ والبهائم ، وهذا لا يوصف بالحسن والقبح بالاتّفاق كما عن « شرح المواقف » مع حكاية الخلاف في أفعال الصبيان (1).
[و]( الفعل المتّصف
بالزائد إمّا حسن أو قبيح ) لأنّه إمّا أن يتعلّق بإيجاده ذمّ ، أم لا ، والأوّل
هو الثاني ، والثاني هو الأوّل ، والقبيح يسمّى بالحرام ؛ والحسن بالحسن بالمعنى
العامّ ـ وهو ما لا يتعلّق بفعله ذمّ تامّ ـ على أربعة أقسام : واجب ، ومندوب ،
ومباح ، ومكروه ؛ وذلك لأنّه إمّا أن يستحقّ بفعله مدح ، أولا ، والأوّل واجب إن
استحقّ بتركه ذمّ ، وإلاّ فمندوب ، والثاني مكروه إن استحقّ بتركه مدح ، وإلاّ
فمباح. كذا أفاد الشارح القوشجي (2).
وربّما يقال : إنّ ما
تعلّق بفعله مدح فهو حسن كالواجب والمندوب ، وما تعلّق بفعله ذمّ فهو قبيح كالحرام
، وما لا يتعلّق بفعله مدح ولا ذمّ فهو مباح مع تساوي الفعل والترك ، ومكروه مع
رجحان الترك ، فعلى هذا لا يكون التقسيم حاصرا. وربّما يجعل المكروه داخلا في
القبيح.
والأولى أن يقال : إنّ
الفعل الاختياريّ إمّا أن يكون راجح الترك ، أولا.
والأوّل : هو القبيح الشامل
للحرام والمكروه من جهة كون القبح تامّا أو ناقصا ؛ لأنّه إمّا أن يكون مع المنع
من الفعل ، فهو الحرام المترتّب عليه استحقاق العقاب ، وإلاّ فهو المكروه المترتّب
عليه استحقاق العتاب.
والثاني : هو الحسن
بالحسن العامّ الشامل للواجب والمندوب والمباح ؛ لأنّه إمّا أن يكون مع رجحان
الفعل مع المنع من الترك ، أو بدونه ، أو لا.
والأوّل هو الواجب
المترتّب على فعله استحقاق الثواب ، وعلى تركه استحقاق العقاب.
والثاني هو المندوب
المترتّب على فعله استحقاق الثواب من غير ترتّب استحقاق العقاب على تركه.
والثالث هو المباح.
وذلك لأنّه المناسب
للإذن والرخصة في الفعل من الحكيم على الإطلاق والعقلاء بنحو : كلوا واشربوا ،
والنهي التحريميّ والتنزيهيّ بنحو : لا تسرفوا ولا تصرّفوا.
وبعبارة أخرى (3) :
الفعل إمّا خير محض ، أو شرّ محض ، أو خير غالب ، أو شرّ غالب ، أو متساوي الخير
والشرّ ؛ والخير المحض والخير الغالب حسنان ، والشرّ المحض والشرّ الغالب
والمتساوي قبائح ، فالفعل إمّا حسن أو قبيح كما مرّ. هذا بحسب مذهب الحكماء
والإماميّة والمعتزلة من كون أفعال العباد اختياريّة.
وأمّا على مذهب الأشاعرة
من كون أفعال العباد غير اختياريّة ، فلا
يصحّ هذه القسمة من جهة عدم اتّصاف الفعل على ما زاد على الحدوث إلاّ على وجه
المسامحة أو ملاحظة المقارنة للإرادة ـ وإن لم تكن مؤثّرة ـ وعدمها المقتضية
لتسمية الأوّل اختياريّا بحسب الظاهر دون الثاني ، ولكنّ الأمر في ذلك هيّن.
وكيف كان ، فالفعل
الصادر من الله تعالى لا يكون ظلما وشرّا وقبيحا ، بل يكون عدلا حسنا سالما عن
الظلم والقبح.
لنا على ذلك المطلب
برهانان : عقليّ قاطع ، ونقليّ ساطع.
أمّا البرهان القاطع
العقليّ فهو أنّ الله تعالى لوجوب وجوده غنيّ مطلق ، عالم بجهات القبح ، والظلم
قبيح بالقبح الذاتيّ ببديهة العقل ، فمع الغنى والعلم بالقبح لو صدر منه القبيح
لزم الترجيح بلا مرجّح ، بل ترجيح المرجوح ، وكلاهما قبيح عقلا ، فيكون صدوره عن
الحكيم المطلق محالا ، فتجويز صدور القبيح عنه تعالى تجويز لكونه موردا للذمّ عقلا
؛ لأنّ الظلم إمّا لدفع المفسدة ، أو لجلب المنفعة ، أو للجهل ، أو السفاهة ومع
عدم تصوّر شيء من ذلك في حقّ العالم الغنيّ يلزم كونه موردا للذمّ ، وهو ممتنع
ضرورة ، فصدور الظلم والكذب وسائر الشرور عنه تعالى قبيح ، فلا يكون الواجب تعالى
خالقا للكفر والمعاصي ، وإلاّ لكان التعذيب عليهما [ قبيحا ] والقبيح لا يصدر عنه
تعالى.
وأيضا إنّه تعالى أخبر
بعدم صدور الظلم عنه تعالى ، فيلزم أن لا يكون واقعا ، وإلاّ لزم الكذب المحال ،
وهكذا خلق الكفر والمعاصي وإرادة الكفر من الكفّار ، والفجور من الفجّار من جهة
القبح ، فيكون المراد من الكفّار والفجّار الإيمان والطاعة بالإرادة والاختيار ،
لا على وجه الإجبار ؛ إذ لا إكراه في الدين من غير مغلوبيّته تعالى وعجزه تعالى
بسبب عدم إيمانهم وطاعتهم.
وأمّا البرهان النقليّ
الذي هو النور الساطع ، فهو الآيات الكثيرة :
منها : قوله تعالى : {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40].
ومنها : قوله تعالى : {إِنَّ
اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس: 44].
ومنها : قوله تعالى : {وَمَا
اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } [غافر: 31].
ومنها : قوله تعالى : {وَمَا
اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ } [آل عمران: 108].
ومنها قوله تعالى : {أَنَّ
اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [آل عمران: 182].
ومنها : قوله تعالى : {شَهِدَ
اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ
قَائِمًا بِالْقِسْطِ} [آل عمران: 18].
ومنها : قوله تعالى : {إِنَّهُ
يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ} [يونس: 4] ومنها : قوله تعالى : ({وَلِكُلِّ أُمَّةٍ
رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ} [يونس: 47] إلى غير ذلك من الآيات النافية للظلم ، المثبتة لعدالته.
ومثلها الأخبار
المتكاثرة :
منها : ما روي عن الرضا عليه
السلام أنّه قال : « خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق عليه السلام، فاستقبله
موسى بن جعفر عليه السلام فقال : يا غلام ممّن المعصية؟ فقال : « لا تخلو من ثلاثة
: إمّا أن تكون من الله عزّ وجلّ ـ وليست منه ـ فلا ينبغي للكريم أن يعذّب عبده
بما لم يكتسبه ، وإمّا أن تكون من الله عزّ وجلّ ومن العبد ، فلا ينبغي للشريك
القويّ أن يظلم الشريك الضعيف ، وإمّا أن تكون من العبد ـ وهي منه ـ فإن عاقبه
الله فبذنبه ، وإن عفا عنه فبكرمه وجوده » (4).
ومنها : ما روي عن أبي
عبد الله عليه السلام أنّه قال : « الناس في القدر على ثلاثة أوجه : رجل زعم أنّ
الله أجبر الناس على المعاصي ، فهذا قد ظلّم الله عزّ وجلّ في حكمه وهو «كافر» (5)
إلى آخر الحديث ...
ومنها : ما روي عن الحسن
بن عليّ الوشّاء عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال : سألته فقلت : الله فوّض
الأمر إلى العباد؟ قال : « الله أعزّ من ذلك » قلت : فجبرهم على المعاصي؟ قال : «
الله أعدل وأحكم من ذلك » قال : ثمّ قال : « قال الله : يا ابن آدم! أنا أولى بحسناتك
منك ، وأنت أولى بسيّئاتك منّي ، عملت المعاصي بقوّتي التي جعلتها فيك » (6).
بيان:
ذلك الحديث يدلّ على أنّ
التفويض يوجب بطلان أمره تعالى ونهيه ، وعجزه عن التصرّف والتدبير والإعانة
والخذلان ، والله تعالى أعزّ من ذلك ، بل له الأمر والنهي والتدبير والامتحان
والاختبار حتّى أنّه لا يقع طاعة إلاّ بعونه ، ولا معصية إلاّ بخذلانه ، فبطل قول
المعتزلة ، وأنّه يقبح من العدل الحكيم أن يجبر عبده على المعصية ، ثمّ يعذّبه بها
، بل يلزم أن لا يتّصف فعل عبد بقبح ؛ لكونه فعل الله ، وكون كلّ فعل من الله حسنا
ولو من جهة أنّه فعله ، كما يقوله الأشاعرة الجبريّة ، فيدلّ على بطلان قولهم ،
وعلى أنّه تعالى عادل غير ظالم ، وأنّ الأفعال صادرة عن العبد بالاختيار والقدرة
المخلوقة فيهم من الله ، لا عنه تعالى بالقدرة الأزليّة ، كما زعمت الأشاعرة (7) ؛
لتنزّهه تعالى عن القبائح وامتناع اتّصافه بالظلم والجور ، ولا عن مجموع قدرة
العبد وقدرته تعالى ، كما عن أبي إسحاق الأسفراينيّ (8) ؛ لامتناع أن يعذّب الشريك
القويّ شريكه الضعيف على الفعل المشترك بينهما ، ولا بالتفويض إليهم ؛ لامتناع
خروجه تعالى عن السلطنة وعدم احتياج الباقي إليه تعالى في البقاء والقدرة ، بل
الحسنات تصدر منهم بالقوّة والقدرة التي خلقها الله فيهم بحيث يتمكّنون على
الضدّين ، ولكنّها لحسنها صارت متعلّقة لرضائه تعالى ، فيضاف إلى تلك القدرة
توفيقه تعالى بتوجيه أسبابها إليهم ، فهو أولى بها.
وأمّا السيّئات ،
فلقبحها تقتضي صرف وجه التوفيق واللطف عنهم ، فهم أولى بها وإن كان الكلّ كسبهم ،
كما يستفاد من كلمة « أولى » ؛ لأنّ اسم التفضيل يدلّ على ثبوت أصل الفعل في
المفضّل عليه عند الإطلاق. إلى غير ذلك من الأخبار الآتية المثبتة للعدل ـ الذي هو
مقابل الجور ـ والجبر معا ، وكون الأمر بين الأمرين ...
وصل :
العدل في مقابل الجور من
أصول الدين ، ومنكره من الكافرين.
فإن قلت : الكافر ـ
بالكفر المقابل للإسلام ـ من أنكر الإلهيّة أو النبوّة أو شيئا ممّا علم بالضرورة
أنّه من دين النبيّ صلى الله عليه وآله ، ومنكر العدل ليس كذلك ؛ لأنّ الأشاعرة
يقولون بالجبر المستلزم للجور ، فلا يكون العدل من أصول الدين ، وإلاّ يلزم تكفير
الأشاعرة ، وهو خلاف المشهور المنصور.
قلت : الأشاعرة لا
يقولون بالجور بمعنى الظلم ، كيف؟ وهم من أهل الكتاب ، والكتاب مصرّح بأنّ الله
تعالى لا يظلم مثقال ذرّة.
نعم ، هم يقولون بالجبر
، واستلزامه للجور ليس سببا للكفر ؛ لأنّ السبب هو اعتقاد خلاف أصول الدين ونحوه ،
لا الاعتقاد المستلزم له من غير اعتقاد به ، فلو قال أحد بأنّ الله تعالى جائر
وظالم ، يحكم بكفره. وأمّا من قال : إنّه تعالى جائر يحمل العباد جبرا على أفعالهم
، فهو خارج عن المذهب ، لا الدين.
__________________
(1) « شرح المواقف » 8 : 181.
(2) « شرح تجريد العقائد
» : 337.
(3) لا بدّ أن نشير هنا إلى أنّ بين
التعريفين اختلافا معنويا ، وليس الاختلاف بينهما في العبارة فقط ، فإنّ المباح في
التعريف الأوّل داخل في الحسن وفي الثاني داخل في القبيح ، فكيف يكون هذا عبارة
أخرى لذلك؟!
(4) « التوحيد »
: 96 باب معنى التوحيد والعدل ، ح 2 ؛ « عيون أخبار الرضا » 1 : 138، الباب 11 ، ح
37.
(5) « التوحيد » : 360
باب نفي الجبر والتفويض ، ح 5.
(6) « الكافي » 1 : 157
باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ، ح 3 ؛ « التوحيد » : 362 باب نفي الجبر
والتفويض ، ح 10.
(7) « أصول الدين » لعبد
القاهر البغداديّ : 134 ـ 137 ؛ « شرح الأصول الخمسة » : 324 ؛ « المطالب العالية
» 9 : 19 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 319 ؛ «المحصّل» : 455 ـ 474 ؛ « شرح
المواقف » 8 : 145 ـ 173.
(8) نقله عنه الرازيّ في
« المطالب العالية » 9 : 11 ؛ « الأربعين في أصول الدين » 1 : 319 ـ 320 ،
والتفتازانيّ في « شرح المقاصد » 4 : 223 ، والعلاّمة الحلّيّ في « كشف المراد » :
308 ؛ « مناهج اليقين » : 236.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|