أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-9-2019
1843
التاريخ: 26/10/2022
1037
التاريخ: 2-2-2016
2108
التاريخ: 15-8-2021
5465
|
مشكلة الإسكان
السكن(*) كل ما يسكن فيه الإنسان ويستأنس به ويجد فيه الطمأنينة والأمن. ويأتي من سكن سكنا وسكن الدار، أي أقام فيها، وأسكنه الدار أي جعله يسكن فيها. وتساكنوا في الدار بمعنى سكنوها معاً(1). تتكون التجمعات السكانية من المحلة السكنية، الحي السكني، القطاع السكني، (المخطط 6) اعتماداً على ثلاثة عناصر هي: معدل حجم الاسرة ومعدل حجم التجمع السكاني وعدد الوحدات السكنية. وفي وسع مجموعة كبيرة من المنازل أن تشكل حياً إذا منحه سكانه الخصائص اللازمة لذلك مثل:
الارتباط الاجتماعي والمصلحة المشتركة، والحي هو المكان الذي يلتقي فيه الأطفال، كما أنه يمنح ساكنيه شعوراً بالانتماء إلى المجتمع الذي يعيشون فيه(2). تسمى المحلة السكنية بوحدة الجيرة (Neibourhood) وتعتمد على ثلاثة عناصر هي عدد أفراد الأسرة، وعدد السكان، وعدد الوحدات السكنية. وبتجميع أربع أو ثلاث محلات سكنية (وحدات جيرة) يتشكل الحي السكني، وبتجميع أربعة أحياء سكنية يتشكل ما يسمى بالقطاع السكني. أما المدينة فإنها تتشكل من أربعة قطاعات سكنية أو أكثر.
يقصد بالوحدة السكنية كل مبنى أو جزء من مبنى مخصص للسكن البشري وله باب أو مدخل يؤدي إلى الطريق الرئيس، وقد يكون هذا المسكن عبارة عن بيت مبني من الطابوق أو الحجر أو الطين، أو عبارة عن كرفان أو خيمة أو بيت من القصب وأغصان الشجر. كما يعرف المسكن بأنه الموضع أو المكان الذي تقوم فيه فعاليات الأسرة المختلفة وتشترك بالحب والولاء لهذا المكان، بصرف النظر عن موقع المسكن وطريقة بنائه ونوعيته.
أما الإسكان، فهو الصيغ التخطيطية الممارسة لتوفير وحدات سكنية في موقع معين، مستعينة بالمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والطبيعية للبيئة المستثمرة للاستيطان. والحاجة إلى المسكن لا يمكن عزلها عن الاحتياجات الأساسية الأخرى، فكلها مترابطة ترابطاً وثيقاً، وليس في الإمكان إشباع أي منها بمعزل عن الحاجات الأخرى. فالإسكان ليس إنشاء دور فقط، بل يتطلب إنشاء جميع التسهيلات والمرافق المدنية في المناطق الجديدة لتكون مجمعاً متكاملاً، كتهيئة الأراضي وتعبيد الشوارع وبناء المدارس والأسواق والنوادي ومد أنابيب الماء والمجاري وخطوط الكهرباء والهاتف.
للخصائص السكنية أهمية واضحة على الواقع الصحي والتعليمي والثقافي في المجتمع، إذ يعد توفر المسكن المناسب مؤشراً لانخفاض الإصابة بالكثير من الأمراض، ومن ثم تقليل الوفيات. وتتحقق صحة الأفراد من خلال البيئة السكنية الصالحة. كما أن للسكن الجيد أثره في ارتفاع المستوى التعليمي والثقافي.
ويحرص بعض الباحثين على وصف مشكلة الإسكان في المدن الكبرى بالطابع الاجتماعي، تأكيداً من جانبهم للصعوبة التي يواجهها المصلحون والإداريون في كفاحهم من أجل الوصول إلى أحوال أفضل للإسكان.
تعد ظروف الإسكان السيئة من أهم الأسباب المباشرة للأمراض، فقد لوحظ أن نسبة الوفيات وخاصة وفيات الأطفال لها ارتباط وثيق بكثافة المسكن، كما أن معدلات المرض بين الأحياء وانخفاض مستويات الإنجاز والحيوية ذات صلة وثيقة بمعدلات التزاحم السكني. وترتبط مشكلة الجريمة والاضطراب بالظروف غير الملائمة للإسكان، كما أن هذه الظروف تعد العامل الأكثر تأثيراً في المشكلات اللا أخلاقية وذلك نظراً لانعدام الخصوصية بين أفراد الأسرة.
يؤكد مخطط المدن المشهور توماس آدمز" أن مدينة جلاسجو بما فيها من نسق نموذجي للنقل والصحة والحكومة المحلية ، مركز المشكلات الاجتماعية في بريطانيا العظمى، بسبب ظروف التزاحم السكني والأحوال السيئة التي لازمت سكانها. ومن المؤكد أن هناك ارتباطا وثيقاً بين سوء الأحوال السكنية وتفشي الكثير من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، ومنها الحلال المعايير الأخلاقية وانخفاض المعنويات وما ينتج عن ذلك من انخفاض قوة الإنتاج لنسبة كبيرة من سكانها(3).
وتعد مشكلة التجاوزات أو النمو العشوائي غير المخطط من أبرز مشاكل المدن وضواحيها، لاسيما في العالم النامي. وتنجم هذه المشكلة . خلال اتجاه المدن للاتساع دون أية محاولة جادة للتخطيط بمفهومه الحديث. كما يؤدي التوسع العمراني للمدينة إلى ضم الجيوب الريفية إلى المدينة مما أدى إلى سيادة ظاهرة ترييف المدينة، بمعنى انتقال وسيادة موروثات الريف الاجتماعية والأخلاقية والسلوكية إلى المدينة، وهو أمر ناجم عن النمو الحضري غير المخطط Unplanned Urban Growth، الأمر الذي يسهم في خلق مشاكل وعلل اجتماعية كبيرة.
إن التجاوز Squatter Settlement لا يحدث خللاً في التنظيم المكاني فقط، بل له آثار سلبية على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والجمالية للمدينة، إذ أن التجاوز على الأراضي المعدة لأغراض معينة يؤدي إلى تغيير في استعمالات الأرض، ويحدث خللاً في التوازن بين الاستعمالات، إذ يتم التجاوز على الأراضي المعدة لطرق النقل أو لبناء المنشآت الترفيهية أو الخدمية، وبالتالي خلق نوع من اللا توازن داخل المدينة.
يعد الإسكان من المؤشرات التنموية المهمة التي تقاس جودتها بجملة من المقاييس كتوفر الوحدات السكنية، وانخفاض عدد الأسر في الوحدة السكنية الواحدة، ومدى الحصول على الخدمات الأساسية، فضلاً الكثافة السكنية بأنواعها المختلفة ودرجة التزاحم داخل الغرفة الواحدة، وهو أمر يتم الحصول عليه من خلال قسمة عدد السكان في الحي السكني على عدد الغرف لنفس الحي. وهو أمر يتطلب إحصاءات وبيانات غاية في الدقة. ويؤدي ازدياد عدد السكان في الحي السكني مقارنة بعدد الغرف إلى ارتفاع معدل إشغال الغرف في المسكن الواحد ليصل إلى 4 أو 5 شخص في الغرفة الواحدة، وهو ما يعبر عنه بالاكتظاظ Overcrowding، علما بأن المعدل العالمي لذلك هو شخصان للغرفة الواحدة كحد أقصى. كما يأخذ الاكتظاظ بعداً آخر ناجماً عن العجز السكني عندما تشترك أكثر من أسرة في مسكن واحد، أي يكون هناك ارتفاع في معدل الإشغال السكني Occupancy Rate.
إن نوع المسكن وموقعه وسعته وحجم الأسرة في المسكن وطريقة البناء تتأثر بالتركيب الاجتماعي للفرد والمجتمع. كما يتأثر المعروض السكني بالحجم السكاني، ومن خلاله يتم استخراج العجز السكني الخام وهو الفرق بين عدد الأسر وعدد المساكن، ويراد به الفرق الحاصل بين عدد الأسر والوحدات السكنية التي تشغلها خلال مدة زمنية معينة، بصرف النظر فيما إذا كانت هذه الأسر مالكة للوحدات السكنية أو مستأجرة لها، ويحصل نتيجة لتزايد عدد السكان في المدينة بسبب الهجرة أو بسبب الزيادة الطبيعية، بمعدلات تفوق الزيادة في عدد الوحدات السكنية في المدينة. وتعد نسب العجز مرتفعة وتبقى المشكلة قائمة ما لم يتوافق معدل زيادة بناء الدور مع معدل نمو السكان(4) كما يتم استخراج أنواع مختلفة من الكثافات السكانية، ومنها الكثافة السكنية التي تحسب بحسب عدد المساكن على مساحة الحي السكني، والكثافة السكنية بحسب عدد المساكن على عدد الأسر، والكثافة السكنية بحسب مساحة الحي السكني على عدد السكان. وهناك معايير عالمية تستعمل معدل حجم الأسرة ومعدل مساحة الحي السكني وعدد الوحدات السكنية فيه، وتختلف هذه المعايير بحسب الحالة الاقتصادية والاجتماعية، فمثلاً يعد اشتراك أكثر من أسرة في مسكن واحد Multiple Occupation أمراً طبيعياً لدى بعض المجتمعات، في حين لا تتقبل مجتمعات أخرى هكذا حالة.
إن من أهم أسباب نشوء مشكلة السكن هو الهجرة من الريف إلى المدينة، التي اشتدت تياراتها على مستوى العالم منذ منتصف القرن المنصرم، حيث يقدر عدد الأشخاص الذين نزحوا إلى مدن آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا خلال المدة 1960 – 1970 بمئتي مليون شخص. وهذا النزوح زاد من حدة مشكلة السكن، وأسهم في ارتفاع الإيجارات. ونشأت أوضاع ومشاكل جديدة أخذت بالنمو المتزايد، كما أنها خلقت ظروفاً معيشية صعبة نتيجة التزاحم الشديد. ففي سنغافورة شوهدت عائلات تتألف الواحدة من 6-8 أشخاص في غرف لا تزيد مساحتها على سبعين قدماً. ومن المشاكل المتعلقة بالسكن السيء نشوء الأحياء الفقيرة التي تعاني من المشاكل الاجتماعية والصحية، وانتشار نسب الجريمة والانحراف بين الشباب، وتفشي الأمية والبطالة والإدمان، وعمالة الأطفال، وأطفال الشوارع، وكثرة الانتقال من منزل إلى آخر، وانخفاض المستوى التعليمي، وانخفاض نسب الزواج. ولكن هذا الأثر يتقلص أحياناً إذا كان البناء الأسري والمدرسي جيداً(5).
كما أن ارتفاع معدلات النمو السكاني يؤدي إلى انخفاض المعروض من الوحدات السكنية، الأمر الذي يسهم في ظهور العديد من المشكلات الاجتماعية داخل المدن والناجمة عن الاكتظاظ السكاني في الوحدات السكنية، ووجود أكثر من أسرة داخل الوحدة السكنية، وبالتالي ارتفاع الكثافات السكنية وانخفاض معدل الخدمات المجتمعية standers المقدمة لسكان المدينة، لما يشكله الحجم السكاني المرتفع من عائق أمام مرافق التنمية المختلفة. كما تؤدي شحة الوحدات السكنية إلى ظهور أحياء سكنية جديدة متجاوزة على الأراضي الزراعية أو المناطق المخصصة للخدمات، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم المشكلة.
ومن العوامل التي تسهم في تناقص الوحدات السكنية داخل المدن، الاندثار مع تقادم الزمن، إذ يصبح المسكن أكثر حاجة للإزالة وإعادة البناء أو الصيانة، كما تلعب مواد البناء المستعملة في بعض المناطق في سرعة انتهاء العمر المقرر للمسكن، حيث أن استعمال مادة الجص في المناخات الرطبة يساهم في سرعة تأكل وتهري المسكن وارتفاع نسبة الرطوبة فيه، وبالتالي ضرورة صيانته أو إعادة بنائه.
إن النمو الحضري المتسارع في العديد من الدول النامية أدى إلى مشكلات اقتصادية واجتماعية وصحية وأمنية وغيرها، فظهرت المناطق العشوائية التي تفتقر للخدمات الضرورية مثل الكهرباء ومياه الشرب وشبكات الصرف الصحي وموقع الطمر الصحي. وتشكل المساكن العشوائية معوقاً للتنمية بأشكالها المختلفة، فقد أصبحت الأحياء العشوائية مناطق مغلقة، تصعب السيطرة عليها من قبل الأجهزة الأمنية. وكثرت فيها ما يعرف بالزاويا التي تنتشر فيها أفكار التطرف وتنشط فيها الحركات المتطرفة.
على الرغم من أن الأمم المتحدة اعدت عام 1987 عاماً دولياً لإسكان من لا مأوى لهم. إلا أن نسبة كبيرة من المساكن في الدول النامية تبنى وتخطط وتبنى قبل الحصول على الموافقات القانونية. ويسكن حوالي 30-60% من سكان المدينة في مساكن قد بنيت بطرق غير قانونية. وتشكل العشوائيات مشكلة كبيرة في الدول النامية، ناتجة عن ارتفاع معدلات التحضر من 5% عام 1950 إلى 42% من إجمالي السكان عام 2000، ومما يزيد المشكلة هو عدم اعتراف الحكومات بهذه الشرائح، فلا تقدم لهم الخدمات الأساسية. أما على المستوى العربي، فقد تركزت الأحياء العشوائية في العواصم. ففي القاهرة تقدر نسبة العشوائيات ب84% من عام 1970-1981 ويوجد في مصر 1034 منطقة عشوائية منها 81 منطقة مطلوب إزالتها وفيها 12.6 مليون نسمة. وفي الجزائر شكلت الأحياء العشوائية 6% من سكان العاصمة الجزائرية. وفي المغرب (55-60%) من السكان يعيشون في الأحياء العشوائية(6).
ارتبطت معظم المناطق العشوائية بانتشار الجريمة بوصفها بيئة مناسبة لتفريخ الإجرام والمجرمين ومركز تصدير للجريمة بمختلف أنواعها. فعلى المستوى العالمي، تشير التقارير الأمنية إلى أن أفراد عصابات تهريب المخدرات في كولومبيا كانت تلجأ للاختباء في المستوطنات العشوائية المحيطة بمدينة (ليما)، وعلى المستوى العربي أشارت بعض الدراسات إلى أن عناصر الجماعات المتطرفة في جمهورية مصر العربية كانت تحرص على الاحتماء بالأحياء العشوائية داخل القاهرة الكبرى بعد ارتكابهم لعمليات تخريبية، وقد انتشرت ظاهرة العشوائيات في دول المغرب العربي، حيث اتضح أن نحو 50% من سكان المناطق الحضرية في المملكة المغربية يقيمون في أحياء عشوائية(7).
ويعزى ازدياد عدد العشوائيات في البلاد العربية لعوامل عديدة، أهمها الهجرات المتزايدة نحو المدن والمراكز الحضرية الناتجة عن التنمية غير المتوازنة، وعدم الاهتمام بالمناطق الريفية من حيث تحسين الأجور وتحسين الخدمات. كما أدى ارتفاع قيمة الأراضي وارتفاع إيجارات المنازل في المدن والعواصم لنزوح بعض الأسر الفقيرة لأطراف المدن والإقامة في الأحياء العشوائية(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) يأتي السكن بمعنى الرحمة والبركة وأحياناً بمعنى السكون وعدم الحركة، وقد ورد ذكر المسكن في القرآن الكريم بمعاني متعددة منها البيت والمنزل والمسكن والمأوى فقد قال سبحانه وتعالى:
- { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين } آل عمران - الآية - 96.
- { وسكنتم في مسكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال} - إبراهيم - الآية - 45.
- { أما الذين ءامنوا وعملوا الصالحات فلهم جثث المأوى نزلا بما كانوا يعملون } السجدة الآية 19.
- { وقل رب أنزلني منزلا مباركا وانت خير المنزلين }المؤمنون- الآية-.
(1) المنجد في اللغة والاعلام، دار المشرق، المطبعة الحادية والعشرين، بيروت، لبنان، 1986، ص860.
(2) تشارلز ايرمز، المدينة ومشاكل الإسكان، ترجمة لجنة من الاساتذة الجامعيين، منشورات دار الافاق الجديدة، بيروت، 1964، ص16.
(3) رائد محمد صالح يوسف، المعايير التصميمية لإسكان ذوي الدخل المنخفض، رسالة ماجستير، كلية الدراسات العليا، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2002، ص36-37.
(4) صالح فليح حسين الهيتي، تطور الوظيفة السكنية لمدينة بغداد الكبرى 1950-1970، ط1، جامعة بغداد، 1976، ص242.
(5) تشارلز ایرمز، مصدر سابق، ص16.
(6) ذياب موسى البداينة، التحضر والجريمة في المجتمع العربي، ندوة المدينة والسكن العشوائي، مكناس، 20-22 ابريل 1998.
(7) للمزيد ينظر:
عبد الله المحيسن وعمر خطاب، تحليل دراسة مظاهر مشكلة العشوائيات في الكويت. المؤتمر العاشر لمنظمة المدن العربية، مكناس 20 – 22 ابريل 1998م، المعهد العربي لأنماء المدن، الرياض، 1998.
(8) عبد الله العلي النعيم، الأحياء العشوائية وانعكاساتها الأمنية، المعهد العربي بحث مقدم إلى ندوة الانعكاسات الأمنية وقضايا السكان والتنمية، الرياض، 2004. لانماء المدن.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|