أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-03
952
التاريخ: 28-5-2022
1767
التاريخ: 25-10-2015
7836
التاريخ: 26-10-2015
2195
|
قد يتفاجأ البعض حينما نقول بان النائب في مجلس النواب قد يساهم بشكل أو آخر في انتهاك حق التصويت الخاص به، وهذا القول له الكثير من الصحة، ولعدة أسباب: أولاها أن النائب قد أصبح بحد ذاته سلطة ونفوذ وقوة، وهذا يجعلنا جميعا نفهم اصرار بعض النواب على الترشيح لولاية ثانية وثالثة للعمل في مجلس النواب، والترشيح في معركة الانتخابات رغم أن هذا الترشيح مكلف مالية وبدنية وعقلية، ونلاحظ ان نفوذ النواب المنتخبين يمارسون عملهم بسكوت ويتعاطف من الحكومة، فالنائب يتدخل في بعض الأحيان في العمل الإداري لجميع الوزارات وان قلنا ليس جميعها على اصح التعبير بل يتدخل في بعضها، فتراه بين حين وحين أنه يتوسط للبعض في الترفيع والعلاوة بل حتى في التعين والقبول.
فاليوم النائب يتدخل في كل شيء، وليس هذا فقط، بل أنه يشارك عمل الوزراء سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو الدراسي أو...الخ. وهذا كله بالتأكيد له مقابل، فإن تدخل العضو في عمل الغير، يجعل الغير أن يتدخل في عمل العضو، منفعة متبادلة، وهذا كله يؤثر على الصالح العام، ولكن لا يؤثر على النائب، والسبب ، أن قيامه بمثل هذه الأمور هي تضمن له نوعا ما الفوز في الانتخابات المقبلة، أو على أقل ان لم تخدمه، فإنه سيكتسب منها مكانة اجتماعية بارزه تقييده في المستقبل هذا من ناحية.
من ناحية ثانية، الرواتب والامتيازات(1)، التي يتمتع بها عضو مجلس النواب، وكذلك الحمايات المخصصة للأعضاء الذين يعملون مع النائب لحمايته، هذا ما يميزه عن بقية الأفراد، بل تجعلهم من طبقة اجتماعية أخرى، فهذه كلها أسباب تجعل عضو البرلمان ان يعمل على الحفاظ عليها بكافة الطرق حتى لو كانت تلك الطرق غير مشروعة، اضافة إلى ذلك أن النائب يمنح مكافأة شهرية لا يقل عما يتقاضاه الوزير من راتب ومخصصات (2) .
عكس ما اقره دستور العراقي لسنة 2005 النافذ، اذ منح للنائب راتب تقاعدية بعد عمله في البرلمان مدة لا تتجاوز البضع سنين، أربع سنوات وقد تزداد أربع أخرى(3) ، عكس ما يتقاضاه الموظف العراقي العادي بعد أداء خدمة ما يقارب (40) عام. هذه المميزات التي ذكرناها سابقة التي تمنح للنائب من رواتب ومخصصات ومكافأة مالية تدفع النائب على الحفاظ عليها بكافة الطرق سواء كانت مشروعة او غير مشروعة .
لذا سنوضح في الدراسة من خلال فرعين ، سنتكلم في الفرع الأول حالة الرشوة واثارها ، بينما سنوضح في الفرع الثاني حالة تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وكما يأتي
الفرع الأول
حالة الرشوة واثارها
قضت جميع القوانين الوضعية في العالم المختلفة بتحريم جريمة الرشوة، سواء أكان في حضارة الرافدين أو الفراعنة بل حتى الحضارة الغربية القديمة والحديثة، بل حتى أنها ذكرت في التشريعات الالهية المنزلة في جميع الكتب السماوية وكان اشدها في الشريعة الإسلامية، عندما قال تعالى في كتابه الكريم: (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) ( 4) وأكد الرسول محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) في التحذير منها فقال (ص): (لعنة الله على الراشي والمرتشي)(5). وهنا المرتشي قد يتسبب في تعطيل حكمة أو قانونا أو يمنع حقا أو يعطي حقا بغير حق، فهذه كلها يفعلها المرتشي أو يفعل البعض منها، لذا تعد الرشوة جريمة خطرة على الفرد والمجتمع بصورة عامة، علما أن ظاهرة الرشوة هي ليست وليدة عصرنا الحديث، فقد عرفت منذ أمد بعيد فقد كانت عقوبة الرشوة عند الرومان يعاقب المرتشي بغرامة مالية تساوي المبلغ الذي قبضه من الراشي وبعد ذلك يخول للقاضي سلطة تقديرية في توقيع العقوبة سواء كانت بالنفي أو الاعدام(6).
أما في الحضارة الفرعونية فقد اعطت اهتمام لها وسعت إلى مكافحتها وردعها اذ قامت بتجريمها والعقاب عليها بتقنين خاص أصدره الملك حور محب سنة (1330 ق.م) اذ حذر فيها القضاة من الرشوة في المادة (12) عشر، اذ قال (لا تأخذوا أي هدية من أحد، والا فكيف يمكنكم أن تحكموا بالعدل إذا كنتم انتم انفسكم جناة على القانون)(7)، وكانت عقوبتها الإعدام (8) ، فليس هناك رشوة ايجابية ورشوة سلبية، اذ لا توجد الا رشوة واحدة، وهي تلك التي يرتكبها الموظف العام. لذا اهتم جميع المشرعين في البلاد المختلفة بتلافي كل ما يستجد من ثغرات من هذه الجريمة والوقاية منها، ومواكبة تطور المجتمع ونموه، انطلاقا من المقولة المشهورة (درهم وقاية خير من قنطار علاج(8).
الرشوة تعرف من الناحية الاجتماعية، هي سلوك اجتماعي يعبر به عن الاستجابة التلقائية من طرف الموظف العمومي للتوترات الاجتماعية والتزامه بواجبات الدور الذي يشغله، وذلك بابتكار الوسيلة الاجتماعية التي تمكن الموظف من الخروج على القيم التي فقدت وظيفتها على الرادع الاجتماعي للسلوك وتوجيهه وتمكينه من تحقيق فائدة خاصة مقابل هذا الانتهاك والخروج عن القيم الاجتماعية(9) ، أما تعريف الرشوة اصطلاحا هي (اتجار الموظف العام (أو القائم بالخدمة العامة) بوظيفته أو استغلالها بان يطلب أو يقبل أو يحصل على عطية أو وعد بها لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجباته(10).
الى الوظيفة النيابية تعطي للعضو قيمة عملية ومركزا إدارية ووجاهة اجتماعية، لذا على العضو ان يعمل في الوظيفة النيابية على وجه الأكمل والاحسن ، ولا جزاء على ذلك، والسبب، أنه يحمل امانه في تمثيل الشعب في مجلس النواب وينبغي أن يكون حارسة على القوانين ومنها، لكي تطبق على الجميع بالتساوي، لا يمنع حق أحد ولا يمنح احدا ما ليس له حق. فإذا انحرف عضو مجلس النواب عن طريق استغلاله لمركزه الوظيفي، فإنه يصبح خطرا على الجهاز الذي ينتمي إليه، ليس هذا وحسب، بل أنه يصبح خطرا على أصحاب المصالح وعلى المجتمع بصورة عامة، هذا في حالة إثبات جريمة الرشوة على عضو مجلس النواب، لذا أصبح يستحق العقاب، ويكون رادع للغير. يقول الله تعالى في كتابه الحكيم أن (المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) (12)، فقد اصيب الإنسان بهذه الزينة وأصبح يسعى لتحقيقها وأنه هدفه الأول في الحياة هو الحصول على المال، لذا أصبح الإنسان يسلك كافة الطرق لكسب هذا المال ولا يهم ان كانت تلك الطرق مشروعة أو غير مشروعة، ومن هذه الطرق ما يطلق عليه الرشوة.
سابقا، في مختلف المذاهب والأديان السماوية والحضارات القديمة الفرعونية والرومانية والفارسية والبابلية كانت الرشوة مرفوضة على الاطلاق من قبل المجتمع، ولكن تلاحظ الان أن نظرة المجتمع قد اختلفت، وأصبح كثيرا من الأفراد لا ينحرج منها بتاتا بل أنه يفتخر في أخذ الرشوة أو إعطاءها وأصبح يتحدث بها على العلن وأمام الجميع، وليس هذا فحسب بل أصبح يدافع عن هذه الجريمة أمام الرأي العام، وان سبب هذا الافتخار والتحدث بها وفعلها، ونحن نرى السبب ، هو اختلال القيم الاجتماعية واضطراب الموازين الاقتصادية وقلة تطبيق القوانين السماوية والوضعية، علما أن هذه الجريمة قد أقرت بعض القوانين لها عقوبة الإعدام أحيانا، لذا أن الشرائع السماوية والقوانين الوضعية قد حرمت هذه الجريمة وحاربتها وشددت العقوبة على مرتكبيها، ولكن على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومات المختلفة للحد من انتشارها الا أنها واسعة الانتشار، والسبب في ذلك هو غياب الرقابة الذاتية وصعوبة الكشف عنها.
الى بعض النواب يأخذون مبالغ نقدية قد تطلق عليها هدية نقدية أو عطية أو رشوة أو أي شيء آخر، وهذا كله بسبب العضوية التي يتمتع بها، رغم أن هناك قانون موجود وواضح وصريح قد منع وحظر على أعضاء مجلس النواب من أخذها وذلك بحسب المادة (109/ 3) من قانون مجلس النواب العراقي رقم (46) لسنة 2014، اذ نصت ( إذا تلقى النائب هدية نقدية أو عينة بسبب العضوية أو بمناسبتها تؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة، ويجب عليه ابلاغ المجلس بتلقيه للهدية)(13) . والزم آن يفصح النائب عن تلقيه الهدية بكتاب لمكتب رئيس المجلس فور تلقيه مع تحديد الشخص أو الجهة التي قدمت له الهدية وتسجل في السجلات المخصصة لذلك، وتسلم الهدية إلى الأمانة العامة للمجلس.
فنحن نرى أن أحد أسباب انتهاك حق التصويت لعضو مجلس النواب بنفسه، هي الحصانة البرلمانية التي يتمتع بها العضو، والسبب ان الحصانة البرلمانية هي التي تتيح للنائب أن يجول ويصول ويتدخل في عمل الوزارات ويفسد ويطلب الرشوة ويقيلها، وهذه الأعمال التي يقوم بها النائب كلها يعملها بسبب الحصانة البرلمانية التي أقرت له وفق الدستور والقانون، نحن نقول أن الحصانة هي ضرورية ولكن يجب أن تكون حصانة مهنية وحقيقية لصالح الأعمال والقوانين التي يقوم بها العضو أثناء عمله في المجلس وليست حصانة للعضو، والسبب، حتى تمكن العضو من قيامه بمهامه التي اوكلها الشعب القيام بها نيابة عنه حتى تحقق المصلحة العامة، فالشرفاء لا يحتاجون إلى حماية خاصة أو مميزات أو مكافأة.
القانون واحد والكل يخضع للقانون، ولكن لاحظ أن بعض أعضاء مجلس النواب يقومون باستغلال هذه الحصانة لمصلحتهم وقيامهم بسرقة قوت الشعب وأخذ الرشوة وكل هذه الأفعال لها تأثير على خطط التنمية ويؤدي إلى تراجع البلاد على كافة مستويات الميادين، وليس هذا فحسب بل في فسادهم هذا يهددون الدستور ويخترقونه في التجاوز عليه فهم ينحرفون باستعمال سلطتهم، وان كان مجلس النواب يحوي على كثير من النواب الذين يقر لهم الجميع بنزاهتهم وحرصهم على مصلحة الأفراد والوطن فانهم وبكل اسف قد سكتوا وأصبحوا معزلين وليس لهم أي دور، ومثلما قال الإمام علي بن ابي طالب (ع) حين سكت اهل الحق عن الباطل قد توهم أهل الباطل انهم على حق(14 ). ونرى أن السبب في فساد بعض النواب هو؟ أولا : الحكومة، فهي قد تساهلت مع النواب الفاسدين وتأمين كل أوجه التسهيلات لهم في ممارسة نفوذهم وسلطتهم بمعزل عن القانون والرقابة والأمانة. ثانيا : دفاع رؤساء الكتل والأحزاب عن نوابهم الفاسدين.
ثالثا : انحراف العضو نفسه في استعمال سلطته.
رابعا : عدم تدخل القضاء وفرضه رقابته على نشاط أعضاء البرلمان واعمالهم. خامسا: ان الرشوة ليست فقط في العراق، اذ أن سلطة عضو البرلمان التي يمارسها في حق التصويت في
كل ما يعرض عليه من قوانين ، نجد ان جماعات الضغط واللولبيات والشركات الكبرى لها تأثير قوي على أعضاء البرلمان ، ففي كثير من دول العالم ومنها دول العالم الغربي بالرغم من المبادي الديمقراطية السائدة في تلك البلدان، فأننا نجد هناك كثير من الحالات التي تؤكد على تسلم اعضاء البرلمان رشوة في سبيل تمرير قانون او اجهاض قانون معين، وحالة الكونغرس الأمريكي ابرز مثال على ذلك، اذ أن معظم الدول لديها لولبيات وجماعات ضغط تعمل لصالحها داخل الولايات المتحدة الأمريكية(15).
الفرع الثاني
حالة تفضيل المصلحة الخاصة على المصلحة العامة
إن السلوك الإنساني يسعى غالبا ما إلى تحقيق مصلحة ما، وهذه المصلحة تتمثل أما أن ينتفع منها، أو دفع ضرر، فالغاية من المصلحة هي أما الحصول على منفعة أو تجنب ضرر، وقد وضح أحد الكتاب في شرح مفهوم المصلحة ووصفها هي أساس من السعادة الشخصية، أي ما يستفاد منها صاحب الفعل منها (16) ، وخاصة أن هذه المصلحة التي يسعى إليها عضو مجلس النواب قد اضاف المشرع إليها الحماية القانونية، ويعني هذا أن المصلحة مقترنة بالمشروعية، أي لا تكون مخالفة لما أقره المشرع، نظرا لما يتمتع بها العضو من حصانة برلمانية، وهي عدم مسؤولية النائب عما يصدره من أقوال وأفعال وآراء وحقه في التصويت أثناء أداء مهامه في البرلمان (17) .
ذكرنا في الحالة الأولى أن بعض النواب قد ينتهكون حق التصويت الخاص بهم عن طريق الفساد والرشوة، أما البعض الأخرى قد ينتهك حق التصويت في حالة ثانية، وهي أن تكون له مصلحة خاصه أو مصلحه للغير وليس للمصلحة العامة، والعضو عند استعماله حقه في التصويت يرى في نظره ان هذه المصلحة ( المصلحة الخاصة) هي مشروعه(18)، فهو يرى عند استعمال حقه المشروع الذي شرع له أنه لا يسبب ضرر للغير، لذا يجب تفضيل مصلحته قبل كل شيء، ونحن نرى هذا غير صحيح والسبب هو: القاعدة القانونية تنص أن المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة (19) ، كذلك أن استعمال هذا الحق لتحقيق المصلحة الخاصة هو فيه مخالفة للشريعة الإسلامية والقانون والنظام العام والأدب، وكذلك هي مخالفة للعرف والعادة والتقاليد(20). وأيضا مخالف للدستور وتقيد السلطة لتحقيق المصالحة العامة.
اين عضو مجلس النواب عندما يمارس عمله فهو مكلف بأداء وظيفة نيابية وهو ممثل عن الأفراد الذين انتخبوه، فهو وكيل عنهم، وهذا يعني أن مصلحة الأفراد هي مصلحة العضو، فلعضو ليس منعزل عن الأفراد، فالجميع في مركب واحد، وبالتالي تتحقق لدينا المصلحة العامة، فسيادة القانون على الجميع فيها تناغم يسود الملايين من الناس إلى اللجوء إلى العنف أو النهب بغرض تلبية احتياجاتهم، فصالح العام ليس هدفا اجتماعية، بل هو وسيلة للعيش المشترك بين الجميع في تقاهم وسلام، لذا يلزمنا إلى سن قواعد اجتماعية ومؤسسات لكي يكون الأمر كذلك وتحقق المصلحة العامة.
نصت المادة (38) من قانون مجلس النواب العراقي رقم (46) لسنة (2014)، على عضو مجلس النواب عند مناقشة أي موضوع معروض على المجلس أو إحدى لجانه يتعلق بمصلحة شخصية له أو لأحد أقاربه حتى الدرجة الرابعة، أن يخطر المجلس أو اللجنة بذلك قبل الاشتراك في المناقشة أو أبداء الرأي أو التصويت، ويقرر المجلس أو اللجنة مشاركته في المناقشة أو التصويت بناء على هذا الإفصاح (21)، علما أن الأمانة العامة لمجلس النواب تخصص وحدة تسمى وحدة تجنب تعارض المصالح، تشكل من عناصر قانونية وفنية ومالية مناسبة تتولى تقديم المشورة لأعضاء مجلس النواب في أي شأن وذلك بطلب يقدم إلى رئيس المجلس (22). ونرى أن هذا المسلك منتقد، ففي حالة الإفصاح ومشاركة العضو في المناقشة والتصويت قد يؤثر على الأعضاء أو اللجنة ويصدر القرار من صالح العضو أو أحد أقربائه، فكان بالأجدر على عدم مشاركته في كل الأحوال سواء كان بالإفصاح أو عدم الإفصاح، وفي حالة اشتراكه بالمناقشة والتصويت وبدون الإفصاح وتبين بعد حين أن له مصلحة شخصية أو مصلحة الأحد أقربائه فإنه يعتبر قد انتهاك حق التصويت ووجب مسألته عن هذا الانتهاك.
الا النائب عندما يستعمل حقه في التصويت فإنه يستعمله لكي لا يضر بالغير، وانما يستعمله لما فيه خير للغير، لا لتحقيق مصالح غير مشروعة أو مصلحه خاصه، فمن يستعمل هذا الحق (حق التصويت) لتحقيق مصلحة غير مشروعة مهما عظمت هذه المصلحة، فإنه يسئ استعمال حقه، ويعد مخطأ ومنتهك ووجب مسائلة ومحاسبته عما سيبه عند استعمال هذا الحق، فهو يسبب ضرر للغير(23)، حتى لو لم يكن هناك ضرر للغير، فهو قد تعسف في استعمال حقه في التصويت أو انحرف باستعمالها أو تجاوزها، لأن الفعل الذي قام به هو مشروع بحسب أصله وهو غير محضور، والتصرف فيه وفق القانون لأنه استخدم حقه في التصويت، ولكن لم يستعمله للمصالحة العامة وانما استخدم لأغراض أخرى وهي المصلحة الخاصة أو مصلحة الغير، ومن امثله استعمال العضو حقه في التصويت لمصلحته الخاصة أو لمصلحة الغير نذكر على سبيل المثال :
أخذت بعض التشريعات بعين الاعتبار الآثار الناجمة عن افشاء الأسرار النيابية للغير، لذا خصصت نصوص قانونية لها، فالمشرع العراقي نص: (لابد للنواب من ان يأخذوا بعين الاعتبار أنه يجب استعمال المعلومات التي يتلقونها بسرية في سياق مهامهم في المجلس فقط وفي إطار هذه المهام، وأنه لا يجوز قطعا استعمال مثل هذه المعلومات لغرض الكسب المالي أو لتحقيق منافع أخرى)(24)، فعند عمل العضو في المجلس أنه يطلع على كثير من المعلومات والوثائق التي تصل إليه بحكم عمله، فبالك أن هذه المعلومات قد تصل إلى الغير، على سبيل المثال إلى شركات أو دول لها مصالح خاصة في تلك البلاد، فإذا اقر قانون يحرم تلك الشركات أو تلك الدول من الانتفاع ما كان عليه سابقا، فبكل تأكيد سوف نحاول تلك الشركات الخاصة أو الدول التقرب إلى بعض النواب لكي تمنع من امرار أي قانون قد يسن في مجلس النواب ويصوت عليه ضد مصالحها، لذا تلاحظ ان بعض التشريعات قد احضرت على العضو استعمال هذه المعلومات السرية خارج المجلس، لكي لا يحقق أي منافع شخصية سواء كانت مادية أو دعاية انتخابية. رغم التحذير الذي أشار إليه المشرع أعلاه الا أنه تلاحظ قد امتاز هذا النص بضعف وكان الاجدر على المشرع أن يحظر افشاء الاسرار بصورة مطلقة وذلك لما فيها من أهمية للحفاظ على الصالح العام(25)، فقيام عضو مجلس النواب بإفشاء الأسرار النيابية فهو بكل تأكيد له غرض شخصي سواء كان لتحقيق منفعة شخصية أو منفعة للغير وليس للصالح العام.
لذا الزمن جميع الدساتير والأنظمة الداخلية لمجلس النواب على أعضاء مجلس النواب الالتزام واحترام المجلس وعدم افشاء الأسرار النيابية، فيجب أن تكون جميع تصرفات وأفعال عضو مجلس النواب أن تكون موافقة لأحكام الدستور والقانون والنظام الداخلي، فقيام عضو مجلس النواب بالتدخل في شؤون السلطات الأخرى التنفيذية والقضائية) ليس الا لغاية منها المصلحة الخاصة أو مصلحة الغير، وهذا يعتبر انتهاك من عضو مجلس النواب بسبب التدخل الغير مقبول، فبكل تأكيد أن هذا التدخل له مقابل، وهو انتهاك حق التصويت في مرحلة ما من المستقبل، سواء كان بالتصويت أو الامتناع أو عدم الحضور إلى المجلس للتصويت على مشروع معين أو غيره، فكل الأمور تصب في مصلحة وغايه واحدة، وهي ضمان إلى تلك الأفراد في كلا السلطتين بالبقاء والحفاظ على مراكزها وعدم مسائلتهم من قبل أعضاء السلطة التشريعية، على اعتبار ان السلطة التشريعية هي في نفس الوقت سلطة تشريعية ورقابية على جميع السلطات.
كذلك قد منع الدستور التعامل المالي مع دوائر الدولة ، ويراد به عدم وجود منفعة مادية لعضو البرلمان لدى الدوائر الحكومية، اذ ذهب البعض (26) ونحن نؤيده أن هذا التحريم هو أصلا ضمان استقلال عضو البرلمان، حتى لا يستغل نفوذه فيؤثر على الموظفين فيدفعهم إلى التساهل في الحقوق العامة، ولا سيما يعلم الجميع أن عضو البرلمان يتمتع بحق التصويت وهو له حصانة برلمانية.
هناك تسميات أخرى يطلق عليها (تجنب تعارض المصالح) أو (حسم صراع المصالح) ويراد به هو مصطلح يستعمل لوصف وضع ما يستغل فيه مسؤول حكومي أو شخص مؤتمن موقعه لتحقيق منافع شخصية وعادة مادية على العكس من الالتزام المنوط به والواجب المكلف به في العمل الصالح الجمهور أو فرد معين) (27)، بينما ذهب بعض آخر وعرفه هو (الحالة التي يتأثر فيها حياد قرار المسؤول بسبب مصلحة شخصية مادية أو معنوية تهمه شخصية أو أحد أقربائه، أو حين يتأثر ادائه باعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة) (28) ، تلاحظ من هذه التعاريف، أن عضو البرلمان هو مسؤول حكومي وشخص مؤتمن وبكل تأكيد يتأثر بالقيم الاجتماعية كالولاء العشائري أو العائلي أو الطائفي، وهذه كلها تدفعه للتنافس على المصالح داخل الدولة سواء كان بالتعيين أو المقاولات أو أي مصلحة أخرى داخل الدولة، فتدفع العضو للتدخل والفوز بها سواء لصالحه أو لصالح شخص عائد له، وخاصة أن عضو البرلمان له صلاحيات تسمح له باستغلال العضوية أثناء استعمال حقه في الرقابة البرلمانية من سؤال واستجواب، فهذه كلها يستغلها العضو أما بالتغاضي عن حالة الاستجواب أو التحامل عليه، وبالتالي أما يكون التصويت عليه أو الامتناع عن التصويت، لذا عندما حرم المشرع التعامل مع اموال الدولة ما هو الا حالة من حالات تجنب المصالح لكن رغم هذا التحريم من التعامل الا أنا تلاحظ ان كثير من الحالات قد يتدخل العضو فيها للغير وخاصة أثناء فترة الانتخابات، فإن تلاحظ ان عضو مجلس النواب قد يوعد ناخبيه بالعمل لصالحهم وذلك من أجل خدمتهم باعتباره ممثل عنهم، ولكن في الحقيقة أن تدخل العضو في هذه المصالح هي لها غايه أخرى. وهي تحقيق مصالحه الشخصية، وهذا بعد انتهاك لحقه في التصويت من قبله شخصية، لذا حرم المشرع حسب المادة (127) من دستور جمهورية العراق لسنة (2005) العضو من عدة أمور ومنها الواسطة وتحريم التعامل بأموال الدولة وكذلك مشاركة العضو في أي عمل أو مهنة أو تجارة تخضع للتراخيص دون تقديم اشعار عن هذه المشاركة إلى الجهة التي يتبع لها وكذلك عدم استغلال العضوية للمصلحة الخاصة مثل استخدمه ادوات الرقابة البرلمانية لتحقيق مصالح خاصة (29)
نستخلص من انتهاك حق التصويت من قبل العضو نفسه، أن النائب البرلماني وبحكم عضويته في البرلمان يسمح له باستغلال منصبه من اجل التصويت للحصول على منفعة مالية (الرشوة) أو مصلحة خاصة يحقق منها منافع وريح بصورة مباشرة أو غير مباشرة، فالعضو لم يكن باستطاعته تحقيقيها لولا استغلال منصبه وما يتمتع به من حق التصويت أو الاستجواب أو السؤال، والواقع يشهد على ذلك.
______________
1- ينظر إلى منشور نشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4049) في 2007/9/27 تسري أحكام قانون الجمعية الوطنية رقم (3) لسنة 2005 على مجلس النواب اعتبارا من تاريخ أداء اليمين لأعضاء مجلس النواب في حين جاء في المادة (3) من قانون الجمعية الوطنية رقم (3) لسنة 2005 يحق لكل عضو من أعضاء الجمعية الوطنية ان له مجموعة من الحراس الشخصيين يحدد عددهم وأجورهم بتعليمات لاحقة تصدرها هيئة رئاسة الجمعية الوطنية.
2- ينظر المادة (الثانية / ثالثا) من قانون الجمعية الوطنية رقم (3) لسنة ه200 النافذ، والمنشور في الجريدة الرسيمة بتاريخ 2005/7/23 .
3- ينظر المادة (4) من قانون الجمعية الوطنية رقم (3) لسنة 2005:
أولا - يمنح عضو الجمعية راتبا تقاعدية لا يقل مقداره عن 80% مما كان يتقاضاه من مكافاة في حالة إصابته بعجز دائم لأي سبب كان أثناء دورة أو لجمعية الوطنية يمنعه من أداء مهامه الاعتيادية فيها.
ثانيا- يملح عيال من يستشهد أو يتوفى من الأعضاء أثناء دورة الجمعية الوطنية لأي سبب كان راتبا تقاعدية لا يقل مقداره عن 80% من مجموع ما يتقاضاه من مكافأة شهرية في حياته ويسري حكم هذه الفقرة على حالات الوفاة أو الاستشهاد التي حصلت بعد تاريخ 2005/3/16
ثالثا – يملح عضو الجمعية الوطنية راتب تقاعدية مقداره 80% من مقدار المكافأة الشهرية يتقاضاها من الجمعية بعد انتهاء مدة ولاية الجمعية.
4- سورة المائدة، الآية (188).
5- محمد ناصر الدين الألباني، صحيح سنن ابن ماجه، مكتبة المعارف، الرياض، 1997، ص 1871.
6- أحمد فتحي سرور، الوسيط في قانون العقوبات القسم الخاص) ط3، دار النهضة العربية، القاهرة ، 1981، ص 114.
7- رؤوف عبيد، بحث في القضاء الجنائي عند الفراعنة، مجلة الجنائية القومية، العدد (3)، 1958، ص55
8- فتوح عبد الشاذلي، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، ط 2، ج 1، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، دون سلة طبع، ص 24 .
9- سعيد بن محمد بن فهد الزهيري، إجراءات الوقاية من جريمة الرشوة في المملكة العربية السعودية، رسالة ماجستير، جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، الرياض، 2005، ص11 .
10- نظيرة بوعزة، جريمة الرشوة في ظل القانون (106) المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، رسالة ماجستير، جامعة جيجل، زوايمية رشيد، 2007 -2008، ص 9.
11- علي عبد القادر القهوجي، قانون العقوبات (القسم الخاص)، ط1، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2010 ، ص 20.
12- سورة الكهف، الآية (64).
13- ينظر المادة (38) من قانون مجلس النواب العراقي رقم (4) لسنة 2014.
14- نهج البلاغة، خطب الإمام علي (ع )، (ت: 40 هـ )، تحقيق : شرح : الشيخ محمد عبده، ط1 : 1912 - 1370 ، مطبعة النهضة - قم ، دار الذخائر - ايران: 2/ 198 .
15- Helm, Toby , Fury at airport lobby, London, 2009.pl8.
16- بنتام، اصول الشرائع، ترجمة أحمد فتحي سرور ، ج 1، القاهرة، دون تاريخ نشر، ص 30 - 35.
17- د. محمد كامل ليلة، النظم السياسية، مطبعة نهضة مصر، القاهرة، 1961، ص 66
18- فتحي الدريني، نظرية التعسف في استعمال الحق، ص 252، كذلك ينظر للمزيد، عيسوي أحمد عيسوي، نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي، دون تاريخ نشر وطبع، ص 99، محمد سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، ج 1، ص 102
19- الشاطبي، الاعتصام، دار ابن عفان، السعودية، ط1، 1992، ص 412.
20- المذكرة الايضاحية لقانون المعاملات المدنية الاماراتي، لعام 2016 المعدل، ص 81.
21- ينظر المادة (38) من قانون مجلس النواب العراقي رقم (4) لسنة 2014.
22- ينظر المادة (371) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب العراقي الصادرة بالقانون رقم (1) لسنة 2016.
23- عيسوي أحمد عيسوي، مصدر سابق، ص 44، حسن عامر، التعسف في استعمال الحقوق، دون تاريخ الشر وطبع، ص 607، سليمان مرقص، شرح القانون المدني، ج 2، دون تاريخ نشر وطبع، ص 356 .
24- ينظر المادة (أولا/ سادسا / هـ) من مدونة قواعد السلوك النيابي لمجلس النواب العراقي لسنة 2013.
25- عدنان مطلك حمود، فاعلية مجلس النواب العراقي بين الامتناع عن التصويت وغيابات الأعضاء (دراسة مقارنة)، رسالة ماجستير ، كلية القانون والسياسية ، جامعة كركوك ، 2019، ص 59.
26- د. افين خالد عبد الرحمن خالد، المركز القانوني لعضو البرلمان، المركز العربي للدراسات والبحوث العالمية، القاهرة ، 2017، ص 263 .
27- صالح حسن كاظم، تعارض المصالح، ص 10، بحث منشور على الموقع الالكتروني و
www.nazahat.i تاريخ الزيارة 23/5/2021
28- صلاح محمد الغزالي، قانون تعارض المصالح، ضرورة حتمية، ص 23، بحث متاح على الموقع الالكتروني www.transparency-kuwait.org تاريخ الزيارة 2021/9/29
29- صالح حسن كاظم، مصدر سابق، ص 14.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|