أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-3-2022
1662
التاريخ: 21-10-2015
2494
التاريخ: 2024-05-24
1074
التاريخ: 26-10-2015
10018
|
ان حق التصويت لأعضاء البرلمان لم يرد بشكل صريح وواضح في نصوص الدساتير، أو في الأنظمة الداخلية للبرلمان المختلفة، وهذا أمر مقبول؛ لأن وضع التعريف ليس من مهمة المشرع.
كما أن الفقه لم يتناول المعنى الاصطلاحي لحق التصويت الا في بعض الاشارات البسيطة، على الرغم من أهمية حق التصويت للسلطة التشريعية لكي تقوم بمهامها؛ الأ من دون هذا الحق لا تستطيع هذه السلطة القيام بأي شيء من أعمالها، كونه الوسيلة القانونية التي من خلالها يباشر البرلمان عمله، إذ من خلال هذا الحق يعبر أعضاء البرلمان عن آرائهم وأفكارهم داخل قبة البرلمان، وعليه سنحاول توضيح تعريف حق التصويت واهميته في فرعين وكما يأتي :
الفرع الاول
التصويت لغة واصطلاحا
أولا : التصويت لغة في القواميس العربية :
ان التصويت في اللغة العربية من الفعل الثلاثي (صوت)، ومضارعه يؤت، بمعنى نادى (1) والمصدر ( تصويت )، وقد يأتي التصويت أيضأ بمعنى شديد الصوت (2)، وصوت فلان بفلان تصويتا، أي بمعنى دعاه، والاسم منه صوت، وله صوت في الناس وصيت، وذهب صيته فيهم (3).
وأما الصائت فهو الصائح(4). والمصوات هو المصوت، وانصات اجاب واقبل (5) . وجاء التصويت في عدد من المعاجم الحديثة بمعنى إعطاء الصوت في الانتخابات بصورة عامة (6) . ومن يصوت هو من له حق التصويت (7) . وبالرجوع إلى قوله تعالى في كتابه الحكيم وهو يخاطب الشيطان الرجيم (( واستفزز من استطعت منهم بصوتك) (8). فكان الصوت في هذه الآية الكريمة كناية عن الوسوسة والاغراء على انتهاج طريق الباطل وعصيان أوامر الله، وعند بحثا في المعاجم القديمة والحديثة في اللغة العربية والمقارنة بينهما في معنى التصويت، وجدنا أن أصل كلمة التصويت لم تتطور بشكل كبير عما كان سابقة، وانما الاختلاف فقط جاء بالتوظيف للكلمة، حينما وضف مصطلح التصويت في التعبير عن الإرادة الجماعية في المجالات الرسيمة وغير الرسيمة، ولا سيما في المجال التشريعي.
ثانيا : التصويت لغة في القواميس الغربية :
عند البحث في القواميس اللغة الأجنبية، معنى صوت ما يقابلها في اللغة الانكليزية هي كلمة (vote) وهي تعني عبارة تجمع بين الاسم (صوت) والفعل المضارع (يصوت)(9)
أما عملية التصويت التي تقصدها فيقابلها باللغة الانكليزية عبارة هي (voting)، كما يمكن أيضا أن ترد كلمة (Ballot) وتعني يقترع (10)، كما وردت في اللغة الانكليزية معنى اوسع مصدره الفعل (elect) وتعني به ينتخب، ومصدرها يأتي من كلمة electing, election (11).
أما في اللغة الفرنسية وجدنا مصطلح التصويت بمعان عدة متشابهة مع اختلاف الأحرف، ومنها عبارة (votation) بمعنى تصويت أو اقتراع (12)، وكذلك كلمة (suffrage) تعني تصويت أو اقتراع (13) وكذلك وردت كلمة scrutin) أيضا بمعنى تصويت، اقتراع، انتخاب (14) .
ثالثا : التصويت اصطلاحا في الفقه العربي والغربي :
ان تعريف التصويت يتطلب منا الإحاطة بمضمونه الاصطلاحي ومعناه، إذ يعد التصويت من أهم وادق المسائل القانونية والتنظيمية داخل المؤسسة التشريعية في اتخاذ القرارات التي تدخل في مجال أعمالها، وقد اختلف فقهاء القانون والمهتمون خاصة بدراسة القانون الدستوري في تحديد تعريف التصويت، لذا من أجل تحديد المعنى المقصود بشكل دقيق اصطلاحا، سنتناول التعريف في الفقه العربي والفقه الغربي كالآتي :
1-التصويت اصطلاحا في الفقه العربي :
اختلف الفقهاء في تحديد المعنى الدقيق للتصويت بوجه عام والتصويت داخل مجلس النواب بوجه خاص، فإذا نظرنا للتصويت من المعنى الواسع نجد أحد الباحثين يعرفه بأنة السلوك الذاتي للأدلاء بالرأي(15) . مع البقاء ضمن الإطار الواسع لمفهوم التصويت واعتماد منظور وسائلي.
ويطالعنا على الجانب القريب من موضوع بحثنا حول التصويت في مجلس النواب تعريف آخر للتصويت وكيفية تحديد إطاره في حدود البرلمان، أذ غرف بأنه ( عملية أبداء الرأي والحرية لأعضاء البرلمان بالموافقة أو الرفض لمشروعات القوانين المعروضة على البرلمان) (16) وفي هذا التعريف نجد حصرا دقيقا لنطاق وموضوع التصويت وغايته بوصفه الآلية التي تظهر نية أعضاء البرلمان بالموافقة على القوانين أو رفضها، لكن بالمقابل ينقص التعريف التطرق لأمور أخرى مهمة يتم التصويت عليها مثل حجب الثقة وغيرها، وهناك من وصفه بأنه ( العملية التي يعبر أعضاء البرلمان بها عن إرادتهم، ويتخذون لها قرار عن طريق الاقتراع) (17). وعرفه استاذنا الدكتور الفقيه منذر الشاوي بصورة أكثر بساطة ووصفه بالمرحلة الأخيرة اذ قال (هو المرحلة الأخيرة في الإجراءات التشريعية )(18).
تلاحظ أن هذا التعريف قد يتسم بالبساطة والسهولة والوضوح على المعنى الدقيق والمقصود من التصويت، اذ عبر عنه بكلمة المرحلة الأخيرة، ولكن التعريف افتقر إلى الدقة والصواب لوجود إجراءات أخرى لاحقة على المشروع حتى يصبح المشروع قانونا، كذلك التصويت لا يقتصر على تشريع القوانين فقط، وهناك من عرفه تعريف ادق ووصفه بأنه ( تجسيم علني لإرادة أعضاء مجلس النواب بشأن موضوع معين أو قانون معين واحد مظاهر التعبير الصريح عن سلوكها الخارجي) (19) ونرى أن هذا التعريف قد حدد معنى التصويت، فالتصويت فعلا ما هو الا تجسيم لإرادة عضو مجلس النواب وقد حدده بعبارة جامعة دقيقة يمكن أن تنطوي على جميع أعمال مجلس النواب، الا وهي (تجسيم علني) فالتصويت فعلا هو تجسيم لإرادة أعضاء المجلس.
ولكن ما يؤخذ على هذا التعريف أنه لم يشر بالإشارة الصريحة لحق التصويت، كذلك تجاهل وجود بعض القرارات التي لا يمكن أن يتخذها مجلس النواب بطريقة علنية، سواء كان بسبب الدستور أو القانون فهو الذي يحدد التصويت العلني أو السري، وقد يتطلب في بعض الأحيان أن يجلس المجلس جلسة استثنائية ويصوت على بعض القرارات أو القوانين بالتصويت السري وغير العلني.
كما عرفه أحد الفقهاء أيضأ : (هو ميزة أو مكنه يمنحها الدستور تثبت لعضو البرلمان للتعبير عن رأيه بالقبول أو الرفض فيما يعرض على المجلس الذي ينتمي إليه، من مسائل تدخل في اختصاصاته، والتي ينتج من مجموع إرادات أعضاء المجلس اتخاذ قرار بشأنها، وبحسب الأغلبية التي يحددها الدستور أو القانون أو النظام الداخلي للمجلس)(20). تلاحظ على هذا التعريف أنه قد اتى مطولا في تعريف حق التصويت ناهيك عن ذلك أنه يعبر عن التصويت بالقبول أو الرفض ولم ينكر الامتناع عن التصويت، علما أن ليس جميع المسائل تتطلب القبول أو الرفض، بل إنه في بعض الأحيان يمتنع بعض الأعضاء عن التصويت داخل مجلس النواب.
ومنهم من عرفه أيضأ (بأنه العمل أو التصرف الذي يتمكن من خلاله العضو في المساهمة في اتخاذ قرار معين وذلك بالتصريح بإرادته في هذا الحق لتنفيذ وتطبيق الحلول التي يراها مناسبة حول كل ما يتعلق بمصلحة الأمة ومستقبلها) (21) . مأخذنا على هذا التعريف انه ليس جميع القرارات التي تتخذ من قبل العضو وفق إرادته، فهناك الكثير من القرارات والتصويت عليها تتخذ دون إرادة العضو، بل يتم اتخذها وفق ما يراه غيره. 2: التصويت اصطلاحا في الفقه الغربي :
اختلف فقهاء القانون في الغرب على تحديد تعريف واحد للتصويت، فمنهم من يعرفه أثة (اشعار يتم الموافقة عليه أثناء اجتماع ما بواسطة الأعضاء الذين يحق لهم الحضور والتصويت) (22)، تلاحظ على هذا التعريف غموض التصويت ومضمونه رغم أنه تضمن فكرة غير مسبوقة هو مجال الاشعار، كون التصويت هو اشعار يتضمن الموافقة للذين يحق لهم الحضور وهم الأعضاء المنتخبون من قبل الشعب في مجلس النواب، وكذلك يضاف إلى ذلك أن الموافقة هي ليست الموقف الثابت لمن يقوم بالتصويت؛ إذ إن بعض مواقف التصويت تتضمن الرفض أو الامتناع عن التصويت أصلا.
ووصفه البعض الاخر (يتصف بالمسؤولية وليس امتياز خاص)(23). تلاحظ على هذا التعريف، أنه جرى تسليط الضوء على فكرة معينة، هي أن التصويت مسؤولية وليس امتياز خاص، وهذه الفكرة لم يذكرها أحد سابقة في التعريفات السابقة، وهي مسؤولية أو التزام على النائب اتجاه ممثليه أو على المصلحة العامة، ولا يمكن للنائب ان يغلب مصلحته أو مصلحة فئة معينة، على ناخبيه، أو على المصلحة العامة، ولكن يؤخذ على التعريف بالمقابل أنه قد حصر التصويت بالمسؤولية بينما هو حق شخصي لا يسئل العضو عن استعماله أو عدم استعماله فهو حر في التصويت وفق ما يراه وما يتطلب الموضوع المعروض أمامه داخل المجلس، وان التعريف قد اني خالية من تحديد المسؤولية ومضمونها ونطاقها.
وبناء على ما تقدم يمكننا أن نعرف حق التصويت لعضو البرلمان (هو حق يمنحه الدستور العضو البرلمان طيلة فترة نيابته ليعبر عن إرادته بشكل صريح، بالقبول أو الرفض أو الامتناع فيما يعرض على المجلس الذي ينتمي إليه من مسائل تدخل ضمن اختصاصه داخل مجلس النواب(
الفرع الثاني
اهمية حق التصويت
ان صلاحيات السلطة التشريعية على المستوى السياسي تحمل في طياتها تناقضا في الدول الديمقراطية، فهي تعتبر من أكثر امتيازات البرلمان أهمية، وفي الوقت نفسه، فإن ممارسة هذا الاختصاص هو الأكثر خطورة، ولاشك أن أكثر اختصاصات السلطة التشريعية هو أهمية حقها في التصويت من خلال أعضائها، على القوانين والقرارات التي تشرعها أو تعرض عليها داخل المجلس.
ومن هنا يبرز عمل عضو البرلمان في السلطة التشريعية، وهو استعمال حقه في التصويت، كونه ينوب عن ابناء الأمة بصورة عامة (24) ، فهو يمثل لسان حال ناخبيه وكلمة مواطنيه في المجلس، ومن هنا ينشأ حقه في الكلام، وحق التصويت، بل واجبه في التصويت في المسائل التي تعرض عليه، لكي يعبر عن آرائه كونه ممثل عن الشعب صاحب السيادة، وقد كرست على هذا الحق جميع الدساتير والأنظمة الداخلية للمجالس النيابية، ووضحت كيفية ممارسته، وتنظيم آلياته، ضمن نطاق عمل المؤسسة التشريعية، وعلى هذا بعد عضو البرلمان الممثل الحقيقي لأفراد الأمة، والمعبر عن نبضها (25) ، من خلال حقه في التصويت داخل مجلس النواب، إذ أصبح هذا الحق مبدأ هامة من مبدأ القانون العام في جميع دول العالم الديمقراطية، فهو يحد من مطامع الحكام واستبدادهم، وتجاوزهم على الأفراد دون قيد أو حساب.
يتوقف حق التصويت على النائب نفسه ومدى نجاحه في ممارسة عمله في المجالس، من خلال حضوره في جميع الجلسات ولجانه، اذ أن أغلب الدساتير اشترطت نصابا معينا(26) . سواء كان في مجال انعقاد المجلس ونصاب الانعقاد(27)، أو في مجال اتخاذه للقرارات التي تتخذ في المجلس تصويت الأغلبية(28). وخلاف ذلك فإن الجلسات والقرارات المتخذة تكون باطلة بحكم القانون(29) . إذ إن حضور النائب للمجلس النيابي وقيامه بعمله واستعمال حقه في التصويت، يمكن السلطة التشريعية ممارسة مهامها الدستورية سواء أكان في مجال الانعقاد أو مجال اتخاذ القرارات داخل المجلس، ويمكنه من الاطلاع على كل ما يجري داخل المجلس من أعمال، وهذه الأعمال تتطلب منه المناقشة وأبداء الرأي وحرية التعبير في المواضيع التي تعرض أمامه، لتكون الصورة واضحه وليتخذ قرارة سليمة محققة بذلك أغراض وملبيات طموح الشعب. لذا فأن من يحسم الأمور في التصويت هم الأعضاء الحاضرون، وليس الغائبون عن المجلس، فإذا كان العضو غائبة عن المجلس، كيف يحق له النقاش وأبداء الرأي والتصويت، خاصة أن أغلب الدساتير محل المقارنة لم تسمح بالتصويت بالوكالة (30).
يحتل حق التصويت لعضو مجلس النواب مكانة مهمة في النشاط البرلماني ويبدو ذلك، من خلال ما يعرض عليه داخل المجلس الاستعمال حق التصويت وما يترتب عليه من آثار، مثل إقرار مشروع أو اقتراح قوانين مطروحة للدراسة والمناقشة والتصويت والمصادقة (31)، لذا يعد حق التصويت التأشيرة التي تمنحها السلطة التشريعية لصالح السلطة التنفيذية فيما اودعت داخل المجلس من مشاريع القوانين لغرض الدراسة والمناقشة والتصويت عليها. وهذه المشاريع لها طرق ووسائل متعددة الأشكال ولكن دون خلاف عليها اذ وجب أن يكون التصويت عليها من قبل الأعضاء صحيحة من حيث توفر النصاب المطلوب.
ولأهمية حق التصويت للأعضاء في مجلس النواب اجازت بعض الدساتير (32)، في بعض الحالات ان يكون التصويت بالوكالة في حالات خاصة، مثل حالة المرض أو ظروف خاصة للعضو تمنعه من الحضور إلى المجلس، علما أن حق التصويت هو حق شخصي لا يسمح لاستعماله سوي العضو نفسه، ولكن نظرا لأهمية الموضوع المعروض داخل المجلس استوجب للعضو أن يفوض زميله بالتصويت بالوكالة نيابة عنه وذلك يكون كتابية، ولا تقبل الوكالة الا في حدود توكيل واحد (33) .
كذلك نصت المادة (58) من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني الجزائري على أنه (لا يصح التصويت داخل المجلس الا بحضور أغلبية النواب وفي حال عدم توفر النصاب ترفع الجلسة ويعاد عقدها بعد 6 ساعات على الأقل أو 12 ساعة على الأكثر ويكون التصويت حينئذ صحيحة مهما كان عند النواب الحاضرين) (34)، والسبب في ذلك أهمية حق التصويت للأعضاء البرلمان فيما يعرض عليهم من مشروع قانون من السلطة التنفيذية ومسائل أخرى تستحق الحضور والتصويت عليها.
ونلاحظ أيضا أن أهمية حق التصويت للعضو تكمن عندما تقوم السلطة التشريعية بعرض مشروع قانون داخل مجلس النواب أنه يعرض مادة وفي كل مادة يصوت الأعضاء، وفي حال لم يصوت على مادة ما من قبل الأعضاء ترفض تلك المادة دون أن تؤثر على المادة التي صوت عليها، لحين قراءة المشروع بأكمله، فالمواد التي صوت عليها قد أقرت بالتصويت (35)، والمواد التي لم يصوت عليها تعاد إلى الحكومة لتعليها أو رفضها ، ونحن نرى صواب هذا الاجراء وسبب ذلك لكي يتسنى للأعضاء الاطلاع بشكل كامل أثناء عرض فقرات المشروع مادة تلو مادة ، كذلك أن ليس جميع فقرات المشروع قد تكون صالحة للصالح العام، فبعض القرارات التي تعرضها الحكومة تخدم مصالحها وليس مصالح الشعب مثل القرض العام أو الدخول في حرب أو إعلان حالة الطوارئ أو السماح بدخول قوات اجنبة للبلاد...
لذلك يعد حق التصويت سلاحا قوية بين الأعضاء في مواجهة الحكومة في حال تعسفها أو انحرافها عن الهدف الذي وجدت من اجله لذا وجب ردع الحكومة والوقوف بوجها من خلال حق التصويت على الحكومة لكي لا تسيء استعمال تلك السلطة الممنوحة لها، فحق التصويت بعد كلمة الفصل والحسم في كثير من الأمور التي تعرض على البرلمان في محاسبة الحكومة ورقابتها أثناء عملها ؛ لأن ذلك من اختصاص السلطة التشريعية. ولذلك نرى أن الحكومة في بعض الأحيان قد تختار الوقت الملائم والمناسب لها في عرض مشروع القانون حتى تضمن إقراره من قبل النواب وتحقيق الهدف دون أي اعتراض داخل المجلس من قبل النواب في استعمال حقهم في التصويت وهذا يمكن للسلطة التنفيذية تمرير مشاريعها بصيغة أو أخرى (36) .
أما الدستور التونسي فله رأي آخر في أهمية حق التصويت لأعضاء البرلمان، فاعتبره حق التصويت هو حق شخصي ولا يجوز ولا يصح بالنيابة أو المراسلة وذلك لأهمية هذا الحق من خلال نص الفصل (61) من الدستور التونسي (201۶) النافذ( التصويت في مجلس نواب الشعب شخصي ولا يمكن تقويضه ) ، بمعنى أن هذا الحق لا يستعمله الا صاحبه، ويكون التصويت داخل المجلس حصرا ويكون أما بالموافقة أو الرفض أو الاحتفاظ، وقد وضع المشرع التونسي سبب عدم منح العضو لحقه في التصويت لغيره بالوكالة أو النيابة أو المراسلة، وذلك لان حق التصويت في حد ذاته هو إجراء يتطلب من العضو نفسه القيام به ويدخل ضمن حرصه الشديد على المشاركة الفعلية للعضو في العمل النيابي داخل المجلس، فكل عضو برلماني يعد ممثلا عن الأمة بأسرها ومهمته المساهمة في التعبير عن الإرادة الوطنية بكلامه ونقاشه وحقه في التصويت وهذه الأمور كلها تتطلب من العضو أن يفعلها بنفسه دون تقويض أحد، وفي حالة التفويض فإن العضو قد اهمل هذا الحق وانتهكه وهو حق خاص به، لذا ينبغي أن يمارسه بما يمليه ضميره (37) . ونرى أن هذا غير صحيح والسبب هو ماذا لو أصاب العضو بمرض يمنعه من استطاعته الحضور إلى المجلس والتصويت مثل مرض كورونا) الذي استوجب الحجر الصحي فهل يبقى الموضوع المراد التصويت عليه تحت الانتظار؟ الجواب بكل تأكيد هذا غير مقبول ، ويجب على العضو في هذه الحالة تقويض عضو اخر.
ولأهمية حق التصويت في تونس أيضا قد نص الدستور ( أن يكون التصويت بشكل علني أو سري فإذا تتطلب الأمر بالتصويت العلني ورفع الأيادي وقد حصل اشتباه بالعدد المصوتين أثناء التصويت يقرر رئيس المجلس أما أن يكون التصويت فردي عن طريق المناداة باسم العضو أو يأمر باستعمال الامة الالكترونية في عملية التصويت) (38). وتلاحظ ان المشرع التونسي قد أعطى اهتمام كبير الحق التصويت الخاص للأعضاء لأهميته ونحن نؤيد ذلك الاهتمام، لأن حق التصويت بعد الحاسم في كثير من الأمور ويعتبر الثمرة النهائية لعمل العضو داخل المجلس أما في مصر فقد كان الاهتمام بحق التصويت بشكل واضح وعلني وذلك من خلال مناقشة مواد مشاريع القوانين التي تعرضها الحكومة على البرلمان، فإن المشروع يعرض مادة ويصوت على كل مادة ، وبعد إكمال المشروع يصوت على المشروع بأكمله، وليس هذا فحسب، بل اجاز المشرع الحق في العودة للمشروع نفسه الذي صوت عليه داخل المجلس للمناقشة مرة ثانية إذا كانت هناك أسباب جديدة قد ظهرت لاحقة على المشروع وكانت مخفية وذلك بطلب من رئيس اللجنة داخل البرلمان أو 10 أعضاء من المجلس أو بناء على طلب من الحكومة (39)، ولا يجوز البت في مشروع القانون قبل 4 أيام على الأقل من انتهاء المداولة فيه الا في حالات استثنائية وهي حالات مستعجلة تستوجب سرعة التصويت من قبل الأعضاء مالم تقرر أغلبية أعضاء البرلمان غير ذلك (40)، وللتوضيح أكثر ففي حال تساوي الأصوات داخل المجلس المصري على المشروع الذي ارسلته الحكومة بالرفض والقبول يعتبر الموضوع مرفوضا(41)، وهذا كان سابقا في ظل دستور (1971) الملغي ، أما في الوقت الحالي وبموجب دستور (2014) حسب المادة (121) فأن الموافقة على المشروع أصبحت تطلب الأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن (3/1) من أعضاء المجلس كله وذلك ليحظى المشروع بقدر كبير من الدراسة من قبل الأعضاء والتصويت عليه قبل إقراره والا يكون المشروع فاقدا للتعبير عن المجتمع وآرائه ومشاكله (42).
ولأهمية حق التصويت، ذكرت المحكمة الدستورية العليا في كرواتيا، على اللجان البرلمانية أن تضمن حق التصويت للأعضاء البرلمانين المصابين بمرض كوفيد (كورونا)، فهم من حقهم في التصويت على المشاريع والقرارات التي تجري داخل البرلمان، وخاصة القرارات المصيرية التي تصب في مصلحة الأمة، اذ ترى المحكمة الدستورية العليا (الكرواتية)، أنه ليس من المقبول استبعاد إمكانية الأشخاص المصابين بفايروس مرض كوفيد (كورونا) من استخدم حقهم في التصويت بحجة المرض، اذ أشارت المادة (16) من الدستور الكرواتي (ليس من المقبول استبعاد إمكانية الأشخاص الذين تم تشخيصهم بإصابتهم بمرض السارس أو أي مرض آخر من الحضور ... (43).
ان هؤلاء المصابين (أعضاء البرلمان) يحق لهم ممارسة حقهم في التصويت بموجب قواعد التصويت خارج البرلمان، وحماية الأعضاء الآخرين الذين ليس مصابين من أي مرض، وبحسب قواعد الصحة والسلامة الصحية، التي نص عليها الدستور الكرواتي، في المادتين (58، 69)، لذا رأي المحكمة الدستوري والقانوني يحق للأعضاء المصابين ان يصوتوا وأن كانوا مصابين بأي مرض كان، ولا يحرم من حقه في التصويت. الا إذا كان حجزه وفق القانون ولا يسمح له بالتصويت.
يرى الباحث خلاصة أهمية حق التصويت لعضو مجلس النواب ( أن عضو البرلمان هو منتخب من قبل الشعب يمارس صلاحيته بموجب الدستور والقانون، فهو يمارس عمله النيابي في البرلمان لكي يعبر عن آرائه وآراء المواطنين ومشاكلهم واحتياجاتهم، كما له دور رئيسي في التشريع ووضع القوانين محل النفاذ، والرقابة على عمل الحكومة، وهذا الأعمال كلها تطلب أن يقوم بها العضو بنفسه من خلال استخدام حقه في التصويت عليها، ضمن اختصاصه، وهذا الحق لابد له من توافر نصوص قانونية فعالة يستطيع العضو من خلالها بكل حرية واطمئنان في حرية الكلام والمناقشة والتصويت على جميع ما يعرض عليه ضمن اختصاصه، وهذا يعد ضمان استقلاله للارتقاء بمستوى تشريعي ورقابي فعال يخدم المصلحة العامة، وبدون استعمال هذا الحق يكون هناك إهدار لإرادة الشعب صاحب السيادة).
_____________
1- جمال الدين ابن منظور، لسان العرب، ج 7، ط3، دار احياء التراث العربي، بيروت، دون سنة نشر، ص 435.
2- محمد بن أبي بكر الرازي، مختار الصحاح، دار الفكر للطباعة، بيروت، 1981، ص 373.
3- المنجد في اللغة والإعلام، ط3، دار المشرق، بیروت، 1988، ص 439 .
4- د. داود سلوم، د. داود سلمان العلبكي، د. العام داود سلمان، کتاب العین، ط1، مكتبة لبنان، بیروت، 2009، ص .458
5-الطاهر أحمد الزاوي، ترتيب القاموس المحيط، ج 2، ط4، دار علم الكتاب للطباعة والنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، 1990، ص 890.
6- لويس معلوف، المنجد في اللغة، ط4، ايران، 1429 هـ، ص 439 .
7- المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، المعجم العربي الأساسي، مطبعة الدروس، تونس 1988، ص 755.
8- سورة الاسراء، الآية (64) .
9- د. روحي البعلبكي ومنير البعلبكي، المورد الوسيط المزدوج، دار العلم للملايين، بيروت، 2008، ص 60.
10-Modern Oxford Dictionary, edition eight, Oxford university printing house, china, 2002, p 825.
11- د. روحي البعلبكي ومنير البعلبكي، مصدر سابق، ص 198.
12- د. جبور عبد نور، معجم عبد النور المفصل (فرنسي، عربي، دار العلم للملايين، بيروت، 2004، ص1101.
13- يوسف شلالة، المعجم العملي، ط1، مجلد الأول، منشأة المعارف، الاسكندرية ، 2005، ص 1036 .
14- د. جبور عبد نور، مصدر سابق، ص 954.
15- مصطفى عبد العزيز، التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بدون اسم مطبعة. بيروت، 1968، ص 21.
16- مجمع اللغة العربية، معجم القانون، الهيأة العامة لشؤون المطابع الاميرية، القاهرة، 1999، ص 219 .
17- كلعان الصفدي، الأصول البرلمانية في الجمهورية التونسية، مكتبة المعهد القضائي، بغداد، دون سنة نشر، ص686 .
18- د. منذر الشاوي، فلسفة القانون، ط 2، دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان، 2006، ص 219.
19- د. عثمان الزبائي، السلوك والأداء البرلماني بالمغرب، الولاية التشريعية السادسة (1997-2002) نموذجا، ط1، ج2، دار الافاق للنشر والتوزيع، الدار البيضاء، 2011، ص 32.
20- د. عبدالله علي محمد النعيمي، حق التصويت لأعضاء البرلمان ، بحث منشور في مجلة كلية القانون للعلوم القانونية والسياسية جامعة كركوك ج2 مجلد (10) العدد 36 سنة 2021 ، ص 29 .
21- د. سهام مسعود لحرش، حق التصويت لدى الجمعيات العامة، رسالة ماجستير ، كلية الحقوق والعلوم السياسية، جامعة محمد بوضياف، الجزائر، لسنة 2018 - 2019، ص 2.
22- L.B Curzon And Paul H. Richards, The Longman Dictionary Of Law, Seventh Edition, Pearson Education Limnited, England, 2007, P213.
23- The Encyclopedia Americana International Edition, Volumne10, American Corporation, New York, 1968. P61.
24- د. حنان محمد القيسي، حقوق وواجبات اعضاء مجلس النواب في العراق دراسة في دستور 2005 والنظام الداخلي لمجلس النواب العراقي بيت الحكمة بغداد سنة 2011 ، ص 27.
25- د. شمران حمادي، النظم السياسية، شركة الطبع والنشر، بغداد، دون سنة طبع ، ص 28.
26- ينظر المادة (59) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 النافذ (أولا : يتحقق نصاب انعقاد جلسات مجلس النواب بحضور الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه. ثانيا : تتخذ القرارات في جلسات مجلس النواب بالأغلبية البسيطة بعد تحقق النصاب مالم ينص على خلاف ذلك). وكذلك أكدت المادة (23) من النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي العام 2009. والجدير بالذكر أن بدء المناقشة في فرنسا لا تتطلب توافر الصاب معين، وإنما فقط يتطلب عند التصويت فحسب. للمزيد ينظر د. ابو زيد فهمي، النظام البرلماني في لبنان، ط1، الشركة الشرقية للنشر والتوزيع، بيروت، 1999، ص 381 ومابعدها. أنا اللصاب في القانون الانكليزي فهو محدد بحضور اربعین عضوا على الأقل بالنسبة لمجلس العموم. أما في مجلس اللوردات فإن حضور (3) أعضاء فقط يشكل نصابة قانونية، للمزيد بنطر الور الخطيب، الأصول البرلمانية في لبنان وسائر الدول العربية، ط1، دار العلم للملايين، بيروت، 1991، ص 237
27- العاب الانعقاد يقصد به عدد الأعضاء الواجب توافره لصحة الاجتماع في البداية داخل المجلس. للمزيد ينظر إلى د. مصطفى ابو زيد فهمي، الدستور المصري ورقابة دستورية القوانين، منشأة المعارف، القاهرة، 1919، ص 379.
28- تصويت الأغلبية يراد بها عدد الأعضاء الذين لا بد من تصويتهم في منحى واحد لأجل الفوز الموضوع المصوت عليه، للمزيد ينظر انور الخطيب، الاصول البرلمانية في لبنان وسائر البلاد العربية ط1 ، دار العلم الملايين بيروت 1961 ، ص 237. (1)
29- ينظر المادة (90) من دستور الكويت (كل اجتماع يعقده المجلس في غير الزمان والمكان المقررين لاجتماعه يكون باطلا، وتبطل بحكم القانون القرارات التي تصدر فيه) في حين لم يرد مثل هذا النص في دستور جمهورية العراق السنة 2005 النافذ الا ان حكمه مستحصل حتى من دون وجوده .
30- ينظر المادة (45) من دستور لبنان لعام 1929 المعدل، ( ليس لأعضاء المجلس حق الاقتراع مالم يكونوا حاضرين في الجلسة ولا يجوز التصويت وكالة). وقد نص على ذلك الدستور الماليزي لعام (1907) في المادة (62/ 5) (لا يسمح لأي عضو غائب عن المجلس بالتصويت).
31- سعيد بو شعير النظام السياسي الجزائري، دار الهدى، دون سنة نشر، ص 365 .
32- ينظر المادة (27) من دستور فرنسا لسنة 1958 المعدل.
33- ينظر المادة (31943) من النظام الداخلي للمجلس الشعبي الوطني الجزائري لسنة 2014.
34- ينظر المادة (28) من النظام الداخلي لمجلس الشعب الوطني الجزائري لسنة 2014.
35 - ينظر المواد (32 و 33 و 35) من النظام الداخلي لمجلس الشعب الوطني الجزائري لسنة 2017 .
36- نصر الدين معمري، التشريع عن طريق المبادرة، مجلة النائب، العدد(4)، الجزائر، 2009، ص 23
37- Zonhir Madhaffar, Le pouvoir legislatif au Maghreb (these en driot), Tunis, CPU, 1987, P.115.
38- ينظر المادة (16) من النظام الداخلي للمجلس الوطني التونسي لعام 2012.
39- ينظر المواد (149 او 150 و 152) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري لعام 2017 .
40- ينظر المادة (153) من اللائحة الداخلية لمجلس الشعب المصري لعام 2017.
41- ينظر المادة (107) من دستور مصر 1971 الملغي
42- د. سامر عبد الحميد العوضي، اختصاصات رئيس الجمهورية ومجلس النواب في دستور 2015، دار الفتح للطباعة والنشر، مصر 2010، ص 56.
43- ينظر المادة (16) من دستور كرواتيا النافذ لسنة 1990.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|