أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-07-2015
1582
التاريخ: 1-07-2015
1887
التاريخ: 2-08-2015
5324
التاريخ: 10-1-2019
2169
|
إنّ الاعتقاد بالله وباليوم الآخر يعتبر من أمضى أسلحة الإعداد والحصانة ، ذلك لأنه يمنح النفس الإنسانية قوّة الصمود أمام الرغبات النفسية والمظاهر الخدّاعة في هذا العالم ، ويكسبها حصانة تقيها من الجنوح إلى أهوائها وتفطمها عن إتيان شهواتها ، ذلك لأن أغلب من لا يؤمن بالمعاد ويعتقد أنه إذا مات تحلّل جسده وختمت حياته ، لا تكون له شكيمة تردّه عن الهوى وتصدّه عن الغيّ ، ولا يكون له وازع يزجره عن الباطل ويصرفه عن إتيان القبيح.
أمّا المؤمن باليوم الآخر فإنّه يعتبر الحياة الدنيا مدرسة إعداد ووسيلة
لاكتساب المعرفة والفضيلة للوصول إلى الكمال والحقّ والعيش في عالم الخلود والبقاء
الأبدي والسعادة السرمدية، وذلك من خلال تنزيه النفس عن ارتكاب الخطايا ، وترويضها
على معاني الفضيلة والعدالة ، ومجاهدتها عن الاستسلام لرغباتها المضادّة للشرع
والعقل ، والعروج بها إلى سلّم الكمال الانساني والاطمئنان الروحي { يَا
أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً
مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي } [الفجر: 27 - 30].
وتلك القيم لا ينشدها الإنسان إلاّ ليقينه بمعادٍ يثاب فيه على إحسانه
ويعاقب على إساءته ، فهو يسيطر على نفسه بقوة عقيدته التي غرست في نفسه حبّ
الفضيلة ومكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، ومنحته المناعة الكافية عن ارتكاب الخطايا
والذنوب ، لما تخلّفه من ندامة وحسرة ومسؤولية كبرى في يوم الحساب.
ثمّ إن الاعتقاد بالمعاد ليس رادعاً عن إتيان القبائح وغشيان الخسائس وحسب
، بل إنه مُطمأنّ النفس وسَكَن الخواطر ومعتصم الاندفاعات ، وبه تمتدّ أشعة
الأماني إلى ما لا نهاية ، ولا تقف الآمال إلاّ عند غاية الحق والكمال ، حيث يصبح
الانسان فاضلاً ، لا لأنه يخاف العذاب أو يرجو الثواب ، بل لأنه يجد لذة الفضيلة
أكبر من لذّة الرذيلة ، ويعبد الله تعالى لا بدافع الرهبة أو الرغبة ، بل لأنه يرى
الله تعالى أهلاً للعبادة ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام : « إلهي ما عبدتك
خوفاً من عقابك ، ولا طمعاً في ثوابك ، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك » (1).
وتلك عبادة الأحرار المخلصين والكرام المؤمنين.
أمّا الذين لا يؤمنون بالآخرة ولا يرجون لقاء الله ، فقد رضوا بالحياة
الدنيا واطمأنوا بها وركنوا إليها ، فاستولت عليهم الرغبات ، وامتلكتهم الأهواء ،
فاستعبدت ذواتهم ، وحطّمت نفوسهم ، فتراهم يلهثون وراء الحطام الدنيوي الزائل ،
لأنه وسيلتهم لتحصيل السعادة ، وتحقيق سبيل الرفاه والعيش الرغيد والأماني
والرغبات قبل الرحيل إلى عالم الموت ، الذي يعني العدم والفناء في اعتقادهم.
ومن هنا تراهم يشعرون بالاضطراب وعدم الاستقرار ، خشية من انتهاء الرزق قبل
الموت ، وعدم تحصيل أسباب السعادة والرفاه قبل الفوت ، فينتابهم الهمّ والأسى
لأدنى فشل في الحياة ، وتشقى نفوسهم بالمتاعب الدنيوية التي لم يحصلوا على عوضٍ أو
ربحٍ لقاءها ، فتكون الدنيا في أعينهم سوداء قاتمة وعبثاً لا معنى له ، وقد يلجأون
إلى الانتحار فراراً من الواقع المؤلم ، لأنهم عميٌّ لا يبصرون ، أعمتهم الدنيا من
أن يبصروا طريق الحق والخير والكمال.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « إنما الدنيا منتهى بصر الأعمى ، لا يبصر
مما وراءها شيئاً، والبصير ينفذها بصره ، ويعلم أنّ الدار وراءها ، فالبصير منها
شاخص ، والأعمى إليها شاخص ، والبصير منها متزوّد ، والأعمى لها متزوّد » (2) .
وعلى عكس ذلك يعتقد المؤمن وبنفس مطمئنة أن السعادة لا تقتصر على هذه
الحياة الدنيوية ومتاعها المحدود ، وأن الذي عند الله سبحانه هو أكثر خيراً وأبقى
أثراً {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [القصص: 60] وذلك يمنحه
الصمود أمام مصائب الحياة ومصاعبها وأحداثها المفجعة ، فلا يستسلم للحوادث ، ولا
يقع فريسة للاضطراب والقلق والضياع ، بل يوطّن نفسه على الصبر متذكّراً الموت
وقيامه بين يدي الله تعالى رجاء السعادة الأبدية ، قال أمير المؤمنين عليه السلام
: « أكثروا ذكر الموت ويوم خروجكم من القبور ، وقيامكم بين يدي الله تعالى ، تهون
عليكم المصائب » (3).
فالمعاد عقيدة ترمي إلى سعادة الأنسان وتوجيه ملكاته النفسية نحو الفضيلة
والكمال ، لأنّ الفوز بالدار الآخرة يتطلّب التحلّي بالفضائل والمكارم التي
يكتسبها الإنسان ، باعتدال نفسه وتوسّطها بين طرفي الإفراط والتفريط من كلّ قوة
غضبية أو شهوانية ، وسلوكه الطريق المؤدي إلى نيل الفضيلة وتجنب الرذيلة على
اختلاف أنواعها ، لما فيها من الذلّ والهوان في الحياة الدنيا ، وما يترتّب عليها
ممّا لا يحمد عقباه من الخزي وعذاب النار في الدار الآخرة ، وبذلك تُهيَّأ له
الأرضية للسير في مدارج الكمال.
ومهما امتلك الانسان المعاصر من تقنية متطوّرة وأدوات حضارية مكّنته من
السيطرة على قوى الطبيعة المختلفة ، إلاّ أنها أثبتت فشلها من أن تمسك بزمام النفس
الإنسانية ، وأن تروّضها في طريق الكمال المطلوب ، وعجزت بالتالي من أن تحول دون
انتشار عوامل الانحراف والفساد والاضطراب والقلق التي اتسعت أمواجها وانتشرت
آثارها في أكثر بلدان العالم المتطوّر مدنياً.
ومن هنا بقيت جميع الحلول المطروحة ، من قبل الاتجاهات الوضعية ، لرفع حالة
الاضطرابات الروحية المتفشية في مجتمعات الدول المتطوّرة عقيمة وغير مثمرة ، وبقي
الإنسان هناك يعيش حالة من الضياع والخواء الفكري.
وبقيت عقيدة المعاد هي القوّة الوحيدة القادرة على تهذيب النفوس والحيلولة
دون انحرافها ، وهي الدرع الحصينة التي تحفظها من هجمات الأهواء وتصوغها صياغة
رفيعة ؛ لتصل إلى السعادة المبتغاة ، وهي الركن الأساس الذي يرسو عليه بناء النفس
الفاضلة والمجتمع الفاضل.
_______________
(1) بحار الأنوار / المجلسي 41 : 14/4.
(2) نهج البلاغة / صبحي الصالح : 191 ـ الخطبة (133) .
(3) الخصال / الصدوق : 616 ـ حديث الأربعمائة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|