أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-11-28
1303
التاريخ: 7-6-2022
1776
التاريخ: 2024-08-17
348
التاريخ: 2023-05-05
982
|
للعملية الانتخابية وصف قانوني تتسم به، يعمل على ترجمتها وتحويرها من مجرد أوراق ومستندات وحسابات إلى إطار دستوري سياسي حقيقي، يعبر عن اختلاط الاقتراع بالقانون وتشبعه به، حيث يعتبر هذا الوضع عن قواعد قانونية عادية، لها صفة سياسية، تمثل قانونا انتخابيا يكون لتطبيقها تأثير على السلطة الموجودة ، أو التي ستكون وفقا لاختيار الأفراد، وبقدر ما يطبق من هذه الأنظمة القانونية يمكن التمييز بين الحاكم والمحكوم - السلطة والفرد (1) ، وتوجه هذه القواعد بالخطاب إما للمحكومين (الناخبين) أو للوكلاء (المشرفين على العملية والمنفذين المضمون القواعد الانتخابية والسلطة الرئيس والبرلمان)، إلا أن العملية في حد ذاتها مهمة من الناحية الشرعية الدستورية، لأنها ستحدد من يبقى ومن يذهب، من سيمارس ومن سيسهم في مزاولة السلطة ويشكل مشروع حيث ستضمن حقوق المواطن السياسية عن طريق الاقتراع حتى لم تضمنتها الوثيقة الدستورية كقواعد قانونية اعتيادية؛ لأنها قواعد من نوع خاص وكلتاهما - أي: الحقوق والوثيقة - تشدان بعضهما البعض (2) .
.. طبيعة الانتخاب تمايزت بين الحق والوظيفة الاجتماعية، فكونه حقا عاما يعني أنه مضمون لكل أفراد المجتمع، ويترتب عليه تطبيق مبدأ الاقتراع العام، ومساهمة كافة أفراد المجتمع فيه، لكن بما أنه حق شخصي فلا يترتب على عدم استخدامه أي الزام قانوني، إن كان وظيفة اجتماعية وفقا لمبدأ سيادة الأمة هنا السيادة الشعبية لا تعود إلى أفراد المجتمع، ولكن إلى شخصية معنوية هي الأمة (3) ، وقد يجمع بين الحق والوظيفة الاجتماعية في وقت واحد، أو على التوالي (الانتخاب الجبري) أو سلطة قانونية مصدرها الأساسي الدستور، الذي ينظمها من أجل الاشتراك
في اختيار الحكام من قبل المواطنين لمن يرونه صالحا لهم، وقد يكون حقا شخصا يحميه القانون بدعوى قضائية، ترتبط بوجود الحق الشخصي، ومقررة من قبل المشرع لحماية هذا الحق، وحماية للمراكز الموضوعية العامة الأخرى (4) ، الانتخابات المنطوية على مقامرة سياسية لا تكون لها صفة الانتخاب السياسي، ولا الانتخابات التي لا يعبر فيها الناخبون عن السيادة الوطنية، مثل انتخابات البرلمان الأوربي، وكذا انتخابات ممثلي وظائف اجتماعية أو نقابية، لأن الانتخاب السياسي له ركيزتان هامتان، هما: السيادة القومية والديمقراطية (5).
هناك فارق جوهري للانتخاب عن الاستفتاء، الذي هو طرح موضوع عام على هيئة المشاركة في التصويت لأخذ رأيهم فيه بالموافقة أو الرفض، في الانتخاب تعطي الأصوات الأشخاص طبيعيين، بينما الاستفتاء إبداء رأي عن موضوع، الانتخاب طرقه عديدة ، في حين أن الاستفتاء نظام وحيد، هناك جولة إعادة في الانتخاب ممكن حصولها، لكن الاستفتاء لا إعادة فيه، الاقتراع ينظمه الدستور والقانون، أما الاستفتاء فيمكن أن يكون استراسا أي: أن الموضوع المطروح صيرورته غير مشروعة ودكتاتورية (6) .
كذلك اختلاف الانتخابات عن التوريث؛ لأن التوريث فحواه الحاكم يرث منصبه ويورثه لأقاربه، وفقا لقوانين معينة دستورية في الغالب)، الانتخاب أسلوب ديمقراطي، يكون وفقا لاختيار أغلبية الشعب الأفراد معينين يراهم لائقين للسلطة (7) .
تتفق دساتير كل من مصر والعراق في أن العملية الانتخابية عملية دستورية سياسية، يمارسها الشعب بالاقتراع السري المباشر، أو عبر مؤسساته الدستورية (8).
وتصور كتابات الفقه الإنكليزي نظرية القوانين الانتخابية أنها أشبه باللغز المحير (Puzzle)، الذي يعتري الناخب في كيفية تصويته ، وسبب تصويته أيضا ومدى انجذابه لحزب سياسي دون غيره، هذا والواقع أنه لا يوجد قطاع اجتماعي في إنكلترا يصوت بنسبة 100% لكيان سياسي معين؛ لأن الأشخاص على الدوام هم مجاميع مختلفة، ويجب عدم النسيان أنه في حالة حصول حزب معين على اكثر من نصف الأصوات ، فمعنى ذلك وجود رابطة اجتماعية سياسية صحيحة بين الفئة الاجتماعية والحزب، على ألا تكون نسبة التصويت 100%. (9) .
الوضع في تركيا مختلف عن غيره من النظم المقارنة؛ لأنه يترك تقدير طبيعة الانتخاب إلى فهم وإدراك سيادة الدولة، وحسب معطيات سيادة الشعب، فإن السيادة تكون للأمة التركية وليست تابعة للمواطنين، وحق الأفراد بالانتخاب إنما هو وظيفة لاختيار ممثلي الشعب والناخبين عندما يمارسون هذه الوظيفة فإنهم يؤدون دورا عموميا من أجل الأمة، وفي عملية عامة مكفولة للجميع إلا أن جبرية التصويت لا تعني إلزام المواطن بالتصويت رغما عنه ولكن من المحتم فعل بعض الوظائف قسرا ، فالناخب حرفي التصويت من عدمه، بيد أنه في حالة التخلف عن الاقتراع يعاقب ماليا أو بالحرمان من التصويت لمدة معينة، وفقا للقانون (يحرم من الانتخابات لمدة 5 سنوات كاملة من لم يصوت للمرشحين سواء كانت انتخابات عامة أو مدد معينة ((10)
بعد هذا العرض نتكلم عن العملية من حيث مشروعيتها في مطلبين الأول شروط حرية الانتخاب والثاني شروط نزاهة وضمانة الانتخاب .
المطلب الأول - شروط حرية الانتخاب:
يقصد بحرية الانتخابات قدرة المواطن للترشيح أو للاقتراع دون ضغوط بدنية أو نفسية أو اقتصادية ، وكذلك قابليته على اختيار الأفراد الملائمين للمناصب المناسبة لكل منهم - دون أي تلكوا أو تخوف الذي يشكل عاملا سلبيا يعطل ويعوق وجدان المواطن، واختياره الروحي والنفسي للأشخاص الذين يود أن يمثلوه في البرلمان أو رئاسة الدولة، بما يحقق مطامحه في الحياة - دون تدخل إداري حكومي أو بيروقراطي - أثناء أداء واجبه السياسي وقضت محكمة القضاء الإداري في مصر بأن (مفاد نص المادتين 47، 62 من دستور 1971 أنه ولئن كان الدستور كفل للمواطن حرية الرأي وجعل حق الإنسان التعبير عنه إلا أنه حث المواطن على المساهمة في الحياة العامة وجعل المساهمة فيها واجبا وطنيا وحق الانتخاب والترشيح من أهم مظاهر الإسهام في الحياة العامة (11) حيث يكمن خطر تقييد حرية الناخب حقيقة في أنها تغلف النظام السياسي السائد بالدكتاتورية وتحيطه بصورية الديمقراطية (12).
ولما كانت هيئة الناخبين تحمل جنسية الدولة، وينتمي إلى هذه الهيئة جموع المواطنين - لأنها تعبير صادق عن إرادة الأمة باعتبارهم المؤشر الحقيقي للإرادة الشعبية - كان لابد من توفير حرية الناخب وبكافة الضمانات وبكل السبل المتاحة لترجمة ما يجول في صدورهم نحو اختيار ممثل بعينه أو أكثر (13) ، ولكفالة حرية الناخب يلزم أن تتم المشاركة في ظل ظروف هادئة، ومناخ تسوده الطمأنينة والسلامة الأمنية والمجتمعية ، فإذا ما حصل عنف شديد أو اضطرابات عنيفة، وجب إلغاء نتيجة الانتخاب في اللجان التي حصلت فيها اعمال الشغب، ووجب تفعيل عنصر الأمن الانتخابي للعملية وللمقترع والمرشح في آن واحد مما (14).
كذلك يجب عدم استخدام المال كوسيلة لرشوة الناخب العادي، أو طريقة اقتصادية لابتزاز العاملين لدى شركات أو مديري شركات من أجل الفوز في الانتخابات، عن طريق إنقاص الأجور، أو الطرد من الوظائف الأهلية، علاوة على هذا يجب أن تبتعد الانتخابات عن كافة أشكال الترغيب والترهيب للناخب من أي طرف كان، وتوفر مطلق إرادته الحرة في اختيار الشخص المناسب لقيادة بلده، إضافة لذلك حق الناخب وحريته في ترشيح نفسه أيضا، حيث يقوم بدور مزدوج كناخب ومرشح في آن واحد معا (15)، وتتحقق حرية الناخب متى كان يستطيع - عند المشاركة - أن يتخذ قراره بالتصويت، بعيدا عن ضغوط وعقبات من أي نوع كان.
وقد ترتبط القاعدة الواسعة من المتعلمين بشكل مباشر عملية الانتخاب؛ لأن التوسع في التعليم قد يرتبط بارتفاع معدلات المشاركة الانتخابية والعكس صحيح؛ لأنه قد يتخذ المتعلمون موقف رفض المشاركة لعدم الثقة في صدى قيمة تصويتهم ودوره السياسي (16).
على أن هذه الحرية لا تأتي في الحقيقة من انطواء المرء على نفسه؛ لأن هذا الانعزال لا ينجيه شر مجتمع مفعم بالمنافسات الوحشية والفوضى الطبيعية، والمرء ليس حرا إلا من خلال تنظيمه الاجتماعي الذي يعيش فيه، والمقصود ليس مشكلة الاقتراع ذاتها، وحرية الناخب في ممارستها ولكن بوصف الانتخابات تنظيما سياسيا اجتماعيا تجتمع فيه كلمة الشعب على اختيار أفراد معينين لمزاولة السلطة، أو تتفرق هذه الكلمة إلى عدة فرق، تنتقي كيانات سياسية وحزبية، يرى الناخب أنها الأصلح لتمثيله (17) .
علاوة على هذا، يوجد توافق بين الانتخابات الحرة الصادقة والحريات العامة، فتبدو الانتخابات العامة وكأنها أداة أساسية للحفاظ على نظام ديمقراطي صحيح؛ لأن معنى الانتخاب هو انتقال السلطة من شخص لآخر ومن حزب الحزب، وفقا لإرادة الشعب صاحب السيادة ومالكها الأصيل؛ لكونه أحد أركان الدولة الرئيسية وليس الحاكم أو النائب الذي يمثل هذه الإرادة لفترة معينة من الزمن (18)، فحرية الرأي تستوجب ترك المرشح يقترع بوعي ذاتي وإرادة حرة، ومن البديهي القول: إن أفراد الشعب مطلعون على واقع حال بلدهم، وهم جزء من كيانه وذاته (19).
ويعتبر البلد ديمقراطيا إذا كان اختيار الحكام يتم عن طريق انتخابات حرة ونزيهة قدر الإمكان، وحيث لا توجد انتخابات لا توجد حرية، وبالتالي يتحصل جوهر حرية الانتخاب من مدى سماحه بالتعبير الكامل عن الإرادة السياسية للشعب المعني، ولابد من إجرائه في ظل ظروف زمانية ومكانية، تحترم فيها طائفة واسعة من حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
هذا إن كان على الصعيد الشخصي، فإن الجانب الإعلامي - الحزبي لابد أن يكون حرا كذلك، وهو ما يلزم له أن يقوم المرشحون بالإعلان عن نفسهم بكافة وسائل الدعاية، وبما لا يخالف أحكام الدستور والقانون والآداب والنظام العام، وذلك لغرض عرض برامجهم وسياستهم وأهدافهم المختلفة ورؤيتهم لكل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها، من أجل تعبئة الناخبين للمساهمة السياسية الواعية في العملية الانتخابية، وبشكل يساعدهم على اختيار أفضل المرشحين، بعيدا عن أي تعصب أو أغراض مالية أو شخصية (20)
وأيضا من شروط حرية الانتخابات: أن يوجد حياد قانوني وسياسي للسلطات الإدارية، في تعاملها على قدم المساواة مع جميع الأحزاب المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، عن طريق التطبيق المرن للقانون شكليا وموضوعيا، وتنظيم توزيع الدعم المالي العمومي، وكذلك أيضا افراد حصص متناسبة للأحزاب في مختلف وسائل الإعلام العمومية والأهم من كل ذلك مبدأ المساواة بين المرشحين، الذي يأتي على رأس مقومات نجاح الحملات الانتخابية بحرية ويسر وتكامل .
ملحقا بهذا التزام الإدارة الصارم بتطبيق القانون موضوعيا، لكي تطبق حرفيا مقتضيات مدونة الانتخاب، وهذا التوجه سينعكس حتما بالإيجاب على نفسية المواطن، فكلما أحس الناخب بان الإدارة ملتزمة بتطبيق القانون ساهم ذلك في تقوية أواصر الثقة بين المجتمعين المدني والسياسي، وانعكس إيجابا على حجم المشاركة السياسية ليس فقط في الاستحقاق الانتخابي، بل في مسلسل تدبير الشأن السياسي ككل، والعكس صحيح، ويتطلب من الدولة لكي تدير العملية الانتخابية توفرها الإمكانيات مادية تسهل مسألة تصويت الناخبين، مثلما يتطلب طاقما بشريا ذا كفاءة عالية، وسمعة طيبة ومشهودا له بالنزاهة والحياد (21) .
ولابد من الإشارة إلى أن مشروع حقوق الإنسان البريطاني 1688- 1689 هو أول وثيقة استخدمت لغة الحقوق، وأول من عرف بنظام الانتخابات الحرة ، وكان فقط لضمان أن مشكلة الحاكمية المطلقة قد حلت بشكل مناسب، وذلك بإمكانية محاسبة المالك أمام البرلمان (22) ، كذلك لابد من البيان أن على كل فرد مسؤولية لتسهيل المرور إلى مكان التصويت، وهذا يفع بالطبع على عاتق الشخص الذي يدير العملية الانتخابية، الناخب كذلك من المهم أن تكون لديه الحرية الكاملة و سرد قصة صوته (صوتها) الانتخابي، كرغبة بشرية نفسية
.(voters intention)
فإذا توفرت هذه الشروط والمعطيات، كان النظام الدستوري والقانوني والسياسي مثاليا (23) ولكن ليس هنالك طريقة ممكن أن تنجز هذه الوسائل والطرق، وبطبيعة الحال المبدأ الذي يتضمنه هو ديمقراطي الجوهر، أي: يجب أن تكون أفضلية التعبير عن طريق الأشخاص أنفسهم مضمونة ومصونة بواسطة صناديق الانتخابات، كانعكاس للتعبير الحر (24)
المشرع التركي حرص على حرية الناخب التصويت الحر والعام ذا الدرجة الواحدة، المرتبط بفائدة الأمة التركية وحرية المواطن التركي، نظرا لارتباطها بحقوق الإنسان العالمية ومبادئ الدولة الديمقراطية التي يجب أن يوازيها الدستور والقانون التركي، مصداقا للمادة (67) لدستور 1982، وذلك كله من اجل العدالة في التمثيل النيابي والاستقرار في الإدارة الحكومية (25).
المطلب الثاني- شروط نزاهة وضمانة الانتخاب:
بعد حديثنا عن حرية الانتخاب ومعطياته، نتكلم الآن عن شروط نزاهة وضمانة الانتخاب، معنى كلمة نزاهة لغويا :البعد عن سوء السلوك وترك الشبهات، والبعد عما يشين، والتجرد عن التصرف غير اللائق (26) .
كذلك اصطلاحيا : ظهور العملية الانتخابية للعالم الخارجي كواقع سياسي يعبر عن المصداقية والشفافية، بعيدا عن طرق التزوير وعوامل التغيير غير الشرعية أثناء إجراء عملية الاقتراع وظهور نتائجه أيضا لابد أن يكون التصويت معبرا ليس فقط عن حرية الناخب، وإنما عن ضميره الحي وأن لا يترك التصويت - كونه حرفيه - إلى الوكيل عنه أو بالمراسلة، أي : نزاهته الانتخابية عند التصويت والمساواة في الاقتراع هي معادلة متساوية نسبيا، من أجل أن يكون لكل مواطن صوت واحد يعطي رقما واقعيا عن عدد المشاركين في عملية الانتخاب، لا أرقاما مجهولة تتيح للسلطات التنفيذية استغلال الوضع، من أجل زيادة عدد السكان، وبالتالي الحصول على منافع ومزايا انتخابية.
سرية التصويت يجب أن تقترن باسم كل مرشح في العملية حسب اللون أو الرمز على الوجه الصحيح في البنيان الديمقراطي، وأيضا لا يجوز الأحد أن يرشح نفسه في أكثر من دائرة انتخابية خداعا للقانون، والتفافا عليه إنما يرشح عن دائرته الانتخابية فحسب (27) .
وتقتضي نزاهة الانتخاب أيضا أن تتم ميكانيكية الاقتراع وفق فرز الأصوات في حضور كافة المرشحين أو وكلائهم، ويتعين هنا على لجان الفرز أن تبرر لهؤلاء أي قرار يصدر لاستبعاد أي بطاقة انتخابية من عملية الفرز حتى صدور قرار إعلان النتائج، معبرا بصدق عن الإرادة السياسية لهؤلاء الناخبين، ولا ينكر أن مرونة التشريعات وفضفاضة موادها القانونية تلعب دورا مهما، من أجل السماح بإعادة فرز الأصوات في حالة التشكيك النتائج، مع مراعاة مستويات التعليم والثقافة بين الناخبين، وتوفير كافة المستلزمات التي تمكن الناخب من الإدلاء بصوته بدقة وفاعلية ، ومراعية في ذلك رفع عراقيل التصويت عن فئات كثيرة من المجتمع (28) .
: معنى ذلك كله هو وجوب أن تكون الانتخابات خالية مما يشوبها من تزوير أو غش، أو ما يشوب طبيعتها من مفاسد ومضار، بحيث تكون مرآة تعكس واقعها وجوهرها لا سطحها الخارجي فقط، وهذه مهمة القضاء؛ وذلك عن طريق بسط سلطانه على العملية الانتخابية بكافة مراحلها ، شاملا ذلك كافة إجراءات الاقتراع (29).
هذا وتتمثل الرقابة على الانتخابات داخليا في الرقابة الحكومية وغير الحكومية كل حسب اختصاص أجهزته، والرقابة قد تكون خارجية أيضا عن طريق دولة معينة، أو عن طريق المنظمات الدولية المتخصصة (30)، وتقتضي سلامة الانتخاب إلغاء وتقييد أي تدابير إدارية الإحباط إرادة الشعب، حيث لابد أولا من نزاهة الانتخاب، وثانيا نزاهة الآثار الناجمة من الانتخاب، وذلك بنقل السلطة وفقا لنظام محدد ومقبول قانونا ، ولا ينكر أن ربط مكافآت التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول لا يرتبط فقط بتعزيز أجهزة الانتخاب لديها، وإنما بإجراء انتخابات نزيهة كذلك (32) ، وأخيرا فيما يتعلق بأموال المرشح التي بدر منها للعملية الانتخابية، لابد أن تكون متحصلة من مصادر مشروعة، وعدم ارتباطه بشبكات تبييض الأموال أو جماعات الجرائم الاقتصادية (33)
وحرص المشرع العراقي على تعزيز دور مؤسسات المجتمع المدني ودعمها وتطويرها لتحقيق الأهداف المشروعة للانتخاب (34) ، وأكد على موقف هيئة المفوضية المستقلة العليا للانتخابات في تفعيل عملية الاقتراع، وكفالة نزاهتها، ورغم كون هذه الهيئة ليست تابعة للسلطة القضائية، إلا أنها مفوضية مستقلة قانونيا وإداريا وسياسيا (35)
ولقد أناط القانون الإنجليزي مهمة مراقبة نزاهة الانتخاب إلى مأموري الانتخاب، وخولهم كل الصلاحيات لإدارة العملية، وأهمها على الإطلاق: منع الأشخاص المحرومين قانونا من حق التصويت التواجد في المقرات الانتخابية (36) ، هذا وتتولى المحكمة العليا في إنجلترا الرقابة على مدى شرعية عملية الاختيار ذاتها، وفقا لقانون اللورد جرانفيلد Lord) (Granfeld ، ويشترط لبطلان الانتخاب صدور قرار بالإجماع، ولكن الوضع يختلف في بريطانيا عن القوانين المقارنة؛ لأن قرار البطلان لا يقيد مجلس العموم البريطاني (British house of commons)، لأنه بمقتضى التقاليد بعد الحكم بصحة الانتخاب، أن يعلن المجلس خلو المحل، ويعاد الانتخاب، فإذا اختير نفس العضو فلا يمكن منعه بعد ذلك من الاستمرار في العضوية (37) .
حصول انتخابات نزيهة في تركيا ليس متعلقا بحق التصويت ولكن بقيمته؛ لأن وزنه وقيمته ضمانة للعملية الانتخابية، حتى إن كان محصورا حسابا بفئات معينة، ذلك لأن سرية التصويت، والتعداد المفتوح، وسلامة الوثائق الإدارية هي إحدى مبادئ صيرورة الانتخابات الشريفة المراقبة قضائيا بصورة مهنية واقعية (38) .
أما ضمانة الانتخاب، فإن كلمة ضمان هي لغويا الكفالة والالتزام والرعاية والوصية (39) واصطلاحا كفالة صيرورة الانتخابات العامة والمسؤولية عن سلامتها قضائيا، فإحاطة نظام الانتخابات بسياج محكم من الضمانات في الحق ذود عن الدستور، فعليه يجب أن يقوم هذا السياج حول الدستور سدا يحول دون أن يتسرب منه ماء الحياة ، وهذا السد كسواه إذا فتحت فيه عدة ثغرات، فلا فائدة في ترميم بعضها مع ترك البعض الآخر شاغرا ، فالضغط سيمتد ويشتد حتما على الثغرة الباقية حتى تتسع فيستمر النزيف (40).
هنالك ضمانات عامة وخاصة، فمثل الضمانات العامة وجوب احترام الدولة القانونية الحرة لمبدأ المشروعية، وسيادة حكم القانون، وكفالة حقوق وحريات الأفراد العامة، وعلى رأسها الحقوق والحريات السياسية مع توعية الشعب بكيفية ممارسة حقوقه، ومن ثم الأخذ بمبدأ تعدد الأحزاب وفقا للدستور والقانون، وتفعيل دورها السياسي على طريق الديمقراطية، بمعنى عدم جعلها كيانات جامدة وجودها أو عدمه لا يؤثر في المجتمع، وكذلك ضرورة اعتراف الدولة بالرقابة للرأي العام في رسم السياسة العامة للبلد، وتفعيل دور منظمات المجتمع المدني (41) .
وأما الضمانات الخاصة للانتخاب، فهي التي قررها المشرع الوطني صراحة في القوانين المنظمة كقوانين مباشرة الحقوق السياسية، والواجب تفعيلها مستقبلا، ومن أهمها: وجوب مراعاة العدالة في تقسيم الدوائر الانتخابية، والأخذ بمبدأ الاقتراع العام كأصل، وما سواه هو الاستثناء ووجوب حماية حقي الترشيح والانتخاب، وتوفير حق الطعن على صحة الإجراء الانتخابي وتحديد الجرائم الانتخابية بشكل واضح (42) ، بالإضافة إلى الالتزام الإداري بتطبيق القانون، واحترام مقتضيات مرونة الانتخابات من قبل المرشح والناخب على حد سواء، وكذلك لابد من احتواء الترتيبات الأولية لعملية الاختيار علي حملة انتخابية حقيقية، توجد فيها عناصر الديمقراطية وضرورة المناظرات التلفزيونية لمعرفة الرأي والرأي الآخر (43) .
وحسب الوضع الإنكليزي فإن الانتخابات مضمونة بالديمقراطية، ۰ لأن الديمقراطية في أصلها عنصر حي وفعال في المجتمع البريطاني، وحق التصويت يصدقه أو يكذبه الصندوق الانتخابي، الذي يكون انعكاسا حقيقيا لحقيقة دامغة (صعوبة مزاولة حق التصويت)، كما أن رسوخ نزاهة الناخب في اختيار المرشح الملائم هو بحد ذاته يمثل ضمانة كبيرة في اختياره له، وتعبير نفسي لرضاء الناخب عن من يمثله (44) .
وتجد الضمانات الانتخابية في تركيا مكانا لها في رأس باحثة من حيث رأيها في وجوب تجزئة مركزية السلطة المهيمنة في البلد، عن طريق تفعيل دور الأفراد والمجتمع عند الانتخابات، حيث إن إجراء مدد متباعدة للانتخابات والتصويت المستمر، مع أو ضد، ستؤدي الى تفكيك السلطة المركزية الحاكمة، وسيكون حق المعارضة في الانتخابات ومشروعية وجودها (إن لم تقمع مضمونا بالمطالبة الشعبية العامة لهذه العملية الاختيارية، مضافا إليها بالطبع دور المعارضة الفعال في الحصول على أصوات ذات وزن تساعد على اتزان العملية وتحقيق غاياتها العليا ) . (45) .
______________
1- د. منذر الشاوي، القانون الدستوري، نظرية الدستور، منشورات مركز البحوث القانونية وزارة العدل، بغداد، 1981، ص151.
2- د. منذر الشاوي، القانون الدستوري، نظرية الدستور، ص152.
3- د. علي غالب، د. نوري لطيف، القانون الدستوري، مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد، 1983 ، ص27-29.
4- دولت احمد عبدالله، وسائل تولي السلطة وتطبيقاتها في دساتير عربية، رسالة ماجستير، كلية القانون، جامعة بغداد، 2002، ص80.
5- د. داود الباز، حق المشاركة في الحياة السياسية، دراسة تحليلية للمادة 62 من الدستور المصري، مقارنة مع النظام الفرنسي، دار النهضة العربية، القاهرة، 2002 ، ص43-44.
6- د. داود الباز، مرجع سابق، ص52-53.
7- د. منذر الشاوي، القانون الدستوري، نظرية الدولة، منشورات مركز البحوث القانونية وزارة العدل، بغداد، 1981، م92-93
8- المادة 1 من قانون مباشرة الحقوق السياسية المصرية رقم 173 لسنة 2005 المصري، والمادة 5 من دستور جمهورية العراق لعام 2005 الدائم.
9-James A and others, op. cit., p. 22.
10- Doç. Dr. Erol Ak1, Hukukun temel "avramlarl, 3 baski, Bariş yayin .kitapevi fakilteler, Izmir, 1993, 248-
11- ق. ا. 49 ( 1994/11/12 ) مشار إليه. عند دكتور عبد الفتاح مرد، شرح الحريات العامة وتطبيقات المحاكم بشأنها، م426، نقلا عن د. سلمى بدوي، مرجع سابق، ص189.
12- د. داود الباز، مرجع سابق، ص625-626.
13- د. السيد احمد مرجان، دور القضاء والمجتمع المدني في الإشراف على العملية الانتخابية، دار الأزهر الطباعة، 2007، ص48۔
14- د. داود الباز، مرجع سابق، ص627-628.
15- نادية حلمي موسي، تعديل المادة 76 من الدستور والحراك السياسي في مصر 2005، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2007، ص119.
16- لمياء سيد كامل، تأثير الانتخابات البرلمانية في مصر عام 2005 على عملية التحول الديمقراطي، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2010 ، ص 23-24.
17- د. نعيم عطية، الفلسفة الدستورية للحريات الفردية، موسوعة حقوق الإنسان، دار النهضة العربية، القاهرة، 1989، ص2-3.
18- صالح حسين علي الانتخابات كأسلوب ديمقراطي لتداول السلطة، رسالة ماجستير، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 2009، م44-45.
19- لمياء سيد كامل، مرجع سابق، ص 23-24
20- د. السيد احمد مرجان، مرجع سابق، ص53.
21- د. محمد زين الدين، جدلية الديمقراطية والانتخاب ، مجلة الحقوق جامعة الكويت مجلس النشر العلمي يونيه 2009 ، ص 352-353.
22- Darren J O'Byrne, An introduction to human rights, printed in Pearson education limited, Malaysia, 2003, p. 75.
23- Lyman tower, op. cit., p. 5455.
24- David Hoffman & John Rowe, op. cit., p. 268.
25- Prof. Dr. Hikmet Turk, age, S. 102,
26- تعريف كلمة نزاهة لغويا - قاموس المعاني عربيه
27- د. سعاد الشرقاوي، د. عبدالله ناصف، لظم الانتخابات في العالم وفي مصر ، دار النهضة العربية، القاهرة، 1994 ، ص275-280.
28- د. عفيفي كامل، الانتخابات النيابية وضماناتها الدستورية والقانونية، دراسة مقارنة، مشاة المعارف، الإسكندرية، 2002 ، ص533.
29- د. عبدالله شحاتة الشكاني، مبدا الإشراف القضائي على الاقتراع العام للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمطية، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، القاهرة، 2005، ص23-24.
30- د. السيد احمد مرجان، مرجع سابق، ص70 -67
31- لمياء سيد كامل، مرجع سابق، ص24-26..
32- مبارك مبارك احمد عبدالله التغيير في القيادة السياسية والتحول الديمقراطي، رسالة ماجستير، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 2006 ، ص67-70.
33- د . محمد زين، مرجع سابق، ص354.
34- المادة (30) من الدستور العراقي 2005.
35- فلاح إسماعيل حاجم، مرجع سابق.
36- عفيفي كامل، مرجع سابق، م544، نقلا عن
Sydny D, op. cit. p. 133..
37- د. حسن محمد هند، منازعات انتخابات البرلمان، دراسة مقارنة، بلا للشر، 1998 ، ص139
38- Prof. Dr. Zafer Gören, Anayasa Hukukna giriş T.C. anayasasi eki ile,2 Baski, Dokuz Eylül Üniversitiesi matbaasi, Izmir, Turkiye, 1999, sayfa 481.
39- تعريف كلمة ضان لغويا - قاموس المعاني عربي .
40- توفيق حبيب، د. واي ابراهيم، نظامنا الانتخابي كما هو ، وكما يجب ان يكون القاهرة ، بلا ناشر وبلا سنة نشر ، م183
41- د. السيد احمد مرجان، مرجع سابق، ص33-34 .
42- د. السيد احمد مرجان، مرجع سابق، ص45-46
43- د. محمد زين الدين، مرجع سابق، ص351-352.
44- David Hoffman & Hohn Rowe, op. cit., p. 267-268.
45- Dr. Meltem Dikmen, Anayasa arayişlari ve Türkiye, Doktora tezi, BDS yayinlari, Çetin matbaasi, Istanbul, 1998, sayfa 287-288.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|