المسؤولية المختلطة الجنائية السياسية في النظام الدستوري البريطاني
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص33-34
2025-12-21
20
ظل نظام الاتهام الجنائي هو الطريق الوحيد لإثارة مسؤولية الوزراء حتى القرن السابع عشر ، حيث تحولت المسؤولية الجنائية للوزراء إلى مختلطة جنائية وسياسية ، وقد بدأ هذا التحول من جانب البرلمان والوزارة ، فمن ناحية البرلمان لم يقتصر حق مجلس العموم في اتهام الوزراء على المسائل الجنائية البحتة فقط ، أي الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات كما كان عليه الحال في المرحلة الأولى ، بل أصبحت تشمل الأخطاء الجسيمة التي يرتكبها هؤلاء أو قيامهم بأعمال ليست فيها مصلحة للبلاد مثل عقد معاهدة ضارة بمصالح الدولة(1). وفي الوقت ذاته اعترف مجلس اللوردات لنفسه بسلطة تحديد العقوبة الخاصة للأخطاء المنسوبة للوزراء، على الرغم من عدم وجود نص قانوني جنائي سابق بخصوصها، مما أدى إلى ظهور نظرية جديدة في القانون الدستوري البريطاني وهي ما يسمى (الجرم أو الاثم الوزاري)(2). ومن ناحية الوزارة ظهرت قاعدة تعطي الوزراء الحق في تقديم استقالتهم حال اتهامهم(3). ومن ثم يلاحظ بأن الاتهام الجنائي اتخذ صورة جديدة وهي المسؤولية المختلطة الجنائية السياسية، وذلك بعد ان كانت مسؤولية الوزراء محصورة في المسؤولية الجنائية فقط ، حيث لم يعد البرلمان يستخدم الاتهام ضد الأفعال التي تكون جريمة يعاقب عليها قانونا فقط ، وأنما أصبح الخطأ الجسيم الذي يرتكبه الوزير سببا كافيا لتحريك الاتهام ضده ، فضلا عن ذلك شهدت هذه المرحلة لجوء البرلمان كثيرا إلى وسيلة الإعدام المدني ، إذا ما عجز عن استخدام الاتهام الجنائي . كما امتازت هذه المرحلة بإلغاء حق الملك باللجوء إلى حل البرلمان أو تأجيل جلساته ، بما يحول دون إسقاط الاتهام الجنائي ، فضلا عن إلغاء حقه في العفو عن الوزراء المتهمين في أثناء الاتهام للحيلولة دون هرب هؤلاء من العقاب ، وذلك عندما قام مجلس العموم باتهام الوزير (Dunby) سنة 1679 بتهمة الخيانة لقيامه بإجراء مفاوضات ضارة بالبلاد ، فقام الملك بحل المجلس وأصدر عفوا عن (Dunby) ، ولكن مجلس العموم الجديد قرر بطلان هذا العفو ، وأصبحت تلك الحادثة أساسا لقاعدة عامة تقضي بعدم جواز استخدام الملك لحقه بالعفو في أثناء الاتهام ، وتأكدت هذه القاعدة بشكل صريح بعد صدور قانون توارث العرش في سنة 1701(4). ونظرا للأسباب المذكورة أنفا فما لبث أن فقد نظام الاتهام الجنائي قوته ، فضلا عن أثاره الخطيرة التي قد تتناول الوزير في شخصه أو شرفه أو ماله ، في حين كان الغرض الأساسي من هذا النظام هو إقالة الوزير وإلغاء سلطته ، كما إن هذا النظام كان يتطلب وقتا طويلا ومحاكمات ومعاملات معقدة ، لذلك أصبح اللجوء إليه أمرا نادرا حيث لم يستعمله البرلمان البريطاني بعدئذ إلا في قضيتين الأولى هي قضية (Warren Hastings) سنة 1791 والثانية هي قضية (Melville Lord) سنة 1804(5). ومنذ ذلك الوقت سقط نظام Impeachment)) ولم يعد له أي تطبيق في النظام الدستوري البريطاني ، لاستقرار المسؤولية السياسية التي حلت محل المسؤولية الجنائية بصورتيها الفردية والتضامنية أمام مجلس العموم وحده دون مجلس اللوردات(6).
______________
1- د. طعيمة الجرف ، نظرية الدولة والأسس العامة للتنظيم السياسي ، الكتاب الثاني ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1966 ، ص 244 - 245.
2- د. محمد زهير جيرانه ، مذكرات في القانون الدستوري ، مطبعة العهد ، بغداد ، 1936 ، ص 85 .
3-S . A . De Smith : Constitutional And Administrative Law , first Edition , Longman group Ltd , London , 1971 , p.172.
4- د. السيد صبري ، حكومة الوزارة بحث تحليلي لنشأة النظام البرلماني في انجلترا ، المطبعة العالمية ، القاهرة ، 1953، ص 108 ، وكذلك د. عفيفي كامل عفيفي ، الأنظمة النيابية الرئيسية نشأتها-تطورها- تطبيقاتها (دراسة تحليلية مقارنة) ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2002 ، ص 181.
5- A . H . Birch : Op.cit , p. 133.
6-Oongh Gay and Nergs Daries : Impeachment , 16 November 2011 , p. 5, Research published on the Website : http://www.parliament.uk/briefing-papers/SN02666/impeachment. , logged in 20/3/2014 , (10) Am .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة