اجراءات سحب الثقة من أحد الوزراء
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص177-181
2025-12-18
46
تقسم هذه الاجراءات الى قسمين ، الاول : يتمثل في الإجراءات المتعلقة بكيفية تقديم اعضاء مجلس النواب لطلب سحب الثقة من الوزير. والثاني : يتمثل في الإجراءات المتعلقة بكيفية التصويت على هذا الطلب وكما يأتي :-
اولا : الإجراءات المتعلقة بتقديم طلب سحب الثقة من الوزير : وهذه الاجراءات نصت عليها المادة (61/ثامنا/أ) من الدستور وأكدت عليها المادة (63) من النظام الداخلي لمجلس النواب وهي :-
1- يجب أن يقدم طلب سحب الثقة من الوزير الى رئيس المجلس وبشكل مكتوب :- وهذا واضح من نص المادة (61/ثامنا/أ) من الدستور والمادة (63) من النظام الداخلي للمجلس اللتان اشارتا الى ضرورة أن يكون الطلب موقع من (50) عضوا من اعضاء المجلس ، والتوقيع لا يكون الا اذا كان الطلب مكتوبا ، وأما اذا كان طلب الثقة مقدم من الوزير نفسه بناء على رغبته ، فإن المواد المذكورة لم تبين هل يقدمه شفاهة ام كتابة ، لان الرغبة قد يتم ابدائها بشكل شفوي أو مكتوب ، ومن ثم فالأفضل استخدام عبارة " بناء على طلب موقع منه " بدلا من عبارة " بناء على رغبته " لأنه اذا قدم كتابة كان ذلك ضمانا لجديته وسهولة اثباته(1).
2- يجب أن يكون تقديم طلب سحب الثقة من الوزير اثر استجواب موجه اليه :- وهذا الشرط مستفاد أيضا من نص المادة (61/ثامنا/أ) من الدستور وكذلك المادة (63) من النظام الداخلي لمجلس النواب المذكورتان انفا . ويترتب على هذا الشرط وجوب أن يكون تقديم طلب طرح الثقة بعد انتهاء مناقشة الاستجواب وليس قبل ذلك ، وان كان هناك رأي يذهب (ونحن نؤيده) الى انه اذا كان هناك ثمة صلة بين الاستجواب وسحب الثقة ، الا أن الارتباط بينهما ليس قائما في جميع الحالات ، ومن ثم فمن الممكن طرح مسألة الثقة في غير حالة الاستجواب ، كالتحقيق البرلماني الذي يمكن أن يكون اقوى من الاستجواب ويمكن أن يكون وسيلة اضافية مع الاستجواب في طرح مسألة الثقة أيضا ، بأن يكون اقتراح اللجنة التحقيقية البرلمانية ، هو سحب الثقة من الحكومة أو أحد الوزراء(2). على اعتبار أنه أثناء التحقيق يتم الحصول على المعلومات من مصادرها المباشرة لا عن طريق الحكومة أو الوزراء بعكس الاستجواب الذي ينفرد فيه مقدمه ، بخلاف لجنة التحقيق التي يتعدد اعضائها ، فضلا عن الصلاحيات المتعددة التي تتمتع بها اللجنة لأداء مهمتها مقارنة بتلك التي يتمتع بها مقدم الاستجواب(3). كما ان ما ورد في تقرير اللجنة من مخالفات قد ثبتت بالأدلة القاطعة وتم مناقشتها وإتاحة الفرصة للحكومة أو أحد وزرائها للدفاع عن نفسها . لذا (فمن وجهة نظر الباحث) لابد من اجراء تعديل للمواد المذكورة بما يسمح لمجلس النواب بتحريك المسؤولية الوزير السياسية وسحب الثقة منه عن طريق التحقيق البرلماني الى جانب الاستجواب البرلماني(4).
3- يجب أن يقدم الطلب من قبل (50) عضوا من اعضاء المجلس في الاقل أو من قبل الوزير نفسه :- وهذا الشرط نصت عليه أيضا المواد المذكورة ، ولكن هذا العدد يمثل الحد الادنى للعدد المطلوب لتقديم طلب سحب الثقة من الوزير ، ومن ثم فليس هناك مانع من تقديمه من قبل عدد اكثر من ذلك . كما يجوز أن يقدم طلب طرح الثقة بناء على رغبة الوزير نفسه ، وذلك اذا اراد أن يتثبت من موقف وتأييد مجلس النواب له ويتأكد من انه ما زال محلا لثقته . ولكن يلاحظ بأن المادة (78) من دستور 2005 قد منحت رئيس مجلس الوزراء الحق في اقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب بقولها " رئيس مجلس الوزراء هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة ، والقائد العام للقوات المسلحة ، يقوم بإدارة مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته ، وله الحق في اقالة الوزراء بموافقة مجلس النواب " ، ولكن هذه المادة لم تبين كيفية قيام رئيس مجلس الوزراء بالإقالة ، وكيفية قبولها من قبل المجلس وما هي الإجراءات اللازمة لذلك(5). لذلك يذهب رأي (ونحن نؤيده) إلى ضرورة منح رئيس الوزراء سلطة إقالة الوزراء دون الرجوع إلى مجلس النواب لان عمل الحكومة يقوم على أساس التجانس والانسجام بين الرئيس ووزرائه(6). وذلك بمرسوم يصدره رئيس الجمهورية يحمل توقيعه وتوقيع رئيس مجلس الوزراء – كما هو الحال في الكويت - ويبلغ الى مجلس النواب .
4- تواجد مقدمي الطلب في الجلسة وان يتحقق رئيس المجلس من هذا التواجد قبل عرضه :- يقوم رئيس المجلس بعرض الاقتراح بطرح الثقة على المجلس بمجرد تقديمه ، ولكن بخلاف المشرع الدستوري الكويتي لم يوجب المشرع الدستوري العراقي على رئيس مجلس النواب أن يتحقق اولا من وجود مقدميه في الجلسة وحسنا فعل ، وذلك على اساس أن العضو عندما وقع على طلب سحب الثقة أكد بذلك تأييده له ، ومجرد عدم تواجده في الجلسة لا يعتبر قرينة قاطعة على تعديل موقفه ، والأجدر أن يتم ربط هذا التنازل بأجراء مكتوب كما في الطلب الاصلي(7).
ثانيا : الإجراءات المتعلقة بالتصويت على طلب سحب الثقة من الوزير :- وهذه الاجراءات قد نصت عليها أيضا المادة (61/ثامنا/أ) من الدستور والمادة (63) من النظام الداخلي لمجلس النواب وهي تتمثل بالآتي :-
1- مناقشة موضوع الطلب قبل التصويت عليه :- بالنسبة لهذا هذا الاجراء يلاحظ بأن المشرع الدستوري العراقي بخلاف المشرع الدستوري الكويتي لم يتطلب ذلك ، لأن ذلك يعد تزيدا لا اساس له على اعتبار أن سحب الثقة من الوزير إنما جاء على اثر مناقشة استجواب وتمت اتاحة الفرصة للمؤيدين والمعارضين له بمناقشة موضوعه ، فضلا عن أن هذا الكلام لن يضيف جديدا الى ما سبق من مناقشة لموضوع الاستجواب(8).
2- لا يجوز للمجلس التصويت على الطلب قبل مضي مدة سبعة ايام من تقديمه :- وهذا الاجراء نصت عليه المادة (61/ثامنا/أ) من الدستور والمادة (63) من النظام الداخلي للمجلس بقولهما " ... ولا يصدر المجلس قراره في الطلب الا بعد سبعة ايام في الاقل من تاريخ تقديمه " ، والغاية من هذه المدة الزمنية انها فترة ضرورية لتهدئة النفوس واتخاذ القرار في جو هادئ يسوده التبصر والتفكير الرصين بعيدا عن الانفعالات(9).
3- يجب أن يكون التصويت بطريقة رفع اليد :- يلاحظ بأن المشرع الدستوري العراقي بخلاف المشرع الدستوري الكويتي لم يتطلب أن يكون التصويت بطريقة المناداة بالاسم ، وإنما يتم ذلك بطريقة التصويت برفع اليد . و(من وجهة نظر الباحث) لا مانع من ايراد نص في النظام الداخلي لمجلس النواب ليكون التصويت بموجبه بطريقة المناداة بالاسم أو الكترونيا استثناء ، لاسيما في قرارات المجلس الخطرة كالتصويت على طرح الثقة بأحد الوزراء .
4- يجب أن يكون التصويت بالأغلبية المطلقة :- الاصل أن المجلس يتخذ قراراته بالأغلبية البسيطة لعدد الحاضرين بعد تحقق النصاب ، وذلك في غير الحالات التي تشترط فيها اغلبية خاصة(10). وأما المادة (61/ثامنا/أ) من الدستور والمادة (63) من النظام الداخلي للمجلس فقد نصتا على هذه الاغلبية الخاصة بقولهما " لمجلس النواب سحب الثقة من أحد الوزراء بالأغلبية المطلقة ... " . ولكن هذه المواد لم تبين ما هو المقصود بالأغلبية المطلقة ؟ هل هي الاغلبية المطلقة لعدد اعضاء الحاضرين ام الاغلبية المطلقة من العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب ؟ (11). وهذا ما دفع المجلس الى اللجوء الى المحكمة الاتحادية العليا لتفسير تعبير " الاغلبية المطلقة " الوارد في المادتين (61/ثامنا) و(76/رابعا) من الدستور. حيث ذهبت المحكمة الى أنه " ... في حالة سحب الثقة من أحد الوزراء فلم تطلب المادة (61/ثامنا/أ) الا الحصول على (الاغلبية المطلقة) وهي غير(الاغلبية المطلقة لعدد اعضائه) الوارد ذكرها في المادة (61/ثامنا/ب-3) عند سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء لان النص قد ذكرها مجردة من (عدد الاعضاء) وهي تعني اغلبية عدد الحاضرين في الجلسة بعد تحقق النصاب القانوني للانعقاد المنصوص عليه في المادة (59/اولا) من الدستور "(12). وبخلاف موقف الانظمة الدستورية المقارنة لا يدخل الوزراء في حساب تلك الاغلبية ، لان النظام الدستوري العراقي لم يجيز الجمع بين عضوية البرلمان والحكومة(13). ويلاحظ بأن الاخذ برأي المحكمة باشتراطه سحب الثقة من الوزير بأغلبية الاعضاء الحاضرين وليس بأغلبية الاعضاء الذين يتألف منهم المجلس ، يؤدي الى تلافي الاشكالية الموجودة في النظام الدستوري الكويتي عند حساب الغائبين والممتنعين عن التصويت على قرار سحب الثقة من أحد الوزراء .
_______________
1- د. حميد حنون خالد ، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، مكتبة نور العين ، بغداد ، 2011 ، ص 279. وكذلك د. جواد كاظم الهنداوي ، القانون الدستوري والنظم السياسية، ط (1)، دار العارف ، بيروت ، لبنان ، 2010، ص 351.
2- د. سليمان محمد الطماوي ، السلطات الثلاث في الدساتير العربية المعاصرة وفي الفكر السياسي الإسلامي ، دراسة مقارنة ، معهد الدراسات العربية العليا، القاهرة ، 1967 ، ص 488. وكذلك 2- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983 ، ص 174. ود. رمضان محمد بطيخ ، التطبيقات العملية لضوابط الحصانة البرلمانية ووسائل وإجراءات البرلمان الرقابية ، دار النهضة العربية ، القاهرة ،2001- 2002 ، ص 250.
3- د. فارس محمد عمران ، التحقيق البرلماني (لجان تقصي الحقائق البرلمانية( في الدول العربية والأمريكية والأوربية ) دراسة مقارنة) ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2008 ، ص 540 وما بعدها .
4- تعديل المادة (61/ ثامنا/أ) من الدستور والمادة (63) من النظام الداخلي ليكون نصهما كما يلي " ولا يجوز طرح الثقة بالوزير الا بناء على رغبته أو طلب موقع من خمسين عضوا اثر مناقشة استجواب موجه اليه أو تحقيق برلماني ... " .
5- كتقديم رئيس مجلس الوزراء (نوري كامل المالكي) طلبا لمجلس النواب في 17 /12/ 2011 لسحب الثقة من نائبه لشؤون الخدمات (صالح المطلك). ينظر الموقع الالكتروني لجريدة الرأي ، تم تسجيل الدخول في 21/7/2014 ، الساعة (10) مساء : http://www.alrai.com/article/10332.html ولكن تم سحب هذا الطلب في 2/8/2012 من قبل رئيس مجلس الوزراء بعد حصول التوافق السياسي مع نائبه ، ينظر الموقع الالكتروني لقناة السومرية نيوز : http://www.alsumaria.tv/news/60893. ، تم تسجيل الدخول في 21/7/2014 ، الساعة (10) مساء.
6- د. حميد حنون خالد ، السلطات الاتحادية في دستور العراق لسنة 2005 ، مجلة العلوم القانونية ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، المجلد (20) ، العدد الأول ، 2005 ، ص 77 ، وكذلك د. جواد كاظم الهنداوي ، مراجعة تصحيحية لنصوص الدستور الاتحادي العراقي ، دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2006 ، ص 35.
7- د. فتحي فكري ، جواز الجمع بين العضوية البرلمانية والوظائف والأنشطة الاخرى ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1994 ، ص 486.
8- د. جابر جاد نصار ، الاستجواب كوسيلة للرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في مصر والكويت ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1999 ، ص 117.
9- د. ساجد محمد الزاملي ، مبادئ القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، ط (1) ، دار نيبور للطباعة والنشر والتوزيع ، القادسية ، 2014 ، ص 470.
10- ينظر المادة (59) من دستور العراقي لسنة 2005 والمادة (23) من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2007.
11- د. حميد حنون خالد ، مبادئ القانون الدستوري وتطور النظام السياسي في العراق ، مكتبة نور العين ، بغداد ، 2011 ، ص 279.
12- ينظر قرار المحكمة المرقم (23/اتحادية/2007) المؤرخ في 21/10/2007 ، أحكام وقرارات المحكمة الاتحادية العليا للأعوام (2005-2006-2007) ، المجلد (1)، إصدار جمعية القضاء العراقي , بغداد ، 2008 ، ص 57. وكذلك قرارها المرقم (27/اتحادية/2009) المؤرخ في 11/8/2009. أحكام وقرارات المحكمة الاتحادية العليا للأعوام (2008-2009) ، ص 92.
13- ينظر المادة (49/سادسا) من الدستور العراقي لسنة 2005 والمادة (19/اولا) من النظام الداخلي لسنة 2007.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة