تعريف الاسئلة البرلمانية
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص 62-65
2025-12-21
22
السؤال في اللغة : هو الاستفهام أو الاستيضاح عن امر معين ، أذ إن كلمة السؤال ينصرف معناها إلى ما يسأله الإنسان كقوله تعالى ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾(1). وسأله عن الشيء سؤالا ومَسألة كقوله تعالى ﴿سَأل سائلٍ بعذابٍ واُقع﴾(2). أي إنه يعني ما وراء الإجابة من أمور كالمؤاخذة أو العقوبة على التقصير في حق أو إهمال في واجب فله - أي للسؤال - عناصر ثلاثة هي السائل والمسؤول وموضوع السؤال(3). وهناك سؤال للاستفهام كقوله تعالى ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا﴾(4). وهناك السؤال الذي يراد به الدعاء كقوله تعالى ﴿ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ﴾(5). وما يهمنا السؤال الذي ينصرف للمحاسبة والمساءلة كقوله تعالى ﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ﴾(6). أما السؤال اصطلاحاً : فأننا نقصد به هنا جانبه الرقابي الذي يدخل في معنى التساؤل أكثر من كونه مجرد سؤال للاستفهام عن شيء غير واضح أو طلب معلومات من الشخص المسؤول من قبل احد اعضاء البرلمان ، فالسؤال بهذا المعنى يحمل معنى لفت النظر أو التوجيه غير المباشر لعمل شيء أو لتلافي ثغرة أو قصور في الاداء ، أما السؤال بمعناه الاستفهامي فيحمل معنى أخر وهو طلب توضيح امر غامض أو تزويد السائل ببيانات محدودة غير متوافرة لديه(7). وقد تعددت التعريفات التي قيلت في السؤال البرلماني ومنها إنه " إمكانية قيام عضو البرلمان بتوجيه أسئلة إلى الوزراء للاستفسار عن امر يجهله ذلك العضو أو بقصد لفت نظر الحكومة إلى امر من الامور"(8). أو إنه " يراد به استيضاح عن امر من الامور أو لفت نظر الحكومة لأمر معين فعضو البرلمان عندما يوجه سؤالا لأحد الوزراء فإنما يبغي من وراء ذلك معرفة حقيقة تصرف من التصرفات التي قام بها "(9). أو هو " حق يسمح لكل عضو من اعضاء البرلمان بإن يطلب من الوزير إيضاحات عن مسألة معينة "(10). ولكن يلاحظ على تلك التعريفات إنها لا تبين بشكل دقيق جوهر السؤال البرلماني وهو تقصي الحقائق ، ومن جهة أخرى إنها تقتصر في مضمونها على الاسئلة التي توجه إلى الوزراء فقط بحيث لا تشمل الاسئلة التي يمكن إن توجه إلى الحكومة أو رئيسها . بينما يذهب رأي الى إن التعريف الراجح للسؤال البرلماني هو إنه " تقصي عضو البرلمان من وزير مختص أو من رئيس الحكومة عن حقيقة امر معين خاص بأعمال الوزارة أو الحكومة ككل"(11). وذلك لأنه يتضمن الاركان الاساسية للسؤال البرلماني من حيث تحديد الجهة المختصة بتوجيهه وهي احد اعضاء البرلمان والجهة الموجه إليها السؤال وهي الوزير فيما يتعلق بالتصرفات التي تخص أعمال وزارته أو رئيس الحكومة فيما يخص التصرفات المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة ، وأخيرا موضوع السؤال الذي يرمي إلى الكشف عن حقيقة امر معين يدخل في نطاق عمل احد الوزراء أو أعمال الحكومة ككل .
ويلاحظ بإن السؤال يقيم علاقة شخصية ما بين العضو السائل والشخص المسؤول ، إذ إن العضو السائل يستطيع لوحده التعقيب على اجابة الوزير أو الحكومة ولا يستطيع غيره من الاعضاء في المجلس أو المجلس ذاته التدخل في تلك العلاقة أو يتخذ قرارا بهذا الشأن لان هذا التدخل يتعارض مع طبيعة السؤال البرلماني والغرض منه ، كما لا يجوز للعضو السائل إن يتقدم بسؤاله إلى أكثر من وزير ولما كان هذا السؤال يتعلق بموضوع معين فمن الأفضل اختيار الوزير الذي يرجح إنه أكثر صلة بموضوع السؤال(12). فالأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة بصفة عامة توجه إلى رئيس مجلس الوزراء أو الوزير الاول ، وتوجه إلى الوزير المختص اذا كان السؤال يتعلق بأعمال وزارة هذا الوزير بصفة خاصة ، وقد يكون السؤال مما يخص أعمال عدة وزارات فالحل في هذه الحالة إن يتولى كل وزير وحسب اختصاصه الاجابة عما يدخل في نطاق اختصاصه ، وتكون الاجابة على السؤال بالأصل بصورة شفوية ولكن قد يطلب العضو السائل الرد على سؤاله كتابة ، ففي هذه الحالة تقوم الحكومة أو الوزير بأرسال الرد مكتوبا إلى العضو السائل وذلك عن طريق رئاسة البرلمان(13). وليس هناك أي أجبار على الحكومة أو الوزراء بالإجابة على الاسئلة الموجهة أليهم من اعضاء البرلمان ، ولكن ذلك لا يحول دون حق العضو السائل باللجوء الى وسائل اخرى كتحويل سؤاله إلى استجواب ، لأن القول بخلاف ذلك يعني مصادرة حق النائب الدستوري في ممارسة الرقابة السياسية على أعمال الحكومة . ومن الناحية النظرية : فإن حق السؤال يقيم علاقة شخصية لا يتعدى أثرها العضو السائل والشخص الموجه اليه السؤال ، إذ ليس من شأن هذا السؤال إن يؤدي إلى مناقشة عامة تتاح لكل اعضاء البرلمان(14). كما هو الحال بالنسبة للوسائل الاخرى كطرح موضوع عام للمناقشة أو الاستجواب ، ويطرح النائب سؤاله سواء كان شفويا أو تحريريا مستعجل أو غير مستعجل على الحكومة أو احد الوزراء للإجابة فاذا كانت المعلومات التي قدمتها الحكومة أو الوزير كافية في نظر العضو السائل كان بها ، وألا كان له دون غيره من الاعضاء التعقيب على الرد بشكل موجز ولمرة واحدة ودون استرسال في التعقيب وذلك اذا لم يقتنع بالرد أو كان في هذا الرد نقص أو غموض(15). ويترتب على الصفة الشخصية للسؤال البرلماني مجموعة من الاثار منها انه يجوز للعضو السائل التنازل عن سؤاله متى أراد ذلك ولا يجوز لغيره من الاعضاء إن يحل محله في تبني السؤال - وحسب التنظيم الدستوري لكل دولة - كما إنه يسقط بزوال صفته النيابية أو صفة من وجه اليه(16). وأخيرا له حق التعقيب على الاجابة دون غيره من الاعضاء أو تحويله الى استجواب اذا لم يقتنع بالاجابة . ولكن من الناحية الواقعية : هناك رأي (ونحن نؤيده) يعترض على الصفة الشخصية للسؤال البرلماني ويرى بإن هذه الصفة رغم إنها لا زالت ملازمة للسؤال وبشكل خاص فيما يتعلق بتمكين العضو السائل من التنازل عن سؤاله في أي وقت ، الا إن هناك قواعد جديدة قد ظهرت وأدى ظهورها إلى التخفيف من هذه الصفة ، كالأسئلة الإضافية التي تجيز للأعضاء الآخرين غير العضو السائل إن يسألها ، وأيضا إمكانية قيام أي عضو أخر بالتعقيب على اجابة الحكومة أو الوزير بعد اخذ أذن رئيس المجلس وبعد اعطاء موجه السؤال الأصلي فرصته الكاملة بالتعقيب(17). ونظرا لعدم وجود خطورة من وراء السؤال البرلماني على مركز الحكومة أو احد الوزراء ، لذا فإنه لا يتطلب إجراءات طويلة ومعقدة . ولكنه رغم ذلك يبقى وسيلة مهمة من وسائل الرقابة البرلمانية وفي الغالب يثيره النواب فيما يتعلق بمصالح دوائرهم الانتخابية(18). ويعتبر أداة فعالة لجمع المعلومات ورقابة النشاط الحكومي اذ قد يؤدي بشكل غير مباشر لتحريك مسؤولية الحكومة أو أحد الوزراء باعتباره البداية المنطقية للوسائل الاخرى كالتحقيق والاستجواب البرلماني(19).
____________
1- سورة طه : الآية (36).
2- سورة المعارج : الآية (1).
3- أبي الحسن على بن الحسن الهنائي ، المنجد في اللغة ، عالم الكتاب ، القاهرة ، 1988 ، ص 119. وكذلك أبن منظور جمال الدين محمد بن مكرم ، لــــــســان الــــعــــرب ، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان ، 2005 ص 1728.
4- سورة الاعراف : الآية (187).
5- سورة هود : الآية (47).
6- سورة الزخرف : الآية (19) .
7- د. نواف كنعان ، السؤال البرلماني (دراسة مقارنة وتطبيقية على المجلس الوطني الاتحادي الاماراتي) ، مجلة كلية القانون ، جامعة الشارقة للعلوم الشرعية والقانونية ، المجلد(6) ، العدد (1) ، 2009 ، ص 246.
8- د. عثمان خليل عثمان ، القانون الدستوري ، الكتاب الثاني (النظام الدستوري المصري) ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1955 ، ص 477.
9- د. محمد كامل ليله ، النظم السياسية (الدولة والحكومة) ، دار النهضة العربية ، بيروت ، لبنان ، 1969 ، ص 924.
10- د. السيد صبري ، مبادئ القانون الدستوري ، مكتبة عبد الله وهبة ، القاهرة ، 1944، ص 565.
11- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983 ، ص 27.
12- د. رأفت دسوقي ، هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2006 ، ص 126.
13- د. محمد قدري حسن ، رئيس الوزراء في النظم البرلمانية المعاصرة (دراسة مقارنة) ، دار الــفكر العربي ، القاهرة ، 1987. ص 349.
14- د. ماجد راغب الحلو ، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 2000 ، ص 765.
15- د. سليمان محمد الطماوي ، مبادئ القانون الدستوري (دراسة مقارنة)، دار الفكر العربي، القاهرة ،1960، ص167.
16- د. وحيد رأفت و د. وايت إبراهيم ، الــــقـــــانون الــــــــــدستوري ، المطبعة العـــــصرية ، الـــــــــــــقاهرة ، 1937 ، ص 416.
17- أيهاب زكي سلام ، الرقابة السياسية على أعمال السلطة التنفيذية في النظام البرلماني ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق - جامعة القاهرة ، 1983 ، ص 44.
18- د. سيدني بايلي ، الديمقراطية البرلمانية الانجليزية ، ترجمة فاروق يوسف احمد ، مكتبة الانجلو المصرية ، القاهرة ، 1970 ، ص 104.
19- د. حسن الحسن ، القانون الدستوري والدستور في لبنان ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، لبنان ، 1962 ، ص 297.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة