أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-1-2021
8421
التاريخ: 19-11-2020
5299
التاريخ: 26-1-2022
1232
التاريخ: 3-1-2022
3478
|
التحليل الجيوبولتيكي للحدث السياسي
الجيوبولتيكس فرع من فروع الجغرافية السياسية، لكن منهج هذا الفرع، في التحليل والاستنتاج، يختلف عن أصله لكونه يناقش ويحلل ويستنبط الأحداث السياسية والعسكرية وتغيراتها وما يرتبط بهما مستقبلا، من وجهة نطر علاقتها بأقاليمها الجغرافية، الطبيعية والبشرية والاقتصادية وبمدى تأثيرها مجتمعة في خلق الظاهرة السياسية والاستراتيجية، وربط ذلك كله بالأهمية الجيوستراتيجية للإقليم وبالقوى ذات المصلحة التي تقف خلف، او تحرك، أو تؤثر بذلك الحدث وإقليمه من الداخل او الخارج. وكل حدث، سواء أكان داخل دولة، أو إقليم، أو قارة قد تحركه في الأساس ظروفه الداخلية الموضوعية، وهذا في الديالكتيك يدعي (جوهر الحدث)، و يأتي بعد هذا الجوهر، دور العوامل الثانوية المساعدة، أو المؤججة، أو المعقدة، او المعرقلة التطور ونجاح ذلك الحدث، أو بالعكس، والتي تعرف الديالكتيكية (بعامل الحدث) وهذان العاملان لا يمكن، من وجهة النطر الجيوبوليتيكية، ان يعملا ما لم يرتبطا بالبيئة (بيئة الحدث) التي يتحركان ضمنهما، سواء أكانت البيئة محلية، أو إقليمية، او كوكبية، لأن الأحداث اصبحت اكثر ارتباطا ببعضها في عالم اليوم، عالم التكنولوجيا والمعلوماتية واختصار المسافات. فعندما تستحضر هذه الأمور كلها لدراسة الطاهرة او الحدث يصبح الموضوع، موضوعا جيوبوليتيكيا، تحليليا بامتياز.
وقد ساد هذا المفهوم في التحليل الجيوبولتيكي منذ أن طهر المصطلح عام ١٨٩٩ وضل كذلك لعقود من الزمن. وطبقت مفاهيمه بشكل واضح في الحرب العالمية الثانية من قبل المانيا ثم تجددت تطبيقات مفاهيمه اثناء الحرب الباردة (١٩٩٠٠١٩٤٥) من القرن الماضي ولا تزال هذه الأسس التحليلية للأحداث السياسية قائمة، إذ يصعب تجاهل المتغيرات الجغرافية في حسابات القوة والضعف، او الهزيمة والنجاح في الصراعات المصيرية بين القوى المختلفة على المسرح الجغرافي لهذا العالم المضطرب. فالجغرافية، كما يقول بريتون: تشكل على الدوام عامل قوة او ضعف للدولة ، مع ذلك فان هذا العلم لم يبق كلاسيكيا في الطرح والتحليل، بل ان أساليبه وتقنيات التحليلية انتابها الكثير من التغيير بفعل الثورة التكنولوجية ومؤثراتها الباهرة في كل المجالات، بما في ذلك المجالات الثقافية، والإعلامية، والسياسية، والاجتماعية والتي ساهمت في خلق ظاهرة جديدة في صنع الأحداث السياسية وبروز عنصر المفاجأة في تلك الأحداث التي يشهدها عالمنا اليوم، وهي التغيرات الدراماتيكية التي يصبح المستحيل فيها ممكنا، ومفاجئا، مثل معظم ثورات الربيع العربي، لتخلق بدورها، بعد نجاحها او فشلها، فترات انتقال جيوبولتيكية قد تطول أو تقصر. فالتكنولوجيا اليوم تمتلك إمكانية تغيير حالة القوة سواء على نطاق الدولة الواحدة، أو في كامل القارات. من هنا تأتي معارضة المدرسة الجيوبولتيكية الجديدة والتي تعرف الجيوبولتيكيا النقدية (Critical Geopolitics) تلامس الجغرافية التقليدية في التحليل والاستنتاج الجيوبولتيكي الكلاسيكي، الذي ضل يفسر الأحداث العالمية او الكوكبية على ضوء ما يشبه نظرية الحتم الجغرافي أولا، ولاعتقادها بان للتكنولوجيا المعاصرة اليوم دور هام ومؤثر في قلب موازين قوى الأحداث السياسية الداخلية للدول، وبخاصة تكنولوجيا الإعلام والاتصالات والانترنيت التي اقتحمت البيوت من غير استئذان من الرقيب او من السلطات الدكتاتورية الحاكمة، ولا يمكن إيعاز
اسباب كل تلك التحولات، حتى المفاجئة منها، الى العوامل الجغرافية البحتة لوحدها فالجيوبوليتكس، كمنهج وأسلوب تحليلي، كما يقول سول برنارد كوهن، هو وليد عصره، او زمانه وهو يتطور تبعا لذلك، فجيوبوليتكس اليوم سيصبح تاريخا في يوم غد، وعليه فان كل حدث تاريخي يشكل وصفا جيوبوليتيكيا لزمانه , في الواقع، ليست ثورة المعلومات والتكنولوجيا المرافقة لها، هي العامل الحاسم في خلق المفاجأة السياسية، رغم كونها عاملا مساندا، باعتبارها وسيلة ثانوية او طارئة والتي اسماها (ماو تسي تونك) في حينها بالتبدلات الطارئة على المجتمع، فأطروحات مسار الديالكتيكية تدعو الى دراسة تطور الشيء (الحدث) من باطنه (داخله) من حيث علاقته او صلته بالأشياء الأخرى التي تحيط به، ويتبادل معها التأثير. فالباعث الأساسي في تطور الأشياء (الأحداث يكمن في باطنها لا في خارجها، أي في تناقضها الداخلي، لان الباطن يشكل جوهر الحدث، أما العلة او التأثير المتبادل بين شيء واخر، فهي علة ثانوية، بمعنى أنها تشكل عاملا مساعدا لذلك الحدث الذي قد تؤثر فيه او تحفزه.
عادت الحياة للتحليلات الجيوبولتيكية في السبعينات من القرن الماضي، بعد أن شهدت ركودا خطيرا بعد الحرب العالمية الثانية، لعدة عقود من الزمن. ومع إن العديد من المصادر تعرف هذا النهج في التحليلات السياسية المعاصرة وتنحه خصائص محددة في الأسلوب التحليلي والاستنتاجي، لكن الجيوبولتيكس، هو الأخر، شهد العديد من المنهجية في التحليل الأحداث والتطورات العالمية منذ أن ظهر هذا المصطلح عام ١٨٩٩، لكنه يبقي، مع ذلك، الأسلوب الأكثر واقعية، ومصداقية، وجاذبية في التحليلات السياسية لمشكلات العلاقات الدولية وتطوراتها، وتكتلاتها، واقاليمها، ومصادر قوتها.
يعتمد التحليل الجيوبولتيكي، للمشكلات العالمية والإقليمية والمحلية، على أرضية جغرافية بالدرجة الأساس، وليس المطلق، وارتباطاتها وانعكاساتها على الحدث السياسي المراد تحليله، وكما يقول سبايكمان (ان طبيعة المشكلة التي تؤخذ بنظر الاعتبار هي التي تحدد، ليس فقط طبيعة التحليل الجغرافي، بل كذلك حجم المنطقة التي يجب تحليلها). وتبعا لذلك فان كل من لا يمتلك القدرة الجغرافية في التحليل، لا يمكن أن يكون محللا جيوبوليتيكيا ناجحا، مهما أوتي من مقدرة على التنبؤ السياسي لان جوهر الجيوبولتيكس يكمن في دراسة العلاقة القائمة بين سياسة القوة والمقومات الجغرافية الضامنة لبناء تلك القوة وبالتالي مكانة الدولة ووزنها فوق المسرح الجغرافي العالمي، لذا فالعوامل أو المتغيرات الجغرافية، قديما وحديثا، كانت تمثل المسرح الذي يوجه الأحداث، ويؤثر فيها، ويحدد مصائرها، وهذه المتغيرات تشتمل على اختبار البيئة الطبيعية، والسكانية، والموارد الطبيعية، وطرق المواصلات المختلفة، والمستوى الثقافي والتقني، والخزين من موارد الثروة الطبيعية الكامنة ودرجة استثمارها. "
وللتدليل على الدور الفعال للمتغيرات الجغرافية في صنع، أو التأثير، في الحدث الجيوبولتيكي، نورد على سبيل المثال اراء بعض المشاهير في الجيوبولتيكس: فقديما قال نابليون بونابرت: "إن سياسة الدولة تكمن في جغرافيتها". وقال فردريك راتزل أن (الجيوبولتيكس هو الجغرافية المسخرة لخدمة سياسة الدولة . وأكد كارل هاوسهوفر، أن (الجيوبولتيكس سيكون، بل يجب أن يكون الضمير الجغرافي للدولة". واشار سول كوهن: "ان جوهر الجيوبولتيكس يكمن في دراسة العلاقة القائمة بين سياسة القوة الدولية والخصائص الجغرافية المنسجمة معها، وبخاصة تلك التي يمكن أن تتطور بموجبها تلك القوة" , وعموما يركز المنهج التحليلي في الجيوبولتيكس على منطق القوة في العلاقات الدولية، سواء كانت تلك القوة صلبة تم مرنة، ومن مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية وحتى الحضارية، سواء أكانت القضية او المشكلة المبحوثة، تقع ضمن نطاق محلي، أو إقليمي أو دولي. و(المشكلة الجيوبولتيكية) لا يمكن أن تكون عالمية فقط، وهدا ما يعارضه بحدة، منتقدوا الجيوبولتيكس الكلاسيكي مثلما هو وارد في الأدبيات الجيوبولتيكية الكلاسيكية "كما عند ماكندر وسبايكمان" بل يجوز أن تكون المشكلة محلية أو إقليمية أو دولية، ولكل مشكلة من هذه المشكلات مسبباتها ومؤثراتها وتعقيداتها الإقليمية والدولية.
والمشكلة الجيوبولتيكية هي القضية، أو المعضلة التي تنشا، وتتطور، وتتعقد بفعل العوامل الجغرافية السياسية الداخلية، مشكلة (جوهر الحدث) والتي قد تتأثر بجملة من العوامل الإقليمية والدولية، التي تشكل بمجموعها (عامل الحدث الذي يتحرك او يتغير بفعل اهمية المكان وموقعه الاستراتيجي وموارده الاقتصادية وخصائصه البشرية، وعلاقة كل دلك بمصالح القوى الأخرى.
ولا جدال في ان التكنولوجيا المتقدمة اليوم ونتائجها الخلاقة، سواء أكانت للأفراد أو الدولة، هي عامل فقال في اي تحليل للسياسات الدولية والإقليمية، لأن مستوى أي دولة في الناحية التكنولوجية المرتبطة بقدراتها العسكرية والاقتصادية، يعكس سمعتها ومكانتها الدوليتين، بل ان التكنولوجيا نفسها أصبحت من متطلبات أية دولة تطمح أن تكون دولة قوية، ولكل شعب مثقف واع لحماية وجوده وكيانه السياسي.
والاهم في كل ذلك هو مؤثرات التكنولوجيا الاجتماعية والإعلامية التي غدت اليوم عاملا يتجاوز كثيرا مؤثرات العامل الجغرافي في التأثير في الحدث السياسي وتحريكه، كما فعلت أجهزة الاتصال الحديثة الميسرة (الانترنيت، ومواقع الفيس بوك، و تويتر و يوتيوب، واجهزة الاتصال الأخرى في إثارة الراي العام في بعض البلدان العربية وتأليبها على حكامها فيما يعرف الآن في الإعلام الغربي بالربيع العربي، وكذلك دورها في مساعدة تطوير تكتيكات العمليات الخارجة عن سيطرة الدولة والتي تعرف الآن ب (الإرهاب.
لذا فان اي حدث، أو قضية، أو مشكلة جغرافية سياسية داخل أية دولة، يمكن أن تتعقد، أو تتطور بفعل عامل الحدث، إذا ما تدخل فيها عامل إقليمي أو دولي أو أكثر، وتتحول من (مشكلة جغرافية سياسية) إلى (مشكلة جيوبولتيكية)، قد تفضي إلى نتائج دراماتيكية حاسمة كما حصل في انفصال بنغلادش عن باكستان (١٩٧١)، وانفصال اريتريا عن اثيوبيا (١٩٩٣*، واستقلال تيمور الشرقية عن اندونيسيا (١٩٩٣) وانشطار السودان الى دولتين (٢٠١١)، وانشطار يوغسلافيا الى عدة دول بعد عام ١٩٩١، وتشيكوسلوفاكيا الى دولتين (١٩٩٣)، او تؤدي الى تعطيله، كما هو حادث في سوريا بسبب الموقف السوفيتي. وكما يقول سبيكمان (أن طبيعة المشكلة التي تؤخذ بنظر الاعتبار هي التي تحدد، ليس فقط طبيعة التحليل الجغرافي، بل كذلك حجم المنطقة التي يجب أن تحلل.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|