المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17751 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
ميعاد زراعة الجزر
2024-11-24
أثر التأثير الاسترجاعي على المناخ The Effects of Feedback on Climate
2024-11-24
عمليات الخدمة اللازمة للجزر
2024-11-24
العوامل الجوية المناسبة لزراعة الجزر
2024-11-24
الجزر Carrot (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-24
المناخ في مناطق أخرى
2024-11-24

انواع الابقار في العراق
12-5-2016
الزيتون
22-04-2015
شروط الجماعة
30-11-2016
الاستدلالُ في القُرآن مزيج أُسلوبين : الخطابة والبرهان
5-11-2014
الأموال التي لا يجوز الحجز عليها في القانون الجزائري
20-2-2017
التربة المناسبة لزراعة الفاصوليا
30-9-2020


أقصوصة نوح  
  
2625   02:48 صباحاً   التاريخ: 2-06-2015
المؤلف : د. محمود البستاني
الكتاب أو المصدر : دراسات فنية في قصص القران
الجزء والصفحة : ص172-184.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي نوح وقومه /

تطرح أقصوصة نوح في هذه السورة مجموعة من الأحداث والمواقف تتكرر في سور أخرى .

لكنها هنا تظل أكثر تفصيلا من سواها.

ومع ان نوحا تستقل بالحديث عنه سورة خاصة هي سورة نوح إلا ان تلك السورة تتناول ـ كما سنرى في حينه ـ أحداثا ومواقف خاصة لا تتناولها أقاصيص نوح في السور الأخرى.

والسر في ذلك ، أن اقاصيص نوح ـ كما هو شأن غيرها من الأقاصيص المنتشرة في السور : من حيث كونها تتكرر من حين لآخرـ إنما تصاغ في سياقات تستتبع مثل هذا التكرار : بغية تعميق وجهة نظر خاصة يستهدفها النص في هذا الصدد.

أما استقلال نوح في سورة خاصة ، فهذا يعني أن وجهة نظر لها تميزها وتحددها هي التي تقف مسوغا وراء الإستقلال المذكور.

على أية حال ، يعنينا الآن ان نقف على اقصوصة نوح في هذه السورة التي تضمنت جملة أقاصيص ، فمنها : هذه الأقصوصة التي سردها النص على النحو التالي :

قال تعالى : {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (27) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (28) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (29) وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (30) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (31) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (32) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (33) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (34) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (35) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (36) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (37) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [هود : 25 - 48]

هذه الحكاية ـ في ضوء النصوص المتقدمة ـ تتضمن أكثر من حدث وبيئة وشخصية وموقف ، يتطلب الوقوف عندها أن نبدأ بتلخيصها أولا ، وأن نفصل الحديث في العناصر المذكورة ثانيا.

أ ـ المواقف

تتمثل مواقف هذه الحكاية في :

أ ـ الدعوة إلي الإيمان بالله.

ب ـ ردود الفعل عليها.

أما الدعوة إلى الإيمان فتأخذ لدى الرسل بأجمعهم نمطا مماثلا ، مع أساليب متفاوتة تبعا للمناخ الاجتماعي الذي تتحرك الرسالة من خلاله.

وفيما يتصل بنوح ، فقد استهل ذلك بأسلوب الإنذار مقرونا بالتخوف من نزول العذاب على قومه.

وقد جاءت الاستجابة من قومه باهتة ، لا علاقة لها بالانذار الموجه إليهم.

لقد أجابوه أولا بان نوحا مثلهم ينتسب إلى سلالة الآدميين {مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا} .

وأجابوه ثانيا ، بأن جماعته التي آمنت برسالته ، هي : من أراذل القوم الذين لا مال لديهم ولا منزلة اجتماعية.

وأجابوه ثالثا ، بأن هؤلاء الجماعة قد آمنوا بصورة عشوائية لم تقترن بالتأمل والتدبر.

وواضح أن أمثلة هذا الجواب لا ترتكن إلى أي تأمل وتدبر ، أي : ان التهمة التي وجهوها لنوح ينبغي أن توجه إليهم من حيث عدم التدبر والتدقيق في معالجة الموقف.

فالإيمان بحقيقة من الحقائق يتطلب بصيرة ذهنية ، لا علاقة لها بالمركز الاجتماعي أو الاقتصادي للفرد. ولذلك ، كان اعتراضهم على نوح بأن الجماعة التي آمنت به ، تنتسب إلى الطبقة الفقيرة أو المهملة اجتماعيا ،… هذا الاعتراض يظل مفتقرا إلى الدقة الفكرية في معالجة الموقف.

ومثلما قلنا ، فإن الاعتراض الثالث وهو : ذهابهم إلى أن الجماعة المؤمنة أقرت عشوائيا برسالة نوح… هذا الاعتراض يشكل ـ في حقيقة الأمر ـ سمة بالشخوص الكافرة وليس بالشخوص المؤمنة ما دام الإيمان وعدمه غير مرتبط البتة بنوع الطبقة الاجتماعية بل بنمط الذهنية.

ولعل الاعتراض الوحيد الذي خيل للشخوص الكافرة بأنه يتسم بشيء من المتانة والقوة ، هو : الاعتراض الذاهب إلى ان نوحا بشر مثلهم.

بيد ان هذا الاعتراض بدوره ، لا قيمة له إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن الرسالة قد اقترنت بما هو (معجز) ، وكفى به شاهدا.

ومن هنا ، جاءت إجابة نوح ، ردا واضحا على اعتراضهم المتقدم ، حينما حاورهم بقوله : {أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي} .ثم جاءت خاتمة الأقصوصة شاهدا معجزا آخر ، متمثلا في واقعة الطوفان ـ كما سيرى.

المهم ، ان نوحا تابع إجابته عليهم ، متسقة مع نمط الاعتراض ونمط الذهنية الكامنة وراء الاعتراض المذكور.

لقد أجابهم ـ في شطر من كلماته ـ أن شاهد النبوة قد غام في أذهانكم (فعميت عليكم) ، وإلى انه من المتعذر إكراهكم على ان تتقبلوا أمرا لا تستوعبه أذهانكم الخاوية (أنلزمكموها وأنتم لها كارهون) أي : أتريدون أن أكرهكم على المعرفة ، وأنتم لستم أهلا لها؟

وتابع نوح إجاباته واحدة بعد أخرى ، وكلها منصبة على اعتراضاتهم المذكورة ، ومنها : قضية الطبقة الاجتماعية التي امنت به. لقد أجابهم بأنه لا يسعه أن يطرد الفقراء ، وتقول بعض النصوص المفسرة ، أن الشخوص المعترضة طلبت من نوح أن يطرد الفقراء من حوله ، حتى يؤمنوا به. وهذا نمط آخر من الذهنية الخاوية التي تسم هؤلاء القوم ، وكأن الايمان ليس قضية فكرية قائمة على التأمل الموضوعي للحقائق والإقرار بها ، بل هو : مجرد مكاسب ذاتية تتعلق بدافع السيطرة والتفوق والاستعلاء ، فاذا ثم إشباع هذا الدافع المريض : فحينئذ يتم الإيمان بالرسالة.

على أية حال ، أجابهم نوح بأنه لا يسعه ان يطرد الفقراء من حوله. ثم أضاف الى ذلك ، حقيقة ربطها بمعرفة السماء الحقة لهذا الجانب ، وإلى انها هي المصدر الذي يملك حق تقويم الأشخاص ومعرفة أعماقهم. لقد حاورهم قائلا :

{وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ}. وبهذه الإجابة ، حسم نوح الموقف الذي انطلق المتمردون منه عبر نظرة استعلائية مزدرية للطبقة الاجتماعية الفقيرة.

وحيال هذه الاجابات الحاسمة ، لم يسع المتمردون إلا أن يمعنوا في العناد ، معتبرين إياها جدالا لا فائدة فيه :

{قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}

إن توضيح الحقائق ، يعد من خلال الذهنية الخاوية ، جدالا. وتبعا لهذه الذهنية ، فإنها طالبت بنزول العذاب الذي توعدهم به نوح.

هنا ، يبدأ الموقف بالحسم : فيوحي الله الى نوح بأن قومه سوف لن يؤمنوا بالحقائق التي أوضحها نوح من خلال أجاباته المتقدمة ، وبخاصة انهم تحدوا نوحا بأن ينفذ تهديده لو كان صادقا...

وفعلا ، تأخذ الأقصوصة هنا منعطفا فنيا ، حيث تكون قد مهدت من خلال الحوار الذي جرى بين نوح وقومه ،... تكون قد مهدت بذلك للتنبؤ بإمكان حدوث واقعة تحقق إنذار نوح لقومه وترد بشكل حاسم على هذا التحدي الواقح من قبل المتمردين. وفعلا ، يتم التحضير فنيا لنزول الحدث المتوقع على نحو ما سنلحظه الآن.

2 ـ الأحداث

تتمثل أحداث القصة عبر بيئة صناعية أولا. ثم تتجه بعد ذلك إلى حدث خطير هو : الطوفان.

أما البيئة الصناعية التي يتم من خلالها : التحضير لنزول الحدث الخطير ، فتتمثل في عملية صنع السفينة.

لقد أوصت السماء نوحا أن يصنع سفينة له ولقومه المؤمنين {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} وبدأ نوح بصنع السفينة فعلا.

إلا ان المتمردين لا يزالون في غيهم. ولا يزالون يتحركون من خلال ذهنيتهم الخاوية التي وقفنا عليها. إنهم بدلا من التوجس ، لا يزالون يسخرون من نوح حينما يجدونه مشغولا بصنع السفينة {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ}

إلا ان نوحا كان يجيب الساخرين بقوله {إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ} .

كما ينبغي ألا يفوتنا أن نشير الى ان السماء عندما أوحت لنوح بصنع السفينة ، حذرته بقولها {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ} .

أن تحذير السماء لنوح من عدم مخاطبته للذين ظلموا. ثم تحذير نوح لقومه من السخرية... هذان التحذيران سنرى لاحقا انهما على صلة بموقف نوح من ابنه ، وبحادثة الطوفان. وهذا يعني أنهما محتفظان بمهمة فنية تلقي الضوء على مستقبل الحدث ، ينبغي ألا يفوتنا الانتباه حيال ذلك ونحن نعنى بالجانب الفني لهذه الأقصوصة.

قلنا ، ان الحوار الذي جري بين نوح وقومه ، كان يمهد لنزول حدث خطير هو الطوفان.

وقبيل هذا الحدث ، كانت ثمة بيئة صناعية تهيء لملابسات الحدث ، وما يرافقه من مصائر للمؤمنين ، متمثلا في عملية صنع السفينة.

وقلنا ، ايضا أن السماء أنذرت نوحا بألا يتوسط بالانقاذ للمغرقين ، وان نوحا أشار إلى الملأ الذين سخروا منه ، بأنه سيسخر منهم عند نزول العذاب.

والآن ، يبدأ الحدث الخطير بالتحرك :

{ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } .

إن هذا الحدث الخطير ، يحفل بعناصر الدهشة والإثارة. فالنصوص المفسرة تذكر أن

ثمة تنورا كان في بيت عجوز مؤمنة بالكوفة ، أو أنه كان لأحدى الخابزات ، أو انه لآدم فار الماء منه علامة لنوح ، أو انه رمز فني يقصد به وجه الأرض.

وأيا كان الأمر بالنسبة إلى منطلق الماء ، فإن الطوفان قد بدأ فعلا يغمر وجه الأرض : إذ تقول النصوص المفسرة ان السماء أرسلت المطر يفيض فيضا ، وان الفرات قد فاض بدوره ، وان العيون انفجرت هنا وهناك.

وفي سورة أخرى سنقف عليها في حينه ، يسرد لنا القرآن الكريم بيئة الطوفان بنحو جمالي مدهش لم يسردها هنا ،... لكن الذي يهمنا الآن هنا ، ان النص القرآني في هذه الأقصوصة لم يعن بوصف بيئة الطوفان لأن السياق لا يستدعيها ، بل السياق يستدعي الحديث عن واقعة الطوفان بشكل عام بصفتها جوابا حاسما للتحدي الوقح من قبل قوم نوح.

إلا ان النص ـ مع ذلك ـ يعنى ببعض جوانب هذه البيئة ، ومنها أيضا : بيئة السفينة نفسها : بصفة ان السفينة ذات علاقة بعملية النجاة التي ألمح إليها القرآن عندما مهد لنا بحديثه عن المؤمنين بنوح من أنهم كانوا هدفا لاعتراض الكافرين ، وكانوا هدفا للسخرية منهم . فقد لحظنا ان الكافرين اعترضوا على نوح بان جماعته من الطبقة الفقيرة وطالبوا بطردهم من حوله. كما لحظنا انهم سخروا منهم عندما كان نوح وجماعته مشغولين بصنع السفينة.

وهذا يعني ـ من حيث الجانب الفني ـ ان النص القرآني الكريم عندما شدد على وصف السفينة وانطلاقها ورسوها ، إنما كان ذلك تساوقا مع المصير الزائغ لجماعة نوح الذين كانوا هدفا للسخرية والاعتراض.

ولنقرأ الوصف الفني لبيئة السفينة :

{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ }

إن هذا الوصف المدهش لبيئة السفينة من حيث ركابها ، ومن حيث جريانها ، ومن حيث رسوها في نهاية المطاف ، يحفل بعناصر الاثارة الفنية على نحو سنتحدث عنه بعد قليل. إلا اننا نعتزم الاشارة هنا فحسب ، إلى ان النص قد فصل الحديث في بيئة السفينة ، واختزل الحديث في بيئة الطوفان على العكس من نصوص قرآنية أخرى : كان الحديث فيها مفصلا عن الطوفان ومختزلا عن السفينة... والسر في ذلك فنيا ـ كما قلنا ، كامن وراء الهدف الذي يعتزم النص ابرازه هنا ، وهو : إبراز المؤمنين الذين كانوا هدفا للسخرية ، … إبرازهم في مصير رائع يعد جوابا لأولئك الساخرين منهم… وهذا ما يتصل بوصف السفينة التي أنقذت المؤمنين.

أما الطوفان نفسه ، فحيث قد اختزل هنا ، فلأنه ـ كما قلنا أيضا ـ يعد جوابا للتحدي بشكل عام فيما لايتطلب الأمر إلا إبراز العذاب وليس تفصيلاته.

على أية حال ، نحن الآن حيال حادثة الطوفان والسفينة على النحو الذي تحدثنا عنهما.

ولكن الذي نريد الآن ان نشدد عليه هو إلقاء الضوء على التحذيرين اللذين سبقت الاشارة إليهما. أولهما : تحذير السماء لنوح من أن يتوسط لبعض الغرقى الذين جرفهم الطوفان {وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}.

والتحذير الثاني هو : تحذير نوح لقومه من السخرية التي وجهوها إليه عندما شاهدوه وقومه يصنعون السفينة ، حيث قال لهم : سنسخر منكم كما تسخرون منا.

ونتساءل الآن : ما هو التفسير الفني للتحذير الأول : تحذير السماء لنوح من أن يتوسط للظالمين ؟؟

إن التفسير الفني يتضح بجلاء ، حينما ندرك بان السماء ستهيئ لنا حدثا يمكن التنبؤ به من أن نوحا ستغمره عاطفة أو دافع الأبوة على إبنه عندما يجرفه الطوفان مع الآخرين ، بناء على الوعد الذي قطعته السماء لنوح من انها ستنقذ أهله.

وفعلا ، يجيء حدث الطوفان ،... واذا بنوح يهتف :

{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ}

إلا ان ابن نوح كان في معزل عن الايمان ، ولذلك أجاب والده بما يلي :

(قال : {قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ}

وهنا أجابه والده :

(قال : { لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ }

ولكن المصير الحتمي لولد نوح قد لفه في نهاية المطاف. فكان المصير كما رسمه النص ، على هذا النحو :

{وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ }

إذن : عندما خاطبت السماء نوحا في بداية القصة ـ وقبل حدوث الطوفان ـ بان لا يخاطبها نوح في الذين ظلموا من انهم مغرقون ،... انما كان ذلك الخطاب تمهيدا فنيا لمستقبل الأحداث التي ستسفر عن موقف يقفه نوح من ابنه ، ولكنه سيكون من المغرقين.

وفعلا كان الغرق هو الجواب الفني لهذا التمهيد.

ولنتابع هذه العملية :

{وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}

وقد أجاب الله نوحا بما يلي :

{قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}

إذن : للمرة الأخرى ، ينبغي أن نشير الى ان حادثة الطوفان قد تسلل إليها موقف خاص هو : موقف نوح من إبنه فيما كان يظن انه من أهله الذين وعد الله بانقاذهم. وإلى ان النص عندما أشار في بداية القصة إلى التحذير من التوسط ، فلان المستقبل كان يضمر في قلب الأحداث مثل هذا الموقف الذي لحظناه من نوح حيال ابنه.

إن السخرية التي تعرض لها نوح وجماعته المؤمنة عندما كانوا يصنعون السفينة.. ثم جوابه لهم ، من انه سيسخر منهم.. هذه الإجابة انما كانت منطوية على تمهيد فني يتمثل في أن الاحداث المقبلة تضمر في أعماقها مفاجأة سارة لصالح المؤمنين...

وفعلا ، جاء حدث السفينة حافلا بما هو مسر للمؤمنين ، وبما هو ساخر من الكافرين الذي كانوا يسخرون من المؤمنين عندما شغلوا بصنع السفينة.

وها هو النص القرآني ، تساوقا مع حدث السفينة ، يقدم لنا وصفا حافلا بالدهشة والاثارة لعملية جري السفينة ، ولركابها ، ولرسوها. مؤكدا بهذا الوصل لتفاصيل بيئة السفينة تناسق المصير للمؤمنين مع طبيعة الموقف الساخر حيالهم...

والآن ، لنقف عند تفاصيل هذا الوصف : نظرا لما تحفل به من جمالية ممتعة ، ولما تزخر به من مصائر يرسمها النص للمؤمنين ـ حتى في الحياة الدنيا ـ جزاء لايمانهم ، وصبرهم على الشدائد ، وعلى سخرية الكافرين.

إن تفاصيل الوصف للسفينة ، تنطوي على بيئات ثلاث :

1 ـ بيئة الركاب.

2 ـ بيئة الجري [جري السفينة].

3 ـ بيئة الهبوط [رسو السفينة].

ولنقف ، عند كل واحدة من البيئات الثلاث المذكورة.

1 ـ بيئة الركاب

يقول النص :

{ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ}

تذهب النصوص المفسرة ، الى ان عدد الركاب يتراوح بين سبعة إلى ثمانين حسب تفاوت هذه النصوص ، بضمنهم ، من كل زوجين ، وبضمنهم : أهل نوح ما عدا أمراته ، وابنه الذي تقدم الحديث عنه ، وتقول النصوص ان نوحا طلب منهم صيام ذلك اليوم ، فصاموه فعلا.

وينبغي أن نشير هنا إلى ان المفسرين اختلفوا في تحديد معنى (الأهل) هنا من حيث صلة ابنه بذلك. فذهب البعض الى ان المقصود من ذلك إلى ان ابنه ليس من دينه ، فيكون (الأهل) هنا رمزا للدين. وذهب البعض الى ان المقصود من ذلك هو استثناء الابن من الأهل الذين وعدوا بالنجاة.

وأيا كان الأمر ، فان طلب نوح من السماء إنقاذ ابنه انما يتم بناء على الوعد الالهي بإنقاذ الأهل ، ولذلك عندما أو ضحت السماء ان ابنه ليس من أهله ، إعتذر نوح . مخاطبا الله :

(إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم).

2 ـ بيئة الجري

يقول النص :

{إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ}

تذهب بعض النصوص المفسرة ان الركاب إذا أرادوا أن تجري بهم السفينة قالوا : بسم الله مجراها ، فتجري حينئذ. وإذا أرادوا أن تقف قالوا : بسم الله مرساها ، فتقف حينئذ.

وتقول هذه النصوص ، ان الماء قد ارتفع حتى على الجبال بمسافة كبير. ولعل الصورة الفنية : أي تشبيه السفينة بالجبال في تموجها ، لها صلة بالحقيقة المذكورة.

والمهم ان التشبيه نفسه ينطوي على إمتاع جمالي كبير.

إن المتلقي عندما يترك لتصوراته أن ترسم سفينة كالجبال في ارتفاعها وضخامتها ، وسط أمواج عارمة متلاطمة ، فإن هذه التصورات ستمده ـ دون أدنى شك ـ بفيض جمالي هائل من الإمتاع لهذه المرأى المدهش.

ولهذا المرأي مستويان ، أحدهما : قبيل أن يغمر الطوفان كل الأرض : وهذا ما يمكن تخيله من خلال إجابة ابن نوح من انه سيأوي الى جبل يعصمه من الماء قبل أن يكتسح الطوفان ، الأرض كلها. أما الآخر فيتمثل في اكتساحه لوجه الأرض أجمع.

وتقول النصوص المفسرة ، ان السفينة كانت تسير ستة أشهر تطوف الأرض كلها لا تستقر في موضع حتى انها أتت الحرم فطافت حول الكعبة بعد ان رفعها الى السماء ، ثم سارت بهم حتى انتهت إلى جبل بأرض الموصل.

وأيا كان الأمر ، فان مرأى السفينة وهي تجري قبيل أن يغمر الطوفان كل الأرض ، ومرآها وهي تجري في الأمواج الغامرة للأرض جميعا ،... ثم جريانها حول الأرض مسافة ستة أشهر على النحو المتقدم وصفه...

كل ذلك يحفل بمرأى مدهش ، مثير ، ممتع : يتحسس جماليته ـ ورهبته ايضا ـ كل من سمح لتصوراته بان تتحرك وفق خبراته التي اختزنها في هذا الصدد.

3 ـ بيئة الهبوط (الرسو)

يقول النص :

{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ }

إن البلاغيين والنقاد قديما وحديثا افاضوا في الحديث عن هذه الصورة الفنية {يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي} وأبرزوا شتى مستوياتها الجمالية المدهشة.

ونحن هنا لا نعتزم الافاضة في هذا الجانب ، بقدر ما نرغب في الاشارة الى بيئة الأقصوصة من حيث هبوط السفينة ، ورسوها بعد تلك الرحلة المثيرة التي تقدم الحديث عنها ، ووفقا للصورة الفنية المذكورة ، فإن الله قال للأرض :

أنشفي ماءك الذي غمر الأرض واشربيه حتى لا يبقى على الأرض شيء منه. وقال للسماء : أمسكي عن المطر.

وفعلا : غيض الماء إلى باطن الأرض ، واصبح ماء السماء بحارا وأنهارا. ثم استقرت السفينة ـ في نهاية المطاف ـ حيث انحط لها جبل في الموصل. وقالت السماء ـ عندئذ ـ لنوح : انزل منها بسلام منا وبركات وعاد كل شيء الى موضعه بعد تلك الرحلة التي شاهدت خراب الأرض ومن عليها : نتيجة تمرد الكافرين وتحديهم للسماء ، وسخريتهم من المؤمنين.

وبعامة ، فإن اقصوصة نوح طرحت جملة من الأفكار عبر صياغة فنية ممتعة تتصل بعمليات التحدي ونتائجه والمصائر التي تغلف المؤمنين والكافرين دنيويا كما انطوت ـ ضمنا ـ على أفكار ثانوية سنشير إليها خلال تناولنا للعنصر القصصي في هذه السورة وصلته بالأقصوصة الرئيسية أقصوصة هود.

وينبغي ـ في الختام ـ أن نشير إلى تعقيب السماء على هذه الأقصوصة بعد أن أنهتها بحادثة استواء السفينة وانقاذ المؤمنين وإبادة الكافرين حيث قالت بوضوح :

{اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } إن هذه الفقرة الأخيرة من التعقيب على الأقصوصة ، ونعني بها { وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ }هذه الفقرة لها أهميتها الفنية في الأقاصيص اللاحقة من هذه السورة ، وبضمنها : الأقصوصة الرئيسية هود فيما سيمسها العذاب الأليم الذي مهدت به أقصوصة نوح. وهو أمر سنلحظه مفصلا عند حديثنا عن أقصوصة هود.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .