أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-5-2021
2288
التاريخ: 18-7-2019
1929
التاريخ: 23-7-2019
1553
التاريخ: 16-6-2021
7071
|
بناء المسجد :
واشترى النبي «صلى الله عليه وآله» ـ أو وهب له ـ موضع المسجد ، الذي يقال : إنه كان مربدا (١) ليتيمين من الخزرج ، كانا في حجر أسعد بن زرارة ، أو غيره اشتراه ـ على ما قيل ـ بعشرة دنانير.
فأسس «صلى الله عليه وآله» المسجد في ذلك الموضع ، ونقلوا إليه الحجارة من منطقة الحرة ، وشارك «صلى الله عليه وآله» بنفسه في نقلها ، الأمر الذي دفع الصحابة إلى الدأب في العمل ، والجد فيه ، حتى قال قائلهم :
لئن قعدنا والنبي يعمل *** لذاك منا العمل المضلل
وارتجز المسلمون وهم يبنونه يقولون :
اللهم إن الأجر أجر الآخرة *** فارحم الأنصار والمهاجرة
أو نحو ذلك (٢).
وسيأتي : أن هذين البيتين أنشدهما المسلمون وهم يحفرون الخندق.
ولا مانع من تعدد الواقعة إذا تشابهت الحالات والدواعي. وجعل طوله مئة ذراع في مثلها ، أو قريبا من ذلك ، وقيل : جعله سبعين في ستين.
ونحتمل أن يكون كلاهما صحيحا ، وأنه جعله في البناء الأول سبعين في ستين ، ثم وسعه في البناء الثاني (3).
وابتنى الرسول «صلى الله عليه وآله» مساكنه ، وابتنى أصحابه مساكنهم حول المسجد ، وكل قد شرع له إلى المسجد بابا ، وقد سدت الأبواب كلها فيما بعد سوى باب أمير المؤمنين «عليه السلام» ، كما سيأتي.
وقبل أن نمضي في الحديث ، لا بد من الالتفات إلى بعض ما يقال هنا ، من أجل تقييمه ، وبيان وجه الحق فيه وذلك حسبما يلي :
أ ـ أبوبكر والعشرة دنانير :
إنهم يقولون : إن أبابكر هو الذي دفع العشرة دنانير ، ثمن المربد (4).
ونحن نشك في ذلك.
أولا : لأن أبابكر لم يكن له القدرة المالية على ذلك ، ولو كانت ، فنحن نشك في إقدامه على هذا الأمر ، وذلك استنادا إلى ما قدمناه في حديث الغار.
ثانيا : لو سلمنا وقبلنا : أنه كان قادرا ، فإننا نجد في المقابل رواية تقول : إن أسعد بن زرارة قد عوض اليتيمين نخلا له في بني بياضة ، وفى أخرى :
أرضاهما أبو أيوب ، وفي ثالثه : معاذ بن عفراء (5).
واحتمل البعض : أن يكون أبو بكر قد دفع الثمن ، وأعطى الباقون زيادة عليه برا وصلة (6).
ولكن ذلك ليس بأولى من العكس ، أضف إلى ذلك أنه لا ينسجم مع التعبير بكلمة : «عوضهما» فإنه ظاهر في كونه ثمنا وعوضا ، لا برا وصلة.
ثالثا : قد روى البخاري وغيره : أن الرسول «صلى الله عليه وآله» أرسل إلى ملأ من بني النجار ، فقال : يا بني النجار ، ثامنوني بحائطكم هذا ، قالوا : لا والله ، لا نطلب ثمنه إلا من الله (7).
ب ـ أحجار الخلافة :
وقد روى الحاكم ، عن عائشة ، قالت : أول حجر حمله النبي «صلى الله عليه وآله» لبناء المسجد ، ثم حمل أبوبكر حجرا آخر ، (ثم حمل عمر) (8) ، ثم حمل عثمان حجرا آخر.
فقلت : يا رسول الله ، ألا ترى إلى هؤلاء كيف يساعدونك؟.
فقال : يا عائشة ، هؤلاء الخلفاء من بعدي.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه (9).
ولكن هذه الرواية لا يمكن أن تصح ، فعدا عن تناقض واختلاف نصوصها كما لا يخفى على من راجعها في المصادر المختلفة وقارن بينها ، فإننا نذكر :
أولا : قال الذهبي ، بعد أن ضعف سند الحديث : «لو صح هذا لكان نصا في خلافة الثلاثة ، ولا يصح بوجه ، فإن عائشة لم تكن يومئذ دخل بها النبي «صلى الله عليه وآله» ، وهي محجوبة صغيرة ، فقولها هذا يدل على بطلان الحديث» (10).
ولنا تحفظ على قوله : إنها كانت صغيرة ، ذكرناه في موضع آخر من هذا الكتاب.
وقال ابن كثير : «هذا الحديث بهذا السياق غريب جدا» (11).
ثانيا : وفي مقام الإشكال على حديث سفينة : في أحجار الخلافة المتقدم (12) قال البخاري في تاريخه : «ابن حبان لم يتابع على الحديث المذكور لأن عمر وعثمان ، وعلي (كذا) قالوا : لم يستخلف النبي «صلى الله عليه وآله» (13).
لقد قالت عائشة : «لو كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» مستخلفا لاستخلف أبابكر وعمر» وصححه الحاكم والذهبي (14).
يريد البخاري : أن هذا الحديث يخالف عقيدة أهل السنة في كون النبي «صلى الله عليه وآله» لم ينص ، ولم يستخلف ، وبهذا يصححون خلافة أبي بكر التي جاءت بطريقة غير طبيعية ولا مألوفة.
وقد ذكر العلامة الأميني (15) : طائفة كبيرة من كلماتهم الدالة على أن الخلافة انتخابية ، فهذه الرواية تكون كاذبة على مذهبهم ، وهي كاذبة واقعا أيضا ، لأنه «صلى الله عليه وآله» إنما نص على أمير المؤمنين علي «عليه السلام» خليفة بعده ، والنصوص الدالة على ذلك لا تكاد تحصى ، وقد استدل بذلك أمير المؤمنين وصحبه ، وأهل بيته وولده ، وشيعته من الصحابة والتابعين ، ومن بعدهم ، وإلى يومنا هذا ، ولا يكاد يخلو كتاب من تلك النصوص المتضافرة والمتواترة ، جملة وآحادا (16).
ثالثا : إن هذه الرواية تذكر عثمان في جملة الواضعين للأحجار الأولى ، ولكن عثمان ـ كما يقولون ـ كان حينئذ في الحبشة ، كما أشار إليه السمهودي ولم يكن حاضرا في المدينة ، ولأجل ذلك حذف السهيلي عثمان من الرواية (17).
تحريف في مستدرك الحاكم :
ولعل هذا هو السر في حذفها تبرعا من نص الحاكم ، حين طبع كتابه ، لأن الذهبي ذكرها في تلخيصه ، وهذا يعد من التحريف الذي هو خيانة حقيقية للدين وللأمة وللأجيال.
والخلاصة : أن عثمان وإن قدم مكة حين بلغهم إسلام أهل مكة ، لكنهم لما تبين لهم خلاف ذلك ، رجع عدة منهم وبقي عدة ، ويبدو أن عثمان قد كان من جملة من رجع كما يدل عليه قولهم : إن عثمان قد هاجر الهجرتين إلى الحبشة (18).
وذكر العسقلاني : أنه بعد أن سمع المسلمون الذين في الحبشة بهجرته «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة ، عاد منهم ثلاثون إلى مكة ومنهم ابن مسعود ، الذي وصل المدينة في حين كان «صلى الله عليه وآله» يتجهز إلى بدر .. (19).
ولكن لا ندري كيف يصح كلام العسقلاني هذا ؛ إذ ما هو السبب في عودتهم إلى مكة ، مع أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد تركها إلى المدينة!! إلا أن يكون هو إرادة الحصول على أموالهم ، وهو بعيد.
ج : عثمان وعمار :
ويقولون : «كان عثمان بن عفان رجلا نظيفا متنظفا ، وكان يحمل اللبنة ، فيجافي بها عن ثوبه ، فإذا وضعها نفض كمه ، ونظر إلى ثوبه ، فإن أصابه شيء من التراب نفضه ، فنظر إليه علي بن أبي طالب ، فأنشأ يقول :
لا يستوى من يعمر المساجدا *** يدأب فيها قائما وقاعدا
ومن يرى عن التراب حائدا
فسمعها عمار بن ياسر ، فجعل يرتجز بها ، وهو لا يدري من يعني بها ، فمر بعثمان ، فقال : يا ابن سمية ، بمن تعرض ـ ومعه جريدة ـ فقال : لتكفن ، أو لأعترضن وجهك ، فسمعها النبي «صلى الله عليه وآله» ، وهو جالس في ظل بيت أم سلمة ـ وفي رواية : في ظل بيته ـ فغضب «صلى الله عليه وآله» ، ثم قال : إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من المرء فقد بلغ ، ووضع يده بين عينيه.
فكف الناس عن ذلك ، ثم قالوا لعمار : إن النبي «صلى الله عليه وآله» قد غضب فيك ، ونخاف أن ينزل فينا القرآن.
فقال : أنا أرضيه كما غضب.
فقال : يا رسول الله ، ما لي ولأصحابك؟
قال : ما لك ولهم.
قال : يريدون قتلي ، يحملون لبنة لبنة ، ويحملون على اللبنتين والثلاث.
فأخذ بيده ، فطاف في المسجد ، وجعل يمسح وفرته من التراب.
ويقول : يا ابن سمية ، لا يقتلك أصحابي ، ولكن تقتلك الفئة الباغية» (20).
وهكذا نجد رسول الله «صلى الله عليه وآله» يستفيد حتى من حالة المزاح التي يريد أن يثيرها عمار ، في متابعة شؤون الدعوة ، وفي تحصين المسلمين من الانخداع بأولئك الذين يظهرون الدين والتدين ، وهم إنما يعملون من أجل تحقيق أهدافهم ، وفي سبيل مصالحهم ، فعلى الناس في المستقبل أن يلتفتوا لهذه الحقيقة ، كما أن هذه الإشارة منه «صلى الله عليه وآله» إلى قتلة عمار الذي سيقتله ابن عم عثمان (معاوية) بحجة الطلب بدم عثمان نفسه الذي له هذا الموقف الخشن من عمار ، لا يخلو من طرافة ، وهو أمر يدعو إلى التأمل والتدبر حقا.
__________________
(١) المربد : محبس الإبل أو مكان تجمع التمر أو المكان الخالي خلف البيوت.
(٢) راجع ما تقدم في السيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٧ و ٧١ و ٦٤ و ٦٥.
(3) وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٤٠ فما بعدها ، وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٥ و ٣٦٦ ، وراجع : التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٧٧.
(4) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٥.
(5) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢١٥ ، ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٣ و ٣٢٤ عن ابن حجر ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٥.
(6) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٥ ، ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٣ و ٣٢٤.
(7) صحيح البخاري (ط الميمنية) ج ١ ص ٥٧ ، وتاريخ الطبري (ط الاستقامة) ج ٢ ص ١١٦ ، والكامل لابن الأثير (ط صادر) ج ٢ ص ١١٠ ، ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٣ ، والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٧٧.
(8) الزيادة من تلخيص المستدرك.
(9) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٩٦ و ٩٧ وتلخيصه للذهبي بهامشه ، وراجع : وفاء الوفاء ج ١ ص ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٣٥١ وراجع ص ٢٥١ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢١٨ ، وج ٦ ص ٢٠٤ مصرحا بأن ذلك كان في مسجد المدينة ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٥٦ و ٦٦ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٤٤ و ٣٤٣ ، ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٢٧٢.
(10) تلخيص المستدرك للذهبي ، المطبوع بهامش مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٩٧.
(11) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢١٨.
(12) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٣.
(13) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٦٦.
(14) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٧٨.
(15) راجع : الغدير ج ٥ ص ٣٥٧ ـ ٣٧٥.
(15) راجع على سبيل المثال : الغدير ج ١ ص ١٩٥ ـ ٢١٣.
(17) راجع وفاء الوفاء ج ١ ص ٢٥٢.
(18) راجع : طبقات ابن سعد ج ١ قسم ١ ص ١٣٨ ، والكامل لابن الأثير ج ٣ ص ١٨٥ ، وفي البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٧ : أن رقية زوجة عثمان أسقطت علقة في السفينة في هجرتها الأولى إلى الحبشة.
(19) فتح الباري ج ٧ ص ١٤٥.
(20) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٤٢ ، تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٤٥ ، والأعلاق النفيسة ، ووفاء الوفاء ج ١ ص ٣٢٩ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٧٢ ، وقد ذكره في الغدير
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|