أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1514
التاريخ: 11-10-2014
2541
التاريخ: 11-10-2014
2585
التاريخ: 11-10-2014
1704
|
هذه الاُقصوصة بدورها لا تتكرّر في النصوص القرآنية الكريمة ، وتحمل دلالات خاصة تتصل بإخضاع السماء البشر لتجارب اختباريه ، سواء أكانت هذه ابتدائية أو اقتراحية ، وسواء أكانت ذات أهداف مرتبطة بالحدث أو الموقف المستهدف في القصة أو غير مرتبطة بذلك ، كتجربة الشرب من النهر في قصة الملأ من بني إسرائيل .
المهم أنّ اُقصوصة المائدة ، أو حواري عيسى تظل من التجارب الاقتراحية ، أي التي يقترحها البشر لا السماء ، وما يترتّب على ذلك من النتائج المهمة في تحديد المصائر .
المهم ، أنّ هذه الاُقصوصة هي الاُقصوصة الثالثة في سورة «المائدة» ونعني بها حكاية الحواريين مع عيسى ومطالبتهم بإنزال المائدة من السماء .
ولنقرأ نصوص الحكاية أولا :
﴿وإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وبِرَسُولِي﴾
﴿قالُوا : آمَنّا واشْهَدْ بِأَنـَّنا مُسْلِمُونَ﴾
﴿إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾
﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ﴾
﴿قالَ اتَّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
﴿قالُوا : نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا﴾
﴿ونَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا ونَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشّاهِدِينَ﴾
﴿قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ : اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ﴾
﴿تَكُونُ لَنا عِيداً لاِوَّلِنا وآخِرِنا وآيَةً مِنْكَ وارْزُقْنا وأَنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ﴾
﴿قالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ﴾
﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ﴾
تلخيص القصة :
تقول النصوص المفسّرة : إنّ الحواريين وهم وزراء عيسى (عليه السلام) أرادوا أن يزدادوا يقيناً بنبوّة عيسى وتطمئن قلوبُهم بذلك ، فسألوا نزول مائدة من السماء بدعاء خاص من عيسى ، حتى تكون هذه الواقعة بُرهاناً تجريبياً على صدق نبوّته .
وتقول بعض النصوص : إنّ عيسى (عليه السلام) أمر قومه بصيام ثلاثين يوماً ، وقال لهم :
«ادعوا اللّه ما شئتم فإنّ دعاءكم يُجاب حينئذ» . وعندها دعوا اللّه نزول مائدة من السماء .
وقد أجاب عيسى الحواريين ، بقوله : «اتقو اللّه إن كنتم مؤمنين» ، إلاّ أنـّهم أقنعوه بأنّ القضية متصلةٌ بتثبيت اليقين في نفوسهم .
وفعلا دعا اللّهَ عيسى نزول المائدة من السماء ، حتى تكون يوم عيد يعظّمه المؤمنون بعامّة ، وبرهاناً على صحة النبوّة ، ورزقاً لهم بعامّة .
وقد استجابت السماءُ لدعاء عيسى ، فأنزلت المائدة فعلا ، إلاّ أنـّها اشترطت على ذلك أن يكون نزول المائدة شيئاً حاسماً في عملية اليقين والاطمئنان ، وإلاّ فإنّ مَن شكّك بعد ذلك ، سيواجه عقاباً لا يُعذّب بمثله أحدٌ من العالمين .
وتُضيف النصوص المفسّرة : إنّ المائدة نزلت بصنوف الطعام الشهي الذي لم يُر مثله قط .
ويبدو أنّ عنصر التشكيك قد دبّ في بعض النفوس ، كما أنّ الترفّع والكبر قد خالط بعض النفوس أيضاً ، إذ تقول النصوص المفسّرة : إنّ البعض طلب من عيسى أن يبدأ هوَ بالتناول منها أولا بعد أن أفزعهم طلبٌ آخر ، هو سؤالهم بإحياء سمك المائدة ، وتحقيق ذلك فعلا ، ثمّ عودتها مشويةً من جديد .
كما أنّ النصوص المفسّرة قد ذكرت أنّ الأغنياء والفقراء من الجمهور قد أقبل على التناول منها ، ممّا اضطر عيسى إلى أن يجعلها نوبةً بينهم ، ثمّ أوحى اللّه بعد ذلك إلى عيسى أن يخصّصها للفقراء فحسب ، وحيال هذا عَظم على الأغنياء أن يُحرموا منها ممّا دفعهم إلى التشكيك بالأمر ، وتشكيك الآخرين بها أيضاً .
وتقول النصوص : إنّ الأغنياء أساساً قد ترفّعوا عن ذلك وطلبوا ألاّ يشاركهم الفقراء في ذلك .
ونظراً لأنّ السماء قد اشترطت على عيسى أن يكون نزول المائدة مقروناً بعدم التشكيك والترفّع ، فحينئذ حققت السماء الشرط وعاقبتهم عقاباً صارماً بأن مسختهم خنازير .
* * *
من التلخيص المتقدّم لحكاية المائدة ، يمكننا أن نستخلص جملة من الحقائق في هذا الصدد ، أهمها قضية اليقين والتشكيك . فالاُقصوصة تعالج هذه الوجهة من النظر في اُسلوب حكائي ممتع ، يتخذ من الفنّ وسيلة حيّة لتقرير الحقيقة المتقدّمة .
إنّ ما يستخلصه القارئ في هذا الصدد هو أنّ النفس الإنسانية من الممكن أن يخامرها حيناً بعض الشك ، أو أنـّها على الأقل بحاجة إلى زيادة في التطمين .
وحينما يواجهها برهان تجريبي حتمي يقع تحت مشاهدتها بوضوح ، حينئذ فإنّ اليقين ينبغي أن يتحقق بأعلى درجاته .
وفي نطاق هذا القدر من المطالبة ، فإنّ السماء تقرّ مشروعيتهُ ما دام يقتاد فعلا إلى تحقيق اليقين بالسماء وقدراتها . بيد أنّ الشخصية عندما يواجهها مثل البرهان التجريبي ، ثمّ تشكّك به أيضاً ، فحينئذ يدلّنا مثل هذا السلوك على أنـّها إمّا أن تكون شخصية معاندة أو مريضة .
وفي ضوء هذه الحقيقة ، أقرّت السماء بمشروعية الطلب ، وأنزلت المائدة فعلا .
وتحقق الاطمئنان لدى البعض .
إلاّ أنّ البعض الآخر شكّك في العملية ، كما لحظنا ذلك في تلخيص القصة .
وحينئذ دلّنا هذا التشكيك على أنّ أصحابه مرضى معاندون ومتكبرون . . . إلى آخره .
إذن هذه الاُقصوصة تعالج قضية التردّد الموضوعي ومشروعيته في نطاق الزيادة في الاطمئنان واليقين .
وخارجاً عن ذلك ، فإنّ التردّد أو الشك إنّما يكشف عن أعماق مريضة لا تعدو
أن تكون نمطاً من العناد أو السخرية أو خلل عام في الجهاز الوظيفي لدى الشخصية .
* * *
وحين نتّجه إلى البناء الفنّي لهذه الحكاية ، نلحظ أنّها تتضمّن حَدَثاً أو واقعة واحدة هي نزول المائدة ، مع ملاحظة أنّ الحدث يشكّل نمطاً من المعجز كما هو واضح .
وقد اختزل النصُ كلّ تفصيلات الحدث ، وأوكل ذلك إلى النصوص المفسّرة ، مكتفياً من ذلك بفقرتين : إحداهما من خلال حوار عيسى مع السماء :
﴿أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ﴾
والاُخرى من خلال حوار السماء مع عيسى (عليه السلام) :
﴿إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ﴾
حيث يستخلص القارئ من هذين الحوارين أنّ المائدة قد نزلت فعلا ، وأنّ ثمة مشكّكين بها بعد النزول ، وأنّ العذاب واقع بهم لا محالة .
هذا النوع من الاستخلاص ، لا تعقيب لنا عليه ما دمنا أوضحنا في كلّ أحاديثنا عن القصص القرآني ، أنّ عملية الكشف وتَرْكها للمتلقّي إنّما تُثري من عملية التذوّق الجمالي للنص .
المهم ، أن نخلص من ذلك إلى أنّ الحدث قد بلور لنا وجهة النظر المتقدّمة وإلى أنّ حوار عيسى (عليه السلام) مع السماء ـ عبر المطالبة بإنزال المائدة ـ قد ألقى الأضواء الكافية لاستخلاص الموقف ، حيث طالب عيسى بأن يُستثمر النزول في كونه آيةً أو برهاناً مؤكداً لقضية الإيمان أولا :
﴿تَكُونُ لَنا عِيداً لأَوَّلِنا وآخِرِنا﴾
وأن يكون عيداً لتجديد التذكّر بعطاء اللّه وقدراته ، ممّا يبلور قضية الإيمان المذكورة .
وأن يكون ثالثاً رزقاً طيّباً ينعم به الجمهور ، ممّا يبلور أيضاً قضية التذكير بنعم السماء وقدراتها .
إنّ هذا الحوار المتضمن للعيد ، والآية ، والرزق ، إنّما صيغ بهذا النمط حتى يمكن بلورة قضية الإيمان واليقين مقروناً بعطاء اللّه .
ومع تضمّنه لهذه المستويات من تقرير الحقيقة المذكورة ، فحينئذ لا تبقى أيّة مشروعية لعملية التشكيك .
وعلى العكس من ذلك ، فإنّ أيّ تشكيك في هذا الصدد ، إنّما يفصح عن مرض الشخصية واستحقاقها لذلك العقاب الذي ألمحت به السماء .
إذاً ، جاءت صياغة الواقعة أو الحدث من خلال الحوار الذي أبرز نقاط الموقف الرئيسة واختزل التفصيلات ، جاءت مفصحةً عن الأهمية الفنّية لعملية الحوار التي تمحّضت للكشف عن الحكاية . فقد لوحظ أنّ الآيات الأربع التي تناولت اُقصوصة المائدة ، إنّما بُنيت جميعها على عنصر الحوار دون أن يتخلّلها أيّ سرد في هذا المجال . ولنستمع من جديد إلى الآيات التي تمحّضت للحوار بأكملها :
1 ـ ﴿إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ : يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾
﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً . . .﴾
2 ـ ﴿قالُوا : نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا . . .﴾
3 ـ ﴿قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ : اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ . . .﴾
4 ـ ﴿قالَ اللّهُ : إِنِّي مُنَزِّلُها . . .﴾
فهذه الآيات الأربع كلّها حوار نهض لوحده في الإبانة عن محتويات الحكاية بما تضمّنته من حدث وموقف .
وواضحٌ أنّ لغة الفنّ القصصي قد تعتمد السرد لوحده ، أو الحوار وحده ، أو كليهما حسب ما يقتضيه السياق . بيد أنّ ذلك كلّه مرتهنٌ بطبيعة الاقتدار على إبراز وجهة النظر بدقائقها من خلال الاقتصاد اللغوي الذي يميّز الاُقصوصة ، فضلا عن التركيز .
لكننا حيال الحوار القرآني المذكور نتحسّس جمالية عالية تتآزر مع الاقتصاد والتركيز بنحو يتناسق مع الإعجاز الخالد لكتابنا العظيم .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|