المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01

أهداف بحوث التسويق
5-9-2016
ادارة قطيع الدجاج البياض بالأجواء الحارة
14-9-2021
مقايس الشد Tensiometers
9-6-2020
القراءة القرآنية في عصر الرسول الاكرم
27-11-2014
Underlying representations
26-3-2022
أثر الموت أو فقد الأھلیة فى التعبیر عن الإرادة
19-6-2018


مسيلمة بن حبيب المعروف بالكذّاب‏  
  
2647   06:03 مساءاً   التاريخ: 28-04-2015
المؤلف : الشيخ محمد فاضل اللنكراني
الكتاب أو المصدر : مدخل التفسير
الجزء والصفحة : ص109-118.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التفاسير وتراجم مفسريها / تراجم المفسرين /

كان من أهل اليمامة، وقد ادّعى النبوّة في عصر النبيّ صلى الله عليه و آله في اليمامة في طائفة بني حنيفة، وكان ذلك بعد تشرّفه بمحضر النبيّ صلى الله عليه و آله وقبوله للإسلام‏ (1) ، وكان يصانع كلّ أحد ويتألّفه، ولا يبالي أن يطّلع الناس منه على قبيح؛ لأنّه لم يكن له غرض إلّا الزعامة والرئاسة، وكان يرى أ نّ ادّعاء النبوّة طريق إلى الوصول إليها، وإلّا فليس لها حقيقة وواقعيّة، بل هي نوع من الكهانة الرائجة في تلك الأعصار؛ ولذا طلب من النبيّ صلى الله عليه وآله أن يشركه في النبوّة، أو يجعله خليفة له بعده، وقد كتب إليه صلى الله عليه و آله في العام العاشر من الهجرة : «من مسيلمة رسول اللَّه إلى محمد رسول اللَّه، سلام عليك، أمّا بعد؛ فإنّي قد أُشركت في الأمر معك، وإنّ لنا نصف الأرض، ولقريش‏ نصف الأرض، ولكنّ قريشاً قوم يعتدون».

فقدم عليه رسولان له بهذا الكتاب، فقال لهما حين قرأ كتاب مسيلمة : فما تقولان أنتما؟ قالا : نقول كما قال.

فقال : أما واللَّه لولا أنّ الرسل لا تُقتل لضربت أعناقكما.

ثمّ كتب إلى مسيلمة : «بسم اللَّه الرحمن الرحيم؛ من محمّد رسول اللَّه إلى مسيلمة الكذّاب، السلام على من اتّبع الهدى.

أمّا بعد؛ فإنّ الأرض للَّه‏ يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتّقين» (2) .

وكان معه نهار الرَّجَّال بن عُنفُوَة، وكان قد هاجر إلى النبي صلى الله عليه و آله وقرأ القرآن وفقِّه في الدين، فبعثه معلِّماً لأهل اليمامة، وليشغب على مسيلمة، وليَشدد من أمر المسلمين، فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، شهد له أ نّه سمع محمّداً صلى الله عليه و آله يقول : إنّه قد أشرك معه، فصدَّقوه واستجابوا له، وأمروه بمكاتبة النبيّ صلى الله عليه و آله ووعدوه إن هو لم يقبل أن يُعينوه عليه، فكان نهار الرّجَّال بن عنفوة لا يقول شيئاً إلّا تابعه عليه، وكان ينتهي إلى أمره، وكان يؤذّن للنبيّ صلى الله عليه و آله ويشهد في الأذان أ نّ محمّداً رسول اللَّه، وكان الذي يؤذِّن له عبداللَّه بن النَّوّاحة، وكان الذي يقيم له حُجَير بن عمير ويشهد له، وكان مسيلمة إذا دنا حجير من الشهادة قال : صَرّح حجير، فيزيد في صوته، ويبالغ لتصديق نفسه وتصديق نهار، وتضليل من كان قد أسلم، فعظم وَقاره في أنفسهم‏ (3) .

وكان له باعتقاده معجزات وخوارق عادات شبيهة بمعجزات النبيّ صلى الله عليه و آله وكراماته.

ومن جملة ذلك أنّه أتته امرأة من بني حنيفة تكنّى بامّ الهيثم، فقالت : إنّ نخلنا لسُحُق، وإنّ آبارَنا لجُزُر (4) ، فادع اللَّه لمائنا ولنخلنا، كما دعا محمّد لأهل هَزمان، فقال : يا نَهار ما تقول هذه؟ فقال : إنّ أهل هزمان أتوا محمّداً صلى الله عليه و آله فشكوا بُعد مائهم، وكانت آبارهم جُزراً (5) ، ونخلهم أ نّها سُحق، فدعا لهم فجاشت آبارهم، وانحَنَت كلّ نخلة قد انتهت حتّى وضعت جرانها لانتهائها، فحكّت به الأرض حتّى أنشبت عروقاً، ثمّ قُطعت من دون ذلك، فعادت فسيلًا مكمّماً ينمى صاعداً.

قال : وكيف صنع بالآبار؟ قال : دعا بسجل، فدعا لهم فيه، ثمّ تمضمض بفمه منه، ثمّ مجّه فيه، فانطلقوا به حتّى فرّغوه في تلك الآبار، ثمّ سَقَوه نخلهم، ففعل النبيّ ما حدّثتك، وبقي الآخر إلى انتهائه.

فدعا مسيلمة بدلوٍ من ماء، فدعا لهم فيه، ثمّ تمضمض منه، ثمّ مجّ فيه، فنقلوه فأفرغوه في آبارهم، فغارت مياه تلك الآبار، وخوَى نخلُهم، وإنّما استبان ذلك بعد مهلكه‏ (6) .

ومن جملة ذلك أ نّه قال له نهار : برِّك على مولودي بني حنيفة، فقال له :

وما التبريك؟ قال : كان أهل الحجاز إذا ولد فيهم المولود أتوا به محمّداً صلى الله عليه و آله فحنّكه، ومسح رأسه، فلم يؤتَ مسيلمة بصبيّ فحنّكه ومسح رأسه الأقرع ولَثِغ، واستبان ذلك بعد مهلكة (7) .

ومنها : أنّه دخل يوماً حائطاً من حوائط اليمامة فتوضّأ، فقال نهار لصاحب الحائط : ما يمنعك من وضوء الرحمن فتسقي به حائطك حتّى يَروى ويبتل، كما صنع بنو المهريّة؛ أهل بيت من بني حنيفة - وكان رجل من المهريّة قدم على النبيّ صلى الله عليه و آله فأخذ وضوءه، فنقله معه إلى اليمامة، فأفرغه في بئره، ثمّ نزع وسقى، وكانت أرضه تهوم، فرويت وجَزَأت، فلم تُلفَ إلّا خضراء مهتزّة - ففعل فعادت‏ يباباً لا ينبت مرعاها (8) .

ومنها : ما في كتاب «آثار البلاد وأخبار العباد» من أنّهم طلبوا منه المعجزة، فأخرج قارورة ضيّقة الرأس فيها بيضة، فآمن به بعضهم، وهم بنو حنيفة أقلّ الناس عقلًا، فاستخفّ قومه فأطاعوه! وبنو حنيفة اتّخذوا في الجاهلية صنماً من العسل والسمن يعبدونه، فأصابتهم في بعض السنين مجاعة فأكلوه، فضحك على عقولهم الناس وقالوا فيهم :

أكلت حنيفةُ ربَّها

 

زمنَ التقحّم والمجاعه‏

لم يحذروا من ربّهم‏

 

سوء العواقب والتباعه‏ (9)

     

وحكي أ نّه رأى حمامة مقصوصة الجناح، فقال : لِمَ تُعذِّبون خلق اللَّه؟

لو أراد اللَّه من الطير غير الطيران ما خلق لها جناحاً، وإنّي حرّمت عليكم قصّ جناح الطائر، فقال بعضهم : سلِ اللَّه الذي أعطاك آية البيض أن ينبت له جناحاً، فقال : إن سألت فأنبت له جناحاً فطار تؤمنون بي؟ قالوا : نعم، فقال : إنّي اريد أن اناجي ربِّي، فأدخلوه معي هذا البيت حتّى أخرجه وافي الجناح حتّى يطير، فلمّا خلا بالطائر أخرج ريشاً كان معه، وأدخل في قصبة كلّ ريشة مقطوعة ريشة ممّا كان معه، فأخرجه وأرسله فطار وآمن به جمع كثير (10)

وحكي أنّه قال في ليلة منكرة الرياح مظلمة : إنّ الملك ينزل إليَّ الليلة، ولأجنحة الملائكة صلصلة وخشخشة، فلا يخرجن أحدكم؛ فإنّ من تأمّلهم اختطف بصره، ثمّ اتّخذ صورة من الكاغذ لها جناحان وذنب، وشدّ فيها الجلاجل والخيوط الطوال، فأرسل تلك الصورة وحملتها الريح، والناس بالليل يرون‏ الصورة ويستمعون صوت الجلاجل ولا يرون الخيط، فلمّا رأوا ذلك دخلوا منازلهم خوفاً من أن تختطف أبصارهم، فصاح بهم صائح : من دخل منزله فهو آمن! فأصبحوا مطبقين على تصديقه‏ (11) .

ومنها : غير ذلك ممّا هو مذكور في كتب التواريخ كالطبري وغيره.

وقد ورد في شأن الرجّال بن عُنفُوة عن النبيّ صلى الله عليه و آله ما رواه أبو هريرة : أ نّه قال :

جلست مع النبيّ صلى الله عليه و آله يوماً في رهط معنا الرَّجَّال بن عنفوة، فقال : «إنّ فيكم لرجلًا ضرسه في النار أعظم من احد» فهلك القوم، وبقيت أنا والرّجال.

فكنت متخوّفاً لها حتّى خرج الرّجال مع مسيلمة، فشهد له بالنبوّة، فكانت فتنة الرّجال أعظم من فتنة مسيلمة (12) .

وبالجملة : كان مسيلمة يزعم أنّ له قرآناً ينزل عليه بسبب ملك اسمه «الرحمن» وكان كتابه مشتملًا على فصول وجملات، بعضها مرتّب، وبعضها مشتمل على الحوادث الواقعة له، والقضايا المتضمّنة لأحواله وأوضاعه، وبعضها جواب عن الأسئلة، ولكنّ الجميع مشترك في

أمر واحد؛ وهو الدلالة على قصور عقل صاحبه، وضعف مرتبته العلميّة، وجهله بحقيقة النبوّة، وعدم اعتقاده بعالم الآخرة وما وراء الطبيعة.

ولذا ورد في حقّه : أنّه قيل للأحنف - وكان من زفّ سجاح بنت الحارث الى مسيلمة الكذّاب - : كيف وجدته؟ قال : ما هو بنبيّ صادق ولا بمتنبّئ حاذق (13) .

وحكي عن عمير بن طلحة النمري، عن أبيه، أنّه جاء اليمامة، فقال : أين مسيلمة؟ فقالوا : مه رسول اللَّه! فقال : لا، حتّى أراه، فلمّا جاءه قال : أنت مسيلمة؟

 

 

قال : نعم، قال : من يأتيك؟ قال : رحمن، قال : أفي نور أو في ظلمة؟ فقال : في ظلمة، فقال : أشهد أنّك كذّاب، وأنّ محمّداً صادق، ولكن كذّاب ربيعة أحبّ إليّ من صادق مُضَر، فقتل معه يوم عقرباء (14) .

ومن جملة قرآنه : «والمبذّرات زرعاً، والحاصدات حصداً، والذاريات قمحاً، والطاحنات طحناً، والخابزات خُبزاً، والثاردات ثرداً، واللاقمات لقماً، إهالةً وسمناً، لقد فُضّلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، ريفكم فامنعوه، والمعترّ فآووه، والباغي فناوئوه» (15) .

وكان يقول : يا ضفدع ابنة ضفدع، نُقِّي ما تُنقِّين، أعلاك في الماء، وأسفلك في الطين، لا الشارب تمنعين، ولا الماء تكدّرين‏ (16) .

وحكي عن ‏كتاب «الحيوان» للجاحظ أنّه قال : ولا أدري ما هيّج مسيلمة على‏ ذكرها (أي ‏الضفدع) ولم ساء رأيه فيها، حيث جعل بزعمه فيما نزل عليه من قرآنه ... (17)

وكان يقول : «والشاء وألوانها، وأعجُبها السود وألبانها، والشاة السوداء، واللبن الأبيض، إنّه لعجب محض، وقد حرِّم المذق‏ (18) فما لكم لا تمجعون» (19)

وكان يقول : «الفيل وما الفيل، وما أدريك ما الفيل، له ذنبٌ وبيل، وخرطومٌ طويل» (20)

وأيضاً يقول : «لقد أنعم اللَّه على الحبلى، أخرج منها نسمة تسعى، من بين صفاق وحشى» (21) (22) .

وغير ذلك من الكلمات التي دلالتها على قصور صاحبها أقوى من دلالتها على معنى مقصود، وحكايتها عن صدورها عن المبتلى بمرض حبّ الجاه والرئاسة أوضح من حكايتها عن صدورها عمّن يريد كشف الحقيقة، وبيان الواقعيّة، كما هو ظاهر لمن يطلب الهداية، ويجتنب طريق الضلالة.

وبالجملة : فقد حكي عن ابن عبّاس أنّه قال : «كان النبيّ صلى الله عليه و آله قد ضرب بعث اسامة، فلم يستتبّ لوجع رسول اللَّه صلى الله عليه و آله ولخلع مسيلمة والأسود، وقد أكثر المنافقون في تأمير اسامة حتّى بلغه، فخرج النبي صلى الله عليه و آله على الناس عاصباً رأسه من الصُّداع لذلك الشأن وانتشاره، لرؤيا رآها في بيت عائشة، فقال : إنّي رأيت البارحة - فيما يرى النائم - أنّ في عضديّ سوارين من ذهب، فكرهُتهما فنفختُهما فطارا، فأوّلتُهما هذين الكذّابين : صاحب اليمامة، وصاحب اليمن، وقد بلغني أنّ أقواماً يقولون في إمارة اسامة، ولعمري لئن قالوا في إمارته، لقد قالوا في إمارة أبيه من قبله! وإن كان أبوه لخليقاً للإمارة، وإنّه لخليق لها، فأنفذوا بعث اسامة» (23) إلى آخر الحكاية.

وفي تاريخ الطبري نقلًا عن أبي هريرة : «أنّه بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله بعث إلى أهل اليمامة أبو بكر خالداً، فسار حتّى إذا بلغ ثنيّة اليمامة، استقبل مَجَّاعة بن مرارة - وكان سيِّد بني حنيفة - في جِبلّ من قومه، يريد الغارة على بني عامر، ويطلب دماً، وهم ثلاثة وعشرون فارساً ركباناً قد عرّسوا، فبيّتهم خالد في معرَّسهم، فقال : متى سمعتم بنا؟ فقالوا : ما سمعنا بكم، إنّما خرجنا لنَثَّئِرَ بدم لنا في بني عامر، فأمر بهم خالد فضربت أعناقهم، واستحيا مجّاعة، ثمّ سار إلى اليمامة، فخرج مسيلمة وبنو حنيفة حين سمعوا بخالد، فنزلوا بعقرباء، فحلّ بها عليهم - وهي طرف اليمامة دون الأموال - وريف اليمامة وراء ظهورهم.

وقال شرحبيل بن مسيلمة : يا بني حنيفة، اليوم يوم الغَيرة، اليوم إن هزمتم تستردف النساء سبيَّات، ويُنكحن غير خطيبات، فقاتلوا عن أحسابكم، وامنعوا نساءكم، فاقتتلوا بعقرباء، وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة، فقالوا : تخشى علينا من نفسك شيئاً! فقال : بئس حامل القرآن أنا إذاً، وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شمَّاس، وكانت العرب على راياتها، ومجَّاعة أسير مع امّ تميم - امرأة خالد - في فسطاطها، فجال المسلمون جولة، ودخل اناس من بني حنيفة على امّ تميم، فأرادوا قتلها، فمنعها مجَّاعة.

قال : أنا لها جارٌ، فنعمت الحرّة هي! فدفعهم عنها، وترادّ المسلمون، فكرّوا عليهم، فانهزمت بنو حنيفة.

فقال المحكّم بن الطفيل : يا بني حنيفة ادخلوا الحديقة؛ فإنّي سأمنع أدباركم، فقاتل دونهم ساعة ثمّ قتله اللَّه، قتله عبد الرحمن بن أبي بكر، ودخل الكفّار الحديقة، وقتل وحشيّ مسيلمة، وضربه رجل من الأنصار فشاركه فيه‏ (24) .

إذا عرفت ما حكيناه من قصّة مسيلمة، وما جاء به مضاهياً للقرآن بزعمه، يظهر لك أنّ النكات الواردة في تلك القصّة، الماسّة بما نحن بصدده من إبطال ما يدّعيه، وعدم لياقة ما أتى به بذلك العنوان؛ بأن يتّصف بالمعارضة والمماثلة للقرآن، وإن كان وضوح ذلك بمكان لا يفتقر معه إلى التوضيح والبيان لأمور تالية :

أحدها : أنّه كان يزعم أنّ النبوّة متقوّمة بالادّعاء، وأنّه ليس لها حقيقة وواقعيّة، راجعة إلى الارتباط الخاصّ بمبدأ الوحي والبعث من قبله، وذلك لاستدعاء مسيلمة التشريك من النبيّ صلى الله عليه و آله، وجعله دخيلًا في نبوّته سهيماً فيها، ويدلّ عليه أيضاً خلوّ كتابه عن التحدّي الذي هو الركن في باب تحقّق المعجزة.

ثانيها : اعترافه في مكتوبه الذي أرسله إلى النبيّ صلى الله عليه و آله في العام العاشر من الهجرة؛ بأنّه أيضاً مثله نبيّ ورسول، حيث يقول فيه : «من مسيلمة رسول اللَّه إلى محمّد رسول اللَّه، أمّا بعد؛ فإنّي قد اشركت إلخ» (25) مع أنّ من الواضح أنّ رسالة النبيّ صلى الله عليه و آله لم تكن محدودة من حيث الزمان والمكان، بل كانت رسالة مطلقة عامّة ثابتة إلى يوم القيامة؛ ولذا أخبر بأنّه مع اجتماع الإنس والجنّ على الإتيان بمثل القرآن لا يكاد يتحقّق ذلك، ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً (26) .

وحينئذٍ فإمّا أن يكون مسيلمة مصدّقاً لهذه الداعية ومعتقداً لها، فلازمه التصديق بعدم وجود رسول آخر، وبعجزه عن الإتيان بما يماثل القرآن، وأنّ ما أتى به لا ينطبق عليه هذا العنوان، فكيف يدّعي النبوّة لنفسه أيضاً مع اعترافه بالقصور والعجز؟ وإمّا أن يكون مكذِّباً لتلك الداعية، ومعتقداً بجواز الإتيان بمثله وأنّه قد أتى به، فلِمَ صدّق النبيّ صلى الله عليه و آله بالرسالة، ووصفه بأنّه أيضاً نبيّ مثله في مكتوبه الذي أرسل إليه؟ ولعمري، أنّ هذا أيضاً دليل واضح على أنّه كان يزعم أنّ النبوّة نوع من السلطنة الظاهريّة، والزعامة الدنيويّة، وليس لها حقيقة وواقعيّة.

ثالثها : أنّ ما أتى به بعنوان الوحي - الذي قد اوحي به إليه بزعمه من اللَّه‏ السبحان، بواسطة ملك اسمه الرّحمن، وقد تقدّم نقل جملة منه - إن كان الباحث الناظر قادراً على مقايسته مع القرآن، وتشخيص عدم كونه في مرتبته بوجه، كما هو الظاهر لمن له أدنى اطّلاع من فنون الأدب واللغة العربيّة، وإلّا فالدليل على عدم اتّصافه بوصف المماثلة والمعارضة ما يستفاد ممّا ذكرنا سابقاً؛ وهو أنّه لو كانت تلك الجملات المضحكة والكلمات السخيفة قابلةً لمعارضة القرآن؛ لاستند بها المعاندون - على كثرتهم - وفيهم البلغاء، والمخالفون - مع عدم قلّتهم -، وفيهم الفصحاء، ولما كان وجه لبقاء المسلمين على عقيدتهم؛ لوضوح عدم كونها ناشئة عن التعصّب القومي، بل كانت مستندة إلى الدليل والبرهان، ومن المعلوم أنّ قوام الدليل بعدم وجود المعارض، فمع وجوده لا يبقى له مجال.

فإذن : الدليل الواضح على نقصان مرتبة تلك الكلمات عدم اعتناء المخالف والمؤالف بها، مع أنّ المعاندين كانوا يتشبّثون بكلّ حشيش لإطفاء نور النبوّه، وسلب وصف الإعجاز عن المعجزة الباقية الوحيدة، وتضعيف الامّة الإسلاميّة بكلّ حيلة، وترويج الملّة الباطلة بكلّ طريقة، كما هو غير خفيّ على من له أدنى بصيرة.

_______________________

1. السيرة النبويّة لابن هشام 4 : 222 - 223، تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 137 - 138، السنة 10، الكامل في التأريخ لابن الأثير 2 : 162.

2. السيرة النبويّة لابن هشام : 4/ 247، تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 146، أحداث سنة 10 ه.

3. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 282 - 283، أحداث سنة 11 ه.

4. كذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري والكامل : لجُرُز، وجُرُزاً.

5. كذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري والكامل : لجُرُز، وجُرُزاً.

6. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 284 - 285، الكامل في التاريخ 2/ 215 - 216.

7. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 284 - 285، الكامل في التاريخ 2/ 215 - 216.

8. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 285، أحداث سنة 11 ه.

9. آثار البلاد وأخبار العباد : 134 - 135.

10. آثار البلاد وأخبار العباد : 134 - 135.

11. آثار البلاد وأخبار العباد : 135 - 136.

12. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 287، أحداث سنة 11، البداية والنهاية : 6/ 317.

13. محاضرات الادباء ومحاورات الشعراء والبلغاء : 4/ 162.

14. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 286، البداية والنهاية 6 : 320.

15. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 284، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2/ 215، البداية والنهاية 6 :/ 319، آثار البلاد وأخبار العباد : 136.

16. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 284، الكامل في التاريخ لابن الأثير : 2/ 215، البداية والنهاية 6 :/ 319، آثار البلاد وأخبار العباد : 136.

17. كتاب الحيوان، لأبي عثمان الجاحظ : 5/ 530، إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة : 122.

18. المذق : مزج اللبن بالماء.

والمَجع : اللبن يشرب على التمر.

هامش إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة للرافعي : 122.

19. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 284، أحداث سنة 11.

20. البداية والنهاية 6 : 320، آثار البلاد وأخبار العباد : 136.

21. الصِفاق : جلد البطن الأسفل الذي إذا سُلخت الشاة فنُزع منها مَسَكُها الأعلى‏ بقي منه ما يمسك البطن، فإذا انشقّ الصِفاق كان منه الفتق.

الحشى : ما دون الحجاب ممّا في البطن من كبد وطحال وكرش وما تبعه.

الإفصاح في فقه اللغة، حسين يوسف موسى وعبد الفتاح الصعيدي 1 : 85، 86.

22. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 138، أحداث سنة 10.

23. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 186، أحداث سنة 11.

24. تاريخ الامم والملوك للطبري : 3/ 287 - 288، أحداث سنة 11 ه.

25. تقدّم في ص 109.

26. اقتباس من سورة الإسراء 17 : 88.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .