محمد بن السائب الكلبي مفسّراً
المؤلف:
المَجمع العلمي للقران الكريم
المصدر:
المدون الأول لعلم احكام القران محمد بن السائب الكلبي
الجزء والصفحة:
ص 73 – 82
2025-05-07
734
عُدَّ محمد بن السائب مفسراً عند أصحاب التراجم، إذ له كتاب تفسير القرآن، وكتاب أحكام القرآن، وكلاهما تفسيرٌ للقرآن الكريم، وعده السيد حسن الصدر من الطبقة الثانية من المفسرين التابعين[1]، بيد أنّ السيد الميلاني عدَّه في الطبقة الثالثة من المفسرين يأتي بعد طبقة الصحابة والتابعين[2].
وهنا سنحاول أن نكشف عن دور هذا العالم الشيعي ومكانته في علم التفسير مع تسليط الضوء على التدوين الأول في أحكام القرآن .
أول من صنف في أحكام القرآن
أحكام القرآن التي تسمى آيات الاحكام تعني الآيات المستفادة منها أحكام شرعية وقد تسمّى بفقه القرآن[3].
و ليس بجديدٍ فمثلما أرادوا لاسمه التغييب فقد أشركوا في ريادته أسماء أخرى، لذلك اختلفت الأقوال في تعيين المصنف الأول لأحكام القرآن، فمنهم من قال محمد بن ادريس الشافعيت204هـ[4]، ومنهم من قال القاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف البياني القرطبي الأندلسي اللغوي ت340هـ[5]، ولكن أقوالهم هذه لا تصمد أمام حقيقة ريادة العالم الجليل محمد بن السائب؛ لأنّه أقدم تأريخاً من سابقيه، ومِن ثمَّ فهو أول من دوّن في أحكام القرآن، كما حكاه السيد حسين الصدر فقال: أول من صنف في أحكام القرآن هو محمد بن السائب الكلبي المفسر الآتي ذكره في طبقات المفسرين - إلى أن يقول- وستعرف أن وفاة محمد بن سائب سنة 146هـ وحينئذ فقد وهم الجلال السيوطي في كتاب الأوائل حيث قال أول من صنّف أحكام القرآن الإمام الشافعي فان الامام الشافعي توفي سنة 204هـ وله من العمر 54سنة, وذكر في طبقات النحاة أول من كتب في أحكام القرآن هو القاسم بن اصبغ بن محمد بن يوسف البياتي القرطبي الأندلسي الإخباري اللغوي المتوفى سنة 304هـ عن 93 سنة، وأياً ما كان فهو متأخر عن محمد بن السائب اللهم إلا أن يريد أول من صنّف في هذا من علماء السنة والجماعة بعده وحينئذ لا ينافي ما ذكرنا من تقدم الشيعة[6] وتابعه السيد محسن الأمين[7] والشيخ الطهراني في الذريعة[8].
والحاصل أن محمد بن السائب يُعدّ المدون الأول لأحكام القرآن بين علماء الفريقين على الإطلاق.
وقد صُنّفت كتب عديدة في آيات الأحكام - وفقا لفقه أهل البيت عليهم السلام - ولعل أبرزها ما ذكرها الشيخ محمد علي الأنصاريّ[9] وهي على النحو الآتي:
- فقه القرآن: للفقيه قطب الدين الراوندي ت573هـ.
- كنز العرفان في فقه القرآن: للشيخ أبي عبد الله المقداد السيوري الحلي، ت826هـ.
- زبدة البيان في أحكام القرآن: للمولى أحمد بن محمد المعروف بالمقدس الأردبيلي ت993هـ.
- مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام: للعلامة الجواد الكاظمي المتوفى أواسط القرن الحادي عشر.
محمد بن السائب وحاله في التفسير
يبدو أن حال ابن السائب في التفسير أهون مما هو عليه في الحديث عند العامة والجمهور؛ إذ إنَّ كثيراً من العلماء قد تعاملوا مع تفسيره وأخذوا عنه، وأذعنوا له في التفسير كما أذعنوا له في علم الأنساب؛ لدقته وجلال فكره، ولمنزلته العلميّة الكبيرة.
وقد ذكرنا شطراً من ذلك منها قول ابن سعد: كان عالماً بالتفسير وأنساب العرب وأحاديثهم[10]، وقال ابن خلكان عنه: صاحب التفسير وعلم النسب كان إمامًا في هذين العلمين[11].
و وصفه الصفدي بقوله: وَهُوَ آيَة فِي التَّفْسِير وَاسع الْعلم[12]، وروى الخطيب البغدادي عن الحسن بن عثمان الْقَاضِي قولًا نصّه: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة: وكان احدها تفسير الكلبي[13]
وقال ابن عدي: وَهو رجل معروف بالتفسير وليس لأحد تفسير أطول، ولَا أشبع مِنْهُ وبعده مقاتل بن سليمان إلا أن الكلبي يفضل عَلَى مقاتل– إلى ان يقول - وحدَّث عن الكلبي بن عُيَينة وحماد بن سلمة وإسماعيل بن عياش وهشيم وغيرهم من ثقات الناس ورضوه بالتفسير[14]
فالرجل في التفسير له مقبولية عند كثير من أهل السنة، وقد روى عنه الثقات، رغم قدحهم فيه في الحديث، حتى تعجب احد المؤرخين المعاصرين وهو الدكتور بشار في أثناء تحقيقه لكتاب تهذيب الكمال قال: وما زلت أتعجب من سبب رواية الثقات عنه![15].
فإنّ هؤلاء الثقات كانوا يروون عنه روايات التفسير، وتفسيره هذا كانت له ميزة ذكرها الداوودي في طبقات المفسرين، قال: وله «تفسير» مشهور، و«تفسير الآي الذي نزل في أقوام بأعيانهم»[16]، فان تفسيره هذا كان يسمّي الأقوام بأسمائهم وأعيانهم، فكانوا يحاولون التستر عليه عند أخذهم منه التفسير ويكنونه بكنى مختلفة لئلا يعرف الرجل فتلاحقه السلطات، لا لغرض التدليس والتلبيس، وقد مر ذكر تعليق السيد الميلاني في المبحث السابق حول ذلك، فراجع. [17]
سند روايته في التفسير
قد روى محمد بن السائب تفسيره هذا عن أبي صالح باذام أو باذان مولى أم هانئ بنت أبي طالب عن ابن عباس، بيد ان ابن حجر روى قول ابن حبان بأن أبا صالح لم يسمع من ابن عباس فلا يحل الاحتجاج به حينئذ[18].
وابن حبان تفرَّدَ بهذه الدعوى من دون غيره، على الرغم من كون أبي صالح معاصراً لابن عباس! واستنكر الشيخ محمد هادي معرفة دعوى ابن حبان بعدم سماع أبي صالح من ابن عباس بقوله كيف لم يسمع منه وهو معه في زمرة عليّ مع سائر أوليائه الكرام![19]، فلا شك أنّ معاصرتهما لبعضهما مع اشتراكهما في المكان، يقتضي السماع من بعضهما، ولو شيئاً يسيراً.
وفي قبال تفرد ابن حبان أقوال معاكسة توثّق مروياته عن أبي صالح، فهذا السيد محسن الأمين في ردّه على دعوى ابن حبان قال: وكيف يجتمع تكذيب ابن حبان المتقدم روايته التفسير عن أبي صالح مع قبول ابن عدي لأحاديثه في التفسير خاصة عن أبي صالح ورواية الثقات عنه ورضائهم إياه في التفسير[20].
والحاصل أن قول ابن حبان في عدم سماع أبي صالح لابن عباس لا يُصغى اليها.
وعلى الرغم من قبول الثقات وارتضائهم لتفسيره، قد أعرض عن تفسيره جماعة منهم ابن حنبل[21]، ويحيى بن معين[22]، ومروان بن محمد[23]، وغيرهم.
وقد يروي التفسير عن غير بن عباس، كما في روايته عن ابي صالح عن جابر بن عبد الله بن رئاب ولكنها نادرة[24].
[1]تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام: 325 .
[2]استخراج المرام من استقصاء الافحام:2/ 188 .
[3]يُنظر الشيعة في مسارهم التاريخي، محسن الامين: 1/ 437 .
[4]«كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة» 1/ 1):
[5]يُنظر الذريعة، الطهراني: 1/ 40.
[6]تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام: 221 .
[7]يُنظر أعيان الشيعة: 1 / 127 .
[9]الموسوعة الفقهية الميسرة، الأنصاري: 1 / 132.
[10]«الطبقات الكبير» 8/ 479 ط الخانجي):
[11]«وفيات الأعيان، ابن خلكان» 4/ 309):
[12]«الوافي بالوفيات» 3/ 70):
[13]«تاريخ بغداد ت بشار» 15/ 475):
[14]«الكامل في ضعفاء الرجال» 7/ 284):
[15]«تهذيب الكمال في أسماء الرجال» 25/ 253):
[16]«طبقات المفسرين للداوودي» 2/ 149):
[17]يُنظر حديث الثقلين، علي الحسيني الميلاني: 116- 117 .
[18]يُنظر «تهذيب التهذيب» 9/ 180- 181):
[19]التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، محمد هادي معرفة: 1/ 295 .
[20]أعيان الشيعة - السيد محسن الأمين - ج 9- الصفحة 339 .
[21]المجروحين لابن حبان ت زايد 2/ 254.
[22]تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي: 30/ 436.
[23]الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 7/ 271.
[24]يُنظر الطبقات الكبرى ط دار صادر 3/ 574 .
الاكثر قراءة في تراجم المفسرين
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة