المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



هل اعتصم القرآن من التغيير؟  
  
2446   06:58 مساءاً   التاريخ: 27-04-2015
المؤلف : علي فاني الاصفهاني
الكتاب أو المصدر : اراء حول القران
الجزء والصفحة : ص 83-97.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / تاريخ القرآن / التحريف ونفيه عن القرآن /

اختلفت الأقوال في تغيير القرآن بالزيادة والنقصان، وعنوان البحث تحريف القرآن، ولنا أن نحقق في المقام بالجواب عن أسئلة سبعة.

السؤال الأول : قد وردت لفظة - التحريف - في القرآن ، فقال تعالى :

{مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [النساء : 46] ، وقال سبحانه : {وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 75].

ولسائل أن يسأل عن معنى التحريف، فنقول : إن التحريف في اللغة تغيير القول، يقال حرّف القول أي غيره عن مواضعه، وحرّف الشي‏ء عن وجهه أي صرفه وأماله، وفي العرف يطلق على أمور ثلاثة :

الأول : قلب مضمون الجملة وتطبيقه على مصداق جعلي على خلاف ما أراده المتكلم، فهو نوع من الكذب والافتراء مستمسكا بكلام المكذوب عليه، وهذا كان شأن اليهود إذ كانوا يحرّفون تارة ما أنزل على موسى (عليه السلام) وأخرى كانوا يحرفون البشائر الواردة في حق نبينا محمد (صلى الله عليه واله وسلم) وثالثة كانوا يحرفون كلام نبينا (صلى الله عليه واله وسلم)، وقد ورد في الأخبار أن الآيتين قد نزلتا في شأن اليهود المحرفين لما ذكر، فراجع ولاحظ.

الثاني : تطبيق مجمل أو مشترك لفظي أو معنوي على مصداق جعلي بعنوان أنه المراد الجدي للمتكلم، وهذا القسم من التحريف داخل في التأويل.

الثالث : تغيير الكلام لفظا بالزيادة والنقيصة وتغيير المواضع ترتيبا، والبحث في المقام هو عن وقوع مثل هذا التحريف أي التغيير اللفظي في القرآن وعدمه.

السؤال الثاني : هل هذا البحث مثمر أم لا ؟

ولا بد من الإشارة قبل الجواب عن هذا السؤال إلى أن التحريف المبحوث عنه في القرآن غير التحريف الموجود في العهدين ، إذ التحريف الأخير عبارة عن اختراع القصص والآيات والأحكام واختلاق التهم والأكاذيب، كاتهام الأنبياء بشرب الخمر وصنعه وسقيه للمريدين وغسل أرجلهم والزنى بالبنت وإيجاد النسل من أولاد البنت المتحققين من الزنى، وكذا نسبة التجسيم الى اللّه ونسبة عدم علم اللّه بمكان آدم في الجنة حين فرار آدم منه، والقول بأن اللّه صارع يعقوب فألقاه مرات على الأرض وألقاه يعقوب مرة على الأرض وجلس على صدره وطلب منه البركة فأعطاه البركة في النسل وجعل الأنبياء من صلبه وأنه تعالى- كما في الآية السادسة من الفصل السادس من سفر التكوين في التوراة- لما خلق الدنيا ندم على ذلك وتغيرت إرادته الى غير ذلك مما هو كثير، فراجع العهدين إن شئت الزيادة.

وأما التحريف الذي يقول به شرذمة في القرآن، فهو عبارة عن حذف بعض ما يتعلق بمناقب أئمتنا الاثني عشر (عليهم السلام) أو ما يتعلق بالمنافقين وأسمائهم، أو ما يكون تفسيرا لبعض الآيات، فتوهم أنه من القرآن كجملة- حق آل محمد- بعد قوله تعالى : {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا} [الشعراء : 227] ، ومن البديهي أن مثل هذا التحريف لا يضر بما هو موجود بين الدفتين ولا يوجب إفحام المخالفين لنا وإلزامهم علينا.

وإذن فالجواب عن هذا السؤال أنه ليست له ثمرة عملية إلا دراسة الأخبار المذكورة في هذا المقام سندا ومفادا.

قال الشيخ الطوسي (ره) في - التبيان - : وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضا، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا وهو الذي نصره المرتضى (ره) وهو الظاهر من الروايات غير أنه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصة والعامة بنقصان كثير من آي القرآن ونقل شي‏ء منه من موضع الى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا، والأولى الإعراض عنها وترك التشاغل بها لأنه يمكن تأويلها، ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين، فإن ذلك معلوم صحته لا يعترضه أحد من الأمة ولا يدفعه، انتهى المقصود من كلامه.

ويظهر من هذه العبارة أمور :

الأول : الاختلاف في التحريف كان من القديم.

الثاني : لم يكن أحد قائلا بالزيادة.

الثالث : كان بعض الخاصة قائلا بالنقيصة.

الرابع : ورود الأخبار الظاهرة في التحريف.

الخامس : إن ما بين الدفتين- اللوحين على حد بعض التعابير- قرآن كلّه، وهو الذي لا ينبغي الارتياب فيه بتاتا، إذ القول بالنقيصة لا يدعم ببرهان، وعلى فرض تسليم النقيصة فليست مانعة عن صحة الاحتجاج بالموجود الفعلي وكونه معجزا ومستندا للأحكام الشرعية، بل لا قائل بوقوع النقص في آيات الأحكام لأن القائل به من الشيعة يقول بالنسبة الى فضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومثالب أعدائهم دون غيرهما، أضف إلى ذلك بأننا نقول أن سدنة الوحي الإلهي وخزنة علوم اللّه قد بينوا الأحكام ووصلت إلينا بحمد اللّه ومنه بواسطة أصحابهم الأمناء (رض)، فهذا البحث لا ثمرة فيه أبدا، نعم لا بد من النظر في الأخبار الظاهرة في التحريف سندا ودلالة حفظا للأذهان من شوب الانحراف.

السؤال الثالث : هل يترتب على القول بالتحريف مفسدة أم لا؟

والجواب عنه : لا، لأن الزيادة وهي الموجبة لسد باب التحدي غير معقولة ولا مأثورة، والقائل بها لا يعتني بقوله لضعفه ووهنه، والنقيصة على فرض التسليم بها لا تضر بالموجود، وهو الحجة الإلهية الفعلية مضافا إلى فساد القول بها، نعم نفس هذا النزاع ربما يجرئ الخصم بأن يقول : إذا كان العهدان محرفين فالقرآن كذلك ولكنه باطل، إذ أنّ العاقل النبيه يرى الفوارق الشاسعة بين كلام معجز أسلوبه- وإن قيل بأنه كان أزيد مما يكون- وبين كتابين اجتمعت فيهما أوهام بالية وقصص خيالية وافتراءات فاضحة على انبياء اللّه ورسله من شرب الخمر والزنى بالبنات وما شاكل ذلك، فما أشبه مطالبها المدسوسة وأكاذيبها المجعولة بحكايات تنسج لترويح الخاطر واتحاف السامر وايناس الساهر، فالإنصاف أن الخصم لا يمكنه التمسك بذيل هذا النزاع تغطية لتحريفات عهديه المحرفين.

السؤال الرابع : انه هل الاعتقاد بالتحريف مخل بالمذهب أم لا؟.

والجواب أنه لا يضر القول بالتحريف بمذهب القائل به لأن الإسلام يطلق تارة على الإسلام الصوري النظامي وهو يتحقق بأداء كلمتي الشهادتين بشرط أن لا ينقضهما في مرحلة الظاهر بإظهار ما يخالفهما، وأخرى على أدائهما مع الاعتقاد القلبي بمضمونهما وما جاء به النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مع العمل بالوظائف الدينية، والقول بالتحريف لا يخل بالأول قطعا لا دلالة له بالمطابقة أو بالالتزام على إبطال الشهادتين، ولا يخل بالثاني أيضا لأنه لا دليل على لزوم الاعتقاد بعدم وقوع التحريف في القرآن، فالقول بالتحريف أو القول بعدمه لا ربط لهما بالإسلام بالمعنى الثاني، ولذا نقول بأن جملة من الاختلافات العقائدية لا توجب الكفر أصلا كنفي بعض المناقب - علم الغيب مثلا - عن الأئمة (عليهم السلام) أو الاعتقاد بعدم مقام الشفاعة لهم يوم القيامة أو عدم رجوعهم الى الدنيا حين ظهور قائمهم (عليه السلام) كما أن إثبات بعض المناقب لهم لا يوجب الكفر، فلا يجوز رمي القائل به بالغلو وطرح خبره لذلك.

فيجب علينا أن لا نبادر بالتجاسر على القائل بالتحريف، بل القائل به إنما ترجح بنظره التحريف لأجل الروايات الآتية الناظرة بنظره إليه من دون نظر ثاقب الى أسانيدها ومداليلها تورّعا في الدين وحذرا من التشكيك في الأخبار الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام) وإن ضعفت أسانيدها وحفظا لظواهرها وإن خالفت العقل، فتجد في كلام القائلين بالتحريف أنه لو لم نأخذ بتلك الأخبار فبأي شي‏ء نثبت الامامة والأحكام الشرعية الخ. نعم علينا- نحن- إيضاح الحق بما يقتضيه المنطق الصحيح والبرهان الصريح.

فقد نشأ القول بالتحريف استنادا الى الأخبار واستظهارا منها فالقول بأن هذا الرأي خرافة إفراط في التعبير، إذ أنّ الخرافة عبارة عن الخيالات الفاسدة التي لا أساس لها أبدا، والقول بالتحريف وإن كان اشتباها إلا أن له منشأ وهو الاخبار ، فاللازم ، تحليلها سندا ودلالة لا رمي القائل به بالخرافة.

السؤال الخامس : من هم القائلون بالتحريف وما هي أدلتهم ؟.

والجواب أن جماعة من المحدثين وحفظة الأخبار استظهروا التحريف بالنقيصة من الأخبار، ولذلك ذهبوا الى التحريف بالنقصان.

وأولهم فيما أعلم علي بن إبراهيم في تفسيره، فقد ورد فيه قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي : «فالقرآن منه ناسخ ومنسوخ ... ومنه منقطع ومنه معطوف ومنه حرف مكان حرف ومنه محرف ومنه على خلاف ما أنزل اللّه عز وجل ، - الى أن قال - : وأما ما هو محرف منه فهو قوله : {لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ} [النساء : 166] ‏ في علي، كذا أنزلت. {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ } [النساء : 166] ، وقوله : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة : 67]. وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا آل محمد حقهم‏ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا } [النساء : 168] ‏ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا آل محمد حقهم‏ أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ‏}[الشعراء : 227] ، وقوله : {وَلَوْ تَرَى [‏ الذين ظلموا آل محمد حقهم‏ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ}‏ الأنعام : 93] (1)، ومثله كثير نذكره في مواضعه‏ (2)، انتهى المقصود من كلامه، ويظهر ذلك من الكليني حيث روى الأحاديث الظاهرة في ذلك ولم يعلق شيئا عليها، وذهب السيد الجزائري الى التحريف في شرحيه على التهذيبين وأطال البحث في ذلك في رسالة سماها- منبع الحياة-.

وقال الشيخ محمد حسين الأصفهاني النجفي والد شيخنا في الرواية أبي المجد الشيخ آغا رضا النجفي (قد هما) في تفسيره : والأحاديث الظاهرة في تغيير القرآن وتبديله والتقديم والتأخير والزيادة والنقيصة وغير ذلك كثيرة، حتى نقل بعض العارفين المحدثين عن السيد نعمة اللّه الجزائري أنه ذكر في- الرسالة الصلاتية- أن الأخبار الدالة على ذلك تزيد على ألفي حديث، وذكر أنه لم يقف على حديث واحد يشعر بخلاف ذلك، وقال : القرآن الموجود الآن ستة آلاف آية وستمائة وست وستون آية تقريبا، والمروي في صحيحة هشام الجواليقي : «أن القرآن الذي نزل على محمد (صلى الله عليه واله وسلم) سبعة عشر ألف آية وفي رواية ثمانية عشر ألف آية» (3).

ونقل عن سعد بن إبراهيم الأردبيلي من علماء العامة في كتاب - الأربعين - أنّه روى بإسناده الى المقداد بن الأسود الكندي قال ؛ كنت مع رسول اللّه متعلقا بأستار الكعبة ويقول : «اللهم أعني وأشدد أزري واشرح صدري وارفع ذكري» فنزل جبرائيل (عليه السلام) وقال له : اقرأ ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك بعلي صهرك، فقرأ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) علي بن مسعود فألحقها في تأليفه وأسقطها عثمان، انتهى المقصود من كلامه، ولعل المراد من ألفي حديث، الطرق المتعددة من الشيعة وأهل السنة الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والأئمة (عليهم السلام).

ورأينا من بعض السادة الأجلة من الجامعين للأخبار رسالة فيها مباحث روائية وبالغ في ذكر الأخبار التي يظهر منها وقوع التحريف ولا سيما بالنقيصة، وقال السيد صدر الدين في شرحه على قول المولى في الوافية : وقد وقع‏ الخلاف في تغييره‏ (4).

وأقول إن السيد نعمة اللّه (قده) قد استوفى الكلام في هذا المطلب في مؤلفاته كشرح التهذيب والاستبصار ورسالته منبع الحياة، وأنا أنقل ما في الرسالة لأن فيه كفاية، قال (ره) : «إن الأخبار المستفيضة بل المتواترة قد دلت على وقوع الزيادة والنقصان والتحريف في القرآن، منها ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما سئل عن التناسب بين الجملتين في قوله تعالى : {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } [النساء : 3] ، فقال : «لقد سقط من بينهما أكثر من ثلث القرآن» (5).

ومنها ما روي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ} [آل عمران : 110] ، قال : «كيف تكون هذه الأمة خير أمة وقد قتلوا ابن رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) ليس هكذا أنزلت وإنما نزلت خير أئمة» (6)، أي الأئمة من أهل البيت.

ومنها الأخبار المستفيضة في أن آية الغدير هكذا نزلت : { يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ‏ في علي‏ (7) وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة : 67], إلى غير ذلك مما لو جمع لصار كتابا كبير الحجم، وأما الأزمان التي ورد على القرآن فيها التحريف والزيادة والنقصان فهما عصران : العصر الأول عصره (صلى الله عليه واله وسلم) وأعصار الصحابة وذلك من وجوه.

أحدها : أن القرآن كان ينزل منجما على حسب المصالح والوقائع، وكتّاب الوحي كانوا أربعة عشر رجلا من الصحابة وكان رئيسهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وكانوا في الأغلب لا يكتبون إلا ما يتعلق بالحكام وما يوحى إليه في المحافل والمجامع.

وأما الذي كان يكتب ما ينزل عليه في خلواته ومنازله فليس هو إلا أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه كان يدور معه كيفما دار فكان مصحفه أجمع من غيره من المصاحف، ولما مضى رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) الى لقاء حبيبه وتفرقت الأهواء بعده، جمع أمير المؤمنين (عليه السلام) القرآن كما أنزل وشده بردائه وأتى به الى المسجد وفيه الاعرابيان وأعيان الصحابة فقال لهم : هذا كتاب ربكم كما أنزل، فقال له الاعرابي الجلف : ليس لنا حاجة في هذا، عندنا مصحف عثمان، فقال (عليه السلام) : «لن يراه أحد حتى يظهر ولدي القائم (عليه السلام) فيحمل الناس على تلاوته والعمل بأحكامه ويرفع اللّه سبحانه هذا المصحف الى السماء» (8)، ولما تخلّف ذلك الاعرابي احتال في استخراج ذلك المصحف ليحرقه كما أحرق مصحف ابن مسعود، فطلبه من أمير المؤمنين فأبى.

وهذا القرآن كان عند الأئمة يتلونه في خلواتهم وربما اطلعوا عليه بعض خواصهم كما رواه ثقة الاسلام الكليني عطر اللّه مرقده بإسناده الى سالم بن سلمة قال قرأ رجل على أبي عبد اللّه (عليه السلام) وأنا أستمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد اللّه (عليه السلام) : «مه، كف عن هذه القراءة اقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم (عليه السلام) فإذا قام القائم قرأ كتاب اللّه عز وجل على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه علي (عليه السلام). (9)

وهذا الحديث وما بمعناه قد أظهر العذر في تلاوتنا في هذا المصحف والعمل بأحكامه.

وثانيها : إن المصاحف لما كانت متعددة لتعدد كتّاب الوحي عمد الاعرابيان الى انتخاب ما كتبه عثمان وجملة ما كتبه غيره وجمعوا الباقي في قدر ماء حار وطبخوه ولو كانت تلك المصاحف كلها على نمط واحد لما صنعوا هذا الشنيع الذي صار عليهما من أعظم المطاعن.

وثالثها : إن المصاحف كانت مشتملة على مدائح أهل البيت صريحا ولعن المنافقين وبني أمية نصا وتلويحا، فعمدوا أيضا الى تزييفه ورفعوه من المصاحف حذرا من الفضائح وحسدا لعترته.

ورابعها : ما ذكره الثقة الجليل علي بن طاوس في كتاب- سعد السعود- عن محمد بن بحر الرهني من أعاظم علماء العامة في بيان التفاوت في المصاحف التي بعث بها عثمان الى أهل الأمصار، قال : اتخذ عثمان سبع نسخ فحبس منها بالمدينة مصحفا وأرسل الى أهل مكة مصحفا والى أهل الشام مصحفا والى أهل البحرين مصحفا ثم عد ما وقع فيها من الاختلاف بالكلمات والحروف مع أنها كلها بخط عثمان وإذا كان هذا حال اختلاف مصاحفه التي هي بخطه فكيف حال غيرها من مصاحف كتاب الوحي والتابعين.

وأما العصر الثاني فهو أزمان القرّاء، وذلك أن المصحف الذي وقع اليهم خال من الاعراب والنقط كما هو الآن موجود في المصاحف التي هي بخط مولانا أمير المؤمنين وأولاده المعصومين (عليهم السلام) وقد شاهدنا عدة منها في خزانة الرضا (عليه السلام).

نعم ذكر جلال الدين السيوطي في كتابه الموسوم بالمطالع السعيدة- إن أبا الأسود الدؤلي أعرب مصحفا واحدا في خلافة معاوية، وبالجملة لما وقعت إليهم المصاحف على ذلك الحال تصرفوا في إعرابها ونقطها وإدغامها وإمالتها ونحو ذلك من القرائن المختلفة بينهم على ما يوافق مذاهبهم في اللغة العربية كما تصرفوا في النحو وصاروا الى ما دوّنوه من القواعد المختلفة بينهم، قال محمد بن بحر الرهني إن كل واحد من القراء قبل أن يتحدّد القارئ الذي بعده كانوا لا يجيزون إلا قراءته.

ثم لما جاء القارئ الثاني انتقلوا عن ذلك المنع الى جواز قراءة الثاني وكذا في القراء السبعة، فاشتمل كل واحد على إنكار قراءته ثم عادوا الى خلاف ما أنكروه ثم اقتصروا على هؤلاء السبعة مع أنه قد حصل في علماء المسلمين والعاملين بالقرآن أرجح منهم، مع أن زمان الصحابة ما كان هؤلاء السبعة ولا عددا معلوما من الصحابة للناس يأخذون القراءة عنهم، ثم ذكر قول الصحابة لنبيّهم على الحوض إذا سألهم كيف خلفتموني في الثقلين من بعدي.

فيقولون أما الأكبر فحرفناه وبدلناه وأما الأصغر فقتلناه ثم يذادون عن الحوض الى أن قال : قال السيد بعد ما مرّ : ومن هذا التحقيق يظهر الكلام والقدح في تواتر القراءات السبع من وجوه.

أولها : المنع من تواترها من القرآن لأنهم نصوا على أنه كان لكل قارئ راويان يرويان قراءته، نعم اتفق التواتر في الطبقات اللاحقة.

وثانيها : سلمنا تواترها من القراء لكن لا يقوم حجة شرعية لأنهم من آحاد المخالفين استبدوا بآرائهم كما تقدم، وإن حكموا في بعض قراءتهم الاستناد الى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لكن الاعتماد على روايتهم غير جائزة كرواية الحديث بل الأمر هنا أجل وأعلى.

وثالثها : إن كتب القراءة والتفسير مشحونة بقولهم قرأ حفص أو عاصم كذا، وفي قراءة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأهل البيت (عليه السلام) كذا، بل ربما قالوا وفي قراءة رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) كذا، كما يظهر من الاختلاف المذكور في قراءة المغضوب عليهم ولا الضالين، والحاصل أنهم يجعلون قراءة القراء قسيمة لقراءة المعصومين (عليهم السلام) فكيف تكون القراءات السبع متواترة عن الشارع تواترا يكون حجة على الناس، وقد تلخص من تضاعيف هذا الكلام أمران.

أحدهما : وقوع التحريف والزيادة والنقصان في المصحف.

وثانيهما : عدم تواتر القراءات السبع عمن يكون قوله حجة.

أما الأول : فقد خالف فيه الصدوق والسيد المرتضى وأمين الاسلام الطبرسي، حيث ذهبوا الى أن القرآن الذي نزل به جبرائيل (عليه السلام) هو ما بين دفتي المصحف من غير زيادة ولا نقصان.

أما السيد (ره) فلم يعتمد على أخبار الآحاد مع تعويلهم على ما روي من أن القرآن واحد نزل من عند واحد على نبي واحد وإنما الاختلاف من جهة الرواة، وعند التأمل يظهر أن هذا الخبر دليل لنا عليه لا علينا ويدل على ما قلنا من الأمرين، فإن قوله القرآن واحد ينفي تكثر القراءة.

وأما إثبات الاختلاف من جهة الرواة أي حفاظ القرآن وحامليه، فيشمل الاختلاف في التحريف وفي تكثر القراءة، وعلى أنه يجوز أن يكون الوجه فيما صاروا اليه التحرز من طعن أهل الكتاب وجمهور الجمهور وعوام المذهب لأنه ربما يتوهم منه الكلام على إعجاز القرآن وعلى استنباط الأحكام منه بسبب ما وقع فيه من الزيادة والنقصان، وجوابه أن ما وقع فيه لم يخرج أسلوبه عن الفصاحة والبلاغة وأن خزان علمه (عليه السلام) بيّنوا ما فيه من التحريف على وجه لا يقدح في أخذ الأحكام منه إذ هم المخاطبون به على ما تقدم الكلام فيه.

وأما الثاني : فقد خالف فيه الجمهور ومعظم المجتهدين من أصحابنا، فإنهم حكموا بتواتر القراءات السبع، وتجوز القراءة بكل واحدة منها في الصلاة، فقالوا ان الكل مما نزل به الروح الأمين على قلب سيد المرسلين (صلى الله عليه واله وسلم) وربما استدلوا عليه بما روي من قوله نزل القرآن على سبعة أحرف وفسروها بالقراءات مع أنه ورد في الأخبار عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) رد هذا الخبر وأن القرآن نزل على حرف واحد، على أن جماعة من العلماء فسروا الأحرف السبعة باللغات السبع كلغة يمن وهوازن وأهل مصر ونحوها، لأن في ألفاظه ما يوافق ما اشتهر من هذه اللغات في اصطلاح أربابها.

وأما الاعتراض بأن ما ذكرتم من وقوع التحريف فيه لو كان حقا لا زاله أمير المؤمنين (عليه السلام) في خلافته، فهو اعتراض في غاية الركاكة لأنه (عليه السلام) ما تمكن من رفع بدعهم الحقيرة، كصلاة الضحى وتحريم المتعتين وعزل شريح عن القضاء ومعاوية عن إمارة الشام، فكيف بهذا الأمر العظيم لتغليط الاعرابيين بل تكفيرهم لأن حبهما قد اشرب في قلوب الناس حتى أنهم رضوا أن يبايعوه على سنّة الشيخين فلم يرض (عليه السلام) فعدل عنه عثمان، وأما الموافقون لنا على صحة هاتين الدعوتين، فعلى الأولى معظم الإخباريين خصوصا مشايخنا المعاصرين، وأما الثانية فقد وافقنا عليها سيدنا الأجل علي بن طاوس (ره) في مواضع من كتاب- سعد السعود- وغيره وصاحب الكشاف عند تفسير قوله تعالى : { وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ} [الأنعام : 137] ، ونجم الائمة الرضى في موضعين من شرح الرسالة، أحدهما عند قول ابن الحاجب وإذا عطف على الضمير المجرور أعيد الخافض، انتهى.

وقال العلامة التقي المجلسي الأول في شرحه - الفارسي - على - من لا يحضره الفقيه - في باب ما يسجد عليه وما لا يسجد عليه، ما تعريبه : أو كان في قرآن القوم لأنهم لم يذكروا أكثر الآيات والعامة أيضا معترفون في أكثر كتبهم، إلا أنهم يقولون بأنها منسوخة، وروى الكليني بسند صحيح عن الصادق (عليه السلام) : «بأن قرآنا نزله جبرائيل على سيد المرسلين كان سبعة عشر ألف‏ آية (9)، وتواترت الأحاديث على أن عليا (عليه السلام) جمع القرآن بعد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وعرضه على الصحابة وقال : هذا قرآن أنزله اللّه على الترتيب الذي نزله، فقال المنافقون : لا حاجة لنا الى قرآنك نحن نجمع القرآن، فاجتمع منهم جمع جمعوا قراءين سبعة بسبع لغات من قريش، وأودعها عمر في زمن خلافته الى حفصة، ولم يلتفت الناس الى القرآن لابتلائهم بالحرب الى زمن عثمان حيث أرسل الى حفصة وأخذه منها واختار من السبعة لغة وكتب ستة أو سبعة قراءين وأرسلها إلى أطراف العالم وأمر بإحراق كل قرآن ليس بقرآنه، وروي بأنه أحرق أربعين ألفا من القرآن، منها قرآن عبد اللّه بن مسعود حيث طلب منه فامتنع من اعطائه وقال بأني قرأته على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) مكررا، فضربوه الى أن عارضه الفتق، فأخذوا منه القرآن وأحرقوه، ولذا لما أحصى الصحابة مطاعنه وكتبوها، كان من جملتها إحراقه للمصاحف، ومنها مصحف ابن مسعود الذي نقلوا أحاديث كثيرة في فضله في الصحاح الستة فافتوا- بعد الاستفتاء عن حكم من أتى بهذه الجرائم- بقتله فقتلوه، ومن جملتهم كانت عائشة وتقول : اقتلوا نعثلا قتل اللّه نعثلا، وبعد قتله ادعت أن قتله كان بأمر من أمير المؤمنين (عليه السلام)، وصار ذلك سببا لقتل ستة عشر ألفا من الصحابة انتهى.

وقال المحدث الجليل المولى أبو الحسن الشريف الفتوني العاملي الأصفهاني في مقدمة تفسير- مرآة الأنوار- في المقدمة الثانية : اعلم أن الحق الذي لا محيص عنه بحسب الأخبار المتواترة الآتية وغيرها أن هذا القرآن الذي في أيدينا قد وقع فيه بعد رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) شي‏ء من التغييرات وأسقط الذين جمعوه بعده كثيرا من الكلمات والآيات وأن القرآن المحفوظ عما ذكر الموافق لما أنزله اللّه تعالى ما جمعه علي (عليه السلام) وحفظه الى أن وصل الى ابنه الحسن (عليه السلام) وهكذا الى أن انتهى الى القائم (عليه السلام) وهو اليوم عنده صلوات اللّه عليه، ولهذا ورد صريحا في حديث سنذكره لما أن كان اللّه عز وجل قد سبق في علمه الكامل صدور تلك الأفعال الشنيعة من المفسدين في الدين، وأنهم بحيث كلما اطلعوا على تصريح بما يضرهم ويزيد في شأن علي (عليه السلام) وذريته الطاهرين، حاولوا إسقاط ذلك رأسا أو تغييره محرفين.

وكان في مشيئته الكاملة ومن ألطافه الشاملة محافظة أوامر الإمامة والولاية ومحارسة مظاهر فضائل النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) بحيث تسلم عن تغيير أهل التضييع والتحريف ويبقى لأهل الحق مفادها مع بقاء التكليف، لم يكتف بما كان مصرحا به منها في كتابه الشريف، بل جعل جل بيانها بحسب البطون وعلى نهج التأويل وفي ضمن بيان ما تدل عليه ظواهر التنزيل، وأشار إلى جمل من برهانها بطريق التجوز والتعريض والتعبير عنها بالرموز والتورية وسائر ما هو من هذا القبيل حتى تتم حججه على الخلائق جميعا ولو بعد إسقاط المسقطين ما يدل عليه صريحا بأحسن وأجمل سبيل، ويستبين صدق هذا المقال .

________________________

(1) سورة الأنعام ، الآية : 93 وهي‏ {ولَوْ تَرى‏ إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ}.

(2) تفسير القمي : ج 1 ص 9- 10- 11.

(3) كما في الكافي : ج 2 ص 634 باب النوادر في فضل القرآن ح 28 وانظر هامش الصفحة المذكورة.

(4) ألف الوافية المولى عبد اللّه بن محمد البشروي التوني الخراساني المتوفي 1071 وشرحها السيد صدر الدين محمد بن مير محمد باقر الرضوي القمي الهمداني الغروي بعد 1150.

 (5) كما في الاحتجاج : ج 1 ص 377.

(6) كما في تفسير القمي : ج 1 ص 10.

(7) تفسير القمي : ج 1 ص 10.

(8) ذكر مثله بحار الأنوار : ج 89 ص 42- 43.

(9) الكافي : ج 2 ص 633 باب النوادر في فضل القرآن ح 23.

(10) كما في الكافي : ج 2 ص 634 باب النوادر في فضل القرآن ح 28.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .