أقرأ أيضاً
التاريخ: 14-10-2015
3108
التاريخ: 14-11-2014
2731
التاريخ: 14-11-2014
4149
التاريخ: 27-04-2015
2805
|
تبدأ هذه المرحلة من تاريخ قدوم العلامة الطباطبائي إلى مدينة قم سنة 1365هـ ، إلى حين وافاه الأجل في الثامن من محرم الحرام عام 1402 هـ . وتعد هذه الفترة من عمره الشريف مرحلة زاخرة بالعطاء والإنتاج العلمي في شتى الحقول ، في التدريس والتربية والتعليم (1) . يقول العلامة حول قدومه إلى قم : «ثم أغمضت العين عن أمر المعاش وتركت المدينة (تبريز) عائداً إلى قم المشرفة وحين نزلتها أحسست بنجاتي من السجن المؤلم ، شاكراً العلي القدير ، لأنه أجاب دعائي وأعطاني التوفيق والسداد في سبيل العلم وإعداد رجال الدين وتهيئة جيل صالح لخدمة الإسلام والشريعة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) » (2) .
ويضيف الطباطبائي عن نفسه في تلك المرحلة : «عندما استقر بي المقام في مدينة قم ، أخذت بمطالعة المناهج الدراسية والمواد التي تدرس فيها ، فوجدت أنها لا تستجيب لجميع متطلبات المجتمع الإسلامي الفكرية والعقائدية والعلمية ، وأحسست أن مسؤوليتي الشرعية هي القيام بهذه الوظيفة ، وكان أهم تلك النواقص في الحوزة العلمية ترتبط بتفسير القرآن الكريم والأبحاث العقلية ، وعلى هذا الأساس بدأت تدريس هاتين المادتين ، مع أني كنت على بيّنة أن الجو العلمي الذي يحكم الحوزة في ذلك الزمان ، كان ينظر إلى من يهتم بهذه الأبحاث ـ وخصوصاً التفسير ـ نظرة من لا يستطيع التحقيق والتدقيق في الأبحادث الأصولية والفقهية ، بل كانوا يعدون المشتغل بعلوم القرآن والتفسير أنَّه ضعيف في الجوانب الأخرى ، ولكن مع هذا لم يكن عذرا مقبولا أمام الله (تعالى) في ترك التفسير ، فبدأت بكتابة تفسير الميزان» (3) .
ذاعت شهرته في إيران ، بعد أن هاجر إلى مدينة قم ، وشرع بتدريس التفسير والحكمة والمعارف الإسلامية ، وكان لمحاضراته في الحوزة العلمية في قم أثراً بليغاً في طلابها (4) . يقول العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني في ترجمته للسيد الطباطبائي : «ثم هبط قم واشتغل فيها بالتدريس والإفادة ، ومضت برهة فإذا به وقد سطع نجمه وحلّ المكانة اللائقة به من بين تلك الجموع وحف به جماعة من الطلاب ، وهو اليوم أحد أعلام المدرسين بها ومن أركان الحوزة العلمية بقم ، يحضر درسه ويستفيد من علومه جمع كثير من مختلف الطلاب يدرّس الفقه والأصول والفلسفة» (5) . «وبموازاة ذلك عني الطباطبائي عناية فائقة بتربية تلاميذه وتزكيتهم ، عبر تجربته الخاصة في الارتياض وما استقاه من قواعد السير والسلوك من أستاذه السيد علي القاضي في النجف الأشرف ، فكان يواظب على تدريس خاصة تلامذته (رسالة السير والسلوك) المنسوبة للسيد بحر العلوم ، حتى إذا ما فرغ منها عاد ليستأنف تدريسها من جديد» (6) .
لم يبخل العلامة السيد الطباطبائي على تلامذته بشيء من العلم والمعرفة والأدب ، فقد منحهم كل ما يملك ، ومن أعماق روحه. ويوضح تلميذه الطهراني ذلك ويقول في شأن أستاذه : «ماذا أقول في إنسان كانت حياتي وروحي ونفسي معه! فإذا كنت عارفاً بالله أو بالرسول أو بالإمام ، فكل هذا ببركة رحمته ولطفه. فمنذ ذلك الوقت الذي أرسله الله إلينا فقد أعطانا كل شيء. كان طويلاً شامخاً وكان قصيراً ، قصيراً في عين شموخه ، وكان في الحضيض والنزول في عين أوجه وارتفاعه. فمعنا نحن الطلاب العجولين المتسرعين ، كان هادئاً ومعتدلاً ، وكان يعامل كل واحد منا ويربيه طبق ذوقه وسليقته ، واختلاف حدته وشدته ، وسرعته وبطئه ، ويتعاهد بالتربية. ورغم الأمواج المتلاطمة لبحر الأسرار الإلهية في قلبه الزاهر ، فقد كان دائم البشاشة والسماحة ، شعاره الصمت ، والنبرة الهادئة ، ويستغرق دائماً في التفكير ، وتعلو شفتيه ابتسامة لطيفة» (7) .
يضاف إلى ذلك كله ، المباحثات واللقاءات التي أجراها مع الأستاذ هنري كوربان ، والتي كان يحضرها جمع كبير من العلماء والفضلاء ، تطرح فيها المسائل الدينية الإسلامية والمسيحية والفلسفية. وقد نشرت هذه المباحثات باللغات الأربع : الفارسية والعربية والفرنسية والإنجليزية. وكان العلامة يقول : كان كوربان يقرأ «الصحيفة السجادية» باستمرار ، ويبكي أثناء قراءتها (8) .
هكذا كان الجو العلمي في الحوزة العلمية في قم المشرفة في زمن العلامة الطباطبائي ، ومن ذلك يتضح دور هذا الحكيم المتأله ، وأهميته في إعادة الاعتبار لعلوم التفسير والفلسفة والعرفان والأخلاق ، فلولا جهوده لكادت أن تكون نسياً منسياً ، غير أنه استطاع ـ بجهوده وجهاده العلمي والعملي ـ أي يجعلها دروساً أساسية في الحوزة العلمية في قم ، وهذا نابع من التكليف الشرعي الذي كان يشعر أنه ملقى على كاهله ، والإحساس بعمق الحاجة الفكرية والعقائدية في زمانه (9) .
استمر العلامة الطباطبائي في تحصيل الفلسفة وتدريسها ، فأحاط بآراء الفلاسفة المسلمين ، كما اطلع على نظريات فلاسفة الغرب ، لا سيما أوروبا. يقول الشهيد مرتضى مطهري : «إن الاستاذ العلامة الطباطبائي قد أنفق عمره في تحصيل الفلسفة وتدريسها ، وأحاط بآراء ونظريات الفلاسفة المسلمين الكبار كالفارابي وابن سينا وشيخ الأشراق السهروردي وصدر المتألهين وغيرهم ، وعلاوة على هذا ، فإنه استوعب ـ بدافع فطري وذوق عميق ـ أفكار الفلاسفة المحققين في أوروبا ، وهو ينهض بعبء الفقه والأصول وتفسير القرآن ، وبالإضافة إلى هذا فهو ينفرد بتدريس الحكمة الإلهية في الحوزة العلمية في قم» (10) .
ويمكن تلخيص نشاطه العلمي في قم بالنقاط التالية :
1 - إحياء العلوم العقلية والفلسفية والعقائدية ، وذلك من خلال تدريسه الطلاب الكتب الأساسية في هذه العلوم ، كالشفاء والأسفار الأربعة ، وبذلك يكون قد أسس مدرسة فلسفية برهانية لنشر هذه المعارف وتعميقها. فقد عمل على صقل الفلسفة الإسلامية وتجذيرها لكي تتمكن من الوقوف على قدميها أمام تحديات الفكر الغربي ، وذلك من خلال التأكيد على درس الفلسفة في الحوزة ، وتربية عدد من العلماء ، وتأليفه ما يزيد على العشرة كتب في الفلسفة والعقيدة ، يأتي في مقدمتها كتابه «أصول الفلسفة» الذي وضعه في خمسة أجزاء طبعت مع تعليقات قيمة لتلميذه البارز الشهيد آية الله مرتضى المطهري (11) .
2 - تربية جيل من العلماء والمحققين في فروع العرفان والفلسفة والكلام والتفسير ، وقد بلغ بعضهم رتبة الاجتهاد في هذه العلوم ، بالإضافة إلى ذلك اهتم بتربية تلامذته وتزكيتهم ، خاصة في السير والسلوك ، فلعبوا أدواراً فكرية وسياسية رفيعة جداً ، أمثال آية الله الشهيد المطهري ، وآية الله البهشتي ، والإمام موسى الصدر ، وآية الله ناصر مكارم الشيرازي ، والشيخ الشهيد محمد مفتح ، وآية الله السيد عبد الكريم الأردبيلي ، والشيخ محمد تقي مصباح ، وآية الله جوادي آملي ، وآية الله حسن زاده آملي وآخرين (12) .
3 - كذلك عمل على إيصال الفكر الإسلامي الأصيل إلى أوروبا ، كما في المحادثات التي أجراها سماحته مع المستشرق الفرنسي هنري كوربن ، والتي بدأت سنة 1378هـ (1958م) ، وتواصلت أكثر من عشرين عاماً ، وكانت اللقاءات تجري في طهران ، وكان سماحته يسافر إليها من قم في الشهر مرتين (13) ، وبفضلها اقترب كوربن من المذهب الإمامي ، ودوّن المحاورات ونشرها في بلاده كما نشر فكر التشيع ، ووصل الأمر بهنري كوربن إلى أن يقرأ الصحيفة السجادية ويبكي ، وكانت لقاءاته مع الاستاذ هنري كوربن مستمرة في كل فصل خريف يحضرها جمع من الفضلاء والعلماء وتطرح فيها المسائل الدينية والفلسفية ، فكانت مثمرة جداً. والجدير ذكره أن تلك المباحثات لم يكن لها نظير في العالم الإسلامي منذ القرون الوسطى حين كان التلاقح الفكري بين الإسلام والمسيحية (14) .
4 - تأليف الكتب باللغتين العربية والفارسية ، بالإضافة إلى التعليقات والرسائل المباحثات والمحاورات العلمية (15) . على أن أهم هذه الكتب وأكبرها وأجلها (الميزان في تفسير القرآن) وهو موسوعة كبيرة في تفسير القرآن الكريم ، في خمسة وعشرين جزءاً ، كتبه بأسلوب رصين وطريقة فلسفية ، وهو ليس تفسيراً صرفاً بل فيه بحوث في الفلسفة والتاريخ والاجتماع وغير ذلك (16) .
__________________________
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|