الستراتيجية (السَوْق) Strategy  

الستراتيجية كلمة إغريقية الأصل (Strateges) وتعني فن الشمول وفن القيادة(1)، عربت إلى كلمة السَوْق(2)، وقد استخدمت هذه الكلمة في المجال العسكري خلال القرن التاسع عشر ولاسيما  في معارك القتال(3). وقد عرفها" كلاوزفيتز" (K.Vonclousevitz) أوائل القرن التاسع عشر بأنها " فن " استخدام القوة ووسيلة للوصول إلى غايات الحرب(4)، وهنا مزج بين عمل القادة العسكريين والقادة السياسيين لان أهداف الحرب تحددها السياسة. وجاء أندريه بوفر (A.Beaufre) في أوائل الستينيات فوصف الستراتيجية بأنها" فن تطبيق القوة لأعداد اكبر مساهمة فعالة لنيل الغايات التي يقررها النظام السياسي"(5).

وهذا التعريف أكثر وضوحا بتركيزه على القوة وبضمنها القوة العسكرية لتحقيق الأهداف، ويضيف " بوفر" إلى أن الستراتيجية ليست جامدة وإنما هي أسلوب في التفكير يضع الأهداف وفق تسلسل معين مختارا أفضل الوسائل فاعلية لتحقيقها وفق ما يتلائم مع كل موقف فلكل موقف استراتيجية تتلائم معه(6). فضلا ًان تعريفات نابعة من الفكرةالماركسية فقد أشار" سوكولوفسكي" إلى أن الستراتيجية العسكرية هي" مجموعة المعارف النظرية التي تعالج قوانين الحرب كصراع مسلح دفاعا عن مصالح محدده(7) ". وهنا يركز على الناحية العسكرية في الستراتيجية ويربطها بالإيديولوجية الماركسية التي تعتبر الحرب صراعا ً طبقياً.

هنا يتضح أن الستراتيجية مرت بعدة مراحل فقد استطاع بوفر أن يخرجها من اطارها التقليدي العسكري(8). لتتسع دائرتها وتشمل نواحي سياسية واقتصادية واجتماعية فكان تعريف قاموس Websterr’s  جامعاً شاملا حيث عرف الستراتيجية بأنها علم وفن استخدام القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية والنفسية للامة أو مجموعة من الأمم لتقديم حداً أقصى من الدعم للسياسات المبتغاة في السلم والحرب(9).

كما تعرف الستراتيجية بأنها هي العلم والفن الذي بموجبه تجتهد كافة الإمكانات والظواهر الجغرافية والكفاءات البشرية والاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية لأجل الوصول إلى مكانه قوية في المعترك الدولي وبلوغ الهدف(10).

وقد ظهرت مفاهيم أخرى ترتبط بالإستراتيجية مثل" الستراتيجية العليا أو الستراتيجية الكبرى" (Grandstrataegy) وهو التعبير الذي استخدم من قبل البريطانيون، بينما استخدم الأمريكان مفهوم الستراتيجية القومية(National Strategy)(11) والذي عرب بمعنى" سَوْق اكبر أو استراتيجية كبرى"(12).يتضح مما تقدم أن الستراتيجية العليا هي خطط شاملة يضعها المتخصصون في كافة الميادين العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية وذلك بهدف إدارة الدولة وتوجيهها نحو تحقيق أهدافها وأمنها بما يتلائم مع الامكانات الطبيعية والبشرية. وهنا لابد من التمييز بين مفهومي الستراتيجية والتكتيك(tactic) فالثاني لفظة ترجع في أصولها إلى الفكر اليوناني والتي تعني تاسو(tasso) بمعنى يعالج أو يدير(Arrange)( )، وقد ورد معناها في قاموس(webesterr’s) بأنها الملائمة أو التدبير للإنجاز النهائي وكذلك تعني طريقة عمل الجيش(13)، أما" بوفر" فقد عرف التكتيك بأنه" فن استخدام الأسلحة في المعركة بطريقة تتيح له اظهار أقصى الأثر"(14). كما ورد تعريفها في قاموس أكسفورد بأنها" الحركة الميكانيكية للمجموعات التي توضع في حالة عمل من قبل الاستراتيجية"(15).

وهنا نستطيع أن نستخلص بان الستراتيجية هي الحلقة الاشمل التي تحوي على عدة حلقات من التكتيك ليتضح بان لكل استراتيجية تكتيك يخدمها ويقوم بالخطوات العلمية لغرض الوصول إلى الهدف لان أنجاز أي استراتيجية يتطلب التنفيذ الدقيق للتكتيك وعلى مراحل ومعالجة ما يعترضها من صعوبات.

ويرتبط بالستراتيجية مفهوم أخر يضع الارض جزءاً من حيثياته وهو مفهوم الجيوستراتيجية التي تتألف من مقطعين(Geo) وتعني الارض و(Strategy) وتعني السَوْق، وقد ورد هذا المصطلح لأول مرة عام 1932 في كتاب هاوسهوفر سياسة الحرب(16)، ويقصد به التخطيط السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يهتم بالبيئة الطبيعية من ناحية استخدامها في تحليل أو تفهم المشكلات الاقتصادية أو السياسية ذات الصفة الدولية(17)، وهي تبحث في المركز الاستراتيجي للدولة أو الوحدة السياسية سواء في الحرب والسلم فتتناول بالتحليل عناصره أو عوامله الجغرافية العشرة وهي (الموقع، الحجم، الشكل، الاتصال بالبحر، بالحدود، والعلاقة بالمحيط، والطوبوغرافيا، والمناخ, والموارد، والسكان)(18).

وتبحث جيوستراتيجية الموقع في الامكانات المتاحة التي يستحسن استثمارها في مجال الدفاع والهجوم والسيطرة على طرق المواصلات لعرقلة تحركات العدو ومنعه من الانتفاع به، كما يستخدم في مجالات عديدة أخرى غير العسكرية(19). ويعرف الموقع الجيوستراتيجي بأنه " الموقع الجغرافي وتأثيراته وارتباطاته بالسياسات والستراتيجيات الدولية اقتصادياً وعسكرياً"(20).

وهذا ما تبحث عنه الباحثة لبيان الأهمية الجيوستراتيجية لموقع العراق الجغرافي الأمر الذي دعاها إلى إبراز ما تقدم من مفاهيم وصولا إلى هذا المفهوم الذي تستخدمه الجغرافية السياسية في الوقت الحاضر لبيان أهمية الارض موضوع الدراسة في الميادين الاقتصادية والعسكرية.

___________

(1) International Encyclopedia of Social Sciences, vol.11 the Macmillan company   and the Free, 1968, p.281

(2) المعجم العسكري الموحد, لجنة توحيد المصطلحات العسكرية للجيوش العربية، الجامعة العربية، القاهرة،  1971م، ص395.

(3) محمد ازهر السماك، الجغرافية السياسية اسس وتطبقات، المصدرالسابق، ص 377.

(4) الجنرال كارل فون كلاوزفنيز، آراء في الحرب، تعريب أكرم ديري والهيثم الأيوبي، ج1، دار الكاتب  العربي، القاهرة، بدون تاريخ، ص24.وللمزيد من التفاصيل انظر: -  عبد المنعم عبد الوهاب، الجغرافية العسكرية والمفهوم الجيوبولتيكي، مجلة الجمعية الجغرافية العراقية، عدد  20، تموز/1987م، ص58ص66

(5) اندرية بوفر، مدخل إلى الاستراتيجية العسكرية، تعريب أكرم ديري والهيثم الأيوبي، دار الطليعة، بيروت، 1968م،   ص19.

(6) اندرية بوفر، مدخل إلى الاستراتيجية العسكرية،المصدر السابق،   ص19.

(7) سوكولوفسكي، الاستراتيجية العسكرية السوفيتية، تعريب خيري حماد، بيروت، 1968م، ص46

(8) علي الدين هلال، مفهوم الاستيراجية في العلوم الاجتماعية، مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، السنة الأولى، ع1، معهد  الإنماء العربي، بيروت، 1981، ص10.

(9)Webster’s, third new international dictionary of the English language, London, by G.XG, Merriam, 1961, p.22.

(10) عبد المنعم عبد الوهاب، الجغرافية العسكرية والمفهوم الجيوبولتيكي،المصدرالسابق، ص65.

(11)  محمود عزمي، حديث في الاستراتيجية، مجلة الفكر الاستراتيجي العربي، السنة الأولى، ع1، معهد الإنماء العربي، بيروت، 1981م ، ص6.

(12) المعجم العسكري، المصدرالسابق، ص365

(13) محمد أزهر السماك، الجغرافية السياسيةاسس وتطبيقات، المصدرالسابق، ص377.

(14) Webesters, ibid, p-2327                                                            

(15) أندريه بوفر، تمهيد إلى السوق،المصدرالسابق، ص13.

(16) The oxford English dictionary, London, oxford university press, 1933, vol, x, p.1087.

وللمزيد من التفاصيل مراجعة:

ــ   قاسم الدويكات، العلاقة بين الجغرافية والاستراتيجية العسكرية، مجلة العلوم السياسية، كلية العلوم السياسية،  جامعة بغداد، السنة التاسعة، ع19، تموز/1999م، ص114.

 (16) هانبز بريل، محاولة تصنيف مفاهيم الجغرافية السياسية والسياسية الجغرافية والسوق الجغرافي، ترجمة  مديرية التطوير القتالي، مجلة الدراسات السوقية، بدون عدد وتاريخ، ص2.

(17) عبد المنعم عبد الوهاب، امن الخليج وعلاقته بأمن المحيط الهندي، مجلة الدفاع، جامعة البكر للدراسات  العسكرية العليا، مطبعة جامعة البكر، السنة الأولى، بغداد، 1986م ص113

(18) أمين عبد الله، في أصول الجغرافية السياسية،المصدر السابق، ص16.

(19)   عبد المنعم عبد الوهاب، الجغرافية العسكرية والمفهوم الجيوبولتيكي،المصدرنفسه، ص65 ص66.  ـــ  وللمزيد انظر إلى:

- سعدي محمد صالح السعدي، تكييف المتغيرات الجغرافية لها في الجغرافية العسكرية، مجلة الجمعية الجغرافية العسكرية، بحث القي في الندوة العلمية الثالثة للجمعية الجغرافية العراقية، ع20، تموز/ 1987م، ص68 ص69.

(20)عبد المنعم عبد الوهاب ،أمن الخليج وعلاقته بأمن المحيط الهندي, المصدرنفسه ، ص113.