أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-12-2016
4046
التاريخ: 18-10-2016
3361
التاريخ: 2023-04-29
1202
التاريخ: 17-9-2016
5124
|
مكة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله)
احمد السباعي
تاريخ مكة دراسات في السياسة والعلم والاجتماع، ج1، ص 77- 81
_____________________
النواحي العامة
الناحية الدينية:
بدأت الحياة في مكة بعد الفتح تأخذ شكلا جديدا غير الشكل الذي كانت تعرفه قبله فبعد أن كانت مثلها العليا تفانيا للقبيلة وتفاخرا بالآباء وأخذا بالثأر وكرما يؤدي الى التلف وامتيازا لأصحاب الصدارة وقدرة على الثراء بالحق والباطل أصبحت وقد هذبها القرآن تدين بالاخاء لله وتعتقد بسيادة الدين وأنه لا فضل لعربي على عجمي وأصبحت الصدارة في رأيها لأصحاب التقوى وأثر هذا في عقليتها العامة فارتسمت لها أخلاق جديدة مستوحاة من القرآن وتفتحت أمامها آفاق لا عهد لها بها من سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) فاندمجت فيما رأت ونسيت نخوتها الجاهلية وعصبيتها للقبيلة واستتبع ذلك ان ضاقت بها دائرة الشعر فلم تجد لها فيه مجالا إلا ما استمد روحه من الدين ـ واصطبغ بلون من أخلاق القرآن.
على أننا لا نريد أن نطلق هذا على جميع المكيين في ذلك العهد ونحن نعلم أن مكة حفلت يومها بالمتمردين من البدو والجفاة من الحضر الى جانب المؤمينن الذين أخلصوا دينهم واحترموا عقائدهم.
الناحية الاجتماعية :
واستتبع ذلك دعوة اجتماعية شملت جل تقاليدها وعاداتها فنقضت كل ما ورثت وبنت على أنقاضه شيئا جديدا حدده القرآن وفصلت تعاليمه السنة.
ألغى في هذه الدعوة الاجتماعية وأد البنات الذي شاع بين قبائل قريش وكثير من العرب وحرم نكاح المقت الذي كان يبيح وراثه نكاح المرأة لأبناء زوجها أو أقاربه كما حرم نكاح الأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت وألغى تعدد الزوجات الى أكثر من أربع وحتى هذا التعدد المحدود فرض القرآن عليه شروطا تقلل شيوعه أو تمحوه.
ومنحت المرأة كثيرا من حريتها التي كان العربي ينكرها عليها بعد أن حددت لتلك الحرية حدودا لا يباح تعديها فهي لا تبدي زينتها إلا في حيز منصوص، ولبعلها عليها من الحق ما بينه القرآن كما له أن يهجرها أو يؤدبها في غير المغالاة التي ورثوها عن تقاليدهم (١).
ونظمت في هذه الدعوة الاجتماعية شؤون الزواج والطلاق كما فصلت شؤون الرضاع وحوربت العبودية بمعناها الواسع وحل محلها تنظيم دقيق خفف العبء على الرقيق وأعطاه حقوقا كانت قريش وكانت العرب لا تقرها وفتح أمامه من أسباب العتق والفكاك لا نهاية لحصرها (٢).
وجاءت الدعوة الاجتماعية على تحريم الربا وقد كان أداة لاستغلال الضعفاء في جميع البيئات العربية وفي مكة بالخصوص حيث كان الغنى يسيل في بطحائها كما حرم الخمر والميسر والغيت جميع نظم البيوع والأقضية والميراث التي كانت تسودها روح الطغيان وشرعت على أنقاضها نظم جديدة راعت العدل وفرضت المساواة في حدودها الشرعية (٣).
وإذا كان جلة المكيين من كبار الصحابة أو البارزين في قبائل قريش قد نفروا بين يدي هذه الدعوة الاجتماعية أو في أعقابها خفافا أو ثقالا إلى المدينة محتذين حذو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإذا كان رسول الله قد كره لهم بعد الفتح أن يعودوا إلى الاستيطان بها برا بالمدينة وقد آوتهم واخلاصا لأهلها وقد ناصروهم فان مكة بقيت رغم هذا غاصة بالكثير من سكانها الأصليين من بطون القبائل والنازحين اليها من العرب المجاورين والموالي المجلوبين ترعى التعاليم الجديدة في معاملاتها التجارية وتباشر أعمالها في الصناعات المحدودة التي عرفتها وتباشر ما تعودت زراعته من بساتينها في بعض أطراف مكة وضواحيها.
الناحية العلمية:
كانت مكة بحكم وضعها التجاري في عهد قريش مضطرة لضبط أعمالها التجارية فكان فيها بعض الكاتبين الذين يستطيعون أن يسجلوا أعمال التجارة التي تمتد شرقا وغربا بل نجد في التاريخ ما يدلنا على أن بعض نساء هذا العهد كن يكتبن فان السيدة حفصة بنت عمر زوج النبي (صلى الله عليه وآله) كانت تعرف الكتابة.
وعندما بدأ الوحي ينزل على النبي (صلى الله عليه وآله) في مكة كان النبي يحرص على ان يدونه بعض الكاتبين ما أمكنهم ذلك إلى جانب الاعتماد على الحافظة القوية التي يمتاز بها بعض صحابته رضوان الله عليهم.
لم تكن كتابة قوية ولا سريعة ولكنها مع هذا كانت كتابة صالحة للتدوين على أي مادة ميسورة من خشب أو عظم أو خزف أو جلد أو حجارة بل ربما كتبوا في بعض الأحيان على ورق بدليل أننا نقرأ في خبر اسلام عمر أن أخته وزوجها كانا يقرآن شيئا من القرآن في صحيفة معهما حين دخل عليهما.
إذن كانت مكة لعهد النبي (صلى الله عليه وآله) تعالج الكتابة في درجة تصلح للتدوين وان كان التدوين غير منقوط الحروف لأن الحروف لم تنقط إلا في عهد الحجاج وقد عني النبي بهذه الظاهرة وشجعها واصطحب بعض رجالها إلى المدينة ليواصلوا التدوين واشتدت عنايته بذلك في المدينة ففرض على من يعرف الكتابة من المكيين أسرى بدر أن يفتدي الرجل منهم نفسه بتعليم الكتابة لعشرة من المسلمين (4).
واستفادت مكة بعد الفتح من ثقافة القرآن ما هيأها للفهم الجديد فان كتب السيرة والمغازي ومدوني كتب الطبقات يحدثونا في أخبار علي ابن مسعود وابن عباس وأبي ذر الغفاري وابن عمر وأبي الدرداء أنهم كانوا يترددون إلى مكة بعد الفتح فنتبين من ملابسات هذا أن مكة كانت تستفيد من علومهم وتتوسع معارفها الجديدة بحكم هذه الاتصالات المستمرة خصوصا ونحن نعلم أن أصحاب هذه الأسماء كانوا يحتلون الدرجة العلمية الأولى بين صحابة رسول الله وقد كانوا يقولون عن بعض هذا النفر انه لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم «بعلمه» وإذا أضفنا إلى هذا أن المكيين أنفسهم ظلوا قبيل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) يترددون عليه في المدينة وأنهم كانوا ينزلون على من فيها من جلة المهاجرين فيجدون لديهم ما يروى غلتهم من العلم استطعنا أن نعرف إلى حد بعيد نوعا من أنواع الاستفادة العلمية التي كانت تعتمدها مكة فى عهدها هذا الذي نؤرخه.
ويحدثنا ابن هشام بعد هذا عن معاذ ابن جبل فيقول ان النبي (صلى الله عليه وآله) اختاره يوم الفتح للقضاء في مكة عندما ولى امارتها عتابا بن أسيد ونحن إذ لا نجهل كفاية معاذ ابن جبل وميزته العلمية والمامه الواسع نستطيع أن نتبين نوعا آخر من أنواع الاستفادة التي اعتمدتها مكة يومها في شأنها التعليمي وإذا كانت كتب التاريخ تجمع على ندب معاذ بن جبل لتعليم اليمن فليس في هذا ما يتنافى مع اقامته في مكة عقب الفتح مباشرة لينفع المكيين قبل ندبه الى اليمن ويضيف الطبري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) اشرك معه هبيرة بن سبل الثّقفي ويقول ابن حجر في الاصابة ان هبيرة تولى مكة عام الفتح ولما رجع النبي (صلى الله عليه وآله) من الطائف عاد فولاها عتابا.
_______________
(١ و ٢ و ٣) أوضحت ذلك آيات متفرقة من القرآن الكريم.
(4) الروض الأنف ، شرح سيرة ابن هشام ج ٥ / ٢٤٥ تحقيق عبد الرحمن الوكيل.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|