أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-22
1150
التاريخ: 2023-12-08
904
التاريخ: 2023-12-03
1108
التاريخ: 21-10-2014
2116
|
ظاهرة أخرى جديرة بالعناية والتلبث ، هي تسمية الكائن الواحد ، والأمر المرتقب المنظور ، بأسماء متعددة ذات صيغة واحدة ، بنسق صوتي متجانس ، للدلالة بمجموعة مقاطعه على مضمونه ، وبصوتيته على كنه معناه ، ومن ذلك تسمية القيامة في القرآن بأسماء متقاربة الصدى ، في إطار الفاعل المتمكن ، والقائم الذي لا يجحد.
هذه الصيغة الفريدة تهزك من الأعماق ، ويبعثك صوتها من الجذور ، لتطمئن يقينا إلى يوم لا مناص عنه ، ولا خلاص منه ، فهو واقع يقرعك بقوارعه ، وحادث يثيرك برواجفه ... الصدى الصوتي ، والوزن المتراص ، والسكت على هائه أو تائه القصيرة تعبير عما ورائه من شئون وعوالم وعظات وعبر ومتغيرات في :
الواقعة/ القارعة/ الآزفة/ الراجفة/ الرادفة/ الغاشية ، وكل معطيك المعنى المناسب للصوت والدلالة المنتزعة من اللفظ ، وتصل مع الجميع إلى حقيقة نازلة واحدة.
1- الواقعة ، قال تعالى : { إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } [الواقعة : 1 ، 2].
وقال تعالى : { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } [الحاقة : 15].
قال الخليل : وقع الشيء يقع وقوعا ، أي : هويا.
والواقعة النازلة الشديدة من صروف الدهر (1).
وقال الراغب (ت : 502 هـ) الوقوع ثبوت الشيء وسقوطه ، والواقعة لا تقال إلا في الشدة والمكروه ، وأكثر ما جاء في القرآن من لفظ وقع : جاء في العذاب والشدائد (2).
وقال الطبرسي (ت : 548 هـ) في تفسيره للواقعة : «والواقعة اسم القيامة كالآزفة وغيرها ، والمعنى إذا حدثت الحادثة ، وهي الصيحة عند النفخة الأخيرة لقيام الساعة. وقيل سميت بها لكثرة ما يقع فيها من الشدة ، أو لشدة وقعها» (3). وقال ابن منظور (ت : 711 هـ) الواقعة : الداهية ، والواقعة النازلة من صروف الدهر ، والواقعة اسم من أسماء يوم القيامة (4).
وباستقراء هذه الأقوال ، ومقارنة بعضها ببعض ، تتجلى الدلالة الصوتية ، فالوقوع هو الهوي ، وسقوط الشيء من الأعلى ، والواقعة هي النازلة الشديدة ، والواقعة هي الداهية ، وهي الحادثة ، وهي الصيحة ، وهي اسم من أسماء يوم القيامة ، وأكثر ما جاء في القرآن من هذه الصيغة جاء في الشدة والعذاب ، وصوت اللفظ يوحي بهذا المعنى ، وإطلاقه بزنة الفاعل ، وإسناده بصيغة الماضي ، يدلان على وقوعه في شدته وهدته ، وصيحته وداهيته.
2- القارعة قال تعالى : { الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ} [القارعة : 1 - 3].
وقال تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ } [الحاقة : 4].
قال الخليل (ت : 175هـ) : والقارعة : القيامة. والقارعة : الشدة.
وفلان أمن قوارع الدهر : أي شدائده. وقوارع القرآن : نحو آية الكرسي ، يقال : من قرأها لم تصبه قارعة.
وكل شيء ضربته فقد قرعته. قال أبو ذؤيب الهذلي (5).
حتى كأني للحوادث مروة |
بصفا المشرق كل يوم تقرع |
|
قال الطبرسي : وسميت القارعة ، لأنها تقرع قلوب العباد بالمخافة إلى أن يصير المؤمنون إلى الأمن (6). والقارعة اسم من أسماء القيامة لأنها تقرع القلوب بالفزع ، وتقرع أعداء الله بالعذاب (7).
وإنما حسن أن توضع القارعة موضع الكناية لتذكر بهذه الصفة الهائلة بعد ذكرها بأنها الحاقة (8).
وبمقارنة هذه المعاني ، نجدها متقاربة الدلالة ، فالقارعة الشدة ، وقوارع الدهر شدائده ، وكل شيء ضربته فقد قرعته ، والقارعة تقرع القلوب بالفزع ، وقلوب العباد بالمخالفة ، وأعداء الله بالعذاب ، وهي في موضع كناية للتعبير عن القيامة ، من أجل التذكير بصفة القرع ، وكلها مفردات ايحائية تؤذن بالقرع في الأذن ، وتفزع القلوب بالشدة ، تتوالى خلالها المترادفات والمشتركات ، لتنتقل بك إلى عالم الواقعة ، وهي مجاورة لها في الشدة والهول والصدى والإيقاع.
3- الآزفة ، قال تعالى : { أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ} [النجم : 57 ، 58].
وقال تعالى : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } [غافر : 18].
قال الراغب : معناه : أي دنت القيامة .. فعبر عنها بلفظ الماضي لقربها وضيق وقتها (9).
وقال الطبرسي : { وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ } [غافر : 18]. أي الدانية. وهو يوم القيامة ، لأن كل ما هو آت دان قريب (10).
قال الزمخشري : والآزفة القيامة لأزوفها (11).
وفي اللغة : الآزفة القيامة ، وإن استبعد الناس مداها (12).
وفي الآزفة : الدانية من قولهم أزف الأمر إذا دنا وقته (13).
ورقة الآزفة في لفظها بانطلاق الألف الممدودة من الصدر ، وصفير الزاي من الأسنان ، وانحدار الفاء من أسفل الشفة ، والسكت على الهاء منبعثة من الأعماق ، وكالرقة في معناها في الدنو والاقتراب وحلول الوقت ، ومع هذه الرقة في الصوت والمعنى ، إلا أن المراد من هذه الصفير أزيزه ، ومن هذا التأفف هديره ورجيفه ، فأدناه يوم القيامة غير إدناء الحبيب ، واقتراب الساعة غير اقتراب المواعيد ، أنه دنو اليوم الموعود ، والحالات الحرجة ، والهدير النازل ، إنه يوم القيامة في شدائده ، فكانت الآزفة كالواقعة والقارعة.
4- الراجفة والرادفة ، قال تعالى : { يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (6) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} [النازعات : 6 ، 7] وتبدأ القيامة بالراجفة ، وهي النفخة الأولى (تتبعها الرادفة) وهي النفحة الثانية (14).
وهو المروي عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والضحاك (15).
قال الزمخشري (ت : 538 هـ) «الراجفة : الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال وهي النفحة الأولى ، وصفت بما يحدث بحدوثها (تتبعها الرادفة) أي الواقعة التي تردف الأولى ، وهي النفحة الثانية ، أي القيامة التي يستعجلها الكفرة ، استبعادا لها وهي رادفة لهم لاقترابها. وقيل الراجفة : الأرض والجبال من قوله- يوم ترجف الأرض والجبال- والرادفة السماء والكواكب لأنها تنشق وتنتثر كواكبها إثر ذلك» (16). وقال الطبرسي (ت : 548 هـ) الراجفة : يعني النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلائق ، والراجفة صيحة عظيمة فيها تردد واضطراب كالرعد إذا تمخض (تتبعها الرادفة) يعني النفخة الثانية تعقب النفخة الأولى ، وهي التي يبعث معها الخلق(17).
و بمتابعة هذه المعاني : النفخة الأولى ، النفخة الثانية ، الصيحة ، التردد ، الاضطراب ، الواقعة التي ترجف عندها الأرض والجبال ، الواقعة التي تردف الراجفة ، وانشقاق السماء ، انتثار الكواكب ، الرعد إذا تمخض ، بعث الخلائق وانتشارهم ... الخ.
بمتابعة أولئك جميعا يتجلى العمق الصوتي في المراد كتجليه في الألفاظ دلالة على الرجيف والوجيف ، والتزلزل والاضطراب ، وتغيير الكون ، وتبدل العوالم{ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم : 48].
فتعاقبت معالم الراجفة والرادفة مع معالم الواقعة والقارعة والآزفة ، وتناسبت دلالة الأصوات مع دلالة المعاني في الصدى والأوزان.
5- الغاشية ، قال تعالى : { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } [الغاشية : 1]. وهو خطاب للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يريد قد أتاك حديث يوم القيامة بغتة عن ابن عباس والحسن وقتادة (18).
قال الراغب (ت : 502 هـ) الغاشية كناية عن القيامة وجمعها غواش (19).
وقال الزمخشري (ت : 538 هـ) : الغاشية الداهية التي تغشى الناس بشدائدها وتلبسهم أهوالها ، يعني القيامة (20).
وقال ابن منظور (ت : 711 هـ) الغاشية القيامة ، لأنها تغشى الخلق بأفزاعها ، وقيل الغاشية : النار لأنها تغشى وجوه الكفار. وقيل للقيامة غاشية : لأنها تجلل الخلق فتعمهم (21).
وبمقارنة هذه الأقوال ، وضم بعضها إلى بعض ، يبدو أن الغاشية كني بها عن القيامة لأنها تغشى الناس بأهوالها ، وتعم الخلق بأفزاعها ، فهي تجللهم الإحاطة من كل جانب ، وقد تكون هي النار التي تغشى وجوه الكفار ، وهي الداهية التي تغشى الناس بشدائدها ، وتلبسهم أهوالها ... إلخ.
إذن ، ما أقرب هذا المناخ المفزع ، والأفق الرهيب لمناخ الواقعة والقارعة والآزفة والراجفة والرادفة ، إنه منطلق واحد ، في صيغة واحدة ، صدى هائل تجتمع فيه أهوالها ، وصوت حافل تتساقط حوله مصاعبها تتفرق فيه الألفاظ لتدل في كل الأحوال على هذه الحقيقة القادمة ، حقيقة يوم القيامة برحلتها الطويلة ، في الشدائد ، والنوازل ، والقوارع ، والوقائع ، لتصور لنا عن كثب هيجانها وغليانها ، وشمولها وإحاطتها :
{ بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (5) يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (6) فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ } [القيامة : 5 - 12].
___________________
(1) الخليل ، العين 2/ 176.
(2) الراغب ، المفردات : 530.
(3) الطبرسي ، مجمع البيان : 5/ 214.
(4) ابن منظور ، لسان العرب : 10/ 285.
(5) الخليل ، العين : 1/ 156.
(6) الطبرسي ، مجمع البيان : 5/ 342.
(7) المصدر نفسه : 5/ 532.
(8) المصدر نفسه : 5/ 343.
(9) الراغب ، المفردات : 17.
(10) الطبرسي : مجمع البيان : 4/ 518.
(11) الزمخشري ، أساس البلاغة : 5.
(12) ابن منظور ، لسان العرب : 1/ 346.
(13) الطبرسي ، مجمع البيان : 4/ 518.
(14) الفراء معاني القرآن : 3/ 231.
(15) ابن كثير ، تفسير القرآن العظيم : 4/ 467.
(16) الزمخشري ، الكشاف : 4/ 212.
(17) الطبرسي ، مجمع البيان : 5/ 430.
(18) الطبرسي ، مجمع البيان : 5/ 478.
(19) الراغب ، المفردات : 361.
(20) الزمخشري ، الكشاف : 4/ 246.
(21) ابن منظور ، لسان العرب : 19/ 362.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|