المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الفرعون رعمسيس الثامن
2024-11-28
رعمسيس السابع
2024-11-28
: نسيآمون الكاهن الأكبر «لآمون» في «الكرنك»
2024-11-28
الكاهن الأكبر (لآمون) في عهد رعمسيس السادس (الكاهن مري باستت)
2024-11-28
مقبرة (رعمسيس السادس)
2024-11-28
حصاد البطاطس
2024-11-28

الله ﺗﻌﺎﻟﻰ قادرا مختارا
24-10-2014
الصيغة
25-9-2016
أساس تطبيق القانون الإداري في النظام اللاتيني
25-9-2018
المراد من الإتمام
29-09-2015
مكافئ المادة المؤكسدة أو المختزلة Equivalent Weight of Oxidizing and Reducing Agents
2023-09-19
البروتينات Proteins
29-2-2016


تفسير الآية (20-26) من سورة النمل  
  
13018   05:40 مساءً   التاريخ: 18-8-2020
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النمل /

قال تعالى : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَو لَأَذْبَحَنَّهُ أَو لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُورَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } [النمل : 20 - 26] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

أخبر سبحانه عن سليمان فقال {وتفقد الطير} أي طلبه عند غيبته {فقال ما لي لا أرى الهدهد} أي ما للهدهد لا أراه تقول العرب ما لي أراك كئيبا ومعناه ما لك ولكنه من القلب الذي يوضح المعنى واختلف في سبب تفقده الهدهد فقيل إنه احتاج إليه في سفره ليدله على الماء لأنه يقال إنه يرى الماء في بطن الأرض كما يراه في القارورة عن ابن عباس وروى العياشي بالإسناد قال قال أبو حنيفة لأبي عبد الله (عليه السلام) كيف تفقد سليمان الهدهد من بين الطير قال لأن الهدهد يرى الماء في بطن الأرض كما يرى أحدكم الدهن في القارورة فنظر أبو حنيفة إلى أصحابه وضحك قال أبوعبد الله (عليه السلام) ما يضحكك قال ظفرت بك جعلت فداك قال وكيف ذلك قال الذي يرى الماء في بطن الأرض لا يرى الفخ في التراب حتى يؤخذ بعنقه قال أبوعبد الله (عليه السلام) يا نعمان أ ما علمت أنه إذا نزل القدر أغشى البصر وقيل إنما تفقده لإخلاله بنوبته عن وهب وقيل كانت الطيور تظله من الشمس فلما أخل الهدهد بمكانه بان بطلوع الشمس عليه .

{أم كان من الغائبين} معناه أ تأخر عصيانا أم غاب لعذر وحاجة قال المبرد لما تفقد سليمان الطير ولم ير الهدهد قال ما لي لا أرى الهدهد على تقدير أنه مع جنوده وهولا يراه ثم أدركه الشك فشك في غيبته عن ذلك الجمع بحيث لم يره فقال أم كان من الغائبين أي بل أ كان من الغائبين كأنه ترك الكلام الأول واستفهم عن حاله وغيبته .

ثم أوعده على غيبته فقال {لأعذبنه عذابا شديدا} معناه لأعذبنه بنتف ريشه وإلقائه في الشمس عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وقيل بأن أجعله بين أضداده وكما صح نطق الطير وتكليفه في زمانه معجزة له جازت معاتبته على ما وقع منه من تقصير فإنه كان مأمورا بطاعته فاستحق العقاب على غيبته {أو لأذبحنه} أي لأقطعن حلقه عقوبة على عصيانه {أو ليأتيني بسلطان مبين} أي بحجة واضحة تكون له عذرا في الغيبة {فمكث غير بعيد} أي فلم يلبث سليمان إلا زمانا يسيرا حتى جاء الهدهد وقيل معناه فلبث الهدهد في غيبته قليلا ثم رجع وعلى هذا فيجوز أن يكون التقدير فمكث في مكان غير بعيد قال ابن عباس فأتاه الهدهد بحجة .

{فقال أحطت بما لم تحط به} أي اطلعت على ما لم تطلع عليه وجئتك بأمر لم يخبرك به ولم يعلم به الإنس وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك وهو قوله {وجئتك من سبإ بنبأ يقين} أي بخبر صادق وعلم الإحاطة وهو أن يعلم الشيء من جميع جهاته التي يمكن أن يعلم عليها تشبيها بالسور المحيط بما فيه وفي الكلام حذف تقديره ثم جاء الهدهد فسأله سليمان عن سبب غيبته فقال أحطت بما لم تحط به وفي هذا دلالة على أنه يجوز أن يكون في زمن الأنبياء من يعرف ما لا يعرفونه وسبأ مدينة بأرض اليمن عن قتادة وقيل إن الله تعالى بعث إلى سبإ اثني عشر نبيا عن السدي وروى علقمة بن وعلة عن ابن عباس قال سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن سبإ فقال هو رجل ولد له عشرة من العرب تيامن منهم ستة وتشأم أربعة فالذين تشأموا لخم وجذام وغسان وعاملة والذين تيامنوا كندة والأشعرون والأزد ومذحج وحمير وأنمار ومن الأنمار خثعم وبجيلة .

{إني وجدت امرأة تملكهم} أي تتصرف فيهم بحيث لا يعترض عليها أحد {وأوتيت من كل شيء} وهذا اختار عن سعة ملكها أي من كل شيء من الأموال وما يحتاج إليه الملوك من زينة الدنيا وقال الحسن وهي بلقيس بنت شراحيل ملكة سبإ وقيل شرحبيل ولدها أربعون ملكا آخرهم أبوها [ شرحبيل] قال قتادة وكان أولوا مشورتها ثلاثمائة واثني عشر قيلا كل قيل منهم تحت رايته ألف مقاتل .

{ولها عرش عظيم} أي سرير أعظم من سريرك وكان مقدمه من ذهب مرصع بالياقوت الأحمر والزمرد الأخضر ومؤخرة من فضة مكلل بألوان الجواهر وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق وعن ابن عباس قال كان عرش بلقيس ثلاثين ذراعا في ثلاثين ذراعا وطوله في الهواء ثلاثون ذراعا وقال أبو مسلم المراد بالعرش الملك {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم} أي عبادتهم للشمس من دون الله {فصدهم عن السبيل} أي صرفهم عن سبيل الحق .

{فهم لا يهتدون} قال الجبائي لم يكن الهدهد عارفا بالله تعالى وإنما أخبر بذلك كما يخبر مراهقو صبياننا لأنه لا تكليف إلا على الملائكة والإنس والجن فيرانا الصبي على عبادة الله فيتصوران ما خالفها باطل فكذلك الهدهد تصور له أن ما خالف فعل سليمان باطل وهذا الذي ذكره خلاف ظاهر القرآن لأنه لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود للشمس وأن أحدها حسن والآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه وبما يجوز عليه وما لا يجوز أن يفرق بين الحق الذي هو السجود لله وبين الباطل الذي هو السجود للشمس وأن أحدها حسن والآخر قبيح إلا العارف بالله سبحانه وبما يجوز عليه وما لا يجوز هذا مع نسبة تزين أعمالهم وصدهم عن طريق الحق إلى الشيطان وهذا مقالة من يعرف العدل وأن القبيح غير جائز على الله سبحانه .

{ألا يسجدوا لله} قد بينا أن التخفيف إنما هو على معنى الأمر بالسجود ودخلت الياء للتنبيه أو على تقدير ألا يا قوم اسجدوا لله وقيل إنه أمر من الله تعالى لجميع خلقه بالسجود له اعترض في الكلام وقيل إنه من كلام الهدهد قاله لقوم بلقيس حين وجدهم يسجدون لغير الله وقاله لسليمان عند عوده إليه استنكارا لما وجدهم عليه والقراءة بالتشديد على معنى زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله وذكر الفراء أن القراءة بالتشديد لا توجب سجدة التلاوة وهذا غير صحيح لأن الكلام قد تضمن الذم على ترك السجود فيه دلالة على وجوب السجود وهو كقوله وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن الآية .

{الذي يخرج الخبء في السموات والأرض} الخبء المخبوء وهوما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه وهو مصدر وصف به يقال خبأته أخبؤه خبأ وما يوجده الله تعالى فيخرجه من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة وقيل الخبء الغيب وهو كل ما غاب عن الإدراك فالمعنى يعلم غيب السماوات والأرض عن عكرمة ومجاهد وقيل إن خبء السماوات المطر وخبء الأرض النبات والأشجار عن ابن زيد .

{ويعلم ما تخفون وما تعلنون} أي يعلم السر والعلانية {الله لا إله إلا هورب العرش العظيم} إلى هاهنا تمام الحكاية لما قاله الهدهد ويحتمل أن يكون ابتداء إخبار من الله تعالى والعرش سرير الملك الذي عظمه الله ورفعه فوق السماوات السبع وجعل الملائكة تحف به وترفع أعمال العباد إليه وتنشأ البركات من جهته فهو عظيم الشأن كما وصفه الله تعالى وهو أعظم خلق الله تعالى .

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص374-377 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{وتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقالَ ما لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كانَ مِنَ الْغائِبِينَ لأُعَذِّبَنَّهُ عَذاباً شَدِيداً أَو لأَذْبَحَنَّهُ أَو لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطانٍ مُبِينٍ} . كان لسليمان أصناف من الطيور تأتمر بأمره ، وهي مطلقة غير مسجونة في قفص وشبهه ، وفي ذات يوم تعهد الطيور ، كما يتعهد القائد جنوده ، فلم يجد الهدهد من بينها ، ولم يكن قد أذن له بالغياب ، فتهدده - على مسمع من الطيور - بالعذاب كالسجن ونحوه ، أو بالإعدام إذا لم يدل بحجة واضحة تبرر غيابه .

{فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقالَ أَحَطْتُ بِما لَمْ تُحِطْ بِهِ} . لم يمض أمد قصير على تهديد سليمان حتى جاء الهدهد ، وقال له : اكتشفت شيئا هاما لا تعرفه أنت على سعة علمك {وجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ولَها عَرْشٌ عَظِيمٌ} . المراد بسبأ القوم الذين ينتسبون إلى سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ، والمرأة هي بلقيس بنت شراحيل ، وكان من الملوك ، وورثت ابنته بلقيس السلطان منه ، وكانت تملك جميع مظاهر الثراء والترف في زمانها ، وكانت تجلس على سرير ضخم وثمين مرصع بقلوب المساكين ، ومطلي بعرقهم ودمائهم . . وطريف قول بعض المفسرين : انه كان مسقوفا ، وان مساحته ثمانون ذراعا مربعا ، وأيضا علوه ثمانون .

{وَجَدْتُها وقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} . وتسأل : ان الطيور والحيوانات والحشرات تعرف بغريزتها مأكلها ومشربها وما يضرها وينفعها ، ويعرف الذكر منها الأنثى من نوعه ، والأنثى تعرف الذكر من نوعها ، تعرف ذلك وما إليه لأنه من مقومات وجودها ، وحافظ لحياتها واستمرار بقائها ، اما ان تميز بين الذكر والأنثى من الآدميين ، وتعرف ان اسم هذه القبيلة سبأ وتلك ثمود - مثلا - وان هؤلاء القوم يؤمنون باللَّه ، وأولئك يكفرون به ، أما هذا وما إليه فلا يتصل بحياتها من قريب أو بعيد كي تعرفه بالفطرة والغريزة . . إذن فمن أين جاء العلم للهدهد باسم القبيلة ، وبالمرأة التي تملكهم ، وبأنهم يعبدون الشمس ، مع أننا نحن الآدميين لا نميز بمجرد النظر الذكر من الأنثى في أكثر أنواع الطيور ، وفي جميع الحشرات والأسماك ؟ .

الجواب : ان الآية أثبتت هذه الأوصاف لهدهد سليمان فقط ، وثبوتها له لا يستدعي ثبوتها لكل طير أو لكل هدهد تماما كما لا تستدعي معرفة فلان باللغة الانكليزية أن يعرفها كل الناس . . أما معرفة هدهد سليمان بما أخبره به فلا تفسير له عندنا إلا بمشيئة اللَّه .

{أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ والأَرْضِ ويَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وما تُعْلِنُونَ} . المراد بالخبء هنا خيرات الكون ، واللَّه سبحانه يخرجها لعباده بالأسباب الطبيعية كالنبات يخرجه من الأرض بسبب المطر ، والتوالد بسبب التلقيح ، أو بالوسائل العلمية كالمعادن وما إليها يخرجها اللَّه بأيدي العلماء وأدواتهم الفنية ، وقد عبّر سبحانه عن هذه الوسائل والأسباب بأيدي اللَّه حيث قال : {أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ} - 71 يس . {اللَّهُ لا إِلهً إِلَّا هُورَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} الذي لا يقاس بملكه ملك ، ولا بعظمته عظمة .

_________________________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص ١٥-16 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {وتفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين} قال الراغب : التفقد التعهد لكن حقيقة التفقد تعرف فقدان الشيء والتعهد تعرف العهد المتقدم قال تعالى : {وتفقد الطير} انتهى .

استفهم أولا متعجبا من حال نفسه إذ لا يرى الهدهد بين الطير كأنه لم يكن من المظنون في حقه أن يغيب عن موكبه ويستنكف عن امتثال أمره ثم أضرب عن ذلك بالاستفهام عن غيبته .

والمعنى : ما بالي لا أرى الهدهد بين الطيور الملازمة لموكبي بل أ كان من الغائبين .

قوله تعالى : {لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} اللامات للقسم والسلطان المبين البرهان الواضح ، يقضي (عليه السلام) على الهدهد أحد ثلاث خصال : العذاب الشديد والذبح وفيهما شقاؤه ، والإتيان بحجة واضحة وفيه خلاصه ونجاته .

قوله تعالى : {فمكث غير بعيد فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبإ بنبإ يقين} ضمير {فمكث} لسليمان ويحتمل أن يكون للهدهد ويؤيد الأول سابق السياق والثاني لاحقه ، والمراد بالإحاطة العلم الكامل ، وقوله : {وجئتك} إلخ ، بمنزلة عطف التفسير لقوله : {أحطت} إلخ ، وسبأ بلدة باليمن كانت عاصمته يومئذ والنبأ الخبر الذي له أهمية ، واليقين ما لا شك فيه .

والمعنى : فمكث سليمان – أو فمكث الهدهد - زمانا غير بعيد - ثم حضر فسأله سليمان عن غيبته وعاتبه - فقال أحطت من العلم بما لم تحط به وجئتك من سبإ بخبر مهم لا شك فيه .

ومنه يظهر أن في الآية حذفا وإيجازا ، وقد قيل : إن في قول الهدهد : {أحطت بما لم تحط به} كسرا لسورة سليمان (عليه السلام) فيما شدد عليه .

قوله تعالى : {إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} الضمير في {تملكهم} لأهل سبإ وما يتبعها وقوله : {وأوتيت من كل شيء} وصف لسعة ملكها وعظمته وهو القرينة على أن المراد بكل شيء في الآية كل شيء هومن لوازم الملك العظيم من حزم وعزم وسطوة ومملكة عريضة وكنوز وجنود مجندة ورعية مطيعة ، وخص بالذكر من بينها عرشها العظيم .

قوله تعالى : {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله} إلخ ، أي إنهم

من عبدة الشمس من الوثنيين .

وقوله : {وزين لهم الشيطان أعمالهم} بمنزلة عطف التفسير لما سبقه وهو مع ذلك توطئة لقوله بعد : {فصدهم عن السبيل} لأن تزيين الشيطان لهم أعمالهم التي هي سجدتهم وسائر تقرباتهم هو الذي صرفهم ومنعهم عن سبيل الله وهي عبادته وحده .

وفي إطلاق السبيل من غير إضافتها إليه تعالى إشارة إلى أنها السبيل المتعينة للسبيلية بنفسها للإنسان بالنظر إلى فطرته بل لكل شيء بالنظر إلى الخلقة العامة .

وقوله : {فهم لا يهتدون} تفريع على صدهم عن السبيل إذ لا سبيل مع الصد عن السبيل فلا اهتداء ، فافهمه .

قوله تعالى : {ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون} القراءة الدائرة {إلا} - بتشديد اللام - مؤلف من {أن ولا} وهو عطف بيان من {أعمالهم{ ، والمعنى : زين لهم الشيطان أن لا يسجدوا لله ، وقيل : بتقدير لام التعليل ، والمعنى : زين لهم الشيطان ضلالتهم لئلا يسجدوا لله .

والخبء على ما في مجمع البيان ، المخبوء وهوما أحاط به غيره حتى منع من إدراكه وهو مصدر وصف به يقال : خبأته أخبئه خبأ وما يوجده الله تعالى فيخرجه من العدم إلى الوجود يكون بهذه المنزلة .

انتهى .

ففي قوله : {يخرج الخبء في السماوات والأرض} استعارة كأن الأشياء مخبوءة مستورة تحت أطباق العدم فيخرجها الله تعالى إلى الوجود واحدا بعد آخر فيكون تسمية الإيجاد بعد العدم إخراجا للخبء قريبا من تسميته بالفطر وتوصيفه تعالى بأنه فاطر السماوات والأرض والفطر هو الشق كأنه يشق العدم فيخرج الأشياء .

ويمكن حمل الجملة على الحقيقة من غير استعارة لكنه مفتقر إلى بيان موضعه غير هذا الموضع .

وقيل : المراد بالخبء الغيب وإخراجه العلم به وهوكما ترى .

وقوله : {ويعلم ما تخفون وما تعلنون} بالتاء على الخطاب أي يعلم سركم وعلانيتكم ، وقرأ الأكثرون بالياء على الغيبة وهو أرجح .

وملخص الحجة : أنهم إنما يسجدون للشمس دون الله تعظيما لها على ما أودع الله سبحانه في طباعها من الآثار الحسنة والتدبير العام للعالم الأرضي وغيره ، والله الذي أخرج جميع الأشياء من العدم إلى الوجود ومن الغيب إلى الشهادة فترتب على ذلك نظام التدبير من أصله - ومن جملتها الشمس وتدبيرها - أولى بالتعظيم وأحق أن يسجد له ، مع أنه لا معنى لعبادة ما لا شعور له بها ولا شعور للشمس بسجدتهم والله سبحانه يعلم ما يخفون وما يعلنون فالله سبحانه هو المتعين للسجدة والتعظيم لا غير .

وبهذا البيان تبين وجه اتصال قوله تلوا {الله لا إله إلا هو} إلخ .

قوله تعالى : {الله لا إله إلا هورب العرش العظيم} من تمام كلام الهدهد وهو بمنزلة التصريح بنتيجة البيان الضمني السابق وإظهار الحق قبال باطلهم ولذا أتى أولا بالتهليل الدال على توحيد العبادة ثم ضم إليه قوله : {رب العرش العظيم} الدال على انتهاء تدبير الأمر إليه فإن العرش الملكي هو المقام الذي تجتمع عنده أزمة الأمور وتصدر منه الأحكام الجارية في الملك .

وفي قوله : {رب العرش العظيم} مناسبة محاذاة أخرى مع قوله في وصف ملكة سبإ : {ولها عرش عظيم} ولعل قول الهدهد هذا هو الذي دعا – أو هو من جملة ما دعا - سليمان (عليه السلام) أن يأمر أن يأتوا بعرشها إليه ليخضع لعظمة ربه كل عظمة .

_________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص284-286 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قصّة الهُدهد وملكة سبأ :

يشير القرآن في هذا القسم من الآيات إلى جانب آخر من حياة سليمان(عليه السلام)المدهشة ، وما جرى له مع الهدهد وملكة سبأ .

فيقول أوّلا : {وتفقّد الطير} .

وهذا التعبير يكشف هذه الحقيقة ، وهي أنّه كان يراقب وضع البلاد بدقّة ، وكان يتحرى أوضاع حكومته لئلا يخفى عليه غياب شيء ، حتى لوكان طائراً واحداً .

وما لا شك فيه أنّ المراد من الطير هنا هو الهُدهد ، لأنّ القرآن يضيف استمراراً للكلام {وقال ما لي لا أرى الهُدهد أم كان من الغائبين} .

وهناك كلام بين المفسّرين في كيفية التفات سليمان إلى عدم حضور الهدهد .

فقال بعضهم : كان سليمان(عليه السلام) عندما يتحرك تظلل الطير بأنواعها فوق رأسه فتكون مثل الخيمة ، وقد عرف غياب الهدهد من وجود ثغرة في هذا الظل! .

وقال بعضهم : كان الهدهد مأموراً من قبل سليمان بالتقصيّ عن الماء كلما دعت الحاجة إليه . . . وعندما دعت الحاجة إلى الماء في هذه المرّة لم يجد الهدهد فعرف غيابه .

وعلى كل حال ، فهذا التعبير {ما لي لا أرى الهُدهد} ثمّ قوله : {أم كان من الغائبين} لعله إشارة إلى أن غياب الهدهد هل كان لعذر مقبول أو لغير عذر؟

وعلى أيّة حال ، فان حكومة منظمة ومقتدرة يجب أن تجعل كل شيء يجري داخل اطار الدولة تحت نظرها ونفوذها . . حتى وجود طائر واحد وغيابه ، لابدّ أن لا يخفى عن علمها ونظرها . . . وهذا درس كبير لمن أراد التدبير .

ومن أجل أن لا يكون حكم سليمان غيابياً ، وأن لا يؤثر غياب الهُدهد على بقية الطيور ، فضلا عن الاشخاص الذين يحملون بعض المسؤوليات ، أضاف «سليمان» قائلا : {لأُعذبنه عذاباً شديداً أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} .

والمراد من «السلطان» هنا هو الدليل الذي يتسلط به الإنسان من أجل إثبات قصده ، وتأكيد هذا اللفظ بـ «مبين» هو أنّه لابد لهذا الفرد المتخلف من إقامة دليل واضح وعذر مقبول لتخلفه !

وفي الحقيقة فإنّ سليمان قبل أن يقضي غيابياً ذكر تهديده اللازم في صورة ثبوت التخلّف . . . وحتى هذا التهديد جعله في مرحلتين تناسبان الذنب . . . مرحلة العقاب بما دون الاعدام ، ومرحلة العقاب بالإعدام .

وقد برهن «سليمان» ضمناً أنّه ـ حتى بالنسبة للطائر الضعيف ـ يستند في حكمه إلى المنطق والدليل ، ولا يعوّل على القوّة والقدرة أبدا .

ولكن غيبة الهدهد لم تطل {فمكث غير بعيد} عاد الهدهد وتوجه نحو سليمان : {فقال أحطت بما لم تُحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين} .

وكأن الهدهد قد رأى آثار الغضب في وجه سليمان ، ومن أجل أن يزيل ذلك التهجم ، أخبره أوّلاً بخبر مقتضب مهم الى درجة أن سليمان نفسه كان غير مطّلع عليه ، برغم ما عنده من علم ، ولما سكن الغضب عن وجه سليمان ، فصّلَ الهدهد له الخبر ، وسيأتي بيانه في الآيات المقبلة .

وممّا ينبغي الإلتفات إليه أنّ جنود سليمان ـ حتى الطيور الممتثلة لأوامره ـ كانت عدالة سليمان قد أعطتهم الحرية والأمن والدعة بحيث يكلمه الهدهد دون خوف وبصراحة لا ستار عليها فيقول : {أحطت بما لم تحط به} .

فتعامل الهدهد «وعلاقته» مع سليمان لم يكن كتعامل الملأ المتملقين للجبابرة الطغاة . . إذ يتملقون في البدء مدة طويلة ، ثمّ يتضرعون ويعدون أنفسهم كالذرّة أمام الطود ، ثمّ يهوون على أقدام الجبابرة ويبدون حاجتهم في حالة من التضرع والتملق ، ولا يستطيعون أن يصرّحوا في كلامهم أبداً ، بل يكنّون كنايةً أرق من الورد لئلا يخدش قلب السلطان غبار كلامهم !! .

أجل ، إنّ الهُدهد قال بصراحة : غيابي لم يكن اعتباطاً وعبثاً . . . بل جئتك بخبر يقين «مهم» لم تحط به !

وهذا التعبير درس كبير للجميع ، إذ يمكن أن يكون موجود صغير كالهدهد يعرف موضوعاً لا يعرفه أعلم من في عصره ، لئلا يكون الإنسان مغروراً بعلمه . . . حتى لوكان ذلك سليمان مع ما عنده من علم النبوّة الواسع .

وعلى كل حال ، فإنّ الهدهد أخذ يفصّل لسليمان ما حدث فقال : {إنّي وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم} .

لقد بيّن الهُدهد لسليمان بهذه الجمل الثلاث جميع مواصفات هذا البلد تقريباً ، وأسلوب حكومته !

فقال أوّلاً : إنّه بلد عامر فيه جميع المواهب والإمكانات ، والآخر إنّني وجدت امرأة في قصر مجلل تملكهم ، والثّالث : لها عرش عظيم ـ ولعله أعظم من عرش سليمان ـ لأنّ الهدهد كان رأى عرش سليمان حتماً ، ومع ذلك يصف عرش هذه الملكة بأنّه عظيم .

وقد أفهم الهدهد بكلامه هذا سليمان أنّه لا ينبغي أن تتصور أن جميع العالم تحت «نفوذ أمرك وحكومتك»! وأن عرشك هو وحده العرش العظيم . . .

ولما سمع سليمان (عليه السلام) كلام الهدهد غرق في تفكيره ، إلاّ أن الهُدهد لم يمهله طويلا فأخبره بخبر جديد . . خبر عجيب ، مزعج مريب ، إذ قال : {وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم} فكانوا يفخرون بعبادتهم للشمس وبذلك صدّهم الشيطان عن طريق الحق {فصدهم عن السبيل} .

وقد غرقوا في عبادة الاصنام حتى أنّي لا أتصور أنّهم يثوبون إلى رشدهم {فهم لا يهتدون} .

وهكذا فقد بين الهدهد ما هم عليه من حالة دينية ومعنوية أيضاً ، إذ هم غارقون في الشرك والوثنية والحكومة تروّج عبادة الشمس . . . والناس على دين ملوكهم .

معابدهم وأوضاعهم الأُخرى تدل على أنّهم سادرون في التيه ، ويتباهون بهذا الضلال والإنحراف ، وفي مثل هذه الظروف التي يرى فيها الناس والحكومة على خط واحد ، فمن البعيد إمكان هدايتهم .

ثمّ أضاف الهُدهد قائلا : {ألاّ يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون} (2) .

وكلمة «خَبء» على وزن (صبر) معناها كل شيء خفي مستور ، وهي هنا إشارة إلى إحاطة علم الله بغيب السماوات والأرض ، أي : لِمَ لا يسجدون لله الذي يعلمُ غيب السماوات والأرض وما فيهما من أسرار ؟!

وما فسّره بعضهم بأن الخبء في السماوات هو الغيث ، والخبء في الأرض هو النبات ، فهوـ في الحقيقة ـ من قبيل المصداق البارز .

والطريف في الآية أنّها تتكلم أوّلاً عما خفي في السماوات والأرض ، ثمّ تتكلم عن أسرار القلوب ! .

إلاّ أنّه لِمَ استند الهدهد من بين جميع صفات الله إلى علمه بغيب العالم وشهوده كبيره وصغيره ؟!

لعل ذلك لمناسبة أن سليمان ـ بالرغم من جميع قدرته ـ كان يجهل خصائص بلد سبأ ، فالهدهد يقول : ينبغي الإعتماد على الله الذي لا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض .

أو لمناسبة أنّه ـ طبقاً لما هو معروف ـ للهدهد حس خاص يدرك به وجود الماء في داخل الأرض . . . لذلك يتكلم عن علم الله الذي يعلم بكل خافية في عالم الوجود .

وأخيراً يختتم الهدهد كلامه هكذا {الله لا اله إلاّ هوربّ العرش العظيم} .

وهكذا يختتم الهدهد كلامه مستنداً إلى «توحيد العبادة» و«توحيد الرّبوبية» لله تعالى . مؤكداً نفي كل أنواع الشرك عنه سبحانه .

_________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص429-431 .

2 ـ كلمة «ألاّ» مركبة من (أن ولا) كما يذهب إلى ذلك كثير من المفسّرين ، وهي متعلقة بجملة (فصدهم) أو «زين لهم الشيطان» وقدروا لها اللام فتكون الجملة هذا النحو من التقدير «صدّهم عن السبيل لئلا يسجدوا لله» إلاّ أن الظاهر أن (ألاّ) حرف تحضيض ومعناه (هلاّ) وكما قلنا في المتن فإنّ هذه الجملة من كلام الهدهد تعقيباً على ما سبق ، وإن كان هناك من يقول بأنها استثنافية وإنها من كلام الله . .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .