أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-9-2020
1962
التاريخ: 23-9-2020
2365
التاريخ: 20-9-2020
1216
التاريخ: 12-7-2020
1296
|
معركة بابل أول معركة مع الجيش الفارسي النظامي
كانت أول معركة مع الجيش النظامي الفارسي بعد ذهاب خالد من العراق
وكانت قبل أن يمد عمر المثنى بأبي عبيد الثقفي ونحو ألف مقاتل، فقد عاجل الفرس المثنى عندما ملكوا عليهم شهر براز ، فأرسل جيشاً لحربه .
قال الطبري:2/605: «واستقام أهل فارس على رأس سنة من مقدم خالد الحيرة ، بعد خروج خالد بقليل ، وذلك في سنة ثلاث عشرة على شهر براز بن أردشير بن شهريار ، ممن يناسب إلى كسرى ثم إلى سابور ، فوجه إلى المثنى جنداً عظيماً ، عليهم هرمز جاذويه في عشرة آلاف ومعه فيل ، وكتبت المسالح إلى المثنى بإقباله ، فخرج المثنى من الحيرة نحوه وضم إليه المسالح ، وجعل على مجنبتيه المعنى ومسعوداً ابني حارثة ، وأقام له ببابل .
وأقبل هرمز جاذويه وعلى مجنبتيه الكوكبد والخوكبذ ، وكتب إلى المثنى:
من شهر براز إلى المثنى: إني قد بعثت إليك جنداً من وحش أهل فارس ، إنما هم رعاة الدجاج والخنازير ، ولست أقاتلك إلا بهم !
فأجابه المثنى: من المثنى إلى شهر براز: إنما أنت أحد رجلين ، إما باغ فذلك شر لك وخير لنا ، وإما كاذب فأعظم الكذابين عقوبة وفضيحة عند الله وفى الناس الملوك ! وأما الذي يدلنا عليه الرأي فإنكم إنما اصطررتم إليهم ، فالحمد لله الذي رد كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير!
فجزع أهل فارس من كتابه وقالوا: إنما أتى شهر براز من شؤم مولده ولؤم منشئه ، وكان يسكن ميسان ، وبعض البلدان شين على من يسكنه ! وقالوا له: جرأت علينا عدونا بالذي كتبت به إليهم ، فإذا كاتبت أحداً فاستشر!
فالتقوا ببابل فاقتتلوا بعدوة الصراة الدنيا ، على الطريق الأول قتالاً شديداً .
ثم إن المثنى وناساً من المسلمين اعتوروا الفيل ، وقد كان يفرق بين الصفوف والكراديس ، فأصابوا مقتله فقتلوه وهزموا أهل فارس ، واتبعهم المسلمون يقتلونهم ، حتى جازوا بهم مسالحهم ، فأقاموا فيها ، وتتبع الطلب الفالة حتى انتهوا إلى المدائن . وفى ذلك يقول عبدة بن الطبيب السعدي ، وكان عبدة قد هاجر لمهاجرة حليلة له ، حتى شهد وقعة بابل فلما آيسته رجع إلى البادية فقال:
هل حبلُ خولةَ بعد البين موصولُ *** أم أنت عنها بعيدُ الدار مشغولُ
وللأحبةِ أيامٌ تُذكِّرُها *** وللنوى قبل يوم البيْن تأويل
حلت خويلةُ في حيٍّ عهدتهم *** دون المدائن فيها الديك والفيل
يقارعون رؤس العُجْمِ ضاحيةً *** منهم فوارسُ لا عزلٌ ولا ميللُ
القصيدة للفرزدق يعدد بيوتات بكر بن وائل. وذكر المثنى وقتله الفيل:
وبيت المثنى قاتلُ الفيل عنوةً *** ببابل إذ في فارس ملك بابل
ومات شهر براز منهزم هرمز جاذويه (حكم أربعين يوماً فقتلوه) واختلف أهل فارس وبقى ما دون دجلة وبرس من السواد في يدي المثنى والمسلمين .
ثم إن أهل فارس اجتمعوا بعد شهربراز على دخت زنان ابنة كسرى ، فلم ينفذ لها أمر فخلعت وملك سابور بن شهربراز . قالوا: ولما ملك سابور بن شهربراز قام بأمره الفرخزاذ بن البندوان فسأله أن يزوجه أزر ميدخت ابنة كسرى ففعل، فغضبت من ذلك وقالت: يا ابن عم أتزوجني عبدي؟ قالت: استحى من هذا الكلام ولا تعيديه على فإنه زوجك فبعثت إلى سياوخش الرازي وكان من فتاك الأعاجم فشكت فيه الذي تخاف ، فقال لها: إن كنت كارهة لهذا فلا تعاوديه فيه وأرسلي إليه وقولي له فليقل له فليأتك فأنا أكفيكه ، ففعلت وفعل واستعد سياوخش ، فلما كان ليلة العرس أقبل الفرخزاذ حتى دخل فثار به سياوخش فقتله ومن معه ، ثم نهد بها معه إلى سابور فحضرته ، ثم دخلوا عليه فقتلوه وملكت آزر ميدخت بنت كسرى ، وتشاغلوا بذلك وأبطأ خبر أبي بكر على المسلمين فخلف المثنى على المسلمين بشير بن الخصاصية ووضع مكانه في المسالح سعيد بن مرة العجلي وخرج المثنى نحو أبى بكر ليخبره خبر المسلمين والمشركين ، وليستأذنه في الإستعانة بمن قد ظهرت توبته وندمه من أهل الردة ممن يستطعمه الغزو ، وليخبره أنه لم يخلف أحداً أنشط إلى قتال فارس وحربها ومعونة المهاجرين منهم. فقدم المدينة وأبو بكر مريض، وقد مرض أبو بكر بعد مخرج خالد إلى الشام مرضته التي مات فيها بأشهر، فقدم المثنى وقد أشفى وعقد لعمر فأخبره الخبر ، فقال: عليَّ بعمر ، فجاء فقال له: إسمع يا عمر ما أقول لك ثم اعمل به ، إني لأرجو أن أموت من يومي هذا وذلك يوم الإثنين فإن أنا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع المثنى ، وإن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس مع المثنى... فمات أبو بكر ، وندب عمر الناس مع المثنى » .
ومعنى ذلك أن قوة المثنى التي وصلت الى بضعة آلاف بلغت من القوة أنها هزمت جيشاً نظامياً من عشرة آلاف ، وقد كان لبطولته مع إخوانه قادة المعركة الفضل الأول في تحقيق النصر . وقد أدركت الخلافة أهمية فتح العراق وتقوية جبهته .
وكان أول من أمدَّ بهم عمر المثنى أبا عبيد الثقفي ، أرسله والياً على العراق .
قال الطبري:2/630: «أول ما عمل به عمر أن ندب الناس مع المثنى بن حارثة الشيباني إلى أهل فارس قبل صلاة الفجر من الليلة التي مات فيها أبو بكر، ثم أصبح فبايع الناس ، وعاد فندب الناس إلى فارس ، وتتابع الناس على البيعة ففرغوا في ثلاث ، كل يوم يندبهم فلا ينتدب أحد إلى فارس ، وكان وجه فارس من أكره الوجوه إليهم وأثقلها عليهم ، لشدة سلطانهم وشوكتهم وعزهم وقهرهم الأمم . قالوا: فلما كان اليوم الرابع عاد فندب الناس إلى العراق فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود وسعد بن عبيد الأنصاري حليف بنى فزارة هرب يوم الجسر».
أقول: وصفت الروايات خوف المسلمين من قتال الفرس، وأن عمر ندبهم ثلاثة أيام وخطب فيهم المثنى، فاستجاب له أبو عبيد بن مسعود أبو المختار الثقفي فذهب المثنى قبله، وجمعوا لأبي عبيد ألف مقاتل أو أكثر .
ثم وصفت الرواية أوضاع فارس ومعارك المسلمين معهم، وفيها مناقبية أبي عبيد ونزاهته عن المال الحرام، وبطولات المثنى ، الذي تحمَّل ثقل المعارك .
وكان أبو عبيد رضي الله عنه من أفضل القادة الذين أمدت بهم الخلافة المثنى، فهو من نوع عمار وهاشم المرقال وحجر بن عدي شجاعة ونزاهة وتعففاً.
قال الطبري (2/630): «وكان وجه فارس من أكره الوجوه إليهم وأثقلها عليهم لشدة سلطانهم وشوكتهم وعزهم ، وقهرهم الأمم ! قالوا: فلما كان اليوم الرابع عاد فندب الناس إلى العراق ، فكان أول منتدب أبو عبيد بن مسعود ، وسعد بن عبيد الأنصاري.. وتكلم المثنى بن حارثة فقال: يا أيها الناس لا يعظمن عليكم هذا الوجه، فإنا قد تبحبحنا ريف فارس، وغلبناهم على خير شِقَّي السواد، وشاطرناهم ونلنا منهم ، واجترأ مَن قبلنا عليهم ، ولها إن شاء الله ما بعدها . وقام عمر في الناس فقال: إن الحجاز ليس لكم بدار إلا على النعجة، ولا يقوى عليه أهله إلا بذلك. أين القرَّاء المهاجرون عن موعود الله، سيروا في الأرض التي وعدكم الله في الكتاب أن يورثكموها، فإنه قال: ليظهره على الدين كله. والله مظهر دينه ومعز ناصره ومولي أهله مواريث الأمم..
فلما اجتمع ذلك البعث قيل لعمر: أَمِّر عليهم رجلاً من السابقين من المهاجرين والأنصار. قال: لا والله لا أفعل إن الله إنما رفعكم بسبقكم وسرعتكم إلى العدو فإذا جبنتم وكرهتم اللقاء فأولى بالرياسة منكم من سبق إلى الدفع وأجاب إلى الدعاء . والله لا أؤمر عليهم الا أولهم انتداباً . ثم دعا أبا عبيد وسليطاً وسعداً فقال: أما إنكما لو سبقتماه لوليتكما ولأدركتما بها إلى مالكما من القدمة، فأمَّر أبا عبيد على الجيش وقال لأبي عبيد: إسمع من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وأشركهم في الأمر ، ولا تجتهد مسرعاً حتى تتبين ، فإنها الحرب والحرب لا يصلحها إلا الرجل المكيث ، الذي يعرف الفرصة والكف ».
المعركة الثانية مع الجيش الفارسي معركة النمارق
خاض المثنى وأبو عبيد معركتين ، أبليا فيهما بلاء حسناً: النمارق، والجسر. فقد جاءت بوران ملكة الفرس برستم بن فرخزاد حاكم خراسان ، ونصبته نائباً لها وقائداً عاماً لجيش الفرس لعشر سنين ، وألبسته تاجاً ، ثم عزَّز ذلك ملكهم يزدجرد عندما تَوَّجوه في السنة التي جاء فيها أبو عبيدة الى العراق .
فحرك رستم المرازبة الفرس (حرس الحدود) وقادة الدساكر في العراق، لينقضوا عقود الصلح ويثوروا على المسلمين ، فسارع الى الثورة قائدان هما جوبان في منطقة النمارق ، والنرسي في منطقة زند رود . وكلاهما قرب واسط.
قال ابن كثير في النهاية (7/35): «فملكوه (يزدجرد) عليهم وهو ابن إحدى وعشرين سنة، وهو من ولد شهريار بن كسرى ، وعزلوا بوران واستوثقت الممالك له واجتمعوا عليه وفرحوا به وقاموا بين يديه بالنصر أتم قيام واستفحل أمره فيهم وقويت شوكتهم به ، وبعثوا إلى الأقاليم والرساتيق فخلعوا الطاعة للصحابة ونقضوا عهودهم وذممهم ! وبعث الصحابة إلى عمر بالخبر، فأمرهم عمر أن يتبرزوا من بين ظهرانيهم (يخرجوا من مناطق العراق الزراعية) وليكونوا على أطراف البلاد حولهم على المياه، وأن تكون كل قبيلة تنظر إلى الأخرى بحيث إذا حدث حدث على قبيلة لا يخفى أمرها على جيرانهم. وتفاقم الحال جداً، وذلك في ذي القعدة من سنة ثلاث عشرة ».
وقال الطبري (2/634): «وقدم المثنى الحيرة من المدينة في عشر، ولحقه أبو عبيد بعد شهر فأقام المثنى بالحيرة خمس عشرة ليلة. وكتب رستم إلى الدهاقين للسواد أن يثوروا بالمسلمين، ودس في كل رستاق رجلاً ليثور بأهله، فبعث جابان إلى البهقباذ الأسفل، وبعث نرسي إلى كسكر ووعدهم يوماً وبعث جنداً لمصادمة المثنى، وبلغ المثنى ذلك فضم إليه مسالحه وحَذِرَ . وعجَّل جابان فثار ونزل النمارق، وتوالوا على الخروج ، فخرج نرسي زندورد (وكلها ما بين الكوت والكوفة) وثار أهل الرساتيق من أعلى الفرات إلى أسفله ، وخرج المثنى في جماعة حتى ينزل حفان ، لئلا يؤتى من خلفه بشئ يكرهه ، وأقام حين قدم عليه أبو عبيد فكان أبو عبيد على الناس ، فأقام بخفان أياماً ليستجم أصحابه ، وقد اجتمع إلى جابان بشر كثير . وخرج أبو عبيد بعد ما جمَّ الناس وظَهْرُهم (دوابهم) وتعبأ فجعل المثنى على الخيل، وعلى ميمنته والق بن جيدارة ، وعلى ميسرته عمرو بن الهيثم بن الصلت بن حبيب السلمي . وعلى مجنبتي جابان: جشنس ماه ، ومردانشاه . فنزلوا على جابان بالنمارق فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزم الله أهل فارس وأُسِر جابان ، أسره مطر بن فضة التميمي ، وأُسِر مردان شاه ، أسره أكتل بن شماخ العكلي ، فأما أكتل فإنه ضرب عنق مردانشاه ، وأما مطر بن فضة فإن جابان خدعه حتى تفلت منه بشئ فخلى عنه ، فأخذه المسلمون فأتوا به أبا عبيد وأخبروه أنه الملك ، وأشاروا عليه بقتله فقال: إني أخاف الله أن أقتله ، وقد آمنه رجل مسلم ، والمسلمون في التواد والتناصر كالجسد ، ما لزم بعضهم فقد لزمهم كلهم .
فقالوا له إنه الملك ! قال: وإن كان ، لا أغدر ، فتركه... ما تروني فاعلاً معاشر ربيعة، أيؤمنه صاحبكم وأقتله أنا ! معاذ الله من ذلك .
وقسم أبو عبيد الغنائم وكان فيها عطر كثير ونفل ، وبعث بالأخماس ...
وقال أبو عبيد حين انهزموا وأخذوا نحو كسكر ليلجؤوا إلى نرسي ، وكان نرسي ابن خالة كسرى، وكانت كسكر قطيعة له ، وكان النرسي يحميه لا يأكله بشر ولا يغرسه غيرهم ، أو ملك فارس إلا من أكرموه بشئ منه ، وكان ذلك مذكوراً من فعلهم في الناس، وأن ثمرهم هذا حمى ، فقال له رستم وبوران: إشخص إلى قطيعتك فاحمها من عدوك وعدونا وكن رجلاً ، فلما انهزم الناس يوم النمارق ، ووجهت الفالة نحو نرسي ونرسي في عسكره ، نادى أبو عبيد بالرحيل وقال للمجردة: إتبعوهم حتى تدخلوهم عسكر نرسي ، أو تبيدوهم فيما بين النمارق إلى بارق إلى درتا...
ومضى أبو عبيدة حين ارتحل من النمارق حتى ينزل على نرسي بكسكر ، ونرسي يومئذ بأسفل كسكر، والمثنى في تعبيته التي قاتل فيها جابان ، ونرسي على مجنبتيه ابنا خاله وهما ابنا خال كسرى: بندويه وتيرويه ابنا بسطام ، وأهل باروسما ونهر جوبر والزوابي معه إلى جنده ، وقد أتى الخبر بوران ورستم بهزيمة جابان ، فبعثوا إلى الجالنوس ، وبلغ ذلك نرسي وأهل كسكر وباروسما ونهر جوبر والزاب ، فرجوا أن يلحق قبل الوقعة ، وعاجلهم أبو عبيد فالتقوا أسفل من كسكر بمكان يدعى السقاطية ، فاقتتلوا في صحارى ملس قتالاً شديداً ، ثم إن الله هزم فارس ، وهرب نرسي وغُلب على عسكره وأرضه .
وأخرب أبو عبيد ما كان حول معسكرهم من كسكر، وجمع الغنائم فرأى من الأطعمة شيئاً عظيماً، فبعث فيمن يليه من العرب، فانتقوا ما شاؤوا، وأخذت خزائن نرسي، فلم يكونوا بشئ مما خزن أفرح منهم بالنرسيان ، لأنه كان يحميه ويمالؤه عليه ملوكهم فاقتسموه ، فجعلوا يطعمونه الفلاحين وبعثوا بخمسه إلى عمر ، وكتبوا إليه: إن الله أطعمنا مطاعم كانت الأكاسرة يحرمونها ! وأحببنا أن تروها لتذكروا إنعام الله وإفضاله !
وأقام أبو عبيد وسرح المثنى إلى باروسما، وبعث والقاً إلى الزوابي، وعاصماً إلى نهر جوبر، فهزموا من كان تجمع، وأخرجوا وسبوا وكان مما أخرب المثنى وسبى أهل زندورد وبسريسي، وكان أبو زعبل من سبى زندورد.
وهرب ذلك الجند إلى الجالنوس ، فكان ممن أسر عاصم أهل بيتيق من نهر جوبر ، وممن أسر والق أبو الصلت ، وخرج فروخ وفرونداذ إلى المثنى يطلبان الجزاء والذمة ، دفعاً عن أرضهم فأبلغهما أبا عبيد.. فأعطياه عن كل رأس أربعة دراهم، فروخ عن باروسما وفرونداذ عن نهر جوبر، ومثل ذلك لزوابي وكسكر، وضمنا لهم الرجال عن التعجيل ، ففعلوا وصاروا صلحاً .
وجاء فروخ وفرونداذ إلى أبى عبيد بآنية فيها أنواع أطعمة فارس من الألوان والأخبصة وغيرها ، فقالوا: هذه كرامة أكرمناك بها وقِرى لك . قال: أأكرمتم الجند وقريتموهم مثله؟ قالوا لم يتيسر، ونحن فاعلون ، وإنما يتربصون بهم قدوم الجالنوس وما يصنع.
فقال أبو عبيد: لا حاجة لنا فيه ، بئس المرء أبو عبيد إن صحب قوماً من بلادهم أهرقوا دماءهم دونه أو لم يهريقوا ، فاستأثر عليهم بشئ يصيبه ، لا والله لا يأكل مما أفاء الله عليهم ، إلا مثل ما يأكل أوساطهم.. ودخل أبو عبيد باروسما ونزل هو وأصحابه قرية من قراها ، فاشتملت عليهم ، فصنع لأبي عبيد طعام فأتى به ، فلما رآه قال: ما أنا بالذي آكل هذا دون المسلمين. فقالوا له: كل، فإنه ليس من أصحابك أحد إلا وهو يؤتى في منزله بمثل هذا ، أو أفضل. فأكل . فلما رجعوا إليه سألهم عن طعامهم ، فأخبروه بما جاءهم » .
وفي الطبري:2/638: «كان جابان ونرسي استمدا بوران فأمدتهما بالجالنوس في جند جابان، وأمر أن يبدأ بنرسي ثم يقاتل أبا عبيد بعد ، فبادره أبو عبيد فنهض في جنده قبل أن يدنو ، فلما دنا استقبله أبو عبيد فنزل الجالنوس بباقسياثا من باروسما ، فنهد إليه أبو عبيد في المسلمين وهو على تعبيته ، فالتقوا على باقسياثا فهزمهم المسلمون وهرب الجالنوس. وأقام أبو عبيد قد غلب على تلك البلاد».
وفي تاريخ خليفة/46: «وبعث أبو عبيد المثنى بن حارثة إلى زندورد فحاربوه، فقتل وسبى».
وروى الكلاعي في الاكتفاء:2/404، عن المدائني: «وبلغ يزدجرد أن ملك العرب يسير إليه ، فشاور أهل بيته ومرازبته ، فقالوا له: وجه إلى أطرافك فحصنها وأخرج من فيها من العرب ، فوجه جالينوس ورستم وليس بالأزدى ومردان شاه ونرسي ابن خال أبرويز ، وكل واحد فى خمسة آلاف ، وأمرهم أن ينزلوا متفرقين ، ويكون بعضهم قريباً من بعض كل رجل فى أصحابه ، ويمد بعضهم بعضاً إن احتاجوا إلى ذلك ، وأمرهم أن يقتلوا من قدروا عليه من العرب ، فخرجوا والمثنى بالحيرة ، فبلغه مسيرهم ، فخرج لينزل على البلاد ، فلقى على قنطرة النهرين خرزاذبه فقتله . ومضى المثنى فنزل من وراء أليس ، ونزل العجم متفرقين ، فنزل نرسى كسكر ، ونزل مردان شاه فيما بين سورا وقبين ، ونزل رستم بابل ، ونزل جالينوس بارسمى ، ووجه جالينوس جابان فى ألف إلى أليس ، ووجه أزاذبه إلى الحيرة فى ألف ، وفصل أبو عبيد بن مسعود من المدينة فى ألف وثمان مائة من المهاجرين والأنصار وغيرهم ، فيهم من ثقيف أربع مائة معهم أبو محجن ، كان مع خالد بن الوليد بالشام فلما أتتهم وفاة أبى بكر رجع إلى المدينة ، فخرج مع أبى عبيد ، وانضم إلى أبي عبيد فى الطريق مائة من بنى أسد ، ومائتان من طيئ ومائة من بنى ذبيان بن بغيض ، ومائة من بنى عبس ، معهم خمسة وعشرون فرساً .
وخرج المثنى بن حارثة فى ثلاث مائة وسبعين من بكر بن وائل ، وثلاث مائة من بنى تميم حنظلة وعمرو وسعد والرباب ، فتلقى أبا عبيد ثم أقبل معه حتى نزل عسكره الذى كان فيه ، ووضع عيوناً على المسلحة التى بأليس فأتوه فأعلموه فأخبر أبا عبيد ، فقال له: إن أذنت لي سرت إليهم ، فأذن له وضم إليه ابنه جبر بن أبى عبيد وقال لابنه جبر: لا تخالفه ، فسار المثنى فصبح أليس وهم آمنون فلم يكن بينهم كبير قتال حتى انهزموا ، فأصاب المسلمون سلاحاً ومتاعاً ليس بالكثير ، ورجع إلى أبى عبيد .
ونزل جابان فيما بين الحيرة والقادسية وكتب أبو عبيد إلى عمر بخبر أليس، فسر المسلمون ونشطوا، وخرج قوم من المدينة إلى أبي عبيد، وتقدم أبو عبيد فلقى جابان فيما بين الحيرة والقادسية، وجابان فى ألفين معه آزاذبه ، فلم يطل القتال بينهم حتى انهزم المشركون » .
أقول: هكذا سارت عمليات تحرير العراق باطراد في مصلحة المسلمين، وكان الفضل فيها لإخلاص المثنى وأبي عبيد الثقفي وتضحياتهما، رضي الله عنهما .
وكان أبو عبيد من أفضل القادة الذين بعثتهم الخلافة الى العراق، شجاعاً نزيهاً مخلصاً، كعمار وحذيفة والمرقال ، يعيش مع جنوده ويقاتل أمامهم ، ولا يجلس في خيمته كسعد ، ولا يغير ويقتل وينهب ويسبي كخالد ، ولا يسرق الحيوانات من أهل القرى ليطعم جيشه كجرير وأمثاله !
وقد ختم أبو عبيد انتصاراته بخطأ ذريع بسبب عنفوانه وعجلته، فلا عصمة إلا للمعصومين صلوات الله عليهم ، فقد خيَّره القائد الفارسي في معركة الجسر في العبور، فاختار أبو عبيد أن يعبر هو حتى لا يقال إنه خاف ، فعبر بجيشه الى مكان ضيق لا يصلح للمسلمين للقتال ، فكانت معركة صعبة عليهم ، وخسروا أربعة آلاف شهيد وغريق ، واستشهد فيها أبو عبيد نفسه ، وسبعة من خواصه الثقفيين .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|