أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
1572
التاريخ: 5-9-2016
1077
التاريخ: 17-7-2020
1621
التاريخ: 18-8-2016
1018
|
..إنّ في الكفاية في مقام ذكر حجج المانعين عن التمسّك بظاهر الكتاب ذكر وجوها خمسة:
الأوّل: أنّ فهم القرآن مختص بأهله ومن خوطب به، كما يشهد به ما ورد في ردع أبي حنيفة وقتادة عن الفتوى.
والثاني: أنّ القرآن مشتمل على مطالب عالية لا تصل إليها أيدي اولى الأفهام، كيف ولا يصل إلى فهم كلام مثل امرئ القيس وابن سينا إلّا الأوحدي من الأفاضل، فما ظنّك بكلامه تعالى مع اشتماله على علم ما كان وما يكون وحكم كلّ شيء، والفرق بين الوجهين بعد اشتراكهما في عدم فهمنا لمطالب القرآن وعدم معرفتنا بها أنّ الأوّل يكون بالخبر والتعبّد، والثاني بالوجدان، وهذا الوجه لم نذكره نحن لوضوح الجواب منها، فإنّا نسلّم على اشتمال القرآن على البطون وبطون البطون، لكن أين هذا من ظواهر مثل آية {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فلا يدّل هذا إلّا على عدم جواز الأخذ بما لم يظهر معناه.
والثالث: أنّ المتشابه ممنوع عن اتّباعه وهو شامل للظواهر، ولا أقلّ من احتمال شموله له بأن يكون ما نزعمه ظاهرا من قبيل الرموزات والإشارات التي لا يلتفتها إلّا من خوطب بالقرآن ويكون كما قيل بالفارسيّة.
ميان عاشق ومعشوق رمزى است نداند آنكه اشتر مىچراند
مثلا كان الياء في «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»* إشارة إلى مطالب عالية و«أيّها» إلى مطالب أخر وهكذا.
والرابع: أنّ ظواهر القرآن وإن لم يكن من قبيل المتشابه ذاتا، إلّا أنّها صارت منه عرضا للعلم الإجمالي بطروّ التخصيص والتقييد والتجوّز في كثير من ظواهره.
والخامس: الأخبار الناهية عن تفسير القرآن بالرأي لشمولها لحمل الكلام الظاهر في معنى على هذا المعنى.
ثمّ ذكر بعد ذلك ما حاصله أنّ النزاع يختلف صغرويّة وكبرويّة بحسب هذه الوجوه، والمقصود أنّ مرجع بعض هذه الوجوه إلى نفي الظهور مع تسليم أنّ كلّ ظاهر حجّة، ومرجع بعضها إلى نفي حجيّة كلّ ظهور مع تسليم أصل الظهور، فمرجع عدم المعرفة بمطالب القرآن إلّا لمن خوطب به بكلا وجهيه، وكذا العلم الإجمالي بطروّ التخصيص ونحوه إلى نفي الظهور، ومرجع شمول المتشابه للظاهر والأخبار الناهية إلى منع أنّ كلّ ظاهر حجّة.
والظاهر أنّ هذا الكلام منه قدّس سرّه ناظر إلى الاعتراض بكلام شيخنا المرتضى قدّس سرّه في الرسائل حيث حكم بصغرويّة النزاع على وجه الكليّة، ومحصّل الاعتراض أنّ هنا تفصيلا، ويختلف صغرويّة النزاع وكبرويّته بحسب الوجوه، فلا وجه للحكم بصغرويّته بقول مطلق، هذا.
أقول: الكبرى المأخوذة في المقام يختلف باختلافها حال النزاع، فإن كانت هي أنّ كلّ ظاهر حجّة كان كما ذكره قدّس سرّه من الاختلاف باختلاف الوجوه، ولكن شيخنا المرتضى قدّس سرّه لم يجعل هذا كبرى الباب، بل الكبرى التي ذكرها في صدر البحث هي أنّ الشارع في تعيين مراده وإفهام مرامه لم يخترع ولم يجعل طريقة جديدة غير طريقة العرف، ولا يخفى أنّه على هذه الكبرى يكون جميع النزاعات في هذا المقام راجعة إلى الصغرى سواء في ذلك نزاع الأخباري في الكتاب ونزاع المحقّق القمّي في السنّة بالاختصاص بمن قصد إفهامه.
بيان ذلك أنّ أحدا لا ينكر أنّ الشارع لم يخترع طريقه جديدة في تعيين مراده، ويقول به الأخبارى والمحقّق المذكور أيضا. وإنّما الأخباري يقول: إنّ كلّ اثنين تباينا على التكلّم بالرمز فليس لثالث حقّ تشخيص المراد بظاهر كلامهما عند العرف أيضا وأنّه على هذا جرت طريقة العرف، فالقرآن من هذا القبيل.
وكذا المحقّق أيضا يقول: ليس للشارع طريقة جديدة، ولكن طريقة العرف أنّ الأخذ بالظواهر مخصوص بمن قصد إفهامه، فهذان وإن كانا بالنسبة إلى حجيّة الظواهر كبرويين ولكنّهما بالنسبة إلى عينيّة طريقة الشرع مع طريقة العرف ليسا إلّا صغرويين، يعني أنّ الرسم المألوف بين أهل العرف جرى على أنّ من يتكلّم مع مخاطبه بالرمز لا يكون للغير حقّ بأن يعيّن المراد بالأخذ بالظواهر.
وكذا على أنّ غير المقصود بالإفهام لا يكون له تعيين المراد بالرجوع إلى الظواهر، لا أنّ هذا طريقة جديدة مخترعة مجعولة للشرع.
وبالجملة، لا يلازم كبرويّة النزاع على الكبرى التي اتّخذها صاحب الكفاية كبرويّتها على كبرى الشيخ قدّس سرّه، فلا وجه للإيراد والاعتراض.
تتمّة، لو اختلفت القراءة في آية على وجهين مختلفين في المؤدّى مثل «يطهرن» بالتخفيف و«يطّهرن» بالتشديد (1) فلا إشكال أنّ المتضادّين لا يمكن أن يكون كلاهما حكم اللّه، فلا يمكن أن يكون حدّ حرمة الوطي النقاء، وأن يكون هو الغسل.
وحينئذ فإن قطعنا بتواتر القراءات، والقول بتواترها يمكن على وجهين:
الأوّل: يقال: بأنّهما آيتان نزلتا على النبي صلّى اللّه عليه وآله كان الغاية في إحداهما يطهرن وفي الاخرى يطّهّرن، والثاني، أن يقال: الآية واحدة، ولكن في خصوص هذه اللفظة يكون المنزل على النبي هو المادّة وجعل الاختيار لإحدى الهيئتين بيد القاري.
وعلى كلّ حال فإن حصل القطع بالتواتر بأحد وجهيه فلا بدّ من ملاحظة أنّ أيّ القطعين أظهر من الآخر في معناه، مثلا ظهور يطهرن في النقاء أقوى أو ظهور يطهّرن في الغسل، فإن كان في البين أظهر يجعل الأظهر قرينة على صرف الظاهر، وكذا النصّ لو كان يجعل قرينة لغيره.
وإن لم يحصل القطع بالتواتر فنقول: قد ورد في الأخبار الأمر بالقراءة كما يقرأ الناس وهذا الأمر محتمل لمعنيين، الأوّل: أن يكون المفاد نظير مفاد دليل التعبّد بالخبر، فكما أنّ مفاده لزوم البناء العلمي على كون ألفاظ الخبر صادرة عن المعصوم، فكذا مفاد هذا أيضا هو البناء على أنّ ما يقرئه الناس هو القرآن وترتيب آثار القرآن الواقعي عليه، ففي صورة الاختلاف يصدق على كل قراءة أنّه ما يقرئه الناس، فيلزم البناء على قرآنيّة الجميع، فيصير القراءتين المتعارضتين في المؤدّي بمنزلة خبرين متعارضين رواهما الثقة.
والثاني: أن يكون الغرض من الأمر بقراءة القرآن الذي يقرئه الناس هو الردع عن التفحّص عن القرآن الذي جمعه الأمير عليه السلام وأتاه إلى الجماعة، فقالوا: كفانا ما بأيدينا، فقال لا ترونه حتّى يجيء به ابني مهدي عليه السلام، وعلى هذا فيكون المستفاد من هذا الأمر حصول ثواب قراءة القرآن على قراءة ما يقرءوه وترتيب آثار قراءة القرآن الواقعي عليه، فلا تعرّض فيه لجواز العمل بالحكم الذي هو مشتمل عليه، وبالجملة فالمستفاد حينئذ جواز القراءة لا جواز الاستدلال.
ثمّ هذا المعنى أيضا محتمل لوجهين:
الأوّل: أن يكون قضيّة مطلقة شاملة لكلّ قراءة حتى في صورة اختلاف القراءات، فمفاده أنّ كلّ قراءة يجوز القراءة على طبقها وتؤثّر أثر قراءة القرآن الواقعي من الثواب وغيره.
والثاني: أن يكون قضيّة مجملة وكان في مقام مجرّد الردع عن فحص قرآن الأمير عليه السلام والإرجاع إلى ما في الأيدي من دون نظر إلى أنّ في صورة الاختلاف يجوز القراءة بكلّ قراءة أولا؟ فيكون الحال من هذه الجهة موكولة على مقتضى القاعدة، فإن اتّفقت القراءات فلا كلام، وإن اختلفت فلا بدّ من ملاحظة الأوثق الأتقن.
وهذان الوجهان وإن كان لا تظهر ثمرة بينهما في ما نحن بصدده؛ فإنّ كليهما مشترك في سكوت الأمر المذكور عن جواز الاستدلال والعمل على طبق المدلول، وإنّما يدلّ على جواز القراءة، فمن حيث العمل والاستدلال لا يجوز الرجوع إلى شيء من القرآنين وإن كان نصّا، بل يرجع إلى القاعدة.
نعم تظهر الثمرة بينهما في مقام آخر وهو الآثار المترتّبة على قراءة القرآن، فعلى الأوّل يحكم بترتّبها على جميع القراءات، وعلى الثاني على خصوص الأوثق إن كان، وإلّا فيحتاط، مثلا وجوب القراءة في الصلاة أثر للقرآن أعني الحمد والسورة، فإن اختلفت القراءة في واحد من ألفاظ الحمد مثل «مالك» حيث قرء «ملك» أيضا فعلى الوجه الأوّل يجوز القراءة بكلّ منهما؛ لأنّ قراءة كلّ بمنزلة قراءة القرآن، وعلى الثاني إن كان أحدهما أقوى وأتقن يتعيّن هو بالقراءة، وإلّا فيحتاط بقراءة كليهما.
وكيف كان فعلى المعنى الأوّل وهو التنزيل منزلة القرآن الواقعي قراءة وعملا كالخبر يصير القراءتان المتعارضتان كالخبرين المتعارضين، فإن كان بينهما نصّ أو أظهر يجعل قرينة على الظاهر، وإن تساويا في الظهور فقد جعل الشارع لتعارض الخبرين قانونا وهو الرجوع إلى المرجّحات، وعند فقدها التخيير، دون الرجوع إلى ثالث، وهذا القانون لو لا التعبّد به من الشرع لكان على خلاف القاعدة، فإنّ الأمارات إن جعلت حجّة من باب الطريقيّة فقاعدة باب الطرق هو التساقط عند التعارض، وإن جعلت من باب السببيّة فقاعدة باب الأسباب هو التخيير عند التزاحم كإنقاذ الغريقين، فالترجيح بالمرجّحات يكون على خلاف القاعدة على أيّ حال، فيقتصر فيه على مورده وهو الخبران المتعارضان، فيكون المعمول به في القراءتين هو القاعدة، وحيث إنّ المختار هو الطريقيّة كان مقتضى القاعدة تساقطهما، فيجوز القراءة بكلّ منهما ولا يجوز الاستدلال بشيء منهما؛ فإنّه لا تعارض بينهما بحسب القراءة، وإنّما التعارض ثابت بحسب العمل، فيتعيّن الرجوع إلى دليل آخر وهو مختلف بحسب المقامات.
ففي الآية المذكورة يبنى على وجود العموم الأزماني وعدمه، فإن قلنا بالأوّل يعني بكون كلمة «أنّى» في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] زمانيّة استيعابيّة استغراقيّة بأن كان الزمان ملحوظا قطعا متعدّدة وكلّ قطعة ملحوظة على وجه الاستقلال بأن كان المفاد هو جواز إتيان الحرث في كلّ زمان، فحينئذ يكون المرجع عموم هذه الآية؛ فإنّه قد استغرقت جميع الأزمان ومن جملتها الزمان بين النقاء والغسل، وخرج عنه بقضيّة الخاص زمان التلبّس بالحيض، فيبقى الباقي تحت العموم.
وإن قلنا بعدم إرادته العموم الزماني إمّا بكون كلمة «أنّى» ظرفية مكانيّة، أو كانت للزمان لكن لوحظ الزمان قطعة واحدة وجعل ظرفا للحكم واستمرّ الحكم باستمراره، لا أن يكون قد لوحظ كلّ زمان مستقلا، فالمرجع قاعدة استصحاب حكم المخصّص.
والحاصل أنّ هنا ثلاث صور:
الاولى: أن نقول بتواتر القراءات، وحينئذ فكأنّ كلّ قراءة منزلة من السماء، فإن كان في البين أظهر أو نصّ يحكّم على غيره.
والثانية: أن لا نقول بتواترها ولكن قلنا: يجوز الاستدلال واستفادة الأحكام بكلّ قراءة كما يجوز القراءة، وحينئذ فكلّ قراءة منزلة من السماء تعبّدا قراءة وعملا، فإن كان في البين أظهر أو نص يحكّم أيضا على غيره.
والثالثة: أن لا نقول لا بالتواتر ولا بجواز الاستدلال، وأنّ الثابت جواز القراءة، فكلّ قراءة بمنزلة المنزل من السماء قراءة لا عملا، وحينئذ لا يجوز التمسّك بالنص والأظهر لو كان أيضا؛ لاحتمال عدم القرآنيّة.
ففي جميع صور الصورة الأخيرة وفي صورة عدم النص والأظهر من الصورتين الاوليين لا بدّ من الرجوع إلى قاعدة اخرى، ولا يلاحظ علاج الخبرين المتعارضين بين القراءتين في الصورتين الاوليين؛ فإنّ الأمارة إذا تعارضت بأمارة اخرى فمقتضى القاعدة هو التساقط والتماس دليل آخر، وأمّا عدم الخروج عنها إمّا بترجيح إحداهما لو كان مرجّح، وإمّا بالتخيير بينهما عند فقده فهو خلاف القاعدة؛ فإنّ المرجّح أيضا إن كان أمارة مستقلّة فهو المرجع، وإلّا فكونه مرجّحا خلاف القاعدة، فيقتصر في ذلك على مورد الأخبار العلاجيّة وهو الخبران المتعارضان.
وبالجملة، ففي القراءتين المتعارضتين مفادا وعملا لا بدّ في جميع صور الصورة الأخيرة وصورة عدم الأظهر والنص من الصورتين الاوليين من الرجوع إلى القاعدة وهو مختلف على المبنيين؛ لأنّه إن قلنا بأنّ كلمة «أنّى» في آية «فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ» زمانيّة واستيعابيّة فالمرجع هو العموم الزماني، وإن قلنا بأنّه غير زمانيّة أو غير استيعابيّة فالمرجع قاعدة استصحاب حكم المخصّص.
وهذا نظير ما ذكره شيخنا المرتضى في رسائله ومكاسبه تعرّضا على المحقّق الكركي في باب الخيارات الحادثة في البين وبعد حدوث العقد، مثل خيار تلقّي الركبان عند الاطّلاع على سعر البلد في مسألة أنّه هل بعد مضيّ الزمان بقدر الفسخ يبقي خيار أولا؟ فإنّه قد اختار المحقّق الفوريّة مستدلا بآية «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» فإنّه يدّل على وجوب الوفاء في تمام الأزمان، خرج زمان الفسخ بالدليل، فيبقى الباقي تحت هذا العموم.
واعترض عليه شيخنا بأنّه فرع أن يكون في الآية عموم بالنسبة إلى الأزمنة، كما أنّ له عموما بالنسبة إلى أفراد العقود، وليس كذلك؛ إذ ليس في الآية تقييد بالزمان، بل هو حكم واحد ممتدّ بامتداد الزمان، والمفروض أنّه انقطع في جزء من الزمان، وبعده يحتاج إثباته إلى دليل آخر، فليس من مقام الرجوع إلى العموم، بل المرجع استصحاب حكم المخصّص.
توضيح المقام أنّ الاختلاف ينشأ من ناحية الجاعل وكيفيّة جعله وإنشائه، فقد يجعل هو حكمه بحيث يجعل كلّ زمان زمان موضوعا مستقلا في عالم فرضه، فينحلّ الحكم بحسب هذا الجعل إلى أحكام عديدة بحسب قطعات الزمان، وقد يجعل في عالم الفرض حكما واحدا ويلاحظ الزمان شيئا واحدا فيمتدّ هذا الحكم الواحد بامتداد الزمان ما دام موضوعه باقيا.
فلازم الصورة الاولى أنّ الحكم متى ارتفع في زمان بدليل خاص يثبت بعد ذلك الزمان بقضيّة العموم، ولازم الثاني أنّه لو انقطع حكمه وزال استمراره في زمان فهذا الحكم الواحد المستمرّ قد انقطع استمراره إلى هنا بالدليل، ولا دليل على ثبوت حكم جديد ثانيا كان مبدؤه ما بعد هذا الزمان.
مثلا تارة يقول: أكرم العلماء في كلّ زمان، وحينئذ لو قام إجماع على عدم وجوب إكرام زيد العالم يوم الجمعة وشككنا أنّه يوم السبت واجب الإكرام أولا؟
لا شكّ أنّ الدليل الأوّل اقتضى وجوب إكرامه في كلّ يوم، والقدر الخارج يوم الجمعة، فيوم السبت باق تحت العموم.
واخرى يقول: أكرم العلماء، من دون تقييد بالزمان، فلا شكّ أنّه لو لم يرد مخرج فهو بالنسبة إلى زيد وعمرو وبكر وسائر الأفراد مستمرّ ما دام حياتهم، ولكن إذا قطع استمرار هذا الحكم في زيد في يوم الجمعة فلا دليل يدّل على وجوب إكرامه يوم السبت، ووجوب الإكرام الأوّلي قد فرض انقطاعه ليوم الجمعة.
والحاصل أنّ الرجوع إلى العام يحتاج إلى إثبات دلالتين له:
الاولى: إثبات الحكم من الأوّل إلى ما قبل زمان المخصّص.
والثانية: إثباته من ما بعد هذا الزمان إلى آخر أزمنة الموضوع، ومن المعلوم عدم إمكان إثبات الدلالة الثانية، نعم يمكن تقييد الدليل بالنسبة إلى الدلالة الواحدة من حيث الأوّل، فيكون منقطع الأوّل، أو من حيث الآخر ليصير منقطع الآخر.
مثلا يمكن جعل مبدإ وجوب الوفاء في العقد الذي فيه خيار من ابتدائه أوّل انقضاء هذا الخيار، أو في العقد الذي فيه خيار من آخره بجعل مقطع وجوب الوفاء ومنتهاه في أوّل حدوث هذا الخيار، فيلزم في الصورتين تقييد البيع بكونه من الزمان الفلاني، أو إلى الزمان الفلاني.
وأمّا إذا انقطع الوجوب من الوسط فلا يمكن إثبات الوجوب في ما بعد الوسط إلّا بدلالتين، إحداهما على الحكم من الأوّل إلى الوسط، والآخر من ما بعده إلى الآخر، وليس للدليل الدلالة الثانية وهو في هذا نظير الاستصحاب؛ فإنّه ما لم ينقطع استمرار الحكم الموجود في زمان يستصحب في ما بعده، ولو حدث القاطع له في الأثناء انقطع الاستصحاب.
إذا تقرّر ذلك فنقول: إن كان لفظة «أنّى» مفيدة للزمان على وجه الاستيعاب فالقدر الخارج زمان التلبّس بالدم ويبقى الباقي تحته، فيكون المرجع العموم المستفاد من هذه اللفظة، وأمّا إن كان مفيدة للمكان أو للزمان لكن لا على وجه العموم والاستيعاب، فيقال: الحكم الثابت في القطعة السابقة من الزمان حرمة الوطي فيستصحب هذا الحكم في القطعة اللاحقة.
ثمّ في كليّة ما ذكره شيخنا قدّس سرّه في صورة عدم ملاحظة الزمان قطعة قطعة بمقدار يسع الوطي مثلا من أنّ المرجع هو الاستصحاب نظر، بل هنا أيضا تفصيل، ولا يصحّ الرجوع إلى الاستصحاب مطلقا، بل ربّما يكون المرجع أصل آخر، نعم عدم صحّة الرجوع إلى العموم يكون مطلقا، وذلك لأنّه لا بدّ من أن ينظر الدليل الدالّ على خلاف حكم العام في فرد في زمان وأنّه ما ذا يستفاد منه، هل يستفاد كون الزمان جزء من الموضوع وقيدا له، أو كونه ظرفا وخارجا عن الموضوع والمحمول.
وكذا لا بدّ من ملاحظة حال الزمان في تلك القضيّة عند العرف وأنّه هل يراه العرف داخلا في الموضوع أو المحمول أو خارجا عنها وظرفا للحكم، فصحّة الرجوع إلى استصحاب حكم المخصّص مبتن على عدم فهم القيديّة للزمان لا من دليل المخصّص ولا من العرف، كما لو كان في مثال الوطي موضوع الحرمة هو الوطي وكان زمان الحيض ظرفا لهذا الحكم.
وأمّا لو كان الموضوع بحسب الدليل أو العرف هو المقيّد بالزمان الخاص كما لو كان موضوع الحرمة في المثال هو الوطي في زمان الحيض بحيث اعتبر حال الحيض قيدا في الموضوع فحينئذ وإن كان لا يمكن الاستدلال بعموم العام لإثبات حكمه في ما بعد، ولكن التمسّك لإثبات حكم المخصّص أيضا بقاعدة الاستصحاب غير صحيح، لعدم بقاء الموضوع مع فرض كونه مقيّدا بالزمان الخاص وانقضاء هذا الزمان، فارتفع الحكم بارتفاع الموضوع، فلا يمكن الاستصحاب، فلا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر وهو مختلف في المقامات، وفي هذا المثال يكون هو البراءة، وكذلك الحال عند الشكّ وعدم تبيّن أنّ الزمان من أحد القسمين، فلا يمكن الاستصحاب حينئذ، لعدم إحراز الموضوع.
______________
(1) فإنّ الطهارة من قبيل الحصول والانفعال نحو الشرافة والكرامة، والتطهّر من قبيل الفعل والحركة، ويعبّر عن الأوّل بالفارسيّة ب« پاك شدن» وعن الثاني ب« پاك كردن» وباب التفعّل وإن كان لازما لأنّه للقبول والمطاوعة إلّا أنّ الكون من قبيل الفعل والحركة يلائم مع اللزوم والتعدّي، أ لا ترى أنّ« ضحك» و« تبسّم» و« ذهب» ونحوها أفعال لازمة ومع ذلك يكون من قبيل الفعل والحركة للفاعل دون ما كان قهريّ الحصول له.
والحاصل أنّ قراءة التخفيف لا شبهة في كونه من قبيل الحصول المعبّر عنه في الفارسيّة ب« شدن» فلا محالة يكون عبارة عن الطهارة عن الدم، فيكون غاية الحرمة على هذا هو الانقطاع، وأمّا التطهّر فحيث إنّه من باب التفعّل وهو لم يستعمل في ما عهدنا من مواضع استعماله في الحصول، بل استعمل في الكلّ في الفعل والحركة للفاعل سواء استعمل في القبول والمطاوعة أم الغي عنه ذلك فلا محالة يكون عبارة عن التطهير الذي هو من مقولة الفعل الاختياري للفاعل، وليس ما كان فعلا للمكلّف في المقام وصالحا للغائيّة للحرمة سوى الغسل، وأمّا غسل الفرج فهو وإن كان فعلا ولكنّه لم يقل بغائيته قائل، فتعيّن معنى الآية على هذه القراءة في غائيّة الغسل بالضم، وحيث لا يمكن إرادة كليهما فلا بدّ إمّا من حمل الطهارة على الطهر الحاصل عقيب التطهّر، فيكون المراد الطهارة من الحدث، وإمّا من حمل التطهّر على المعنى الحصولي، ولا يخفى أنّ الثاني مستلزم للتجوّز بخلاف الأوّل، فإنّه لم يؤخذ في معنى الطهارة إلّا مجرّد الحصول، وأمّا عدم تعقّبه للفعل الاختياري للفاعل فلم يؤخذ فيه بأن يعتبر أن يكون حصولا قهريّا لم يعمل في مقدّماته أيضا اختيار الفاعل، بل هو من ذلك ومن الحصول الذي يحدث عقيب فعل اختياري للفاعل.
وذن فبناء على تواتر القراءات يتّضح دلالة الآية الشريفة على كون الحرمة مغيّاة بالغسل دون الانقطاع، ولكنّ الشأن في ثبوت التواتر، وذلك لوضوح عدم حصول القطع بقرآنيّة ما يروونه القرّاء السبع.
وإذن فتصير الآية الشريفة مجملة، فلا بدّ من التكلّم على القاعدة من استصحاب حكم المخصّص أو الرجوع إلى العام، إلّا أن يقال: إنّ قوله تعالى بعد ذلك:« فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ» رافع للإجمال، فعلى هذا أيضا تكون الغاية هو الغسل، فيكون الكلام على القاعدة مع الإغماض عن ذلك، كما يكون مع الإغماض عن الأخبار الخاصّة في المقام أيضا، وأمّا مع النظر إلى الأخبار الخاصّة فهي بين مصرّح بالجواز وبين الناهي عن الوطي قبل الغسل، ومن المعلوم أنّ مقتضاها الحمل على الكراهة وحمل يطهرن أيضا على الطهارة من الدم، هذا. منه قدّس سرّه الشريف.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|