أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-4-2016
16344
التاريخ: 3-4-2017
7636
التاريخ: 2023-08-01
3290
التاريخ: 3-4-2017
4728
|
يمكن تبسيط الأمور، والقول بأن المبرر الجوهري لوجود الإدارة وعلتها الغائية هو تحقيق إشباع الحاجات العامة بالمفهوم الموسع sensu - lato لكلمة إشباع بحيث يدخل بها «بالمعنى الموضوعي والمادي» إشباع حاجة الأمن والاستقرار (الوظيفة الضابطة).
ويختلف دور الإدارة في تأدية هذا النشاط «عمقا وتسطحا أسلوبا ونطاقا» من دولة لأخرى ومن وقت لآخر تبعا للمبادئ السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعتنقها هذه الدولة.
فقد تعتبر حاجة معينة من الحاجات العامة في دولة من الدول، وفي الوقت من الأوقات، بينما الأمر على خلافه بالنسبة لدولة أخرى.
ومن ناحية أخرى، فقد ترى السلطة العامة إن إشباع الحاجة العامة لا يتم على الوجه الأكمل إلا إذا تولت النشاط بنفسها عن طريق المرفق العام بسبب عجز النشاط الفردي عن القيام بذلك، وهكذا تتولى هذه السلطة مهمة هذا القيام بأسلوب المرفق العام، وبالعكس فقد تجد هذه السلطة أن الأفراد يستطيعون الوفاء بهذا النشاط بشكل سليم فتتركهم أحرارا في ممارسة ذلك، وتكتفي بتنظيم نشاط الأفراد ورقابته درء لانحرافه وإضراره بالمصلحة العامة، وبذلك تقوم هذه
السلطة بوضع القواعد والقيود بما يمنع وقوع الاضطراب، ويحول دون اعتداء بعض الأفراد على حريات البعض الآخر، ونشاط الإدارة في هذا السبيل نمارسه عن طريق سلطة الضبط الإداري.
وهكذا تتحدد الوظيف الإدارية فهي معيار القانون الإداري بقطبين أساسيين (1) : إشباع الحاجات العامة والتنظيم الردعي الوقائي الضامن للاستقرار والطمأنينة والأمن الضبط الإداري)، وهذا هو عين التحديد في شريعتنا الغراء كما يقرره المبدأ الأصولي : جلب المنافع (المرفق العام ودرء المفاسد (الضبط الإداري).
بيد أنه يجب التأكيد بأن التنظيم الوقائي ليس مقصورة على مهمة السلطة الإدارية، بل قد تقوا به الدولة بالية التشريع، وهذا هو الضبط بمعناه العام.
فالضبط تبعا لهذا المعنى الموسع يضمن تنظيم المجتمع تنظيما وقائيا فتراقب بموجبه الإدارة نشاط الأفراد، وتدرس احتمالات الإخلال بالنظام قبل وقوعها ووظيفة الضبط بهذا المعنى العام تقوم بها الدولة عن طريق التشريع (2) .
وإذا كان القانون في جوهره يقوم على مفهوم (نسبية الحقائق الإنسانية) ثم مواجهة بعضها ببعض، تلك النظرية التي نادى بها ودلل عليها، وشرحها مفصلا "شارل مونتسيكيو" إذا كان الأمر كذلك، فالتشريع قد يخفف من قبضة التنظيم الوقائي المانع فيسمح بممارسة النشاط المحظور إلى فرد معين ضمن شروط
محددة موضوعية على الأعم والأغلب، وهذه الإجازة المعطاة للفرد قد تتم في إطار النشاط المرفق، أو في إطار الضبط الإداري أو في وعاء المال العام.
وهذا المركز الخاص الذي ينتقل به الفرد من حال المنع العام، إلى حال الإيذان له وإجازته بممارسة النشاط المحظور، هذا المركز، هو عين الرخصة الإدارية وهو الأمر الذي نجده في التعريف بالرخصة من قبل الفقيه اليوناني ميشيل ستاسينوبولس"، يقول هذا الفقيه (3) :
"Les permissions ne crée , les de nouveaux droits mains rarement en rigueur des droits préexistants: doul l'exercise a la suite 01. interdiction de nature a été supenow générale et ensuit l'on considerer la permission comme une abolition d'une interdiction générale'.
وترجمته: لا تنشئ التراخيص حقوقا جديدة بل تقتصر عادة على تطبيق حقوق موجودة سابقة، وقد علقت ممارستها بحظر في طبيعة عامة، ومن ثم يمكن اعتبار الترخيص بمثابة إلغاء الحظر عام
وفي نظرنا أن هذه الإزاحة والكسر للحاجز الإجرائي المانع في السمة العامة، هذه الإزاحة تسمح لنا باستنباط قاعدة تفسيرية ذات طبيعة عارضة وطارئة وفي أضيق الحدود .
وبيان ذلك أن هذا الحظر العام يتحرك في إطار قاعدة مساواة دستورية (مساواة المواطنين أمام القانون )، وبالتالي فإذا ما أتيح للإدارة كثر هذا الحظر، فهذا الأمر يتم من خلال ثغرات ضيقة ومحدودة وتخاطب المرخص له لا لذاته بل لصفاته، والقول يغير ذلك يعني إقامة نظام امتياز لصالح هذا المرخص له.
وفضلا عن ذلك فالمراكز القانونية في القانون الإداري تتوشح بالسمة الآمرة لتعلقها بالنظام العام، واختراق هذه الهيكلة الآمرة يجب أن يفسر في أضيق الحدود .
وما يوضحه المثال لا يوضحه المقال، فالترخيص لفرد يمارس نشاط خاص، إنما هو خروج على حرية العمل أو التجارة، يقترب من حالة الاحتكار الممنوع والمحظور قانونا، والأمر نفسه بالنسبة للترخيص بقيادة السيارة، أو يفتح محل مقلق للراحة، وغير ذلك من الأمور.
فهذه التراخيص تخرج عن مقتضى النظام العام، وتدخل في إطار إباحة ما هو محظور، وبالتالي يفسح المجال للتفسير الضيق.
ونعود لنؤكد أن هذا السماح المتفرع على المنع والحظر، قد يتم في إطار النشاط المرفقي، فيصطبغ بميسمه، يتحدد بأمر آلياته وغاياته، والعكس فقد يكون أداة الضبط الإداري وأحد تجلياته ومظاهره وغاياته.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن الوظيفة المرخصة لا تتحرك إلا في إطار الضبط الإداري، لأن هذا المنح الذي يتحرك إثر المنع هو أدخل ما يكون في الوظيفة الضابطة.
بيد أن التأمل ملية في الموضوع يتأكد له أن الترخيص يكمن أن ينشأ على صعيد المرفق العام الإداري لسبب بسيط هو أن الترخيص لشخص بتقديم حاجة عامة كما هو الحال في الترخيص ( بكشك) في محطة القطر أو في بناء حكومي، هذا الترخيص يجد حقيقته بالحركة بعد الحظر، ثم يتحدد المضمون القانوني بإذن وإجازة خاصة للمرخص له، وبذلك لا يختلف الترخيص ماهويا على صعيد الضبط الإداري عنه على صعيد الترخيص في الطبيعة المرفقية.
ذلك أنه من المفروض أن يتساوى الأفراد أمام القانون فيما يتعلق بمزاولة النشاط الخاص، وأن أي ترخيص خاص لفرد باتباع حاجات عامة هو الخروج على قاعدة المساواة بآلية الإذن الخاص أو المنح الخاص الخارج على المنع العام، وفي جميع الحالات فهذه الخصوصية هي خصوصية موضوعية، وليست ذاتية أي خصوصية الصفة في المرخص له وليس لحقيقة ذاتية.
ونظام الغاية هذا يلعب دورا هاما في حياة الرخصة ومضمونها تبعا لما إذا كانت تخدم الوظيفة المرفقية أم لا.
فالوظيفة المرفقية »« وهي تقدم الحاجة العامة فتقوم على أساس مقابل مالي، وفي الوقت نفسه فالإدارة غير ملزمة بممارسته اللهم إلا في إطار المسؤولية السياسية العامة.
والأمر على خلافه بالنسبة لوظيفة الضابطة بالإدارة دائمة ملزمة بهذه المهمة حتى إذا تخلت عنها إلى الأفراد هذا التخلي محدود ويقتصر على حال التزام المرافق العامة) كان هذا التخلي استثنائية هذا فضلا عن أن الوظيفة الضابطة لا تقوم على أساس مقابل مالي
وحقيقة الأمر فإن كلامنا عن الترخيص في مجال الضبط أو المرفق فإنما هو كلام يسعى لتجديد المجال الذي يحتضن الترخيص.
ومع ذلك فهنالك تصنيف آخر للترخيص ذاته لجهة تصنيف القرارات الإدارية تبعة المضمون القواعد القانونية.
وهكذا فقد قام "مود ستان" بإجراء تقسيم القرارات الإدارية تبعا لما إذا كانت تأمر
ordonnent أو تحظر emptchent أو ترخص bermettent أو
punishmentä h, juhrf clomificelir des actes administrative (4)
ويرى الفقيه "أندريه دي لوباد يير" أن وظيفة الترخيص تدخل في الوظيفة الرقابية للدولة (5).
والخلاصة أن النشاط الترخيصي نشاط خاص للإدارة سواء مورس في إطار الضبط الإداري أم المرفق العام أم تحرك على وعاء المال، والقول بغير ذلك يعني رفض الكلام عن نظرية عامة للرخصة الإدارية وفي الوقت نفسه أمكن التحدث عن مظاهر وأشكال وتجليات للرخصة غير موحدة الطبيعة والماهية والجوهر، وإن كان النظام الغائي له أثره في تلوينات الرخصة وتجلياتها الشكلية دون الخروج عن الجوهر والماهية الذين يشدان التلوينات والمعالم إلى الأصل المشترك.
هذا وننوه استطرادا بأنه إذا كانت الرخصة تعني « تقنية وصيغة» الانتقال بالنشاط من حال السكون إلى حال الحركة، أو من مجال الحظر إلى مجال الإباحة، إذا كان الأمر كذلك فإن وجود «في إطار الرخصة» حالات تمنع الانتقال بالنشاط الفردي من الحركة إلى حال السكون هذه الحالات أو الصيغة الجديدة لا تدخل بالصيغة العامة لرخصة ولا تعتبر خروجا عنها ولا إخلالا بماهيتها وحدها التام، بل إن هذا الأمر ما يكون في الالتزامات الملقاة على المرخص له.
ومظهر ذلك أن تحظر النصوص على صاحب الرخصة التخلي عن النشاط المرخص باعتباره أقرب ما يكون إلى الانتظام في إشباع الحاجة العامة، وكما هي الحال «على سبيل المثال، فيما نصت عليه الأحكام التموينية في سوريا يمنع أصحاب المصانع والتجار الذي ينتجون أو يتجرون في السلع، منعهم من أن يتركوا أعمالهم أو يمتنعوا عن ممارسة تجارتهم (المادة 26 من القانون رقم 123 لسنة 1960 الخاص بشؤون التموين والتسعير المعدل بموجب المرسوم رقم 158 لسنة 1969 )
بقي علينا بعد ذلك أن نطرح السؤال التالي: ما هو النظام الشكلي للرخصة؟.
ما هي طبيعته وما هي الجهة التي تصدره؟.
وننوه استطراداً بأن التعبير أو الإفصاح عن الإدارة المنشئة للرخصة الإدارية يتم على سبيل الحصر بآلية العقد أو القرار الإداري.
وبالطبع فهذا الإفصاح لا يعني أن الأداة القانونية عقدة كانت أم قرارة تمتص الرخصة وتستوعبها الأمر الذي يؤدي إلى اختزال الرخصة إلى صيغة هاتين
الأداتين القانونيتين، ولا تبسطها إلى هذا الحد، ومن ثم النظر إليها وردها في النهاية إلى النظرية العامة للقرار الإداري أو النظرية العامة للعقد الإداري.
ولا شك أن هذا التبسيط يرفع ويزيل كل مبرر لدراسة الرخصة ويدفعنا إلى تسقط أخبارها وتلمس مسائلها في المظان.
ويقينا أن حقيقة الرخصة وجوهرها وماهيتها الذاتية تكمن في نظام المنح بعد المنع، فهذا النظام هو الذي يضفي خصائصها ويمنح مقوماتها، فعلى سبيل المثال قد تعطي الرخصة لاعتبارات شخصية، كما هي الحال بالنسبة للرخص المتعلقة بالمواد المخدرة التي تمنح فقط للصيادلة.
والأمر نفسه بالنسبة لرخص السلاح (6)أو الترخيص للأجنبي بدخول البلاد وغير ذلك من الأمثلة التي تتأبى على التحديد والحصر.
هذا وسيزودنا هذا البحث بالأمثلة العديدة التي تسمح بالقول بأن العديد من التطبيقات الخاصة تظهر على صعيد الرخصة مثل إغلاق المحلات المرخص بها فيما لو أخلت بشرط الترخيص، وبالعكس فقد يفرض الترخيص على صاحب الرخصة والاستمرار في تقديم الخدمات والسلع فيما لو اتصلت هذه الرخصة بالحاجات العامة. ويمكن القول أن نظام الترخيص «وهو المنح بعد المنع» هو الدولاب الذي تدور عليه هذه الظاهرة القانونية، وليس التصرف القانوني الذي تعبر عن نفسها، هذا فضلا عن أن معظم مسائل القانون الإداري فقد تجد تقنيتها من خلال تصرف العقد أو القرار.
وبالطبع فهذا لا يمنع قيام حركة جدلية بين آلية الترخيص والأداة القانونية قوامها التأثير الفعل والانفعال، بل يمكننا القول أن الترخيص يغني العقد الإداري أو القرار الإداري ويقدم المادة اللازمة للإخصاب والشراء والحيوية، والمسألة في النهاية ترتد إلى العلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون الصورة والمادة الجسد والروح، وهي علاقة تجد مداها وانعكاسها في كافة مجالات العلوم الإنسانية.
وهنالك ملاحظة أساسية جديرة بالتنويه والإيضاح، وهو تركيزنا وقولنا أن ماهية نظام الرخصة تكمن في حركة الانتقال من المنع إلى الإباحة.
ففي دائرة هذا الانتقال يتحدد مضمون الرخصة وجوهرها وطبيعتها الذاتية، أي أن هذه الدائرة هي التي تفهم نظام الرخصة وماهيته المميزة.
ويترتب على ذلك نتائج أهمها ما تعلق بحركة القرائن القانونية أي نظام السعة المعطاة للإدارة في هذا المقام.
فالترخيص لفرد بإقامة بناء يتصل بحقيقة أساسية هي حق الملكية، وهذا الحق كما هو معلوم موضع الحماية الدستورية وهو لب التجميع الحضاري البشرى، ومن ثم فإذا كان المنع من البناء إنما يجد مناطه ومظانه في حماية النظام العام ليس إلا، فالإدارة تتخذ من التدابير ما يكفل لها وذلك ليس إلا وخارج هذه الحماية لا تستطيع أن تضع من القيود ما يبهظ الفرد، ويعطل حق الملكية.
والسؤال المطروح هو: ما قيمة حق الملكية إذا كما نبهظه ونثقله بالإجراءات التي تؤدي إلى تعطيله لا تنظيمه.
وإذا كان هذا مركز الإدارة في منح رخصة البناء، فالأمر يختلف من مظنة الأخرى كالترخيص الأجنبي بأن يقيم منشأة في البلاد، فهنا تدخل عناصر جديدة تتعلق بحماية النظام العام بصورة أشد من الترخيص للمواطن العادي.
والأمر نفسه بالنسبة للترخيص بحمل السلاح، أو للترخيص بإقامة ( بوفيه) في مبنى حكومي أو الترخيص لفندق.
فدواعي هذه التراخيص سعة وضيقة، صلابة وإسلاسا يختلف من مظنة إلى أخرى، وهذا هو معنى قولنا إن جوهر الترخيص يكمن في المنح بعد المنع بما يتفرع على هذه الحركة من نتائج يختلف من حال إلى آخر.
بقيت علينا نقطة أخرى وتتعلق بالتفسير الضيق الذي.
وبالطبع فنحن نقصد من هذا التفسير الضيق ما تعلق بمضمون الرخصة، فهنا تنتصب قرينة التفسير المضيق، ما بشأن إعطاء الرخصة ذاتها فحركة القرائن تختلف حسب المجال الذي تعطى من أجله الرخصة تشددا ويسرا .
وفي نظرنا إن هذا الإسلاس والجمود والتوسع والضيق، والمرونة والصلابة، هذا الأمر هو عين ماهية الرخصة الإدارية، وعين الصياغة، وفي الوقت نفسه عين عبقرية القانون الإداري، ذلك السر العجيب في تحقيق ملائمات لا حصد لها، والسعي نحو تجذب، تحققات وصيغ وأشكال لا على قولبتها ونحيطها بصورة مسبقة اللهم إلا في إطار المواءمة المرنة لنقطة التوازن الدقيقة بين الصالح العام والصالح الخاص.
ما أسباب قيام ظاهرة الرخصة في القانون الإداري و معيارها - مجالاتها، وفي الحقيقة أن أسباب قيام أية ظاهرة قانونية هو جواب على سؤال، لماذا نشأت هذه الظاهرة؟.
أما معيار وجودها ، فهو الجواب على سؤالنا، متى توجد الظاهرة؟، وأخيرا نقصد بمجالات الرخصة المكان والأنشطة الإدارية التي يمكن أن تظهر وتتخلق بها الرخصة.
ولنعد إلى سؤالنا الأول وهو: ما هو أسباب قيام الرخصة الإدارية؟.
وحقيقة الأمر أن تفكيك هذا السؤال والإجابة عنه يتحدد من خلال عرضنا البعض أوجه ومظاهر الرخصة، وهي مظاهر يخطئها الحصر: الترخيص للمحلات المقلقة للراحة – الترخيص بأشغال الطرق العامة - الترخيص بإقامة أكشاك على الطرق العامة - الترخيص للأجنبي بالدخول إلى البلاد - الترخيص للمواطن بمغادرة البلاد - تراخيص السلاح - تراخيص الآبار - تراخيص المقالع - تراخيص الاستيراد - تراخيص البناء - تراخيص صنع الأدوية وبيعها - التراخيص المتعلقة بالصحة العامة.
وبيان ذلك أن الإدارة قوامة على النظام العام بشعبه وأبعاده الثلاثة: الأمن العام السكينة العامة - الصحة العامة، وهي من أجل ذلك تتخذ تدابير وقائية حاضرة ومانعة كسياج لحماية المجتمع، ولكنها في الوقت نفسه تخرج من هذا الحظر متيحه الفرصة للنشاط الفردي، بالعمل ضمن التقييد والتنظيم والضبط والتحديد الذي تضعه على هذا النشاط.
هكذا تسمح للمحل الذي يصدر ضجيجا بالعمل ضمن شروط وأوضاع وأوقات وحدود فنوفق بذلك بين مقتضى السكينة العامة ومقتضى حرية النشاط الفردي.
والأمر نفسه بالنسبة للرقابة على المطاعم أو المأكولات أو المياه حفظة للصحة العامة.
ويدخل في حكم ذلك السماح للأجنبي بالدخول إلى البلاد، في أوقات محددة ولمدة معينة، وبعد التأكيد من عدم خطره على سلامة البلاد .
وهكذا يكمن وراء كل رخصة حكمة معينة وسبب محدد، وهو الأمر الذي يستدعي قيام تنظيم قانوني معين يحدد شروط الحصول على الإذن والأدوات القانونية التي تضطلع بهذه المهمة.
ولا يمكن التحدي والقول بأنه يكفي الاستعانة بالأدوات القانونية في القانون السبب بسيط هو أن ظروف إملاء القرار الإداري في مجال الوظيفة العامة والتأديب أو غير ذلك، هذه الظروف تختلف عما هو الحال بالنسبة للظروف التي تملي الرخصة بل إن ظروف الرخصة لا تحدد فحسب شروط إعطائها وأوضاع هذا الإعطاء ومدته وغير ذلك من الأمور، بل هي نفسها تحدد سلطة الإدارة وما إذا كانت مقيدة أي تنتمي إلى السلطة التقديرية.
وفضلا عن ذلك فالظروف المذكورة قد تحدد الأداة القانونية، وما إذا كانت بالية القرار الإداري أم العقد الإداري، حيث يظهر ذلك جليا في مجال أشغال الأقوال العامة.
بل وأبعد من ذلك بكثير فقد يغدو منح من الأهمية بمكان الأمر الذي ينبري به المشرع الدستوري للتدخل ووضع القيود على ذلك، وهو ما نجد مثاله في منح تراخيص التزام المرافق العامة.
فقد تنهض الحاجة إلى منح التزام إلى شخص عادي للقيام بتأمين حاجة عامة كما هي الحال بالنسبة لشركات المياه أو الغاز أو النقل أو استثمار الموارد الطبيعية كاستخراج الملح أو البترول أو المعادن أو صيد الأسماك وغير ذلك.
فعلى سبيل المثال تنص المادة/98/ من الدستور المصري الصادر في عام 1956 على ما يلي:
ينظم القانون القواعد والإجراءات الخاصة بمنح الالتزامات المتعلقة باستغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة (ترددت في المادة /30/ من دستور 1958 وهو الدستور المؤقت الذي سرى على القطر السوري).
وقريب من ذلك ما تضمنته المادة 71 من الدستور السوري الصادر عام 1973 فيما يتعلق بمنح امتيازات للشركات أو المؤسسات الأجنبية.
إذن لم يبق لمستزيد مجال للقول بعدم أهمية هذه الظاهرة وثقلها وحضورها وضرورة تنظيمها، وروح المجال الذي تعمل به وتدور حوله وتتحرك فيه، وهو أمر يتجاوز الأداة القانونية (القرار الإداري أم العقد الإداري). وبيان ذلك أن هنالك فارقة جوهرية بين الأداة القانونية قرارا كان الأمر أم عقدة وبين روح الرخصة.
فالأداة القانونية هي الوسيلة ليس إلا في حين أن الترخيص ينزل من الأداة منزلة العلة الغائية والسبب والروح، أجل الروح، روح المجال، لأن ذلك يتيح لنا أعمال قواعد التفسير في كل مجال ومظنة من مجالات الرخصة ومظانها .
وما يوضحه المثال لا يوضحه المقال:| فالرخصة المعطاة للأجنبي للدخول إلى البلاد تقترب من المكنة إلى الوسيلة الإدارية وبالتالي فهي تفسير تفسيرا مضيفا في حين أن تجوال المواطن في بلدة أدخل بالحريات العامة ولا يمكن أن يكون موضوعة للرخصة، وإذا حدث ذلك يجب تفسيره في أضيق الحدود . والأمر نفسه بالنسبة للحصول على رخصة من أجل البناء فهذا الأمر يدور حول ذلك حق الملكية، ولا يمكن أن يهبط الترخيص إلى مستوى المكنية، بل يجب أن يقيد بقيود موضوعية تتفق مع حق الملكية وإلا دخلنا في دوامة تعطيل هذا الحق.
وهذا ما يمكن الأخذ به بالنسبة للتنقل في حديقة عامة مقابل إعطاء شخص رخصة إقامة (كشك) في هذه الحديقة، فنحن في الحال الأولى أمام استعمال عام collective utilization أقرب ما يكون إلى الحريات العامة التي لا يجوز
تعطيلها، وكل ما يمكن أن تقترن به هو التنظيم لا التعطيل، التنظيم الذي يتم بأداة موضوعية وللكافة.
والأمر على خلافه بالنسبة لإقامة كشك فنحن هنا حيال استعمال خاص يؤدي إلى تقييد النفع العام ولهذا لا بد من وضع الضوابط عليه، بل وإلغائه مجرد التعارض مع حقيقة النفع العام.
وبقي علينا السؤال الآخر: ما هو معيار الرخصة أي متى يتحقق أسباب وجودها كما قلنا سابقا فالمعيار هو الحظر العام، ثم منح ثغرة في جدار هذا الحظر.
ولكن الأهمية تبدو واضحة بالنسبة لمجالات الرخصة، وهل الأمر محصور في مجال الضبط الإداري، أم يتعداه إلى مجال النشاط المرفقي.
وفي حقيقة الأمر إن مقصد الأمر على المجال الضبطي يحول دون التحدث عن نظرية عامة للرخصة الإدارية أي التحدي بنظرية تتغلغل كافة في مجالات القانون الإداري.
ذلك أن المنح بعد المنع، غير مقصور على مجال الضبط، بل قد نجد مظانه في مجال النشاط المرفقي. ولقد ضربنا مثلا على ذلك في التزام المرافق العامة، هذا الالتزام الذي يتيح لفرد ما تسيير مرفق عام تحت إشراف رقابة الإدارة. والأمر نفسه بالنسبة لإشغال كشك في مبنى حكومي أو الترخيص بفندق في مطار تشجيعا للسياحة فنحن هنا أمام تقديم حاجات عامة وقد تم تنظيمها وإناطة هذه المهمة بالأفراد العاديين.
______________
1- د. محمود حلمي: نشاط الإدارة، القاهرة، دار الفكر العربي، 1968، ص172.
2- المرجع السابق، 1968، ص6.
3-Michel. D. Stassinopoulos: Traité des actes administratifs, 1954, Athènes.p 89.
4-ميشيل ستاسينوبولس: المطول في القرارات الإداري، ص82.
5- المرجع السابق، ص82.
6- د نقصد بهذه الأشكال الرخصة القائمة على الأوامر والرخصة العقدية - والرخصة وليدة القرارات العادية.
7- هذه السمة الشخصية للرخصة أوضحتها محكمة النقض السورية (الغرفة الجزائية) في حكمها رقم / 1096/، تاريخ 6/ 6/ 1984 القضية رمز /791/، لعام 1984، المنشور/5/ مجلة المحامين العام 1985، قاعدة رقم/36/ وقد جاء فيها : أن رخصة السلاح شخصية ولا يستفيد منها إلا المرخص له بالذات ولا يجوز أن يحمله بدون رخصة.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|