أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
1107
التاريخ: 23-8-2016
1094
التاريخ: 23-8-2016
602
التاريخ: 28-5-2020
959
|
إعلم أنّ في مسألة بقاء الموضوع في الاستصحاب مطلبين لا يحتاج شيء منهما إلى زيادة مئونة.
أوّلهما: أنّ البقاء بمعنى اتّحاد القضيتين المتيقّنة والمشكوكة موضوعا ومحمولا إلّا في جهة اليقين والشكّ ممّا لا بدّ منه، فإنّه بدونه لا يصدق النقض العملي، فإنّا لو علمنا سابقا بوجوب الجمعة وعملنا بها، وشككنا في اللاحق في وجوب الدعاء عند الرؤية فلم نعمل، فلا يصدق في حقّنا أنّا نقضنا عملنا السابق.
وبالجملة، لا إشكال في احتياج صدق عنوان خطاب «لا تنقض» إلى وحدة الموضوع والمحمول، ولا نحتاج إلى إقامة برهان كما تكلّفه شيخنا المرتضى قدّس سرّه الشريف.
وثانيهما: أنّ الوحدة المذكورة تارة تكون بالدقّة، واخرى بالعرف بحسب النظر في المدلول اللفظي للدليل الدالّ على الحكم المستصحب، وثالثة بالعرف بحسب تشخيص الموضوع الذي شكّ في محموله، ولا يخفى الفرق بين الأوّل والأخيرين، فإنّ العقل يدرج الشرائط وعدم الموانع في الموضوع، فباختلاف كلّ من الامور المحتملة الدخل نحتمل اختلاف موضوعه، نعم إلّا في ما إذا شكّ في محمول الوجود للماهيّة، أو إذا احتملنا ارتفاع الحكم لمحض طروّ مفسدة في نفس الحكم مع القطع بتماميّة ملاكه في المتعلّق على ما هو عليه.
وأمّا الفرق بين نفس الأخيرين فهو أنّ الأوّل إعمال نظر العرف في تشخيص موضوع القضيّة اللفظيّة الحاكية للحكم، والثاني إعماله في تشخيص الموضوع الذي شكّ في محموله، وهما مقامان ولا تلازم بينهما.
لا يقال: كيف لا تلازم والحال أنّه إذا حكم العرف بأنّ الموضوع في القضيّة اللفظيّة مثلا هو الماء المقيّد بالتغيّر، ثمّ شككنا بعد زوال التغيّر من قبل نفسه في زوال النجاسة، فكيف نحكم بأنّ موضوع هذه النجاسة المشكوكة هو الماء، فادّعاء ذلك مساوق لادّعاء أنّ العرف لا يرى التفاوت بين المطلق والمقيّد، بل لا حاجة حينئذ إلى التشبّث بذيل الاستصحاب، بل نتشبّث بنفس دليل نجاسة الماء المتغيّر.
لأنّا نقول: المقصود أنّ العرف بعد جزمه بأنّ الموضوع المقيّد والموضوع المطلق متغايران لا يراهما موضوعين كزيد وعمرو، ولا يرى بينهما المباينة والتعدّد الموضوعي بحيث لا يرى بينهما هذيّة محفوظة.
مثلا لو علّق البيع بهذا الفرس بشرط كونه عربيّا، فتبيّن أنّه عجميّ، فهو يفهم أنّ واجد القيد غير فاقده، ولكنّه لا يرى هذا الفرس غيره في حال العربيّة مثل تفاوت الفرسين، بل يقول: هذا هو الذي وقع العقد عليه، فوجه عدم التشبّث بالدليل أنّه قد أخذ فيه القيد، والمفروض انتفائه، والمقيّد لا يصدق على فاقد القيد، فلا يمكن التمسّك بإطلاق الدليل.
وأمّا التمسّك مع ذلك بالاستصحاب مع احتمال دخالة القيد حدوثا وبقاء فهو أنّ هاهنا هذيّة محفوظة، ولهذا لو قطع بأنّ القيد دخيل حدوثا وبقاء يصدق عند العرف عنوان الارتفاع والذهاب، ولو قطع بعدم دخالته بقاء يصدق عندهم عنوان البقاء، وهذا كاشف عن محفوظيّة الموضوع، فلو شكّ في الأمرين فلازمه الشكّ في البقاء والارتفاع، ولازم ذلك أن يصدق على عدم ترتيب العمل السابق أنّه نقض عملي.
إذا عرفت ذلك فنقول: المعتبر من هذه الوحدات الثلاثة هو الأخيرة، وهذا المطلب أيضا كالمطلب السابق لا يحتاج إلى زيادة مئونة؛ لأنّ الخطاب الصادر في المقام ينصرف إلى ما هي مصاديق بنظر العرف لكبرى نقض اليقين بالشكّ، لا إلى مصاديقها العقليّة كما هو الحال في كلّ مقام.
فإذا فرضنا أنّ الدليل اللفظي قد أخذ الموضوع للنجاسة، الماء المتغيّر، فالموضوع بحسب الدليل والعقل كليهما غير باق مع زوال التغيّر، ولكن مع ذلك رأينا العرف يطلقون بواسطة روية الهذيّة المحفوظة عنوان نقض اليقين بالشكّ على ترك الامتناع من التوضّؤ بالماء المذكور بعد ما كان ممتنعا منه، كنّا تابعين لنظر العرف دون نظر العقل، كما في اختلافهما في تشخيص مصداق الدم في اللون، حيث يراه العقل مصداقا، ولا يراه العرف، فكما نتّبع في ذاك الباب طريقة العرف ونقول بعدم نجاسة اللون من هذه الجهة، نقول هنا أيضا بأنّ المعيار في الوحدة هي الوحدة العرفيّة بالطريق الثالث، دون الوحدة العقليّة ودون العرفيّة الدليليّة.
وهذا لا إشكال فيه بناء على مذاق من يقول بأنّ العناوين الواقعة في لسان الشارع يقع عبرة ومرآتا للأفراد العرفيّة، بمعنى أنّ الشارع ينظر بها إلى الأفراد بالنظر العرفي المسامحي، لا الدقّي العقلي، فيقع حكمه بالدقّة على المصاديق العرفيّة للعناوين.
وإنّما الإشكال يكون بناء على مذاق آخر في المسألة وهو أنّ العناوين يجب أخذ مفهومها ومدلولها اللفظي من العرف لو وقع الاختلاف بين الحقيقة الواقعيّة للشيء وبين مدلوله ومتفاهمه من لفظه، كما في حقيقة الدم والماء ومدلولي لفظهما في اللون والماء الممزوج بمقدار كثير من التراب، حيث إنّ الحقيقة الواقعيّة بخواصّها وآثارها باقية في الموردين، ولكن لا يصدق مفهوم لفظي الماء والدم.
ووجهه أنّ الواضع هو العرف وهم ينتزعون من المصاديق الخاصّة بخصوصيّة مفقودة في الموردين- كالكون ذا جسميّة محسوسة أو غير ممزوج بشيء آخر بمقدار- جامعا ويضعون اللفظ لهذا الجامع، هذا في الموارد التي يكون بين العرف والعقل اختلاف مفهومي.
وأمّا في ما إذا لم يكن بينهما اختلاف في المفهوم كالبيع والباطل، فإنّ المبادلة المسببيّة ومقابل الحقّ أمران غير قابل للاختلاف بين العقل والعرف، وإنّما الاختلاف في تعيين أسباب هذين المسبّبين، ففي هذه الموارد نقول: إنّ نظر الشارع حين الخطاب تعلّق بالمصاديق الحقيقيّة لهذه العناوين.
وأمّا وجه كوننا آخذين بنظر العرف ما لم يرد تخطئة من الشرع فهو من باب تقرير الشارع وعدم تخطئته لنظرهم، كما في سائر السير العرفيّة الغير المخطئة في لسان الشارع.
ويظهر الثمر بين المذاق الأوّل وهذا المذاق في هذا القسم في ما إذا قطعنا من الخارج بخطاء العرف، فإنّه لا وجه للأخذ به بعد انكشاف خطاء الطريق بناء على المذاق الثاني، ويجب الأخذ به بناء على الأوّل؛ لأنّه من المصاديق الحقيقيّة لمحلّ الحكم، وكذا في ما لو ورد من الشرع حكم بعدم ترتيب الأثر على مصداق عرفي، فإنّه تخصيص بناء على المذاق الأوّل وليس بتخصيص بناء على المذاق الثاني، وإنّما هو تخطئة للطريق وأنّ ما عيّنه الطريق مصداقا ليس بمصداق.
وبالجملة، فعلى هذا المذاق الثاني يشكل الحال في مسألتنا هذه كما في مسألة حجيّة الاستصحاب في ما إذا كان في البين واسطة خفيّة، ووجه الإشكال أنّ صاحب هذا المذاق يلتزم في موارد اختلاف العقل والعرف إمّا بالاختلاف المفهومي كما في الدم والماء، وإمّا بالطريقيّة لنظر العرف، وشيء من الأمرين لا يجيء في هذين المبحثين.
أمّا الثاني فواضح؛ لأنّ الطريق إنّما هو طريق ما لم ينكشف خطائه بالقطع، وقد فرضنا أنّه لا يصدق كبرى نقض اليقين بالشكّ بحسب الدقّة العقليّة في الموردين، أعني في مورد خفاء الواسطة وفي مورد تخلّف الوصف الذي يراه العرف تخلّف حال الموضوع لا تخلّف ذاته، فكيف مع القطع بهذا نتّبع نظره؟.
وأمّا الوجه الأوّل فلأنّ في لفظي الدم والماء أمكنه أن يقول بأنّ هنا جامعا مغايرا للجامع الدقّي الحقيقي مثل ما هو ذو الجسميّة المحسوسة أو ما هو ممتاز عمّا عداه غير مخلوط بغيره، وأمّا في المقام فألفاظ اليقين والشكّ والنقض ليس في شيء منها تطرّق لمثل هذه الدعوى؛ إذ كما أنّ اليقين ليس بين العقل والعرف في مفهومه خلاف وكذا لفظ الشكّ، كذلك حال لفظ النقض، فإنّه بمعنى واحد عندهما وهو ضدّ الابرام، وإذا كان مفردات الدليل هكذا فكيف يحصل الخلاف من هيئة تركيبهما؟.
والحاصل أنّ في العناوين الواقعة في الخطابات الشرعيّة مذاقين.
أحدهما للمولى الخراساني وهو أنّها مرايا للمصاديق الواقعيّة الحقيقيّة التي لا مسامحة في مقام التطبيق أصلا، بل العقل يشخّصها مصاديق لتلك العنوانات، نعم في مقام أخذ حدود أصل المفهوم يكون المرجع هو العرف، وأمّا بعد أخذه بماله من السعة والضيق عندهم فهى عبرة للمصاديق النفس الامرية فلو فرض ان العرف تخيّل خطأ ما ليس بمصداق مصداقا فهو اجنبيّ عن الحكم، وإلّا يلزم ان يكون اللافظ استعمل اللفظ في معناه الغير الواقعي، بل التخيّلي للسامع، وهو مقطوع الخلاف، كما هو الحال في عامّة الألفاظ، فمن يقول: أنا مجتهد، يريد بلفظ المجتهد معناه الواقعي، لا المقيّد بالعنديّة، وهكذا الشارع إذا قال: حكم العنوان الكذائي كذا. يريد به افراده النفس الأمريّة لا الخياليّة المعتقدة عند المخاطبين والمكلّفين.
ثانيهما للسيّد المحقّق الفشاركي الأصفهاني استاد استادنا اعلى اللّه مقامه، وهو أنّ اللافظ لا يريد في مقام الاستعمال غير معناه الحقيقي، بل يجعله قالبا له، لا المقيّد بالعنديّة للسامع حتى يقال: إنّه مقطوع الخلاف مخالف للوجدان، بل اللفظ المعطى معناه قد استعمل على نحو يستعمله واحد من أهل العرف وينزّل المتكلّم نفسه مع كونه عالما بحقيقة الحال وأنّ مخاطبيه مخطئون كثيرا في تشخيص المصاديق كواحد منهم، وبعد جعل عينه إلى المصاديق الخارجيّة عينا عرفيا يجعل المفهوم عبرة للخارج، ولا محالة يقع حكمه حينئذ على المصاديق العرفيّة، ولنعم ما قيل في الفارسيّة:
چون كه با كودك سر وكارت فتاد |
پس زبان كودكى بايد گشاد |
|
مثلا لو أردت من عبدك الأحول العين المجيء برجل واحد أمامكما، فأمرك دائر بين أن تقول: جئني بهذا الرجل الواحد، فيبقى عبدك متحيّرا؛ لأنّه لا يرى في أمامه إلّا اثنين ولا يرى في غيرهما شخصا.
وبين أن تقول: جئني بهذين الاثنين حتى تصل إلى مقصودك بسهولة، فأنت تختار هذا الطريق الثاني، وأنت حين تقول: لفظ الاثنين، لا تريد به غير معناه في سائر الأحيان، ولكنّ التفاوت إنّما هو في نظرك التطبيقي، فمورد حكمك جدّا هو الواحد الحقيقي، والاثنان الحقيقيّان غير مورد لحبّك جدّا.
وهكذا في خطابات الشرع، فالمصاديق النفس الأمريّة التي لا يفهما العرف غير متعلّق لحبّ الشارع وبغضه وجعله جدّا ودقّة وحقيقة، والأشياء الأجنبيّة التي يتخيّلونها أفرادا موضوعات لأحكامه كذلك أعني دقّة وحقيقة.
إذا عرفت المذاقين فنقول: موارد اختلاف الحقيقة النفس الأمريّة عن النظر العرفي على قسمين، أحدهما: ما يمكن إرجاعه إلى الاختلاف المفهومي، بمعنى أنّ الحقيقة النفس الأمريّة وإن كان أعمّ أو اخصّ، لكنّ العرف في وضعهم اللفظ اعتبروا خصوصيّة زائدة غير دخيلة فيها، مثلا حقيقة الدم التي هي واحد من الأخلاط الأربعة لها واقعيّة محفوظة لا مدخليّة في تحقّقها وجود الجرم المحسوس لها، ولهذا يراه العقل مع اللون أيضا، ولكنّ العرف قد أخذوا في مفهوم لفظ الدم كونه مع الجسميّة المحسوسة.
وكذا حقيقة الماء التي من أحد العناصر الأربع له حقيقة محفوظة ولو مع الاختلاط بمقدار كثير من التراب، بحيث صار اسمه عند العرف طينا، فإنّ حقيقة المائيّة والترابيّة محفوظتان فيه قطعا، ولكنّ العرف في وضعهم لفظ الماء اعتبروا خلّوه عن المزج بالغير بهذا المقدار.
فالاختلاف بين العقل والعرف في أمثال هذه الموارد يكون في أصل العنوان، ويمكن في مثله القول بأنّ العنوان العرفي عبرة لمصاديقه بالنظر التدقيقي العقلي، لا المسامحي العرفي، فالمسامحة وإن اعملت في عالم استعمال اللفظ وإرادة المفهوم، ولكن في عالم التطبيق روعي التدقيق والتحقيق.
والقسم الثاني ما لا يجري فيه الكلام المذكور أعني القول بأنّ هنا حقيقة واقعيّة نفس أمريّة ومفهوما عرفيّا مخالفا له بالعموم والخصوص، بل المقطوع أنّ الحقيقة الواقعيّة والمتفاهم العرفي واحد لا تفاوت بينهما أصلا، بل منشأ الاختلاف إنّما هو ضعف ونقصان في فهم العرف، حيث يرون غير المصداق مصداقا، أو المصداق أجنبيّا، كما كان المنشأ في الأحول ضعفا ونقصانا في حاسّته، وإلّا فليس للأحول اصطلاح واختراع جديد في لفظ الاثنين.
فنقول: هكذا الكلام في عنوان نقض اليقين بالشكّ في مورد خفاء الواسطة وفي مورد زوال الوصف المحتمل الدخل عن الموضوع، فإنّه بحسب الحقيقة ونفس الأمر لا مصداق للنقض في الموردين؛ لاختلاف الواسطة وذيها حقيقة وعدم ترتيب أثر شيء على شيء آخر لا يسمّى نقضا حقيقة، وكذلك الموصوف بالوصف العنواني إذا زال عنه الوصف وقد كان الحكم منوطا به وجودا وعدما، فقد تبدّل ما هو الموضوع للحكم حقيقة؛ إذ لا فرق بين تبدّل الذات وتبدّل الوصف مع بقاء الذات في أنّ الموصوف بما هو موصوف قد انتفى في كليهما حقيقة.
وعلى هذا فإن احتملنا دخالته في الحكم بقاء بعد القطع بدخالته حدوثا فزال، كان من باب الشكّ في بقاء الموضوع وتبدّله.
هذا بحسب الحقيقة ونفس الأمر، وأمّا بحسب نظر العرف فلو فرض القطع أيضا بدخالة الوصف حدوثا وبقاء ودوران الحكم مداره وجودا وعدما، فزال الحكم بزوال الوصف، فالعرف يحكمون مع ذلك بأنّ الحكم على هذه الذات قد ارتفع بعد ما ثبت، كما أنّه لو حدث فيه الحكم متّصلا بزوال الوصف بواسطة ملاك آخر يقولون: حكمه ما ارتفع، وليس الحال هكذا عندهم في ما إذا تبدّلت الصورة النوعيّة للشيء، كما إذا صارت النطفة إنسانا، فلا يقولون: هذا كان نجسا ثمّ ارتفع عنه حكم النجاسة، بل يقولون: النطفة شيء آخر وهذا موضوع آخر، ولم يكن قطّ محكوما هذا الموضوع بالنجاسة حتّى يرتفع عنه.
وقد عرفت أنّ ما يحكمونه في هذه الصورة هو الحقّ الواقع في صورة تبدّل الوصف العرضي أيضا إذا فرض تقيّد الحكم به وجودا وعدما.
ففي الصورتين لا يكون مصداق للبقاء والارتفاع حقيقة، وفي صورة الشكّ في الدخالة بحسب البقاء يكون من باب الشكّ في بقاء الموضوع، فليس تصحيحهم لإطلاق عنواني البقاء والارتفاع في صورة تبدّل الوصف العرضي إلّا ناشئا عن أحوليّة عين عقلهم والتباس الأمر عليهم، حيث مع التفاتهم إلى دخالة الوصف في الحكم ثبوتا وعدما والتفاتهم إلى أنّ الكلّ ينتفي بانتفاء جزئه، والموصوف بما هو موصوف ينتفي بانتفاء واحد من الذات ووصفه يرون في صورة زوال الوصف صحّة إطلاق الانتقاض والارتفاع حقيقة.
فنقول: صاحب المذاق الثاني في فسحة في هذا المقام، فإنّه يقول: قد ألقى الشارع خطاب «لا تنقض» بالنظر العرفي، فوقع نظره على هذه الأشياء الموهومة المتخيّلة للعرف كونها نقضا، مع أنّه لا واقعيّة لنقضيّتها، فوقعت موردا لحكمه بالدقّة والحقيقة.
وأمّا صاحب المذاق الأوّل فلا مخلص له هنا بالذهاب إلى الاختلاف المفهومي بأن يقول: هنا نقض حقيقي نفس أمري، ونقض خيالي موهومي والعرف في وضعهم لفظ النقض أخذوا الجامع ممّا يشمل الأفراد الموهومة، وذلك لأنّا نقطع بأنّ ألفاظ النقض واليقين والشكّ والنسب التركيبيّة الواقعيّة بينها ليس شيء منها محلّ اصطلاح خاصّ لأهل العرف وراء حقائقها النفس الأمريّة، كما عرفت في مثال الاثنين عند الشخص الأحول العين، بحيث كان لها حقائق يدركها العقل، وكان لها مفاهيم يدركها العرف، وكان بينهما العموم والخصوص المطلقان أو من وجهين، وإنّما نشأ الاشتباه من نقص الفهم كما نشأ في الأحول من نقص الحاسّة.
تتميم: حكى شيخنا المرتضى قدّس سرّه عن بعض المتأخّرين أنّه فرّق في الاستحالة بين نجس العين والمتنجّس، فجعل الأوّل طاهرا بعدها دون الثاني، نظرا إلى أنّ النجاسة فيه غير معلّقة إلّا على عنوان الجسميّة المحفوظ بعد الاستحالة، وبالجملة، الموضوع في نجس العين قد زال، فارتفع النجاسة بارتفاع الموضوع، وأمّا في المتنجّس فهو محفوظ غير زائل؛ لأنّه مطلق الجسم من غير مدخليّة صورة من الصور.
وأورد عليه شيخنا المرتضى قدّس سرّه بأنّه وإن كان جسما في بادي النظر، ولكن دقيق النظر يقتضي خلافه؛ إذ لم يعلم أنّ موضوع النجاسة في المتنجّس مطلق الجسم، وأمّا قاعدة «كلّ جسم لاقى النجس برطوبة فهو نجس» فليست مورد خبر، وإنّما هي معقد الإجماع، ومن الممكن أنّ المقصود بها الإشارة إلى عموم الحكم لكلّ فرد من أفراد الجسم بلا استثناء شيء منها، وكانت متّخذة من الأخبار الواردة في الموارد المخصوصة.
ألا ترى أنّه لو قال قائل: كلّ جسم له خاصيّة، فليس مراده أنّ الخاصيّة قائمة بعنوان الجسميّة بحيث لو تبدّلت صورته النوعيّة أو الصنفيّة أيضا لم يزل تلك الخاصيّة، بل المقصود منه إلقاء العموم، وإلّا فالخاصيّة في كلّ جسم قائمة بصورته النوعيّة أو الصنفيّة، فمن المحتمل أن يكون الأمر في مقامنا أيضا كذلك؛ إذ بعد احتمال أن يكون منشأ القاعدة هي هذه الأخبار، فالمدرك في الحقيقة ليس إلّا تلك الأخبار.
ولو كنّا نحن وهذه الأخبار التي قد وردت في الموارد المختلفة في الثوب واليد والإناء والقربة إلى غير ذلك، لم يكن لنا استفادة أنّ قوام التنجّس بالملاقاة إنّما هو بعنوان الجسميّة، نعم الذي كنّا نستفيد هو العموم وعدم الاختصاص بفرد من أفراد الجسم، وأمّا أنّ القوام بحيث الجسميّة أو بحيث الصورة الفعليّة فليس على شيء منهما دليل؛ إذ العموم مع كلّ منهما تمام.
وبعبارة اخرى: يمكن أن يكون الأثر قائما بالهيولى القابلة للصور التي ليس إلّا صرف الاستعداد والشأنيّة لقبول الصور، ويمكن أن يكون للوجود الفعلي الحاصل حال الملاقاة، ولازم الأوّل بقائه بعد التبدّل، ولازم الثاني انتفائه، فإذا تردّد الأمر بين الوجهين فلا دليل لنا عند تغيّر الصورة، بحيث عدّ الوجود الفعلي عند العرف غير الوجود الفعلي الثابت حال الملاقاة يدلّ على ثبوت التنجّس، وحينئذ فالموارد بين ثلاثة.
أحدها: ما يستقلّ العرف بنفس الدليل الأوّل، لعدّهم التغيّر من باب تغيّر الحال، ولعلّ منه تبدّل الحنطة المتنجسة بالدقيق.
وثانيها: ما يقع فى الشكّ معه ولا يرى للاستصحاب أيضا مجال، ولعلّ منه تبدّل الماء المتنجّس بولا لمأكول اللحم أو ماء للبطيخ.
وثالثها: ما يقع معه في الشّك من حيث الدليل ولكن يراه موردا للاستصحاب، ولعلّ منه تبدّل الخشب المتنجّس بالفهم، كما أنّ هذه الأقسام بعينها موجودة في طرف الأعيان النجسة، فعلم أنّ الحقّ عدم الفرق، هذا محصّل ما يستفاد من كلماته قدّس سرّه في هذا المقام.
ولكن استشكل عليه شيخنا العلّامة الاستاد أدام اللّه علينا وعلى المحصّلين أيّام إفاداته بأنّ احتمال كون العموم المذكور ملقاة لأجل محض العموم، ولو كان معقدا للإجماع، خلاف الظاهر، أ لا ترى أنّه لو قام الإجماع على أنّ كلّ جسم نجس كان الظاهر أنّ النجاسة معلّقة بعنوان النجاسة، فكذلك إذا قام على أنّ كلّ جسم ملاق للنجس نجس يفهم أيضا بملاك الجسميّة والملاقاة.
وأمّا التنظير بقولهم: كلّ جسم له خاصيّة، فالإنصاف أنّه مع الفارق، فإنّ أشخاص الأجسام في أشخاص الخاصيّة مختلفة، فكلّ صنف أو نوع يفيد خاصيّة غير ما يفيده الآخر، وهذا بخلاف ما نحن فيه، حيث إنّ المحمول شيء واحد وهو النجاسة، فالظهور المذكور إنّما نشأ من اختلاف المحمولات هناك، فلا ربط له بالمقام المفروض فيه وحدة المحمول.
قال الاستاد دام ظلّه: وما ذكرناه في الدرر أيضا غير مرضيّ، وهو أنّ الموضوع هو مطلق الجسم، ولكن نحتمل أن يكون تبدّل الصورة من المطهّرات والمزيلات للنجاسة، والدليل المثبت للنجاسة غير متعرّض لحيث المزيل، فلا ينافي الاعتراف بموضوعيّة الجسم الاحتياج إلى الاستصحاب مع بقاء الموضوع في الحكم ببقاء النجاسة، بخلاف ما إذا لم يبق الوحدة العرفيّة، فحينئذ لا يكفي الدليل، لما مرّ، ولا الاستصحاب، لعدم الموضوع العرفي.
إذ فيه أنّا بعد تسليم كون الموضوع مطلق الجسم لا نحتمل كون التبدّل الصورى من المطهرات الشرعيّة، بل من المقطوع كونه من باب زوال الحكم بزوال الموضوع، والاعتراف المذكور سدّ لهذا الباب.
فالأولى والأسدّ بعد تسليم موضوعيّة مطلق الجسم أن يقال: إنّ الجسم إذا لاقى يصير هو ما دام محفوظيّة هذائيّته العرفيّة نجسا، وأمّا بعد ما صار جسما آخر ووجودا آخر بنظرهم، فلا يبقى موضوع الملاقي، لأنّهم يقولون كان في البين جسم لاقى وهو ارتفع، وهذا جسم آخر ولم يلاق من أوّل وجوده.
نعم يقولون: هذا كان كذا، كما يقولون مشيرا إلى الآدمي: هذا كان نطفة، لكن محطّ الإشارة عندهم هو الهيولى التي قلنا: إنّه وجود استعدادي، لا فعلي، وليس محطّها الوجود الفعلي، والمعيار في التمسّك بالدليل وتشكيل الصغرى والكبرى إنّما هو الوجود الفعلي بأن أمكننا أن نقول: هذا لاقى النجس، وكلّ ملاق للنجس نجس، فهذا نجس، وهذا منتف مع فرض استحالة الموضوع وتبدّل الوجود الفعلي وعدّه عرفا وجودا مغايرا للوجود الأوّل.
نعم كلام البعض المتقدّم ذكره من الفرق بين النجس والمتنجّس صحيح في بعض الموارد وهو صورة انقلاب العنوان إلى عنوان آخر مع عدم الوصول إلى حدّ الاستحالة وتبدّل الحقيقة العرفيّة وإن كان محلّ كلامه هو الاستحالة، مثلا إذا علّق الشارع حكم النجاسة العينيّة على عنوان الخمر فزال وتبدّل بالخلّ فالدليل قاصر عن شموله، نعم لا مانع من الاستصحاب، وهذا بخلاف ما إذا لم يجعل الخمر نجسا ذاتيّا، ولكن تنجّس عرضا بالملاقاة ثمّ تبدّل خلّا، فإنّ الدليل هنا واف بنجاسته من غير حاجة إلى الاستصحاب.
فإن قلت: لو صنع لبن نجس العين سمنا، فكيف تحكمون بنجاسته مع زوال العنوان عنه بنفس دليل نجاسة الكلب والخنزير.
قلت: وجهه أنّ النجاسة لم يعلّق بعنوان اللبن من حيث إنّه لبن، بل بالكلب والخنزير والأجزاء المنفصلة منهما، وهذا وإن صار سمنا لا يخرج عن كونه من الأجزاء المنفصلة منها.
نعم لو كان الحكم في الدليل معلّقا على عنوان اللبن لتوقّفنا عن الحكم بعد صيرورته جبنا أو سمنا، ولكن لا نتوقّف في اللبن المتنجّس؛ لأنّ ذلك ليس مغيّر الحقيقة العرفيّة، بل يعدّ من اختلاف الحالات والطواري مع محفوظيّة الموضوع، وقد قلنا: إنّ هذا المقدار كاف في دليل المتنجّس.
وحاصل الكلام أنّ الفرق بين النجس والمتنجّس في باب الاستحالة غير صحيح، وفي باب الانقلاب صحيح بحسب الدليل وإن كان لا فرق أيضا بحسب أصل الحكم بالنجاسة بالأعمّ من كونه بالدليل أو بالاستصحاب.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|