المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تربية الماشية في جمهورية مصر العربية
2024-11-06
The structure of the tone-unit
2024-11-06
IIntonation The tone-unit
2024-11-06
Tones on other words
2024-11-06
Level _yes_ no
2024-11-06
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05

Long Division Symbol
3-11-2019
المدى الحراري السنوي
2024-08-05
حساسية للحنطة Wheat Allergy
21-9-2020
Champernowne Constant Digits
26-1-2020
Exemplification of the consonants
2024-05-08
The vowel system of AusE
2024-04-22


تفسير الآية (74-82) من سورة يونس  
  
3981   05:28 مساءً   التاريخ: 24-4-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يونس /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-4-2020 3982
التاريخ: 11-3-2020 26590
التاريخ: 28-2-2020 3575
التاريخ: 25-1-2020 14610

 

قال تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسلاً إِلى قَوْمِهِمْ فجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَتِ فَمَا كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِن قَبْلُ كَذَلِك نَطبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ(74) ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسى وهَرُونَ إِلى فِرْعَوْنَ ومَلايهِ بِئَايَتِنَا فَاستَكْبرُوا وكانُوا قَوْماً مجْرِمِينَ(75) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ(76) قَالَ مُوسى أَ تَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكمْ أَ سِحْرٌ هَذَا ولا يُفْلِحُ السحِرُونَ(77) قَالُوا أَ جِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَاءَنَا وتَكُونَ لَكُمَا الْكِبرِيَاءُ فى الأَرْضِ ومَا نحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ(78) وقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونى بِكلِّ سحِر عَلِيم(79) فَلَمَّا جَاءَ السحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ(80) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (81) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } [يونس: 74-82]

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

بين سبحانه قصة من بعثه بعد نوح فقال {ثم بعثنا من بعده} أي: من بعد نوح وإهلاك قومه {رسلا} يريد إبراهيم وهودا وصالحا ولوطا وشعيبا {إلى قومهم}الذين كانوا فيهم بعد أن تناسلوا وكثروا {فجاءوهم بالبينات}أي: فأتوهم بالبراهين والمعجزات الدالة على صدقهم الشاهدة بنبوتهم {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل}أي: لم يكونوا ليصدقوا يعني أولئك الأقوام الذين بعث إليهم الرسل بما كذبت به أوائلهم الذين هم قوم نوح أي كانوا مثلهم في الكفر والعتو وقيل معناه لم يكن منهم من يؤمن من بعد هذه الآيات بما كذبوا به من قبلها بل كانت الحالتان سواء عندهم قبل البينات وبعدها ،عن أبي مسلم والبلخي {كذلك نطبع على قلوب المعتدين}أي: نجعل على قلوب الظالمين لنفوسهم الذين تعدوا حدود الله سمة وعلامة على كفرهم يلزمهم الذم بها ويعرفهم بها الملائكة كما فعلنا ذلك بقلوب هؤلاء الكفار وقد مر معاني الطبع والختم فيما تقدم.

 { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم }أي:من بعد الرسل أو من بعد الأمم {موسى وهارون}(عليهماالسلام) نبيين مرسلين {إلى فرعون وملأه}أي: ورؤساء قومه {ب آياتنا}أي: بأدلتنا ومعجزاتنا {فاستكبروا}عن الانقياد لها والإيمان بها {وكانوا قوما مجرمين}عاصين لربهم مستحقين للعقاب الدائم.

 {فلما جاءهم}أي: جاء قوم فرعون {الحق من عندنا}يعني ما أتى به موسى من المعجزات والبراهين {قالوا إن هذا لسحر مبين}أي: ظاهر.

 {قال موسى} لهم { أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا }أي: أ تقولون لمعجزاته سحر والسحر باطل والمعجز حق وهما متضادان {ولا يفلح الساحرون}أي: لا يظفرون بحجة ولا يأتون على ما يدعونه ببينة وإنما هو تمويه على الضعفة {قالوا}يعني قال فرعون وقومه لموسى { أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }أي: لتصرفنا عن ذلك {وتكون لكما الكبرياء}أي: الملك عن مجاهد وقيل العظمة والسلطان والأصل إن الكبرياء استحقاق صفة الكبر في أعلى المراتب {في الأرض} أي: في أرض مصر وقيل أراد اسم الجنس والمراد به الإنكار وإن كان اللفظ لفظ الاستفهام تعلقوا بالشبهة في أنهم على رأي آبائهم وإن من دعاهم إلى خلافه فظاهر أمره أنه يريد التأمر عليهم فلم يطيعوه {وما نحن لكما بمؤمنين}أي: بمصدقين فيما تدعيانه من النبوة .

{وقال فرعون} حكى الله سبحانه عن فرعون أنه حين أعجزه المعجزات التي ظهرت لموسى (عليه السلام) ولم يكن له في دفعها حيلة قال لقومه { ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ }بالسحر بليغ في عمله وإنما طلب فرعون كل ساحر ليتعاونوا على دفع ما أتى به موسى وحتى لا يفوته شيء من السحر بتأخر بعضهم وإنما فعل ذلك للجهل بأن ما أتى به موسى من عند الله وليس بسحر وبعد ذلك علم أنه ليس بسحر فعائد كما قال سبحانه { لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ }وقيل أنه علم أنه ليس بسحر ولكنه ظن أن السحر يقاربه مقاربة تشبيه.

 {فلما جاء السحرة}الذين طلبهم فرعون وأمر بإحضارهم وموسى حاضر { قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ} وفي الكلام حذف يدل عليه الظاهر وتقديره فلما أتوه بالسحرة وبالحبال والعصي قال لهم موسى {ألقوا ما أنتم ملقون}أي: اطرحوا ما جئتم به وقيل معناه افعلوا ما أنتم فاعلون وهذا ليس بأمر بالسحر ولكنه قال ذلك على وجه التحدي والإلزام أي من كان عنده ما يقاوم المعجزات فليلقه وقيل أنه أمر على الحقيقة بالإلقاء ليظهر بطلانه وإنما لم يقتصر على قوله {ألقوا}لأنه أراد ألقوا جميع ما أنتم ملقون في المستأنف فلواقتصر على ألقوا ما أفاد هذا المعنى والإلقاء إخراج الشيء عن اليد إلى جهة الأرض ويشبه بذلك قولهم ألقي عليه مسألة وألقى عليه رداه {فلما ألقوا}أي: فلما ألقت السحرة سحرهم {قال موسى} لهم {ما جئتم به السحر}أي: الذي جئتم به من الحبال والعصي السحر أدخل عليه الألف واللام للعهد لأنهم لما قالوا لما أتى به موسى أنه سحر قال (عليه السلام) ما جئتم به هو السحر عن الفراء {إن الله سيبطله}أي: سيبطل هذا السحر الذي فعلتموه { إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ } معناه إن الله لا يهيىء عمل من قصد إفساد الدين ولا يمضيه ويبطله حتى يظهر الحق من الباطل والمحق من المبطل {ويحق الله الحق}أي: يظهر الله الحق ويحققه ويثبته وينصر أهله {بكلماته} قيل في معناه أقوال ( أحدها ) أن معناه بوعد موسى (عليه السلام) وكان وعده النصر فأنجز وعده عن الحسن ( وثانيها ) أن معناه بكلامه الذي يتبين به معاني الآيات التي أتاها نبيه عن الجبائي (وثالثها) بما سبق من حكمه في اللوح المحفوظ بأن ذلك سيكون {ولو كره المجرمون} ظهور الحق وإبطال الباطل وفي هذه الآية دلالة على أنه تعالى ينصر المحقين كلهم في حقهم وذلك على وجهين (أحدهما) بالحجة فهذه النصرة مستمرة على كل حال (والثاني) بالغلبة والقهر وهذا يختلف بحسب المصلحة لأن المصلحة قد تكون بالتخلية تارة وبالحيلولة أخرى .

______________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي ،ج5 ،ص212-215.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

 {ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُوهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}. ضمير بعده يعود إلى نوح ، والمعنى ثم بعثنا من بعد نوح رسلا مثله إلى قومهم كإبراهيم وهود وصالح ، ومعهم الدلائل والمعجزات ، ولكن هذه المعجزات والدلائل لم تثنهم عن الشرك ، وتحولهم إلى الايمان بوحدانية اللَّه ، واليوم الآخر ، فلقد كذبوا بهما من قبل أن تأتيهم الرسل بالبينات ، وظلوا على هذا التكذيب بعد مجيء الرسل وإنذارهم ، تماما كما كانوا مصرين على التكذيب بالوحدانية والبعث قبل مجيء الرسل إليهم ، وهذا هو المراد بقوله :

{فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}. وبكلمة انهم لم ينتفعوا بعلم الرسل وهدايتهم .حول الهداية والضلال :

{كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ}. وتسأل : إذا كان اللَّه هو الذي طبع على قلوبهم فكيف يعذبهم ؟ .

الجواب : لقد شاء اللَّه سبحانه أن يكون للهداية طريقها الخاص ، وهو اتباع رسله ، وللضلالة طريقها كذلك ، وهو اتباع الهوى ، فمن مضى على طريق الرسل بلغ الهدى ، وكان حتما من المهتدين : ومن مضى على طريق الهوى فهو حتما من الضالين المعتدين ، تماما كما قدر اللَّه جل وعز أن من رمى بنفسه من علو شاهق فهو من الهالكين ، وان من ألقى بها في البحر جاهلا بفن السباحة فهو من الغارقين ، وبهذا الاعتبار أي ارتباط الطريقين بمشيئة اللَّه صح اسناد الطبع والختم إليه تعالى ، وسبق الكلام عن ذلك أكثر من مرة ، وبعبارات شتى .

{ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ}هذا الضمير يعود إلى الرسل الذين جاؤوا بعد نوح ( عليه السلام ) {مُوسى وهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ ومَلَائِهِ بِآياتِنا}وهي المعجزات كالعصا واليد البيضاء ، وقوله : {بَعَثْنا}يدل بوضوح على أن هارون نبي مرسل تماما كأخيه موسى ، وقيل : ان هارون يكبر موسى بثلاث سنوات {فَاسْتَكْبَرُوا}عن قبول الحق {وكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ}وكل من استنكف عن قبول الحق والرضوخ له فهو مجرم {فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا}وهو المعجزات التي أظهرها اللَّه على يد موسى ( عليه السلام ) {قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ}وهكذا قال مشركو قريش عن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لما جاءهم بالقرآن واعجازه . . ومحال ان يسلم المصلح من افتراءات المفسدين ، وهم يكيفونها بحسب الزمن ، كان الناس من قبل يؤمنون بالسحر ، فقال المفترون عن المصلح : انه ساحر ، أما اليوم حيث لا ايمان بالسحر فإنهم يقولون عنه فوضوي خارج على النظام ! .

{قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا}كيف ؟ . والحق يستهدف هداية الناس إلى الواقع ، والسحر يزيف الواقع ويحرفه ، ويضلل الناس عنه {ولا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ}وهل يفلح المشعوذ الدجّال ؟ . {قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا}- أي تصرفنا - {عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا}. هذه معزوفة يرددها من يحافظ على الأوضاع الفاسدة التي تضمن له منافعه ومكاسبه . . فالمسألة مسألة خوف على المصالح والسلطان ، لا مسألة آباء وأصنام . . والدليل ما حكاه اللَّه عنهم بقوله : {وتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الأَرْضِ}. هذا قول فرعون وجلاوزته لموسى وأخيه ( عليه السلام) ، والمعنى ان الدافع لكما على ادعاء الرسالة من اللَّه هو ان يكون لكما الملك والسلطنة في أرض مصر من دوننا . . وبهذا يفصح فرعون وملؤه عن تخوفهم على ملكهم وطغيانهم ، ولذا قالوا لموسى وهارون ، {وما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ}بل مقاومين ومحاربين دفاعا عن منافعنا وامتيازاتنا .

{وقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ} وهو لا يعلم ما ذا يخبئ الدهر له فلما جاء السحرة قال لهم موسى {أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ}. قال هذا مستخفا بهم وبسحرهم وفرعونهم لأن اللَّه سبحانه وعده الفوز والنصر {فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهً سَيُبْطِلُهُ}هو باطل من أصله ، ولكن اللَّه سيظهر بطلانه للناس ، أما عصا موسى فلا يأتيها الباطل إطلاقا لأنها حق من عند اللَّه {إِنَّ اللَّهً لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ}بل يزيله ويمحقه {ويُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ}وهي الحجج الدامغة ، والبراهين القاطعة {ولَوْ كَرِهً الْمُجْرِمُونَ}لأن كراهيتهم لا تعطل مشيئة اللَّه .

_________________

1- تفسير الكاشف ،محمد جواد مغنيه ، ج4، ص181-183.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى:{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ }إلى آخر الآية، يريد بالرسل من جاء منهم بعد نوح إلى زمن موسى (عليه السلام). وظاهر السياق أن المراد بالبينات الآيات المعجزة التي اقترحتها الأمم على أنبيائهم بعد مجيئهم ودعوتهم وتكذيبهم لهم فأتوا بها وكان فيها القضاء بينهم وبين أممهم، ويؤيده قوله بعده:{ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ }إلخ، فإن السابق إلى الذهن أنهم جاءوهم بالآيات البينات لكن الله قد كان طبع على قلوبهم لاعتدائهم فلم يكن في وسعهم أن يؤمنوا ثانيا بما كذبوا به أولا.

ولازم ذلك أن يكون تكذيبهم بذلك قبل مجيء الرسل بتلك الآيات البينات فقد كانت الرسل بثوا دعوتهم فيهم ودعوهم إلى توحيد الله فكذبوا به وبهم ثم اقترحوا عليهم آية معجزة فجاءوهم بها فلم يؤمنوا.

وقد أسلفنا بعض البحث عن هذه الآية في تفسير قوله:{ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا من قبل: الأعراف: - 101 في الجزء الثامن من الكتاب، وبينا هناك أن في الآية إشارة إلى عالم الذر غير أنه لا ينافي إفادتها لما قدمناه من المعنى آنفا فليراجع.

ثم ساق الله سبحانه نبأ موسى وأخيه ووزيره هارون مع فرعون وملئه وقد أوجز في القصة غير أنه ساقها سوقا ينطبق بفصولها على المحصل من حديث بعثة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ودعوته عتاة قومه والطواغيت من قريش وغيرهم، وعدم إيمانهم به إلا ضعفاؤهم الذين كانوا يفتنونهم حتى التجئوا إلى الهجرة فهاجر هو (صلى الله عليه وآله وسلم) وجمع من المؤمنين به إلى المدينة فعقبه فراعنة هذه الأمة وملؤهم فأهلكهم الله بذنوبهم وبوأ الله المؤمنين ببركة الإسلام مبوأ صدق ورزقهم من الطيبات ثم اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم وسيقضي الله بينهم.

فكان ذلك كله تصديقا لما أسر الله سبحانه إلى نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذه الآيات فيما سيستقبله وقومه من الحوادث، ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاطب أصحابه وأمته: لتتبعن سنة بني إسرائيل حتى أنهم لودخلوا جحر ضب لدخلتموه.

قوله تعالى:{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ }إلخ، أي ثم بعثنا من بعد نوح والرسل الذين من بعده موسى وأخاه هارون بآياتنا إلى فرعون والجماعة الذين يختصون به من قومه وهم القبط فاستكبروا عن آياتنا وكانوا مستمرين على الإجرام.

قوله تعالى:{ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا }إلخ، الظاهر أن المراد بالحق هو الآية الحقة كالثعبان واليد البيضاء، وقد جعلهما الله آية لرسالته بالحق فلما جاءهم الحق قالوا وأكدوا القول: إن هذا - يشيرون إلى الحق من الآية - لسحر مبين واضح كونه سحرا، وإنما سمى الآية حقا قبال تسميتهم إياها سحرا.

قوله تعالى:{ قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا }إلخ، أي فلما سمع مقالتهم تلك ورميهم الحق بأنه سحر مبين قال لهم منكرا لقولهم في صورة الاستفهام:{أ تقولون للحق لما جاءكم}إنه لسحر؟ ثم كرر الإنكار مستفهما بقوله:{أسحر هذا}؟ فمقول القول في الجملة الاستفهامية محذوف إيجازا لدلالة الاستفهام الثاني عليه، وقوله:{ولا يفلح الساحرون}يمكن أن يكون جملة حالية معللة للإنكار الذي يدل عليه قوله:{أسحر هذا}، ويمكن أن يكون إخبارا مستقلا بيانا للواقع يبرىء به نفسه من أن يقترف السحر لأنه يرى لنفسه الفلاح وللساحرين أنهم لا يفلحون.

قوله تعالى:{ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }إلخ، اللفت هو الصرف عن الشيء، والمعنى: قال فرعون وملؤه لموسى معاتبين له:{أجئتنا لتلفتنا}وتصرفنا{عما وجدنا عليه آباءنا}يريدون سنة قدمائهم وطريقتهم{وتكون لكما الكبرياء في الأرض}يعنون الرئاسة والحكومة وانبساط القدرة ونفوذ الإرادة يؤمون بذلك أنكما اتخذتما الدعوة الدينية وسيلة إلى إبطال طريقتنا المستقرة في الأرض، ووضع طريقة جديدة أنتما واضعان مبتكران لها موضعها تحوزان بإجرائها في الناس وإيماننا بكما وطاعتنا لكما الكبرياء والعظمة في المملكة.

وبعبارة أخرى إنما جئتما لتبدلا الدولة الفرعونية المتعرقة في القبط إلى دولة إسرائيلية تدار بإمامتكما وقيادتكما، وما نحن لكما بمؤمنين حتى تنالا بذلك أمنيتكما وتبلغا غايتكما من هذه الدعوة المزورة.

قوله تعالى:{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ }كان يأمر به ملأه فيعارض بسحر السحرة معجزة موسى كما فصل في سائر الآيات القاصة للقصة وتدل عليه الآيات التالية.

قوله تعالى:{ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا }إلخ، أي لما جاءوا وواجهوا موسى وتهيئوا لمعارضته قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقوه من الحبال والعصي، وقد كانوا هيئوها ليلقوها فيظهروها في صور الحيات والثعابين بسحرهم.

قوله تعالى:{ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ }ما قاله (عليه السلام) بيان لحقيقة من الحقائق لينطبق عليها ما سيظهره الله من الحق على يديه من صيرورة العصا ثعبانا يلقف ما ألقوه من الحبال والعصي وأظهروه في صور الحيات والثعابين بسحرهم.

والحقيقة التي بينها لهم أن الذي جاءوا به سحر والسحر شأنه إظهار ما ليس بحق واقع في صورة الحق الواقع لحواس الناس وأنظارهم، وإذ كان باطلا في نفسه فإن الله سيبطله لأن السنة الإلهية جارية على إقرار الحق وإحقاقه في التكوين وإزهاق الباطل وإبطاله فالدولة للحق وإن كانت للباطل جولة أحيانا.

ولذا علل قوله:{إن الله سيبطله}بقوله:{إن الله لا يصلح عمل المفسدين}فإن الصلاح والفساد شأنان متقابلان، وقد جرت السنة الإلهية أن يصلح ما هو صالح ويفسد ما هو فاسد أي إن يرتب على كل منهما أثره المناسب له المختص به وأثر العمل الصالح أن يناسب ويلائم سائر الحقائق الكونية في نظامها الذي تجري هي عليه، ويمتزج بها ويخالطها فيصلحه الله سبحانه ويجريه على ما كان من طباعه، وأثر العمل الفاسد أن لا يناسب ولا يلائم سائر الحقائق الكونية فيما تقتضيه بطباعها وتجري عليه بجبلتها فهوأمر استثنائي في نفسه، ولو أصلحه الله في فساده كان ذلك إفسادا للنظام الكوني.

فيعارضه سائر الأسباب الكونية بما لها من القوى والوسائل المؤثرة، وتعيده إلى السيرة الصالحة إن أمكن وإلا أبطلته وأفنته ومحته عن صحيفة الوجود البتة.

وهذه الحقيقة تستلزم أن السحر وكل باطل غيره لا يدوم في الوجود وقد قررها الله سبحانه في كلامه في مواضع مختلفة كقوله:{والله لا يهدي القوم الظالمين}وقوله:{والله لا يهدي القوم الفاسقين}وقوله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ } [غافر: 28] ، ومنها قوله في هذه الآية:{إن الله لا يصلح عمل المفسدين}.

وأكده بتقريره في جانب الإثبات بقوله في الآية التالية:{ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون}كما سيأتي توضيحه.

قوله تعالى:{ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون}لما كشف الله عن الحقيقة المتقدمة في جانب النفي بقوله:{إن الله لا يصلح عمل المفسدين}أبان عنه في جانب الإثبات أيضا في هذه الآية بقوله:{ويحق الله الحق بكلماته}وقد جمع تعالى بين معنيي النفي والإثبات في قوله { لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ } [الأنفال: 8] .

ومن هنا يقوى احتمال أن يكون المراد بالكلمات في الآية أقسام الأقضية الإلهية في شئون الأشياء الكونية الجارية على الحق فإن قضاء الله ماض وسنته جارية أن يضرب الحق والباطل في نظام الكون ثم لا يلبث الباطل دون أن يفنى ويعفى أثره ويبقى الحق على جلائه، وذلك قوله تعالى:{ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ:}الرعد: - 17، وسيجيء استيفاء البحث فيه في ذيل الآية إن شاء الله تعالى.

والحاصل أن موسى (عليه السلام) إنما ذكر هذه الحقيقة لهم ليوقفهم على سنة إلهية حقة غفلوا عنها، وليهيىء نفوسهم لما سيظهره عملا من غلبة الآية المعجزة على السحر وظهور الحق على الباطل، ولذا بادروا إلى الإيمان حين شاهدوا المعجزة، وألقوا أنفسهم على الأرض ساجدين على ما فصله الله سبحانه في مواضع أخرى من كلامه.

وقوله:{ولو كره المجرمون}ذكر الإجرام من بين أوصافهم لأن فيه معنى القطع فكأنهم قطعوا سبيل الحق على أنفسهم وبنوا على ذلك بنيانهم فهم على كراهية من ظهور الحق، ولذلك نسب الله كراهة ظهور الحق إليهم بما هم مجرمون في قوله:{ولو كره المجرمون}وفي معناه قوله في أول الآيات:{فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين}.

____________________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج10،ص80-86.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

الرّسل بعد نوح:

بعد إنتهاء البحث الإِجمالي حول قصّة نوح، أشارت هذه الآية إِلى الأنبياء الآخرين الذين جاؤوا بعد نوح وقبل موسى(عليهما السلام) لهداية الناس كإِبراهيم وهود وصالح ولوط ويوسف(عليهم السلام)، فقالت:{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ}فقد كانوا مسلّحين كنوح بسلاح المنطق والإِعجاز والبرامج البناءة، إلاّ أنّ الذين سلكوا طريق العناد وكذّبوا الأنبياء السابقين، كذّبوا هؤلاء الأنبياء أيضاً ولم يؤمنوا بهم{ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ } وكان ذلك نتيجة للعصيان والتمرد وعداء الحق الذي أوصد تلك القلوب{ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ }.

جانب من جهاد موسى وهارون:

لقد جرى ذكر قصص الأنبياء والأُمم السابقة كنماذج حيّة، وبدأ الحديث أوّلا عن نوح(عليه السلام)، ثمّ عن الأنبياء بعد نوح، ووصل الدور في هذه الآيات إِلى موسى وهارون(عليهما السلام) ومواجهاتهم المستمرة مع فرعون وأتباعه، فتقول الآية الأُولى:{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا }(2).

«الملأ» كما أشرنا إِلى ذلك سابقاً تطلق على الأشرف الأثرياء اللامعين الذين يملأ ظاهرهم العيون ويلاحظ حضورهم في كل مكان من المجتمع. وتأتي عادة في مثل هذه الآيات محل البحث بمعنى المناصرين والمشاورين والملتفين حول شخص ما.

ونرى الكلام في هذه الآيات يدور حول بعثة موسى إِلى فرعون وملئه فقط، في حين أنّ موسى مبعوث لكل الفراعنة وبني إِسرائيل، وعلّة ذلك أنّ مقدرات المجتمع في يد الهيئة الحاكمة، وبناءً على هذا فإِنّ أي برنامج إِصلاحي وثوري يجب أن يستهدف هؤلاء أوّلا، كما تقول ذلك الآية (12) من سورة التوبة:{فقاتلوا أئمّة الكفر}.

إِلاّ أنّ فرعون وأتباعه امتنعوا عن قبول دعوة موسى، وعن التسليم في مقابل الحق:{فاستكبروا} ونظراً للتكبر والإِستعلاء وعدم امتلاكهم لروح التواضع فإِنّهم لم يلتفتوا إِلى الحقائق الواضحة في دعوة موسى، وأصرّوا واستمروا في إِجرامهم:{وكانوا قوماً مجرمين}.

وتتحدث الآية التّالية عن مراحل مواجهة الفراعنة لموسى وأخيه هارون، وأوّل تلك المراحل هي مرحلة الإِنكار والتكذيب والإِفتراء واتهامهما بسوء النية، وابطال سنن الأجداد، والإِخلال بالنظام الإِجتماعي، كما يقول القرآن:{ فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ }.

إِنّ جاذبية دعوة موسى الخارقة من جهة، ومعجزاته الباهرة من جهة أُخرى، وتزايد نفوذه بصورة محيرة من جهة ثالثة، دفعت الفراعنة إِلى التفكير في حل لهذه المسألة، فلم يجدوا وسيلة أفضل من رميه بالسحر، فأعلنوا أنّه ساحر وأنّ عمله سحر ليس إِلاّ، وهذه التهمة سائدة في جميع مراحل الأنبياء وعلى طول تاريخهم، خاصّة نبي الإِسلام(صلى الله عليه وآله وسلم).

إِلاّ أنّ موسى(عليه السلام) نهض للدفاع عن نفسه، فأزاح الستار وأوضح كذب هؤلاء وأبطل تهمتهم، ففي البداية:{ قَالَ مُوسَى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَكُمْ أَسِحْرٌ هَذَا }(3).

صحيح أنّ لكلّ من السحر والمعجزة نفوذاً وتأثيراً، وأن من الممكن أن يؤثر الحق والباطل على ادراكات الناس ونفسياتهم، إلاّ أن السحر الذي هو أمر باطل يتميز تماماً عن المعجزة التي هي حق، إِذا لايمكن المقارنة بين نفوذ الأنبياء ونفوذ السحرة، فإِنّ أعمال السحرة تفتقد الى الهدفية ومحدودة ولا قيمة لها، ومعجزات الأنبياء لها أهداف إِصلاحية وتغييرية وتربوية واضحة، وتعرض بشكل واسع وغير محدود.

إِضافة إِلى أنّه:{ولا يفلح الساحرون} وهذا التعبير دليل آخر على امتياز عمل الأنبياء عن السحر. ففي الدليل السابق أثبت اختلاف السحر والمعجزة ووجه وهدف الإِثنين وافتراق أحدهما عن الآخر، أمّا هنا فإِنّ الدليل يستعين لإِثبات المطلب باختلاف حالات السحرة وأصحاب المعاجز.

إِنّ السحرة، وبحكم عملهم وفنهم الذي له صفة الإِنحراف والإِغفال، أفراد انتهازيون يفكرون في الربح، يستغفلون الناس ويخادعونهم، ويمكن معرفتهم من خلال أعمالهم. أمّا الأنبياء فهم رجال يطلبون الحق، حريصون على هداية الناس، مطهرون، لهم هدف وغاية، ولا يهتمون بالأُمور المادية.

إِن السحرة لايرون وجه الفلاح مطلقاً، ولا يعملون إلاّ من أجل المال والثروة والمنصب والمنافع الشخصية، في حين أن هدف الأنبياء هداية خلق الله وإِصلاح المجتمع الإِنساني من جميع جوانبه المادية والمعنوية.

ثمّ يستمر فرعون وملؤه في رمي موسى(عليه السلام) بسيل الإِتهامات الصريحة، حيث قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا }. الواقع، أنهم قدموا صنم «سنة الآباء}وعظمتهم الخيالية والأسطورية حتى يوجهوا الرأي العام ضد موسى وهارون،بأنّهما يريدان أن يعبثا بمقدسات مجتمعكم وبلادكم.

ثمّ استمروا في هذا التشويه، وقالوا بأن دعوتكم إِلى دين الله ما هي إلاّ كذب محض، وكل هذه مصائد وخطط خيانية بهدف التسلط على الناس:{وتكون لكما الكبرياء في الأرض}.

في الحقيقة، إِنّ هؤلاء لما كانوا يسعون دائماً من أجل الحكم الظالم على الناس كانوا يظنون أنّ الآخرين مثلهم، وهكذا كانوا يفسرون مساعي المصلحين والأنبياء.

{وما نحن لكما بمؤمنين} لأنا على علم بنواياكم وخططكم الهدامة.

المرحلة الثّانية:

تفصل هذه الآيات مرحلة أُخرى من المجابهة، وتتحدث عن إِجراءات فرعون العملية ضد موسى وأخيه هارون.

فعندما لاحظ فرعون قسماً من معجزات موسى، كاليد البيضاء والحية العظيمة، ورأى أنّ إدعاء موسى ليس واهياً بدون دليل وبرهان، وأنّ هذا الدليل سيؤثر في جميع أنصاره أو الآخرين قليلا أو كثيراً، فكّر بجواب عملي كما يقول القرآن:{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } فقد كان يعلم أنّ كل عمل يجب أن يؤتى من طريقة ويجب أن يستعين بالخبراء بذلك الفن.

هل إِنّ فرعون كان حقيقة في شك من أحقّية دعوة موسى، وكان يريد أن يحاربه ويواجهه عن هذا الطريق؟ أم أنّه كان يعلم أنّه مرسل من الله، إلاّ أنّه كان يظن أنّه يستطيع بواسطة ضجّة السحرة وغوغائهم أن يهدىء الناس، ويمنع مؤقتاً خطر نفوذ موسى في الأفكار العامّة، ويقول للناس بأنّه إِن جاء بعمل خارق للعادة فإِنّنا غير عاجزين عن القيام بمثله، وإِذا شاءت إِرادتنا الملوكية ذلك، فإِنّ مثل هذا الشيء سهل يسير بالنسبة لنا!

ويبدو أنّ الإِحتمال الثّاني أقرب، ويؤيد ذلك سائر الآيات المرتبطة بقصّة موسى التي وردت في سورة طه وأمثالها، وأنّه هبّ لمجابهة موسى عن وعي ودراية.

على كل حال:{ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ }.

جملة{ألقوا ما أنتم ملقون} تعني في الأصل: ألقوا كل ما تستطيعون إِلقاءه، وهذا إِشارة إِلى الحبال والعصي الخاصّة التي كان جوفها خالياً، وصبت فيه مواد كيماوية خاصّة بحيث أنّها تتحرك وتتقلب إِذا ما قابلت نور الشمس. والشاهد على هذا الكلام الآيات التي وردت في سورة الأعراف والشعراء، ففي الآية (43)ـ (44) من سورة الشعراء نقرأ:{قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزّة فرعون إِنّا لنحن الغالبون}. ولكن من الطبيعي أنّها تتضمن هذا المعنى أيضاً بأنّ أظهروا كل ما تملكون من القدرة في الميدان.

على كل حال، فإِنّ هؤلاء قد عبؤوا كل ما يملكون من قدرة، وألقوا كل ما أتوا به ـ معهم في وسط الحلبة:{ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ }فأنتم أفراد فاسدون ومفسدون لأنّكم تخدمون حكومة جبارة وظالمة وتعملون على تقوية دعائم هذه الحكومة الغاشمة الدكتاتورية وهذا بنفسه أقوى دليل على كونكم مفسدين، و(إِنّ الله لا يصلح عمل المفسدين}.

في الواقع، إِنّ كل إِنسان ذي عقل وعلم يستطيع أن يدرك هذه الحقيقة حتى قبل انتصار موسى على السحرة، وهي أنّ عمل السحرة لا يقوم على اساس من الحق. لأنّه يصب في طريق تقوية دعائم الظلم والجور، فأي شخص لم يكن يعلم أنّ فرعون غاصب وظالم ومفسد؟ ومعه ألا تعتبر خدمة مثل هذا الجهاز الحاكم مشاركة في ظلمه وفساده؟ وهل يمكن أن يكون عمل هؤلاء صحيحاً وإِلهياً؟ كلاّ مطلقاً، وبناءً على هذا كان من الواضح أنّ الله سيبطل هذه المساعي المفسدة.

هل أنّ التعبير بـ «سيبطله» دليل على أنّ السحر حقيقة واقعية، إلاّ أنّ الله يبطله؟ أم أنّ المقصود من الجملة هو أنّ الله يكشف كون السحر باطلا؟

إِنّ الآية (116) من سورة الأعراف تقول: إِنّ سحر السحرة قد أثر في أعين الناس فخوفوهم به:{فلمّا ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم} وهذا التعبير لا ينافي أن يكون هؤلاء قد أوجدوا نوعاً من الحركات الواقعية في تلك الحبال والعصي بواسطة سلسلة من الوسائل المرموزة كما وقع ذلك في المفهوم والمعنى اللغوي للسحر، وخاصّة بالإِستفادة من الخواص الفيزيائية والكيميائية للأجسام المختلفة، إلاّ أنّ من المسلّم به أنّ هذه الحبال والعصي لم تكن موجودات حيّة كما ظهرت أمام أعين الناس، كما قال القرآن في سورة طه الآيه (66) :{ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}. بناء على هذا، فإِنّ بعض تأثير السحر واقعي، والبعض الآخر وهم وخيال.

وفي الآية الأخيرة، إِنّ موسى قال لهؤلاء: إِنّ النصر والغلب لنا في هذه المبارزة حتماً. لأنّ الله سبحانه قد وعد أن يظهر الحق بواسطة المنطق القاطع، ومعجزات أنبيائه القاهرة، ويفضح ويخزي المفسدين وأهل الباطل وإِن كره المجرمون ذلك:{ وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.

والمراد من «كلماته» إمّا وعد الله بنصرة الرسل وإِحقاق الحق، أو معجزاته القاهرة القوية(4).

____________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي ،ج5 ،ص521-528.

2- المراد من الآيات هي تلك الآيات المتعددة المشهورة التي كانت لموسى في بداية أمره.

3- الواقع، أنّ للجملة أعلاه محذوف مقدر يفهم من مجموع الكلام، وكانت في الأصل هكذا: أتقولون للحق لما جاءكم سحر، أسحر هذا.

4- لقد بحثنا مفصلا جزئيات مواجهة موسى لفرعون والفراعنة، ومسائلها الرائعة في ذيل الآيات (113) وما بعدها من سورة الأعراف من المجلد الخامس، وبحثنا السحر وحقيقته في المجلد الأوّل ذيل الآية (102) سورة البقرة، فراجع.

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .