المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17639 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05



تفسير الآية (40-44) من سورة يونس  
  
2335   09:52 صباحاً   التاريخ: 9-3-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الياء / سورة يونس /

 

قال تعالى {ومِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ومِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ ورَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ (40) وإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي ولَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ( 41 ) وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ (43) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [يونس: 40، 44]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

فقال: { وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ} وأراد سبحانه أنه إنما لا يهلكهم في الحال لما يعلم في تبقيتهم من الصلاح وقيل: معناه ومنهم من يؤمن بالقرآن في نفسه ويعلم صحته إلا أنه يعاند ويظهر من نفسه خلاف ما يعلمه ومنهم من هو شاك فيه فكأنه قال ومنهم معاندون ومنهم شاكون { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ}أي: بمن يدوم على الفساد ويعلم من يتوب .

ثم خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال {وإن كذبوك} يا محمد ولم يصدقوك ، وردوا عليك قولك {فقل} لهم {لي عملي}فإن كنت كاذبا فوباله علي {ولكم عملكم}أي: ولكم جزاء عملكم { أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ }نظيره قوله قل يا أيها الكافرون إلى آخر السورة وهذا وعيد لهم من الله تعالى كقوله اعملوا على مكانتكم ونحوه وقيل إن هذه الآية منسوخة بآية القتال وقيل أنه لا تنافي بين هذه الآية وآية القتال لأنها براءة ووعيد وذلك لا ينافي الجهاد {ومنهم من يستمعون إليك} معناه: ومن جملة هؤلاء الكفار من يستمع إليك يا محمد والاستماع طلب السمع فهم كانوا يطلبون السمع للرد لا للفهم فلذلك لزمهم الذم فإنهم إذا سمعوه على هذا الوجه كأنهم صم لم يستمعوه حيث لم ينتفعوا به { أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ} هذا خطاب للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأنه لم يقدر على إسماع الصم { وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ } قال الزجاج: معناه ولو كانوا جهالا وهذا مثل قول الشاعر :

أصم عما ساءه سميع

{ومنهم من ينظر إليك}أي: ومن جملتهم من ينظر إليك يا محمد فلم يخبر بلفظ الجمع هنا لأنه حمله على اللفظ وقال {من يستمعون} فأخبر بلفظ الجمع حملا على المعنى أي ينظر إلى أفعالك وأقوالك لا نظر الحقيقة والعبرة بل نظر العادة فلا ينتفع بنظره { أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوكَانُوا لَا يُبْصِرُونَ}أي: فكما أنك لا تقدر أن تبصر العمي فتنفعهم به كذلك لا تقدر أن تنفع بما تأتي به من الأدلة من ينظر إليها ولا يطلب الانتفاع بها وقوله {أفأنت}استفهام المراد به النفي وقيل إن معنى الآيتين ومنهم من يستمع إلى كلامك استماع الطعن والتعنت وينظر إلى أدلتك نظر الطاعن القادح فيها المكذب بها الراد عليها فلا تقدر أن تنفعهم بمثل هذا الاستماع والنظر.

 { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}قد تمدح سبحانه في هذه الآية بأنه لا يظلم أحدا من الناس شيئا بأن ينقص من حسناتهم وجزاء طاعاته ولكنهم ينقصون أنفسهم ويظلمونها بارتكاب ما نهى الله عنه من القبائح والمعنى هنا أن الله تعالى لا يمنع أحدا الانتفاع بما كلفهم الانتفاع به من القرآن والأدلة ولكنهم يظلمون أنفسهم بترك النظر فيه والاستدلال به وتقويتهم أنفسهم الثواب عليها وإدخالهم عليها العقاب ففي الآية دلالة على أنه سبحانه لا يفعل الظلم فبطل قول المجبرة في إضافة كل ظلم إلى خلقه وإرادته .

____________________

1- تفسير مجمع البيان ، ج5،ص190-192.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ومِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ومِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ}. ضمير منهم يعود إلى المشركين ، وضمير به يعود إلى القرآن ، والمعنى ان المشركين بالنظر إلى القرآن على قسمين : قسم ترك الشرك وآمن بكتاب اللَّه مخلصا ، وبديهة ان الايمان بكتاب اللَّه ايمان باللَّه وبمحمد (صلى الله عليه واله وسلم ) . وقسم أصر على الشرك عنادا وحرصا على منافعه ، وهؤلاء هم الذين هددهم اللَّه بقوله : {ورَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} وهذا يومئ إلى أن كلمة مفسد لا تختص بمن يفتن بين الناس أو يعتدي عليهم ، بل تعم كل من عرف الحق ، ولم يعمل به .

{وإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي ولَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}. سألني كثير من المؤمنين عن واجبهم الشرعي تجاه أبنائهم الذين جرفتهم تيارات التمدين ، وتهاونوا في الدين وأحكامه . . فأجبتهم بأن على الوالد أن يربي أولاده الصغار على الدين ، وينشئهم على مبادئه الضرورية ، فيلقّنهم أصول العقيدة ، ويمرنهم على العبادة الواجبة كالصلاة والصيام ، ومعرفة الحرام كالكذب والغيبة وتعاطي المسكرات وما إليها إلى أن يبلغوا راشدين ، فإن قصّر في هذا الدور كان مسؤولا أمام اللَّه . . وبعد الرشد يقف معهم موقف البشير النذير ، فإن لم يستجيبوا فهو معذور عند اللَّه ، ثم اتلوا هذه الآية ، أو ما في معناها من الآيات والأحاديث ، كقوله تعالى : {وقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ - 29 الكهف}، وقول الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم ) : « الولد سيد سبع سنين ، وعبد سبع سنين ، ووزير سبع سنين ، فإن رضيت خلائقه لإحدى وعشرين سنة والا فاضرب على جنبه ، فقد أعذرت إلى اللَّه تعالى » . أي يترك الولد في السبع الأولى لصغر سنه ، ويؤدب في السبع الثانية كمن لا إرادة له ، ويوجه في السبع الثالثة كمستقل ، وقوله : فاضرب على جنبه كناية عن اليأس منه ، وان الوالد غير مسؤول عن سيئات ولده .

{ومِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ}أي ان من المشركين أو المكذبين من يستمعون إلى النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بآذانهم فقط ، أما قلوبهم وعقولهم فهي غائبة عنه ، تماما كمن لا سمع له {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ ولَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ}كلام اللَّه وكلامك أيها الرسول . . نزّل اللَّه سبحانه من سمع ولم يفهم ، أو فهم ولم يعمل - نزّله منزلة من لا سمع له ، لأن الغاية من حاسة السمع الاستفادة منها ، والانتفاع بها ، فإذا لم تتحقق هذه الغاية كان وجود الحاسة وعدمها سواء .

{ومِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ}بأبصارهم ، ولكنهم لا يعرفون قدرك ومقامك أيها الرسول ، حتى كأنهم بلا أبصار {أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ ولَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ}أي كما انك لا تقدر ان تجعل الأصم سميعا ، والأعمى بصيرا كذلك لا تستطيع ان تهدي بالقرآن من يستمع وينظر إليه واليك من خلال أهوائه وأغراضه . . وقديما قيل : الهوى يعمي ويصم .

{إِنَّ اللَّهً لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ولكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}. ما في ذلك ريب ، لأن اللَّه أعطاهم القدرة والإدراك ، وبيّن لهم طريق الخير والشر ، فنهاهم عن هذا ، وأمرهم بذاك ، وجعل الخيار بأيديهم ، فمن أطاع فقد اختار لنفسه النجاة ، ومن عصى فقد اختار لها الهلاك . . وغريب ان تخفى هذه الحقيقة الواضحة على الأشاعرة ، ويدركها إبليس اللعين ، حيث يقول لأتباعه يوم لا كذب ولا خداع : {فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أَنْفُسَكُمْ - 22 إبراهيم }.

_______________________

1- تفسير الكاشف ،ج4،ص161-163.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} قسمهم قسمين من يؤمن بالقرآن ومن لا يؤمن به ثم كنى عمن لا يؤمن به أنهم مفسدون فتحصل من ذلك أن الذين يكذبون بما في القرآن إنما كذبوا به لأنهم مفسدون.

فالآية لبيان حالهم الذي هم عليه من إيمان البعض وكفر البعض وأن الكفر ناش من رذيلة الإفساد.

وأما ما ذكره بعضهم في تفسير الآية: أن المراد أن قومك لن يكونوا كأولئك الظالمين من قبلهم الذين كذبوا رسلهم إلا قليلا منهم فكان عاقبتهم عذاب الاستئصال بل سيكون قومك قسمين قسم سيؤمن بهذا القرآن وقسم لا يؤمن به أبدا فهومعنى خارج عن مدلول الآية البتة.

قوله تعالى: { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ} إلى آخر الآية، تلقين للتبري على تقدير تكذيبهم له، وهو من مراتب الانتصار للحق ممن انتهض لإحيائه فالطريق هو حمل الناس عليه إن حملوا وإلا فالتبري منهم لئلا يحملوه على باطلهم.

وقوله: { أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ } تفسير لقوله: { لي عملي ولكم عملكم}.

قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ}الاستفهام للإنكار، وقوله: "ولو كانوا لا يعقلون}قرينة على أن المراد بنفي السمع نفي ما يقارنه من تعقل ما يدل عليه الكلام المسموع وهو المسمى بسمع القلب.

والمعنى: ومنهم الذين يستمعون إليك وهم صم لا سمع لقلوبهم، ولست أنت قادرا على إسماعهم ولا سمع لهم.

قوله تعالى: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ}إلى آخر الآية.

الكلام فيها نظير الكلام في سابقتها.

قوله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}مسوق للإشارة إلى أن ما ابتلي به هؤلاء المحرومون من السمع والبصر من جهة الصمم والعمى من آثار ظلمهم أنفسهم من غير أن يكون الله تعالى ظلمهم بسلب السمع والبصر عنهم فإنهم إنما أوتوا ما أوتوا من قبل أنفسهم.

______________

1- تفسير الميزان،الطباطبائي، ج10،ص53.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

وأشارت الآية الأخيرة من آيات البحث إِلى فئتين عظيمتين من المشركين، فتقول: إِنّ هؤلاء لايبقون جميعاً على هذا الحال، بل إِنّ جماعة منهم لم تخمد فيهم روح البحث عن الحق وطلبه وسيؤمنون بالقرآن في النهاية. في حين أن الفئة الأُخرى ستبقى في عنادها وإِصرارها وجهلها، وسوف لا تؤمن أبداً: { وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهِ}.

ومن الواضح أنّ أفراد الفئة الثّانية فاسدون ومفسدون، ولذلك قالت الآية في النهاية: { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ} وهي إِشارة إِلى أن الذين لا يذعنون للحق، هم أفراد يسعون لحل عرى المجتمع، ولهم دور مهم في إِفساده.

الجهل والإِنكار:

كما يستفاد من الآيات أعلاه أنّ قسماً مهمّاً من مخالفة الحق ومحاربته تنبع عادة من الجهل، ولهذا السبب قالوا: عاقبة الجهل الكفر!

إِنّ أوّل مهمّة تقع على عاتق كل إِنسان يطلب الحق أن يتريت في مقابل ما يجهل، يتحرك صوب البحث ثمّ وتحقيق كل جوانب المطلب الذي يجهله، وما لم يحصل على الدليل القاطع على بطلانه فلا ينبغي له رفضه، كما أنّه لا ينبغي له قبوله والاعتقاد به إِذا لم يحصل لديه دليل قاطع على صحته نقل العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان حديثاً رائعاً عن الإِمام الصادق(عليه السلام) في هذا الباب، حيث يقول «إِنّ الله خص هذه الأُمّة بآيتين من كتابه: أن لا يقولوا إلاّ مايعلمون، وأن لا يردوا ما لا يعلمون، ثمّ قرأ: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلاّ الحق}، وقرأ في الآية 39 من سورة يونس : {بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه}(2).

العُمي والصُمّ:

تتابع هذه الآيات البحث الذي مرّ في الآيات السابقة حول إِنكار وتكذيب المشركين، وإِصرارهم على ذلك، فقد علّمت الآية الأُولى النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) طريقة جديدة في المواجهة، فقالت: { وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ }.

إِنّ لإِعلان الترفع وعدم الإِهتمام هذا، والمقترن بالإِعتماد والإِيمان القاطع بالمذهب، أثراً نفسياً خاصاً، وبالذات على المنكرين المعاندين، فهويفهمهم بعدم وجود أي إِجبار وإِصرار على قبولهم الدعوة الإِسلامية. بل إِنّهم بعدم تسليمهم أمام الحق سيحرمون أنفسهم، ولا يضرون إلاّ أنفسهم.

وقد ورد نظير هذا التعبر في آيات أُخرى من القرآن، كما نقرأ في سورة الكافرون: {ولكم دينكم ولي دين}.(الكافرون ،6)

ومن هذا البيان يتّضح أن محتوى مثل هذه الآيات لا ينافي مطلقاً الأمر بالتبليغ أوالجهاد في مقابل المشركين كيما تعتبر مثل هذه الآيات منسوخة. بل إنّ هذا نوع من المواجهة المنطقية عن طريق عدم الإكتراث لهؤلاء الأشخاص المعاندين.

وتشير الآيتان التاليتان إِلى سبب انحراف هؤلاء وعدم إِذعانهم للحق، وتبيّن أنّ التعليمات الصحيحة، والآيات المعجزة التي تهزّ الوجدان والدلالات الأُخرى الواضحة لا تكفي بمفردها لهداية الانسان، بل إِنّ استعداد التقبل ولياقة قبول الحق لازمة أيضاً، كما أنّ البذر لوحده ليس كافياً لإنبات النبات والأوراد، بل إِنّ الأرض بدورها يجب أن تكون مستعدة. ولهذا قالت الآية: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ(3) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لَا يَعْقِلُونَ}.

وهناك فئة ثانية يشخصون بأبصارهم إِليك، وينظرون إِلى أعمالك المتضمنة أحقيتك وصدق قولك، إلاّ أنّهم عمي لايبصرون: { وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ(4) أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ}.

ولكن إعلم وليعلم هؤلاء أنّ قصور الفكر هذا، وعدم البصيرة والعمى عن رؤية وجه الحق، والصمم عن سماع كلام الله ليس شيئاً ذاتياً لهم نشؤوا عليه منذ ولادتهم، وإِنّ الله تعالى قد ظلمهم، بل إِنّهم هم الذين ظلموا أنفسهم بأعمالهم السيئة وعدائهم وعصيانهم للحق، وعطلوا بذلك عين بصيرتهم وأذن أفئدتهم عن سماع الحق واتباعه، فـ {إِنّ الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون}.

__________________

1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج5 ،ص482-485.

2- تفسير مجمع البيان، ذيل الآية 39 من سورة يونس، وأصول الكافي،ج1،ص43.

3- في الحقيقة هناك جملة مقدرة في هذه الآية تقديرها: «كأنّهم صُمً لا يستمعون».

4- هنا أيضاً جمله مقدرة هي: كأنّهم عمي لايبصرون.

 

 

 

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .